بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه، وسيد رسله محمد، وآله الطاهرين.
كنّا في قراءة خطبة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، ووصلنا إلى الجمل والكلمات التي تفلسف، فاطمة (سلام الله عليها)، دين الإسلام، وتتحدث عن أسباب هذه الواجبات والأحكام وعن نتائجها.
قرأنا كلمتها التي تقول فيها: فرض الله الإيمان تطهيرًا لكم من الشرك. وقلت إن هذه الكلمة المختصرة البسيطة، فيها من العمق والمعاني الكثير الكثير. تحدثنا عن بعضها في الجمعة الماضية، وعرفنا كيف أن الإنسان لكي يعطي وينتج، لكي يعمل في حياته، ولكي يكوِّن طاقة كبرى يجب أن يكون متجهًا نحو اتجاه واحد، ومندفعًا بدافع واحد. فإذا كان مؤمنًا، يكون هذا الإنسان، بكلّ طاقاته متجهًا نحو رضا الله وخدمة الله في خلقه. فهو يؤثر، وهو مُكرَّم، وهو يعطي في حياته الشيء الكثير.
أما المشرك، فحيث إنه يؤمن بأكثر من اتجاه، وينطلق من أكثر من دافع، فهو محطم في نفسه، مُتَجزئ في ذاته، لا يتمكن من العطاء. وذكرنا بعض الأمثلة التي تثبت أن الإنسان أو الحيوان أو حتى الدجاجة، إذا اتجهت نحو اتجاه واحد، كيف تتكون منها طاقات جبارة. وفي هذا لخصنا ما تقوله فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) بأن الشرك مرض نفسي في الإنسان ليس فوقه مرض، لأن الشرك يجزئ الإنسان، ويحطم الإنسان فيمنعه من العطاء والبذل. فالشرك مرض، والإيمان بالله تطهير للإنسان من هذا المرض. وهكذا نصل إلى ما تقوله فاطمة من المعاني العالية الكبرى، ذكرنا بعضًا منها، أو فهمنا بعضًا منها.
ثم تستعرض فاطمة في كلمتها نتائج العبادات، فالصلاة فُرِضَت على المؤمنين لكي يتعودوا، ويتدربوا، ويفهموا عبادة الله والصيام والحج؛ وكلّ واجب له أسباب وله نتائج. متى تقول هذه الكلمات فاطمة؟ تقول في المسجد، وبمحضر من المصلين؛ تريد أن تقول يا جماعة المسلمين هذه الصلوات والعبادات التي فُرِضَت على المسلمين، لا لكي يتعودوا، ويأتوا بالصلوات، فتفقد الصلوات معانيها، وتتحول إلى عادات وطقوس وشكليات. لا، لأجل هذا أوجب الله الصلاة عليكم: ﴿الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾ [العنكبوت، 45]، وهذا نصّ القرآن الذي: ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ﴾ [فصلت، 42]. فما لكم يا معشر المسلمين، تصلون وتغتصبون الحقّ؟ تصلون وتحرفون الحقيقة عن مكانها؟ تصلون وتخذلون أصحاب الحقّ كما خذلتم؟ هذه مخاطبة فاطمة لجماعتها التي كانت تستمع إليها في المسجد فتقول لها: أترى ما هو السبب لإيجاب الصلاة؟ حتى تأتي كلّ يوم مرة، مرتين، خمسة، كلّ أسبوع مرة أو أكثر أو أقلّ ونصلي ونؤدي الشكليات ونمشي وانتهى؟ هل هذه هي الصلاة؟ هل هذا هو واقع الصلاة وحقيقة العبادة؟ هل كان الله بحاجة إلى هذه الأعمال؟
هذا لا يتناسب مع إيماننا، نحن نؤمن بأن الله غنيّ عن عباده، وعن صلاتهم، وعن حجّهم، وصيامهم، وزكاتهم وكلّ شيء. فإذًا، لماذا فرض الصلاة وأوجب الصلاة؟
فرض الصلاة حتى يدرِّب الناس على عبادة الله وعلى الخضوع لله. الصلاة كما يقول القرآن: ﴿تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾ [العنكبوت، 45]، الصلاة كما يقول الحديث: معراج المؤمن، قربان كلّ تقيّ. فنحن ننظر إلى أنفسنا، هل الصلاة تنهانا عن الفحشاء والمنكر؟ حينما نصلي، هل نجد في أنفسنا رغبة جديدة في الامتناع عن المعاصي أو لا؟ إذا لا، يظهر أن الصلاة فقدت معناها وجوهرها عندنا.
