المذاهب الإسلامية

calendar icon 15 أيار 1971 الكاتب:موسى الصدر

("مجلة الاذاعة والتلفزيون" القاهرية - العدد 1887، 15/5/1971، جرى الحوار أثناء انعقاد المؤتمر السنوي لمجمع البحوث الاسلامية ....)

*الفريقان يقيمان صلتهما بالاسلام على الايمان بكتاب الله وسنة رسوله ويتفقان على الأصول الجامعة لهذا الدين.
*موقفنا من الغلاة هو موقف جمهور المسلمين:
1) فمن ألّه غير الله فقد كفر.
2) ومن كفّر مسلماً فقد كفر.
3) ومن أيقظ الفتنة فهو ملعون.
*لا جدال بين علماء المسلمين - سنة وشيعة - في أصل مشروعية الزواج المؤقت، لكن الخلاف بينهم في بقائه بعد عهد النبي (ص).
*يبكي الشيعة الحسين لأنهم أسهموا في خروجه، ولم يتح لهم نصرته.
*إن موت الحسين لم يكن سياسياً بل استشهادياً، غاية في النبل وأصالة التضحية من أجل المبدأ.
*إبعاد الشيعة عن بقية إخوانهم من المسلمين لا علاقة له بالدين.
*إن الفروق بين الشيعة وإخوانهم يتحملها قلب الاسلام وسماحته.
*إن تفاوت المذاهب واختلافها يخدم الفكر الاسلامي.


الامام موسى الصدر، رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان.. رجل فارع الطول، ملامح وجهه متناسقة، صوته هادئ.. يبتسم دائماً.. بدأ الحوار بيننا واستغرق جلستين متتاليتين في غرفته بفندق شيراتون.. وخلال هذا الحوار لجأ إمام الشيعة الى عدد من المراجع والكتب لكي يرد على أسئلتي لأنها كما قال يمكن أن تفتح الباب واسعاً أمام حوار بين الشيعة والسنة يزيل ما يشوب نظرة كل منهما الى الآخر.

لفت نظري تلك العمامة السوداء فوق رأسه.. سألته:
*لماذا هذه العمامة السوداء؟ هل هي رمز للحزن الأبدي على مقتل الحسين؟

- في الوقت الحاضر تعتبر العمامة السوداء شعاراً لأمثالي من علماء الشيعة الذين انحدروا من الذرية النبوية الشريفة، أما العلماء الآخرون فهم يلبسون فوق رؤوسهم عمائم بيضاء، مع العلم أن شعار العلويين في سابق الزمن كان العمة الخضراء. أما العمة السوداء فكانت شعار العباسيين...

*على الرغم من أن العباسيين أول من انقلبوا على الشيعة بعد أن استغلوهم للوصول الى الحكم؟
كأني ذكرته بشيء مؤلم... سكت لحظة ثم قال:
- لا أعرف على وجه الدقة كيف تطور ذلك تاريخياً...

*ما هي العلامات الخاصة بالشيعة والتي تميزهم عن غيرهم من الفرق الإسلامية الأخرى؟
- لا يعنيني في الإجابة على هذا السؤال إلا ما يتصل بالشيعة الإمامية وإخوانهم أهل السنة دون غيرهما من بقية الفرق الإسلامية باعتبارهما الأغلبية العظمى للمسلمين.• وقبل التعرض لموضوع السؤال فإنني أستعير لتحديد الصلة بين الفرقتين ما قاله الأستاذ أحمد حسن الباقوري في تقديمه لكتاب "المختصر النافع في فقه الإمامية" إذ يقول "إن الفريقين يقيمان صلتهما بالاسلام على الإيمان بكتاب اللَّه وسنة رسوله ويتفقان إتفاقاً مطلقاً على الأصول الجامعة في هذا الدين"... أما ما يختلفان فيه فلا يعدو أن يكون فقهياً أو سياسياً...
ففيما يتصل بالناحية الفقهية، فإن الشيعة الإمامية جميعاً - وهم يزيدون على المئة مليون في العالم - يتعبدون وفق مذهب أهل البيت، بينما أهل السنة موزعون بين أربعة مذاهب على الأقل وفي هذا يقول الأستاذ الباقوري أيضاً: "وعندما ندخل مجال الفقه المقارن ونقيس الشقة التي يحدثها الخلاف العلمي بين رأي ورأي أو بين تصحيح حديث وتضعيفه نجد أن المدى بين الشيعة والسنة، كالمدى بين المذهب الفقهي لأبي حنيفة والمذهب الفقهي لمالك أو الشافعي ونحن نرى الجميع سواء في نشدان الحقيقة وإن اختلفت الأساليب، ونرى أن الحصيلة العلمية لهذا الجدل الفقهي جديرة بالحفاوة وإمعان النظر وإحسان الدراسة، فهي تراث علمي مقدور ومشكور".
وفيما يتصل بالناحية السياسية فإن الشيعة الإمامية يرون أن الخلافة بعد النبي (ص) كانت لعليّ رضي الله عنه دون غيره بالنص عليه من الرسول (ص) بينما لم يلتزم أهل السنة بذلك.

