السلام في لبنان

calendar icon 11 تشرين الأول 1977 الكاتب:موسى الصدر
في ذكرى حرب تشرين أدلى سماحة الإمام بهذا الحديث إلى جريدة "البعث" السورية، 11/10/1977.

* الحرب وضعت لبنان امام ثلاثة خيارات: استمرار الحرب، التدويل والتعريب.
* إنتقال العرب إلى لبنان كان سيؤدي إلى إنتقال الصراع العربي إلى الساحة اللبنانية.
* السلطات حاولت إيجاد السلام بمعزل عن الجنوب، وهذا كان مستحيلاً.
* تورط لبنان نتيجة لصراعات جزئية.
* الطائفية مرض لبنان، والإقطاع كان يستفيد منها.
* الضمانة الوحيدة لسلامة المجتع هي الإلتزام بالقيم المطلقة.


المقدمة: كانت "البعث" قد أجرت لقاءات عدة مع عدد من المسؤولين وبعض الشخصيات اللبنانية المهتمة بأزمة القطر الشقيق وحرصاً من "البعث" على نشر كل الآراء .. فكان لقاء اليوم مع سماحة الإمام موسى الصدر.

*ما تقييمكم للوضع الحالي في لبنان؟
- في الواقع إن الحرب اللبنانية إلى ما قبل الإهتمام السوري، والمباشرة السورية لمعالجة الأزمة، كانت الحرب مستمرة، وكان لبنان أمام ثلاثة خيارات هي:

الخيار الأول: إما أن تستمر الحرب والتذابح، وتتعمق مشاعر الإنفصال بين الفئات اللبنانية، ومن ثم يتقسم لبنان، وتقسيم لبنان لا يعني أن لبنان كان سينقسم إلى قسمين بل إلى أكثر.
بشكل عام لبنان كان يتمزق وليس كما كان يتصور البعض أنه سيقسم إلى قسمين، كما وأن استمرار التذابح كان يعمق هذه المشاعر التي تعتبر تحطيماً للبنان.

أما الخيار الثاني، فهو التدويل. والتدويل حتماً يكرس التقسيم، وهذا واضح، لأن المجتمع الدولي، والأكثرية الدولية لا يمكن ان تهتم بمصالح المنطقة، بل يتم إختيار الطريق الأسهل، وعندما يرى المندوبون الدوليون بأن هناك من يتحدث عن التقسيم يقرون شيئاً من التقسيم المرحلي، ثم يتكرس نهائياً. وهذا كان يدفع إليه بعض القادة في الأطراف المعنية بأزمة لبنان.

الخيار الثالث: التعريب. وهذا يعني أن يصبح التدخل العربي بشكل عام وبواسطة جميع الدول العربية، وهذا الأمر كان له خطورته لأن الصراعات العربية نحن نعرف أنها عنيفة وأحياناً تصل إلى درجة الحرب. إذن، إنتقال العرب إلى لبنان كان سيؤدي إلى إنتقال الصراع العربي إلى الساحة اللبنانية، وهنا تكمن المأساة، وبالتالي يعود التمزق ويصبح واسعاً وأكثر خطورة. ولذلك، الحل الوحيد كان الإهتمام السوري لإنقاذ لبنان.