فاطمة تنظر إلى هذه الأمة، وترى أنهم يصلون ويكثرون الصلاة، ولكن يا سبحان الله، ألم يسمعوا قول رسول الله في عليّ بن أبي طالب؟ هذه الأمة، بالأمس ما كانت تعيش مع رسول الله فتسمع منه ما تسمع من الأحكام والحقوق؟ ألم يسمعوا أن الشيطان هو الساكت عن الحقّ، الساكت عن الحقّ شيطان أخرس؟ ألم يسمعوا هذه الكلمات من رسول الله، وأمام أعينهم، الحقّ ينحرف عن أهله؟! بين حجّة الوداع وخطبة الغدير، وأمر رسول الله لأمته بالولاية وبين هذا اليوم أربعة أشهر فقط، هل نسوا أو تجاهلوا أو سكتوا؟ والساكت عن الحقّ شيطان أخرس!
لماذا هذه الصلوات؟ والعبادات والطقوس؟ والحجّ؟ والأفعال الأخرى؟ لماذا ما منعتهم عن ممارسة الباطل، وعن السكوت عن الحقّ؟ لأن العبادات أصبحت عادة، فقدت معانيها. العبادات تحولت إلى عادات يصلي [الإنسان] وينتهي ويمشي.
تقول فاطمة: لا، يا جماعة هذه الصلوات، والصيام، والزكاة، والحج، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لها معانيها. كيف تصلي أنت، وتجد نفسك مغرورًا، معجبًا بنفسك؟ أهذا ممكن؟ الصلاة ليست شؤون العبادة، وشؤون العبودية وإطاعة لله. الصلاة تدريب على خضوع الإنسان لله. فإذًا، كيف نحن نصلي وبعد الصلاة سنة أو سنتين أو أكثر، نشعر بعُجْبٍ وغرور؟ أنه نحن نصلي وكأننا عملنا الشيء الكثير؛ الصلاة التي تؤدي إلى الغرور، هذه الصلاة التي تأمر بها النفس الأمارة بالسوء، الصلاة التي يأمر بها الله، أتعرف أيّ صلاة هي؟ هي الصلاة التي تلين قلبك، وتخضع نفسك للحقيقة، وتجعلك خاضعًا متواضعًا، لأنك في صلاتك ماذا تعمل؟ كم مرة تتكلم باسم الله في صلاتك؟ من أول صلاتك إلى آخر صلاتك، كم مرة تنحني أمام الله؟ كم مرة ترمي وتطرح نفسك على التراب، أمام الله... أليس [هذا] السجود؟ ماذا يعني السجود؟
السجود يعني أنت تقول كلّ شيء، طولي وعرضي، جسمي وروحي، كرامتي ووقاري، أنانيتي ومجدي، أضعها أمام الله. أجعل رأسي وجبهتي، أجعل مجدي الذي هو ناصيتي، أجعله على التراب أمام الله، أليست هذه هي الصلاة؟ لماذا تسجد؟ هل يجوز لك أن تسجد أمام ملك الملوك؟ أو رئيس الرؤساء؟ ﴿أَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ﴾ [الجن، 18]، لا يمكن لنا أن نسجد أمام أيّ شيء في الدنيا وأيّ شخص في الدنيا ما عدا الله. ولكن ماذا يعني سجودك؟
السجود يعني غاية الخضوع، ونهاية التواضع. والسجود، رمز السجود وضع الجبهة على الأرض، يعني: إلهي، ها أنا مستسلم لك، خاشع بين يديك، أطرح نفسي على الأرض، وأضع جبهتي وناصيتي على التراب، أمامك.
فأنا خلال صلاتي أعيش مع الله. كيف أعيش مع الله؟ ألا تتكلم مع الله؟ ألا تقول في صلاتك: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة، 5] مع من تحكي؟ إياك! يعني من؟ يعني أنت! أنت! من هذا الـ أنت؟ أليس الله؟ تقول له: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة، 5]، لا أستعين بسواك، ولا أعبد غيرك. فإذًا، أنت في صلاتك تناجي ربّك، وتتكلم مع معبودك، وتنحني أمامه، وتسجد قدامه وبين يديه.
ما محصِّل كلّ هذه الأعمال؟ الغرور! الكبرياء ردائي، كما ورد في الحديث: الغرور شرك خفي. التكبر! لا يمكن للعبد أن يتكبر، بأيّ شيء يتكبر الإنسان: ﴿وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا﴾ [الإسراء، 37]. على أيّ شيء نحن نتكبر؟ أنا كموجود لا أملك لنفسي نفعًا، ولا ضرًا، ولا موتًا، ولا حياةً ولا نشورًا. ليس لي شيء؛ لا تقل مالي، أو مجدي، أو علمي أو كرامتي. من أنت ومن أنا، حتى نملك شيئًا؟ وُلِدنا عراة لا نملك شيئًا، ونموت عراة ولا نملك شيئًا.