*قلت للإمام موسى الصدر: كثير من الكتاب وأهل الرأي يرون أن الشيعة، إتخذت من المشاكل التي ثارت على الخلافة فرصة لتحطيم الشخصية العربية، وإزاحة الحكم العربي. وهذا ما يفسر انتشار الدعوة الشيعية بين الموالي الذين كانوا يهدفون الى تحطيم السيطرة العربية.. فما رأي سيادتكم في الاتهام الموجه للشيعة بأن نشأتها كانت بهدف تحطيم السيطرة العربية؟
- لا ارتباط بين نشأة الشيعة وما يشير اليه السؤال من وجود رغبة عند الموالي في تحطيم السيطرة العربية، وذلك من جهات ثلاث:
الأولى أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم هو أول من سمى أصدقاء عليّ وتلامذته باسم "الشيعة" وذلك حسبما نقل السيوطي في "الدر المنثور"..
والثانية أن إنتشار التشيع كان عقب إنتهاء اجتماع السقيفة مباشرة والاستقرار على اختيار أبي بكر (رضى اللَّه عنه) للخلافة.. ولزم عليّ رضي اللَّه عنه بيته ولم يبايع، وانحاز إليه وجوه الصحابة من العرب أمثال أبي ذر الغفاري وحذيفة بن اليمان وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين، وعمار بن ياسر وأبي أيوب الأنصاري، وخالد بن سعيد بن العاص الأموي وقيس بن سعد بن عبادة الخزرجي فضلاً عن جميع بني هاشم وعلى رأسهم العباس بن عبد المطلب عم النبي (ص)...
والثالثة أن الدعوة الى سيطرة العروبة على الدولة لم تنشأ إلا في العهد الأموي أي بعد نشأة التشيع بأكثر من أربعين عاماً. مما مكن للعباسيين - وليسوا شيعة - إعتماداً على الموالي أن يقضوا على الأمويين ويقيموا الدولة العباسية على أنقاضهم فكيف بعد هذا كله ترتبط نشأة المجتمع باتجاه الموالي الى تحطيم السيطرة العربية؟

