الجهاد المقدس

calendar icon 20 نيسان 1971 الكاتب:موسى الصدر

أدلى سماحة الإمام الصدر بهذا الحديث الصحفي خلال وجوده في القاهرة لحضور المؤتمر السادس لمجمع البحوث الاسلامية، حيث قام أثناءها بزيارة مدينة السويس وتفقد الجبهة ومخاطبة الضباط والجنود. وفيما يلي المقال المنشور في عدد صحيفة "المحرر" البيروتية الصادر بتاريخ 20/4/1971.)
*الجهد السياسي لا يقل أهمية عن الجهد العسكري في المعركة مع اسرائيل.
*القضية الفلسطينية لا تعالج إلا من خلال المقاومة الفلسطينية.
*دعم المقاومة الفلسطينية يساوي كل الجهود السياسية والعسكرية الأخرى.
*أخطاء المقاومة لا تستوجب عقوبة الإعدام بحقها أو القضاء عليها.
*لبنان مهدّد من قبل اسرائيل، بجنوبه واقتصاده وسيادته وتاريخه وآثاره ومسلميه ومسيحييه.
*أعلق أهمية كبرى على اقتراحي توحيد الشعائر الدينية للمسلمين.
كان من المقرر أن يعود الى بيروت أمس سماحة الامام السيد موسى الصدر رئيس المجلس الأعلى للطائفة الاسلامية الشيعية. ولكن تأجيل انتهاء المؤتمر السادس للبحوث الاسلامية الذي ينعقد في القاهرة الآن أدى الى تأخر عودة الامام الصدر بضعة أيام.
وقد أدلى الامام الصدر أمس بحديث شامل تناول فيه الاقتراحين اللذين قدمهما الى المؤتمر، وأولهما يتعلق بالجهاد من أجل المسلمين ودعم الجهاد المقدس وثانيهما يتعلق بتوحيد الشعائر الدينية.
وعرض الامام الصدر تطورات المعركة مع اسرائيل فأشار الى أن القضية الفلسطينية لا تعالج الا من خلال المقاومة الفلسطينية وأن الموقف لا يحتمل كثيراً من الجدل.
قال الامام الصدر إن الجهاد مسألة عسكرية وسياسية وفي نفس الوقت يحتاج الى إمكانات مالية وبشرية. والمسلم حينما يسمع بإعلان الجهاد لا يتمكن من تنفيذ الحكم عندما تمتنع حكومته عن تلبية هذا النداء المقدس. ولذلك فعلينا أن نوجه أولاً النداء الى الحكومات ثم نخاطب الشعب المسلم في حال تخلف الحكومات عن الجهاد ونطلب منه تنفيذ الواجب. وبإمكان المسلم مثلاً أن يشترك في تمويل المعركة عن طريق شراء سندات الجهاد وعن طريق المساهمة المالية لدعم المجاهدين، فقد قال الحديث الشريف: "من جهّز غازياً فقد غزا".
إصدار سندات للجهاد
وأضاف:
"بخصوص المساعدات المالية في الجهاد المقدس فمنذ أن حدثت المحنة عام 1967 والى الآن فإن كثيراً من إخواننا في لبنان وكثيراً من المهاجرين في افريقيا الغربية قاموا بتقديم مساعدات مالية للمجهود الحربي العربي ولدعم المقاومة الفلسطينية.
ونحن الآن في انتظار صدور سندات الجهاد لكي نبذل جهداً واسعاً في توزيعها بين المواطنين الذين يرغبون في المشاركة في المعركة.. كما أن الكثير من شبابنا أعلنوا عن استعدادهم للتطوع عند الطلب، ولكن العمل الفعال لا يتم كما قلت دون وضع أسس موحدة لأوضاع هؤلاء المتطوعين.. العمل الفعال لا يمكن أن يكون إقليمياً أو محلياً بهذا الخصوص".
توحيد الشعائر الدينية
وتحدث الامام الصدر عن اقتراحه القاضي بتوحيد الشعائر الدينية فقال: ان المقصود بالشعائر، الأحكام التي تنعكس على الجماهير وتبرزها بصورة مختلفة وأحياناً متناقضة.. وتوضيحاً للفكرة علينا أن نعرف أن المذاهب الفقهية الاسلامية المختلفة.. هي في خدمة الفكر الاسلامي. ولا خطر من وجودها حيث أن تفاوت المذاهب يجعل الأحكام الدينية أكثر مرونة وأسهل للتطوير والاجتهاد. ولكن الخطر في انعكاس هذه الأحكام على وحدة الأمة.. مثلاً.. اختلاف آراء المسلمين في العيد وفي الصيام وتفاوت فتاوى علمائهم في شكل الأذان والجماعة ومناسك الحج ولو بصورة جزئية.. كل هذا يؤدي الى التفرقة على صعيد جماهير المسلمين الذين يحتاجون الى مظاهر الوحدة.
"من أجل هذا وبعد دراسة مسبقة عن إمكانية توحيد الشعائر اقترحت على المؤتمر تشكيل لجنة من علماء المسلمين لوضع أسس لتوحيد هذه الشعائر.. وبالفعل فقد وافق المؤتمر على هذا الاقتراح وأحاله للدورة الحالية للمجمع لدراسته والموافقة عليه ثم لتنفيذه في المؤتمر القادم..