هذه المرحلة، في الواقع، انتهت بالمبادرة السورية. ومنذ ذلك اليوم حتى يوم انتهاء الأزمة في الجنوب، بالإمكان إعتبار هذه الفترة مرحلة تجربة بإمكانية قيام السلام بمعزل عن الجنوب. هذه التجربة أيضاً فشلت والسلطات حاولت محاولات مضنية لعلها تتوفق في إيجاد السلام بمعزل عن الجنوب، وهذا كان مستحيلاً، لأن الأطراف المتصارعة في لبنان هي الأطراف المتصارعة في الجنوب. ومعنى ذلك أن الصراع لم ينتهِ، وإن كان قد انتهى في مكان، فهو باقٍ في مكان آخر، ولا يمكن ان نبدأ مرحلة ما بعد الحرب والصراع في منطقة من المناطق لا يزال موجوداً، سيما أن وجود الصراع في لبنان بشكل عام، وفي الجنوب بوجه أخص، يمكّن "إسرائيل" من التلاعب والضرب على التناقضات الموجودة. و"إسرائيل" لا شك أنها لم تكن ترغب بإيجاد السلام في لبنان، لأنها ورقة ضغط كبيرة في يدها. حتى نحن اعتبرنا أن حرب لبنان كانت رداً على حرب تشرين الأول (أكتوبر). لذلك لم يكن في لبنان سلام حقيقي، بل كان وقف لإطلاق النار، وعودة الحياة إلى طبيعتها التي تمت برعاية قوة الردع العربية. وإذا ما انسحبت قوات الردع العربية فيخشى من عودة التقاتل. إذاً، ما حصل بعد المبادرة السورية حتى الآن ليس سلاماً، وإنما منعاً للتذابح، منعاً للتقسيم، منعاً لتصفية الثورة الفلسطينية، وأمثال ذلك قائم في لبنان، لكن بشكل موقت، ومرتبط ببقاء الوجود العسكري السوري في لبنان.

ومع نهاية المشكلة في الجنوب حتماً تبدأ مرحلة السلام عند ذلك، ولا بد من تكريس المرحلة الأخرى بالوفاق السياسي، وطرح الصيغة اللبنانية الجديدة على الرأي العام، والعودة إلى الحياة الطبيعية السياسية والاقتصادية والثقافية.

إذن، تقييمنا للوضع في لبنان، هو أن لبنان في نهاية المرحلة الثانية، المرحلة التي تنتهي بوصول الجيش اللبناني إلى الحدود، وعند ذلك تبدأ المرحلة الثالثة، ألا وهي مرحلة السلام.

* هناك من يقول أن لا سلام في لبنان بوفاق عربي. هل توافق على ذلك؟
- في الواقع، هذا الكلام ليس صحيحاً بشكل مطلق، إنما هو صحيح بشكل نسبي، وبالضبط عندما لا تكون القوة الشرعية اللبنانية سائدة في جميع المناطق اللبنانية، عندما توجد منطقة فراغ في لبنان، لا شك أن الصراع العربي ينعكس، لأن الجزء الضعيف من الجسم يتأثر بسرعة. نحن في لبنان عانينا من الصراع العربي الكثير، والسبب واضح، ان المقاومة الفلسطينية التي هي أحد الأطراف الرئيسية في الأزمة اللبنانية، هكذا كانت وهذا الواقع مؤسف، كان يجب أن لا تكون هكذا، لكن كانت إما بفرض المعركة عليها وإما بأخطاء بعض أفرادها وقيادتها. وتأثر المقاومة الفلسطينية مادياً ومعنوياً بالعالم العربي أمر لا ينكر لأن سلاح المقاومة، وإعلام المقاومة وإمكانياتها المالية، ومعنويات المقاومة مرتبطة اليوم بضمائر العرب جميعاً. إذن هناك صراع في العالم العربي. هذا الصراع ينعكس على موقف المقاومة التي هي بدورها جزء أساسي من الأزمة اللبنانية. ولكن من سيطرة الشرعية اللبنانية، والسيادة اللبنانية الذاتية، او السيادة اللبنانية المستمدة من قوة الردع العربية لا فرق، عندما تسود السيادة كافة المناطق اللبنانية، والشرعية تسيطر على كافة المناطق اللبنانية، الصراع العربي تأثيره يصبح ضعيفاً جداً في لبنان.