فإذًا، هذا المجد، أو القوة، أو الحركة، أو التفكير، أو السلطنة، أو الذكاء، أو المال أو العلم أمانة بيدنا وليس لنا، نحن مستخلفون فيه، فلماذا الغرور؟
الصلاة التي تربي في نفس الإنسان الغرور هذه ليست بصلاة. الصلاة هي التي تنهى عن الفحشاء والمنكر. ومتى تنهى الصلاة عن الفحشاء والمنكر؟ حينما أنوي بها وجه الله، وأقوم بها لله.
فإذًا، صلاتي تربيني وتعوّدني على التواضع، لأني حينما أنحني، وحينما أجعل رأسي على التراب أشعر بأنه أنا مستسلم بين يدي الله، لا أملك لنفسي شيئًا: ﴿صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام، 162]. وحينئذ أشعر بفقدان كلّ شيء، لا أملك شيئًا، كلّه لله. وعلى هذا الأساس، لماذا أتكبر على هذا وذاك؟ لماذا أشعر بالغرور؟ من أنا حتى أكون مغرورًا؟ وحتى أتكبر على هذا وذاك؟ وحتى أنتقم من هذا وذاك؟ وحتى أهزأ بهذا وذاك؟ من أنا؟ موجود ضعيف لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا.
هذا ملخص الصلاة، ولكن ليس معنى هذا أني أكون ضعيفًا أمام الأعداء، أو عاجزًا أمام الألداء، كلا، أنا قوي بالله، لا بنفسي.
هنا أحبّ أن ألفت نظركم إلى الكلمة الشائعة الثقة بالنفس. أيّ معنىً للثقة بالنفس؟ يقولون فلان واثق من نفسه، جريء، شجاع. ويعتبرونها ميزة. الثقة بالنفس، غرور، نعم، الثقة بالله كمال. يعني أنا حينما أتفاوض، حينما أدخل في المعارك، حينما أقابل المحن، حينما أعيش وأشتغل، حينما أكون واثقًا من الله فأنا قوي، قوي بالله، قوي ولكنني متواضع. أمنتبهون لهذا الشيء، لهذه النتيجة؟
لو كان الإنسان واثقًا من نفسه، يعني مغرورًا. لو كان الإنسان واثقًا من نفسه لا يفرّق بين الحقّ والباطل، قد يسلك سبيل الحقّ، وقد يسلك سبيل الباطل، لأنه واثق من نفسه. أما إذا كان واثقًا بالله فهو متواضع، لا مغرور، وهو لا يسلك إلا سبيل الحقّ، لأنه يعرف أن الله سوف لا يساعده على طريق الباطل. فإذًا، الصلاة تدريب لتكوين العباد، الصلاة مصنع وفبركة لجعل الإنسان يتحلّى بالتواضع. الصلاة حياة مع الله، وكسب لصفات الله. أتعرف ماذا يكتسب الإنسان من الصلاة؟ يكتسب من الصلاة، القوة في الله والضعف في الباطل، ليس أمام الباطل، في الباطل: الصلاة معراج المؤمن، ﴿تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾ [العنكبوت، 45].
ففاطمة تتساءل كيف تصلون وتخافون من المؤامرات؟ كيف تصلون وتسكتون عن الحقّ الضائع؟ كيف تصلون ولا تحاولون إيصال الحقّ إلى أهله؟ بالأمس اغتصبوا الخلافة! واليوم اغتصبوا بليغة أولادي. اغتصبوا فدك، اغتصبوا النحلة وأنتم ساكتون. كلّ منكم سمع من رسول الله ما سمع. فلماذا أنتم ساكتون؟ أيها المسلمون بين راغب وراهب، جماعة منتفعة وجماعة خائفة. والإنسان المصلي الذي يكون قويًا بالاتصال بالله، لا يخاف ولا يطمع. لماذا لا يخاف ولا يطمع؟ لأنه قوي.
الإنسان الذي يصلي، يعني يعاشر الله، كلّ يوم خمس مرات. أليس كذلك؟ أنت في صلاتك ألا تعاشر ربك؟ ألا تحكي مع الله؟ ألا تقول: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة، 5]؟ مع من تحكي؟ إذا كان الله حاضرًا أمامك تقول: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة، 5]، أما إذا كان غائبًا عن نفسك لا تتمكن أن تقول إياك. يجب أن تقول إياه، أليس كذلك؟ إياك تقولها عندما ترى حالك بين يدي الله. فالإنسان الذي يتصل بالله ويحضر عند الله ويصاحب الله، هذا قوي في الحقّ. القوي لا يخاف، والقوي لا يطمع، لأن الطمع من الفقر النفسي. الإنسان العاجز في نفسه فقير، يطمع، يريد من الغير حتى يرفع فقره ويسدّ عجزه. فمتى يكون الإنسان قويًا، لا يكون طامعًا ولا خائفًا. فتتساءل فاطمة هل لا تصلون؟ هل الصلاة لا تنهاكم عن الفحشاء والمنكر؟ هل الصلاة لا تعالج عجزكم وفقركم؟ فلماذا أنتم ساكتون؟ يظهر [أن] العبادة فقدت جوهرها وافتقدت روحها.