*ينفي الكثيرون من علماء المسلمين أن يكون الرسول (ص) قد أوصى بالخلافة الى عليّ أو لأي أحد من آل بيته. لأنه كان يرى أن الخلافة ينبغي أن تكون شورى بين المسلمين جميعاً. وهذا ينفي تماماً ما تقوله الشيعة من أن الرسول أوصى لعليّ في "غدير خم".. فهل كانت الخلافة من حق عليّ وبنيه من بعده؟ وما هي حقيقة وصية غدير خم؟
- فيما يتعلق بأن الخلافة كانت بالفعل من حق عليّ (رضي اللَّه عنه) أقتصر هنا على ثلاثة أحاديث من مرويات أهل السنة.
الأول: ما رواه أحمد في مسنده أن النبي (ص) قال لعشيرته الأقربين في مكة يوم الدار "قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة. وقد أمرني اللَّه أن أدعوكم اليه. فأيُّكم يؤازرني على هذا الأمر فيكون أخي ووصيي وخليفتي؟ فقام عليّ وقال أنا يا رسول اللَّه.. فأخذ النبي (ص) برقبته وقال لهم: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا".
الثاني: حديث يوم الغدير حيث جرت البيعة لعليّ بالخلافة من بعد النبي (ص) حينما قال لهم "هذا عليّ خليفتي ووصيي ووارثي من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا.. ألا من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه وأنصر من نصره وأخذل من خذله" ثم قال بعد ذلك "فليبلغ الشاهد منكم الغائب"... وقد روى الإمام أحمد في مسنده بعد ذكر واقعة غدير خم "أن أبا بكر وعمر كانا من السابقين الى بيعة عليّ وقد قال له عمر: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب. أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة".
والثالث: ما ذكره الخطيب البغدادي في تاريخه والسيوطي في الدر المنثور، وكثير غيرهما من أن آية "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً" [المائدة/3] نزلت في هذا اليوم، أي بعد تمام الولاية لعليّ (رضى اللَّه عنه) من قبل النبي (ص) في يوم غدير خم.
وأما فيما يتعلق بأن الخلافة من بعد عليّ تكون لبعض بنيه ثم لبعض أبنائهم من بعدهم فذلك عندنا كان بالنص عليهم من الرسول (ص) مما يشهد له مرويات كثيرة من طرق أهل السنة ومنها ما روي في كتاب "فرائد السبطين" للشيخ الجويني الشافعي بسنده عن إبن عباس، قال (ص): "أن وصيي علي بن أبي طالب وبعده سبطاي الحسن والحسين يليهما تسعة أئمة من صلب الحسين" الحديث.
وأما حقيقة وصية غدير خم فيما رواه زيد بن أرقم، في حديث صحيح على شرط الشيخين قال: لما رجع رسول اللَّه (ص) من حجة الوداع ونزل عند غدير خم أمر بأقتاب الإبل فجمعت واتخذ منها منبراً فصعد عليه فقال: "كأنّي قد دعيت فأجبت، إني قد تركت فيكم الثقلين. أحدهما أكبر من الآخر. كتاب اللَّه وعترتي. فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض"، ثم قال "أن اللَّه عز وجل مولاي. وأنا مولى كل مؤمن. ثم أخذ بيد عليّ فقال: من كنت مولاه فهذا عليّ وليه. اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه" وزاد أحمد في مسنده ما سبق أن أشرنا إليه وقد اعترف الحافظ السيوطي بتواتره. وكيف لا يكون متواتراً وقد زادت طرقه على مائة ورواه أكثر من سبعين صحابياً؟

*اتخذ بعض الغلاة من الشيعة عدة مواقف شاذة وغريبة كانت خروجاً صريحاً عن الدين ومحاولة وثنية.. بعضهم "ألّه علياً" واعتبر أن روح اللَّه حلت فيه. بل إعتبروه اللَّه نفسه.. وبعضهم وصل به الكفر الى القول بأن النبوة لم تكن من حق سيدنا محمد (ص)، وإنما كانت من حق علي بن أبي طالب، وكل ما حدث هو خطأ من جبريل، إذ أنه كان عليه أن يبلغ الرسالة الى عليّ فأخطأ وقام بإبلاغها الى محمد.. كذلك ذهب بعضهم الى اتخاذ موقف خطير حين كفّروا أبا بكر وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان.. فما هو موقفكم من هؤلاء؟
- موقفنا من هذه الأصناف الثلاثة من الغلاة هو موقف جمهور المسلمين دون تفاوت. أما فيما يتعلق بمن جعلوا علياً إلهاً فردُّنا عليهم أن علياً بشر مخلوق وليس بإله. ومن ألّه غير اللَّه فقد كفر.. وأما بالنسبة لمن ينسبون الخطأ لجبريل في إبلاغ الرسالة فإننا نؤمن بأن الرسالة هي لمحمد (ص) وأن علياً بالنسبة إليه ليس إلا خادماً له كما هو قول عليّ نفسه: "أنا خادم محمد كنت أخيط ثوبه، وأخصف نعله". ثم أنه طعن في ذات اللَّه تعالى عن ذلك.. وأما فيما يتعلق بمن يكفر أبا بكر وعمر وعثمان (رضي اللَّه عنهم) نقول: من كفر مسلماً فقد كفر ثم أن هذا تخطئة لنبي الاسلام الذي قبل إسلامهم واعتمد عليهم في مهمات اسلامية ناهيك عن أن هذا كله نوع من الفتنة ومن أيقظها فهو ملعون..