في مرحلة غياب الدولة الصراع العربي كان واضحاً أنه يفتك في لبنان، وكثير من الأسلحة والأموال والإعلام والتحريض كان يأتينا من العالم العربي، وليس من إسرائيل وأميركا فقط وغيرهما. ولذلك، في الوقت الحاضر، الصراع العربي يؤثر جزئياً في الجنوب. أما مع وصول الجيش اللبناني إلى الحدود ودخول الجنوب في خارطة السيادة اللبنانية فيتقلص تأثير الصراع العربي على لبنان.

* هل بالإمكان قيام وفاق لبناني في ظل الدستور القائم حالياً؟
- لا شك أن الوفاق اللبناني ممكن أن يحصل في ظل الوثيقة الدستورية التي صدرت في دمشق.. لأن الخلاف اللبناني والصراع اللبناني لم يكونا ليؤديا إلى كل هذه النتائج لو كان اللبنانيون يعرفون ماذا يعملون!.. اللبنانيون والساسة في لبنان .. سابقاً كانوا يتصلون كثيراً وكثيراً، بالخارج وكانوا يستعينون بالسياسات الخارجية ويناورون في الداخل في صراعاتهم الذاتية .. هذه المرة كما يقولون "ما ظبطت" .. والقوى الخارجية التي كان يناور السياسي اللبناني عليها هي القوة التي ناورت مع السياسيين وبالتالي تورط لبنان نتيجة لصراعات جزئية .. وأعني ما أقول أن الصراعات اللبنانية كانت جزئية وكان يمكن أن تعالج بالحوار ويحل كل شيء.. ولكن القوى الخارجية المتصارعة، والتي كانت تقصد ضرب لبنان بسوريا والمقاومة الفلسطينية في آن معاً، استغلت هذا الوضع المتوتر الداخلي وفتكت بلبنان.

أما الآن إذا أراد اللبنانيون الخلاص من هذه الإرتباطات والعودة إلى مصلحة لبنان لا شك أنه في ظل أي وفاق وأي درجة من المبادئ العامة يمكن أن يعودوا إلى الوفاق .. يبقى السؤال الآخر .. أن في نهاية القرن العشرين ومع وجود لبنان في منطقة حساسة، هذه المنطقة التي تعيش الصراع الدولي بالإضافة إلى صراعاتها المحلية والتي هي كثيرة.. هل يمكن ان نؤسس من جديد مجتمعاً فيه ثغرات!..

الجواب .. يجب أن لا يكون .. أعني المجتمع الجديد الذي ستوضع أسسه في المستقبل القريب يشكل الحوار كما يقال وحسب تصوراتي حسب طرح الرئيس سركيس صيغة لبنان المستقبلية على الرأي العام يجب أن تكون صورة لا تترك ثغرة في المجتمع اجتماعية كانت أو سياسية حتى لا تتمكن منها القوى الدولية والعواصف التي تهب بهذه المنطقة دائماً .. وعلينا أن نعترف ان الأزمة اللبنانية علمت اللبنانيين خطورة التلاعب لهذه اللعبات الكبيرة التي كانت في المنطقة وأعتقد ان اللبنانيين أصبحوا أكثر تمسكاً بلبنانيتهم .. وأنا متفائل بالمستقبل ..

* ما رأيكم بالطائفية في لبنان؟
- قد تستغرب بأني رجل دين وأقول بأن الطائفية هي مرض لبنان .. لأن الطائفية في الواقع كانت تصبغ على الإقطاع هالة من القداسة .. لأن أبناء الطائفة لم يكونوا يحاربون الإقطاع لأنهم يقولون لماذا نضعف أنفسنا أمام الآخرين..! وكان أبناء وطنهم من الطائفة الأخرى آخرين..! الآخرون كانوا أيضاً يحترمون ويحافظون على اللياقات فلم يكونوا يحاربون أو يصارعون الإقطاع في هذه الطائفة او تلك وبالتالي الإقطاع كان يستفيد من الطائفية بشكل كامل .. ونعني بالإقطاع طبعاً ليس فقط الإقطاع الأرضي .. وإنما الإقطاع السياسي الذي كان واضحاً في لبنان.