وإني أعلق أهمية كبرى على تنفيذ هذا الاقتراح وأعتبر أن أهدافه تتجاوز مسألة توحيد الشعائر الى إقامة قاعدة أكثر وحدوية وتفاعلاً بين المسلمين.."
تطورات المعركة مع اسرائيل
وانتقل الامام الصدر بعد ذلك الى الحديث عن تطورات المعركة مع اسرائيل فقال:
"رأيي الخاص أن المعركة ليست محصورة في الجانب العسكري وقد قرأنا منذ سنوات تصريحاً لـ "بن غوريون" قال فيه إن نجاحنا في تأسيس اسرائيل كان بنسبة 69 بالمئة سياسياً و 4 بالمئة عسكرياً.. وبعد ذلك تلاحظ أن قوة اسرائيل العسكرية والمالية تعتمد على المساعدات الخارجية التي تخضع للجهود الاعلامية والدبلوماسية ولذلك فلا يمكن لنا أن نعتمد على الجانب العسكري فقط ونترك الجوانب الأخرى.. وعلى هذا الأساس أرى أن الجهد السياسي لا يقل عن الجهد العسكري وفي نفس الوقت لا يمكن الاعتماد على الجانب السياسي فقط فالمشكلة كما قلت ذات جوانب متعددة.."
إن الجهود السياسية التي بذلت من قبل الجمهورية العربية المتحدة أثّرت الى حدّ كبير في خلق عزلة سياسية لإسرائيل.. ولكنّنا لا نتوقع أن تتغيّر الأمور رأساً على عقب خلال فترة وجيزة لأن الجهود الاسرائيلية قديمة وعلى ذلك فإني أرى أن العمل العسكري في هذه الظروف وبعد بذل هذه الجهود سوف يكون أنجح وسيجد طابعاً إنسانياً شريفاً لدى الرأي العام العالمي. باختصار إن الجهود السياسية والعسكرية والإعلامية الى جانب نشاط المقاومة المتزايد اذا استمرت فسوف نربح المعركة في وقت غير طويل".
أحداث الأردن
وعن رأيه في الأحداث التي وقعت أخيراً بين السلطة الأردنية والمنظمات الفدائية يقول الامام الصدر: إن القضية الفلسطينية بصورة خاصة لا تعالج إلا من خلال المقاومة الفلسطينية وحتى بالنسبة للأراضي العربية المحتلة فإن المقاومة عنصر اساسي وضرورة ملحّة لا غنى عنها ولذلك فدعمها يساوي الجهود السياسية والعسكرية الأخرى.
الأخطاء لا تستوجب الاعدام
ويضيف الامام الصدر قائلاً:
"نحن لا ننكر أن هناك أخطاء تصدر عن بعض المنظمات ولا نعتبر أن الفدائيين معصومون عن الخطأ وقد اعترف بذلك المؤتمر الوطني الأخير الذي انعقد في القاهرة. ولكن نقول إن هذه الأخطاء لا تستوجب عقوبة الإعدام والقضاء على المقاومة وعلى حركة من أشرف الحركات العربية والإنسانية".
الموقف لا يحتمل الجدل
"إن الموقف لا يحتمل كثيراً من الجدل والإدانة كما لا يحتمل التسويف وترك الأمور تسير خلال الظروف التي تكونت في الأردن. ولذلك فالوضع مهما كان يستوجب من العرب والمسؤولين قادة وشعوباً إنقاذ الوضع والحفاظ على المقاومة وقد اتخذ مؤتمر المسلمين قراراً حاسماً بهذا الشأن وشفعه بخطوة تنفيذية وهي إرسال وفد غير عربي الى الأردن لبذل الجهود ووضع الحد للمأساة".
تهديدات اسرائيل للبنان
وتحدث الامام الصدر عن تهديدات اسرائيل للبنان فقال:
"إن لبنان مهدد قبل أي دولة عربية أخرى من قبل اسرائيل.. بجنوبه واقتصاده وسيادته ومسلميه ومسيحييه حتى وتاريخه وآثاره.. ولذلك فالوضع الآن يختلف عن السابق.. ومن حسن الحظ فإن لبنان يملك إمكانات أرضية وبشرية وصداقات وعلاقات دولية وعواطف حضارية مؤهلة للقيام بدور فعال في هذه المعركة..
إن معلوماتي عن الوضع القائم في لبنان إنه يبارك بصورة جدية وعلنية مجهود الجمهورية العربية المتحدة في الحقلين السياسي والدفاع والذي يمثل النسبة الكبرى من الجهد المبذول في العالم العربي.. كما أن نشاط الدبلوماسية اللبنانية في العالم، متجه لتأييد مواقف الجمهورية العربية المتحدة. وعلى الصعيد الداخلي أعتقد أننا لا نشعر بمشكلة بالنسبة الى نشاط المقاومة.. إننا نذكر في هذا المقام كلاماً للزعيم اللبناني الكبير الأستاذ حميد فرنجيه عام 1953 عندما قال "إنه على لبنان أن يؤكد أنه من أكثر الشعوب العربية إخلاصاً وصفاء وعطاء".. أما الرئيس الأستاذ سليمان فرنجيه فإن موقفه قبل الرئاسة وبعد الرئاسة تجاه المشكلة الفلسطينية لم يتغير وهو التأييد.. ولذلك لا أعتقد أن هناك أي تخوّف بالنسبة الى مستقبل لبنان في المستقبل..".

المحرر البيروتية، صحيفة