*هناك آراء تقول بأن علياً لم يكن رجلاً سياسياً يصلح لقيادة الدولة بينما كان معاوية بن أبي سفيان هو رجل الأقدار. فما رأيكم؟
- يجيب عن ذلك الأستاذ العقاد في كتابه عبقرية الإمام بقوله: "والحق الذي لا مراء فيه أنَّه - أي عليّ - كان على نصيب من الفطنة النافذة لا ينكره منصف وأنه أشار على عمر وعثمان أحسن المشورة في مشكلات الحكم والقضاء وأنه كان أكثر الخلفاء شبهاً بالباحثين والمنقبين أصحاب الحكمة ومذاهب التفكير. وكان يفهم أخلاق الناس فهو العالم المراقب لخفايا الصدور.. هذا متفق عليه لا يكثر فيه الخلاف. ثم يفترق الناس في رأيهم رأيين وإن لم يكونوا من الشائنين المتحزبين. فيقول أناس: أنه كان على قسط وافر من الفهم والمشورة. ولكنه عند العمل لا يرى ما تقضي به الساعة الحازبة ولا ينتفع بما يراه، ويقول أناس: بل هو الاضطرار والتحرج يقيدانه ولا يقيدان أنداده. وأنهم لدونه في الفطنة والسداد، وهو، رضي اللَّه عنه، قد اعتذر لنفسه بمثابة من هذا العذر حين قال: "واللَّه ما معاوية بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس"، وفي هذا المعنى أيضاً يروي ابن الأثير في النهاية عن الإمام علي رضى اللَّه عنه قوله: "قد يرى الحول القلب وجه الحيلة، ولكن دونها حاجز من تقوى اللَّه" مما يؤكد أن علياً - وهو يخدم الدين - لم يقبل أن يضحي به في سبيل نصر زائل، كشأن أصحاب المبادئ والمثل، بينما معاوية وهو يبغي تأسيس ملك، لم يتورع أن يضحي في سبيله بأي شيء ولو كان هذا الشيء هو الدين!.

*ما رأيكم في زواج المتعة.. وهو الزواج المحدد بوقت معين، كأن يتزوج الرجل ــ وهو على سفر - إمرأة بعقد لمدة شهرين.. هذا حلال في نظركم أم حرام؟
- لا جدال بين أحد من علماء السنة والشيعة في أصل مشروعية زواج المتعة وجوازه في عهد النبي (ص) ولكن الخلاف بينهم في بقائه. فبينما يرى فقهاء أهل السنة أنه نُسخ أي أصبح حراماً يرى فقهاء الشيعة أنه لا يزال باقياً مستندين في ذلك الى الكتاب والسنة. أما الكتاب فقوله تعالى: "فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة"[النساء/42] آية محكمة لم تنسخ ووافقهم على ذلك جماعة من الصحابة والتابعين. قال إبن حزم: "ثبت على إباحتها بعد رسول اللَّه (ص) ابن مسعود، وأبو مسعود وابن عباس ومسلمة ومعبد إبنا أمية بن خلف، وجابر وغيرهم. ورواه جابر عن جميع الصحابة مدة رسول اللَّه (ص) وأبي بكر وعمر رضي اللَّه عنهما الى قرب آخر خلافة عمر، ثم قال: ومن التابعين طاووس وسعيد بن جبير وعطاء وسائر فقهاء مكة".
ونسب شيخ الإسلام المرغينائي القول بجواز المتعة الى مالك مستدلاً عليه بقوله: "لأنَّه كان مباحاً فيبقى الى أن يظهر ناسخه" ومن يراجع كتاب الأستاذ أحمد حسن الباقوري "مع القرآن" عن مناقشته لهذه الآية يجد تفصيل الأقوال حول هذا الموضوع بإفاضة وقد انتهى الى القول بأن هذا النوع من الزواج وهو "زواج المتعة" جائز في مواجهة ضرورات هذا العصر.
كانت أصعب نقاط الحديث مع الإمام موسى الصدر زعيم الشيعة في لبنان هي تلك النقاط الخاصة بالحسين.. والتي كان الحزن يعلو وجهه ويتبدى في صوته عند ذكر الحسين.