ووجود الإقطاع كان أحد أسباب إبعاد الكفاءات مع اعتماد المراكز الأساسية المفتاحية لبناء الدولة إعتماد العناصر الأكفاء فيها وبالتالي كان أحد أسباب تواضع تقلص وبقاء المؤسسات الوطنية جامدة راكدة غير منطلقة ..

عندما نقارن إمكانية الفرد اللبناني العادي الذي يذهب إلى المهجر وغالباً لم يكن مثقفاً عندما نرى ما يعمل في الخارج ترجع وتدرك ان النظام اللبناني والمجتمع اللبناني الذي كان، لم يكن خلاصة تجمع هذه الجهود المتوفرة .. إذن أنا شخصياً ضد الطائفية بشكل مطلق. وحتى كرجل دين بإمكاني القول أن الطائفية هي ليست ضد الكفاءات والبناء المادي والحياتي، إن الطائفية حتى هي ضد الدين نفسه.. لأن الطائفية تجعل القيم الدينية قيماً مادية يعوض عليها بمراكز مادية .. يعني أن نعطي ثمناً للإنتماء الروحي الذي كان من المطلوب في هذا الانتماء ان يكون سامياً غير متورط في المنافع المادية. هذا في منتهى الخطورة، لأنه حتى الضمانة الوحيدة لسلامة المجتمع هي الإلتزام بالقيم المطلقة التي لا يمكن ان تكون مادية .. إذاً لا شك أن الطائفية كانت أحد الأمراض المستعصية في لبنان..

* ما تقييمكم للبيان الذي صدر بين منظمة حزب البعث العربي والإشتراكي في لبنان والحزب التقدمي الإشتراكي بشأن إقامة الجبهة الوطنية؟
- لا شك ان المبادئ التي ذكرت مبادئ بنّاءة تصلح لأن تكون أساساً لبناء الجبهة .. والجبهة هي ما نشكو من غيابها في لبنان.. بإعتبار ان التوازن السياسي في لبنان مختل. أرى ان وجود الجبهة السياسية العريضة التي يبحث عنها عندما يتأمن تمهيد للوفاق السياسي وليس بشكل تصادمي كما يطلق في كثير من الأندية والأوساط .. الشكل المتوفر في هذا اللقاء بين الحزبين سيكون سعياً باتجاه معالجة للمحنة في لبنان من ناحية سياسية .. يبقى التفكير في درجة النجاح في هذا اللقاء وهل يؤدي إلى تجمع مختلف الأحزاب والفئات السياسية هذا ما تجيب عليه الأيام القليلة القادمة ..

ولكي تقوم الجبهة المطلوبة لا بد من جمع الأسلحة وإبعادها عن أيادي الأفراد وعند ذلك يعود لبنان إلى طبيعته الديمقراطية ويبدأ الحوار ..

* كيف تتطلعون على مستقبل العلاقات السورية اللبنانية؟
- لا شك أن العلاقات السورية اللبنانية علاقات مميزة وهذا شيء واضح، لأن سوريا البلد العربي الوحيد المجاور للبنان من جهة .. ومن جهة ثانية هناك تكامل في العلاقات بين سوريا ولبنان في كثير من الأمور .. مثلاً قضية الأمن .. واتضح مؤخراً أكثر وأكثر أن أمن لبنان مرتبط بأمن سوريا كما أن أمن سوريا مرتبط بأمن لبنان. وهناك أمور أخرى إقتصادية وإعلامية وأمنية كما ذكرت موجودة .. يعني تجعل البلدين متكاملين .. وأعتقد أحد مظاهر هذا التكامل أن السفارات غير موجودة في البلدين .. فأي إتفاق حقيقي ودقيق يكرس هذا الواقع الموجود بين سوريا ولبنان فهو تعبير عن الحقيقة وإيضاح لأبعادها وبالتالي تصحيح لمسيرة التعايش السوري اللبناني .. طبعاً هنا تطرح صيغ مختلفة ولكن ما يهمني جداً لنفسي وللآخرين أنه طالما لبنان في أزمة والبحث في الصيغة الداخلية اللبنانية جارٍ الآن وهناك بعض الظروف كوجود قوة الردع في هذه الظروف يجب أن نكتفي بالتشاور ولا نطرح صيغة واضحة حتى لا يخيل لأحد أن هناك موقفاً يفرض على لبنان.