سلام الله عليك يا فاطمة، كأنك تخاطبينا بعد 1340 سنة، كأنك تتكلمين من سبعين سنة، كأنك تتكلمين معنا في هذا اليوم، فتوجهين خطابك إلينا: يا جماعة المسلمين، أيها المصلون، أيها المتهجدون العابدون، أنتم تصلون وتسكتون عن الحقّ؟! أنتم تصلون وتخافون من الظلم والباطل؟! أنتم تصلون ولا تشعرون بالقوة والمنعة؟
ما هكذا كانت الصلاة. الصلاة تدريب على الحرب والجهاد: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ﴾ [الصف، 4]. هل تنتبه إلى صلاة الجماعة كيف الصفوف متراصّة من اليمين والشمال، والأمام والخلف؟ كيف الحركات منسقة موحدة؟ كيف القراءة على الإمام، يحملها عن المأموم؟ كيف إذا ركع تركعون؟ وإذا سجد تسجدون؟ لماذا المحراب؟ أليس في كل مسجد محرابًا؟ لماذا يسمونه محرابًا؟ محراب يعني آلة الحرب، ووسيلة الحرب. الصلاة لا تعوّد الإنسان على الخنوع والخضوع والاستسلام والاستكانة.
هل تعرف تفسير الآية الكريمة: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ [الأعراف، 31]. الزينة تعني السلاح، بتفسير النبي الكريم لأن زينة الرجال هي السلاح: ﴿خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ [الأعراف، 31]. الزينة مفسرة بالسلاح. الصلاة تدريب على القوة، وعلى الموقف الجماعي للناس. ولكن أيّ قوة؟ قوة لا تؤدي إلى الغرور، ليست قوة النفس، القوة المستعانة من الله.
فإذًا، فاطمة تقول: ما لكم لا تقويكم صلاتكم؟ ما لكم تؤدي بكم صلاتكم إلى الغرور؟ تريد أن تعدِّل فتقول: يا جماعة المسلمين، صحيح أن الله أمر بالصلاة، ولكن أمر بها لا لحاجة إليها، بل تربية لكم وتهذيبًا لوضعكم؛ وأنتم لا تستفيدون من هذا كما نشاهد. سكتُّم أمام الحقّ المضطهد خوفًا وطمعًا. ثم تخاطبنا ونحن بعد هذه العصور، توجه إلينا الخطاب فتقول: يا جماعة المسلمين، كيف أنتم ترضون -وأنتم تصلون- بأن الحقّ يُغتصب. وبأن الكرامة تُهدر؟ كيف تشعرون بالضعف وأنتم في كلّ يوم تتصلون بملك الملوك، وربّ الأرباب، وخالق السماوات والأراضين في كلّ يوم خمس مرات؟ من أيّ شيء تخافون؟ كيف تخافون وأنتم تتصلون كلّ يوم بالله الذي: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ [الزمر، 67]، لا يوجد خوف.
الإنسان المصلي، أتعرف متى تقبل صلاته؟ أتعرف أنت متى تكون صلاتك مقبولة؟ حينما تنتبه أنك مع الله، حينما تنتهي تشعر بقوة جديدة وراحة جديدة وسيطرة جديدة، وتشعر بتواضع جديد في نفس الوقت. القوة والتواضع في آنٍ واحد، لا القوة والغرور، ولا التواضع والذلّ والاستكانة. كلا، القوة والكرامة والمهابة، ولكن في نفس الوقت مع التواضع والشعور بالعبودية. وفي هذه العبودية -العبودية لله- السيادة والمجد، لأنها عبادة الله الذي يجمع صفات الكمال. عبادته تقرّبٌ منّا إليه؛ عبادته علمنا، وعدلنا، وفضلنا وسموّنا مع كلّ صلاة. تتساءل فاطمة: لماذا أوجب عليكم الله الصلاة؟ الصلاة فبركة لصنع الإنسان الكامل. فهل هي كذلك بالنسبة إلينا؟
فقرة مختصرة من كلامها (سلام الله عليها)، ذكرت لكم بعضها. وأمامنا أسبوعين حتى نصل إلى نهاية ذكريات فاطمة، في الـ20 من جمادى الثانية، مولد فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، بعد أسبوعين. وهكذا في خلال هذه الفترات والفترات القادمة نتكلم في خطبتها بإذن الله، لعّل الله سبحانه وتعالى، يلهمنا ويجعل قلوبنا متأثرة بهذه الدعوة الصادقة، بهذا اللسان الطاهر، لسان فاطمة الزهراء (سلام الله عليها).
والسلام عليكم.