*أرسلت شيعة الكوفة بالرسائل والرسل تستدعي الحسين من مكة ليحضر للكوفة لمواجهة سلطان بني أمية. ووعدته بأن تنصره ولكن حين وصل الحسين هو وآل بيته وجد نفسه وحيداً أمام الجيش الأموي.. وحدث ما حدث في كربلاء. لقد خذلت الشيعة الحسين ولكنها عادت فبكت عليه.. فكيف تفسرون هذا الموقف وكيف تفسرون مظاهر الندم والألم العنيف التي تصاحب احتفالات الشيعة في عاشوراء يوم مقتل الحسين؟
- لم تكن شيعة الحسين بالكوفة وحدهم هم الذين كاتبوا الحسين ليخرج اليهم. ولكن المجتمع الكوفي كله بجميع فئاته وفرقه بما فيهم العثمانيون (يقصد أنصار عثمان بن عفان) والخوارج وغيرهم اشتركوا في هذه الدعوة حتى إذا ما انكشف الأمر فإن يزيد بن معاوية أمر عبيد اللَّه بن زياد عامله على الكوفة أن يتتبع شيعة الحسين ويضعهم في السجون حتى بلغ عدد المسجونين من وجوههم إثني عشر ألفاً. ومن ثم كان الذين أخرجوا من أهل الكوفة لقتال الحسين خليطاً من الشيعة وغيرهم وقد انضم بعضهم إلى الحسين قبل اللقاء واستشهدوا بين يديه، وقد أفلت بعضهم وتسللوا فلحقوا بالحسين من أمثال حبيب بن مظاهر ومسلم بن عوسجة وَبُرَيْر بن خضير وعابس بن شبيب الشاكري وغيرهم. ومن ثم فكون الشيعة بعد ذلك يبكون الحسين في عاشوراء وغيرها فلأنهم يرون أنهم أسهموا في خروجه ولم يتح لهم أن يقفوا الى جواره فينصروه حينما خذله وقاتله سواهم من الذين دعوه للخروج.. إنهم يبكونه تكريماً لبطولته وتضحيته.. وتحية لجهاده المقدس وإعتزازه بإبائه وكرامته.