أنا في رحلاتي أدركت أن الكثيرين في العالم العربي لا يدركون إطلاقاً واقع العلاقات السورية اللبنانية.

مثلاً عندما كنت في مصر قبل مؤتمر الرياض العام الماضي .. كانت أجواء سياسية وصحافية حول البادرة السورية في لبنان .. بمجرد ما قلت لهم كيف تسمحون لنفسكم أن تتدخلوا في السودان كمصريين ولا تؤيدون البادرة السورية العسكرية في لبنان .. في الواقع سكتوا فوراً مع العلم أن العلاقات اللبنانية السورية أكثر بكثر من العلاقات المصرية السوادنية .. خاصة وأن السودان يجاور عدة دول بينما نحن في لبنان لا نجاور إلا سوريا والطرف الآخر عدو يعني إسرائيل .. الواقع غير مكشوف للناس فمفروض أنه عندما ينهض لبنان نتيجة الوفاق السياسي الفعلي وبعد الدراسات الوافية عند ذلك يتبين بجد واقع العلاقات الخاصة بعد الآلام التي أصيب بها اللبنانيون .. وهنا أنقل كلاماً عن الرئيس حافظ الأسد بالذات في مقابلة لأحد السياسيين اللبنانيين الكبار مؤخراً عندما طرح معه لجان التنسيق والعلاقات السورية اللبنانية فالرئيس الأسد قال إن هذه أمور فنية ولها رجالها الإختصاصيون فعندما ندرس واقع العلاقات وتكون هذه الأمور لمصلحة البلدين سوريا ولبنان فنحن نؤيدها بدون تحفظ.. وأنا أؤكد وأقول أي اتفاق أي قانون أو قرار يصحح العلاقات الموجودة ويكرسها فهو موضع قبول كل اللبنانيين.

أعود وأقول أن الايام تذكرنا بمحنة لبنان قبل البادرة السورية التي سماها الرئيس سركيس بإسم جميع اللبنانيين "البادرة الشجاعة" وأنا أتذكر تماماً أن الرئيس الأسد قال لي قبل دخول الجيش السوري إلى لبنان بالحرف عملنا حساباتنا 100%. ولكن إذا أردت أن أقول لك إن هذه الباردة لم تكن مغامرة، فإنني بالغت إذاً نحن نتذكر في يوم ما أن حافظ الأسد وقيادته وجيشه عرَّض نفسه لخطر كبير من أجل إنقاذ لبنان من الخطر الفعلي .. نحن دائماً نتذكر هذا الموقف دائماً نقف عنده بإحترام ونسأل الله أن يأخذ بيد الشقيقة سوريا وقائدها حافظ الأسد ونرجو أن تنظر سوريا دائماً إلى لبنان ولبنان ينظر إلى سوريا كشقيقة كبرى .. أن ينظروا إلى واقع حالهم وتبقى العلاقات بين البلدين متينة وثابتة ولا شك أن البادرة السورية بالنسبة للبنانيّ وخاصة في ما نجم عنها من سلامة حياة المسيحيين في لبنان بالإضافة إلى المسلمين، تحقيق وتجسيدٌ عملياً واضح للشعور القومي وللمسؤولية القومية. فلأول مرة في لبنان منذ آلاف السنين عندما كان يراهن المسيحيون على الغرب .. لأول مرة راهنوا على دولة عربية .. ولا شك أن هذا الموقف تحول كبير في الأفق..