*ذهب الحسين الى الكوفة ليقضي على السلطة الأموية.. وحتى يكون الحكم له... ولكن الحسين حين وصل الى كربلاء وجد أن أنصاره قد انفضوا عنه، فهل يعتبر موت الحسين استشهاداً أم أنه قتيلٌ سياسيٌٌ يسعى للخلافة وبالتالي فإن موته يعتبر موتاً سياسياً.. وما رأيكم في موقف الحسين حين رأى نفسه وحيداً أمام الجيش الأموي.. فقد عرض على قائد الجيش الأموي بعد أن رأى أن أنصاره قد انفضوا عنه وتركوه وحيداً ــ عرض ثلاثة أمور.. إما أن يتركوه يعود من حيث أتى وإما أن يذهب الى ثغر من ثغور المسلمين يجاهد في سبيل اللَّه. أو يذهب الى يزيد بن معاوية فيرى منه رأيه.. ألا يعتبر ذلك نوعاً من التراجع في موقف الحسين؟
- سندع الحسين نفسه يضع النقط فوق الحروف. ثم نترك للقارئ الحكم على مقتل الحسين.. هل كان موتاً سياسياً أو كان استشهاداً لا شك فيه؟!... وأما فيما يتعلق بالغرض من خروجه من مكة الى العراق فقد بينه الحسين بقوله "أني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً. وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي. أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر فمن قبلني بقبول الحق فاللَّه أولى بالحق، ومن رد عليَّ هذا، أصبر حتى يحكم اللَّه بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين".
وأما فيما يتعلق بأنه كان يبتغي الخلافة من هذا الخروج فلا يتفق مع تأكده - من قبل خروجه - أنه مقتول لا محالة، مما ينطق به ما جاء على لسانه في مناسبات عدة نكتفي منها بثلاث...
أولاها، وكانت قبل خروجه من مكة فعلاً، عندما ذكر في كتابه الى بني هاشم يغريهم بالخروج معه قوله: "من لحق بنا منكم استشهد ومن تخلف لم يبلغ الفتح".
وثانيتهما، ما جاء في خطبته عند خروجه من مكة في قوله: "كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء فيملأن مني أكراشاً جوفاً وأجربة سغباً، لا محيص عن يوم خُطَّ بالقلم".
وثالثتهما، ما جاء في كلامه لأنصاره في الليلة التي تحدد صباحها للمعركة الفاصلة من قوله "ألا وأني أظن يومنا من هؤلاء الأعداء غداً وأني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حل، ليس عليكم من ذمام وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي، فجزاكم اللَّه جميعاً خيراً، وتفرقوا في سؤدكم ومدائنكم. فإن القوم إنما يطلبوني ولو أصابوني لذهلوا عن طلب غيري".
... وأما فيما يتعلق بأنه عرض - فيما عرض - أن يذهب الى يزيد ليرى فيه رأيه. فإن الحسين يكذب هذا الزعم. إذ يقول حينما صمم قائد جيش يزيد على تخييره بين أمرين، اما أن يستسلم ويبايع يزيداً واما القتال، قال "ألا وان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة، يأبى اللَّه لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وحجور طهرت وأنوف حمية ونفوس أبية، من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، ألا واني قد أعذرت وأنذرت، ألا وإني زاحف بهذه الأسرة على قلة العدد وخذلان الناصر"...
وأما فيما يتعلق بعرضه أن يتركوه يرجع من حيث جاء أو يذهب الى اليمن مع تأكده من أنهم لن يستجيبوا إليه فلكي يقيم الحجة عليهم أمام الأمة بأنهم كانوا مصممين على أن يتخلصوا منه بالقتل..
فهل ترون مع ذلك كله أن موته لم يكن استشهاداً رائعاً غاية في النبل وأصالة الفداء والتضحية من أجل المبدأ والعقيدة؟

*قلت له أخيراً أحب أن أسألك عن واجبك.. كيف ترى واجبك كزعيم للشيعة في لبنان خصوصاً في عبور الفجوة الموجودة بين الشيعة والسنة؟
- أن ما يقرب من مئة مليون شيعي من المسلمين بما لهم من طاقات وخبرات وبلاد وجامعات وإمكانات بشرية أخرى قد أُبعدوا في فترة طويلة من الزمن عن بقية إخوانهم من المسلمين لأسباب لم تمت الى الدين بصلة. وهذا العزل لا يخدم المسلمين بل يضعف قوتهم في ظروف يحتاجون فيها الى جميع طاقاتهم.. إنني أحاول من خلال إيضاح آرائهم وتوضيح مواقفهم أن أؤكد لجماهير المسلمين أنه لا داعٍ إطلاقاً لهذا الإبعاد والفصل، وأن الشيعة هم من خيرة المسلمين وأن الفروق المختلفة يتحملها قلب الإسلام وسماحته كما تحمل الخلافات القائمة بين المذاهب الإسلامية الأخرى، ناهيك أن تفاوت المذاهب واختلافها يخدم الفكر الإسلامي ويمكّن المسلم من أن يتحرك من خلال الآراء المختلفة، ولذلك فإني أؤكد لكم أنني على استعداد للاستمرار في هذا الحوار المقدس بين الشيعة والسنة بالجواب عن كل سؤال أو إيضاح أي إتهام أو توضيح أي غموض في مواقف الشيعة وآرائهم.

الإذاعة والتلفزيون - القاهرية، مجلة