*ماذا عن الجنوب؟
- حسب معلوماتي، المرحلة الثالثة من اتفاقية شتورة كانت توصي بوصول الجيش اللبناني إلى الحدود، وهذا يعني أن يحل هذا الجيش محل المقاومة الفلسطينية في بعض المناطق، ويحل محل مسلحين بقيادة الرائد سعد حداد والرائد شدياق، واللذين يسميان نفسيهما الجبهة اللبنانية في الجنوب. من جهة أخرى، في حدود معلومات رسمية أن المقاومة قد وافقت على الانسحاب، بمعنى أنها تنسحب في الساعة وكانت تقول المقاومة إذا انسحبنا قبل وصول الجيش اللبناني، فقد مكنا الآخرين من الزحف نحو القرى الأخرى، وبالتالي فخلق مشكلة سياسية باعتبار أن سعد حداد وشدياق يتعاونان علناً مع "اسرائيل" وبالتالي يمكنان الجيش الاسرائيلي والنفوذ السياسي الإسرائيلي من دخول مناطق واسعة في الجنوب. ولكن كان من المطلوب أيضاً أن يحلّ الجيش اللبناني محل الرائدين حداد وشدياق، وهذا لم يحصل خلال الفترة الماضية، لأن اسرائيل كانت تتدخل عن طريقهما. كما أن "إسرائيل" كان لها عصابات تدخل في الطرفين. كنا نشعر بوجود مخالفات في صفوف المقاومة لا يمكن ان تصدر هذه المخالفات من المقاومة. عند ذلك لم نجد تفسيراً إلا أن عصابات "إسرائيلية" تدخل بإسم الفلسطينيين، وبإسم الحركات الوطنية اللبنانية، وباسم الجبهة اللبنانية، وتطلق النار، وكانت تتدخل اسرائيل بشكل مباشر عن طريق القصف المدفعي. إذاً الجيش اللبناني، قبل ذهابه للمنطقة كان بحاجة إلى أخذ الموافقة.
يبقى السؤال الأساسي: لماذا الجبهة اللبنانية في بيروت لم تكن تطلب من هؤلاء المسلحين، أي سعد حداد وشدياق، من وضع أسلحتهم، وتسمح للجيش اللبناني، وتترك الإرتباط مع إسرائيل؟

حسب معلوماتنا ان الجبهة اللبنانية لا يمكنها أن تشرف وتمون على الجبهة اللبنانية في الجنوب. لقد قال أحد قادة الجبهة في الجنوب ما يلي: "نحن أصبحنا أداة في يد اسرائيل". إن كل من يتحالف مع إسرائيل يصبح أداة بيدها. فإسرائيل تحاول ان تجعل من الولايات المتحدة أداة.

وحتى أضعكم أمام خطورة الموقف، إسرائيل تطمع في مياه الليطاني، وفي سنة 1954 قدم مشروع إلى حكومة لبنان لتقسيم مياه الليطاني. نحن نعرف أن القليعة ومرجعيون تشرفان على الليطاني مباشرة. فإذا وصلت قوات سعد حداد إلى الليطاني ويُقدَّم كميات من المياه لإسرائيل، كنا نخشى أن يعلن الرائد سعد حداد سحب المياه والمضخات من الليطاني إلى بحيرة الحولة، وعندما تنتهي الحرب في لبنان يضطر أن يشكو ويحضر مؤتمر جنيف للمفاوضات حول الحدود، وحول المياه، وبالتالي تعود إسرائيل على طريقتها المعروفة بالمساومة، ومن ثم تفرض الإتفاقية التي عرضت على لبنان عام 1954، مشروع جونسون وهكذا. ولذلك، المشكلة كانت قاسية جداً، ونرجو بوصول الجيش اللبناني إلى الحدود إنتهاء المشاكل، وأن يتعلم العرب جميعاً درساً. لا ينسونه حتماً بأن الصراع بينهم يؤدي إلى مصلحة العدو فقط. فإسرائيل عدو الجميع.
البعث السورية، صحيفة