* محاضرة للإمام موسى الصدر بتاريخ 26 آب 1977، تسجيل صوتي من محفوظات مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات.
بسم الله الرحمن الرحيم
[...] مكان الحديث من المسجد، مسجد الصفا، إلى هنا. يعني أزعجنا الإخوان بالنسبة لتنقلهم في شهر رمضان لكن يمكن كان مفيدًا هذا التنقل، لأنه بعد احتفال الأحد في العاملية تطوع بعض الأشخاص من العاملية، وأعلنوا أن هذا الاحتفال لا علاقة لنا به. لا أحد قال إن الاحتفال له علاقة بالعاملية، أو برجال العاملية، أو بالجمعية العاملية. نحن نتحمل مسؤولية ما نعمل، وحكينا ووقّعنا. لا أحد يُحمِّل العاملية مسؤولية الاحتفال. لذلك أنا اعتبرت أن هذا نوع من التصرف السيء يعني قلة لياقة. ففضلنا أن نرجع لبيتنا إلى أن نفتش عن مكان آخر للاجتماعات إن شاء الله.
طبعًا، الحديث السياسي اليوم ذو شقين:
الشق الأول، ما يخص الاحتفال بالذات، واطلاع الإخوان والرفاق على بعض التطورات وبعض الأبعاد.
والشق الثاني، الحديث السياسي العام المطلوب بما يخص الوضع السياسي العام. الجديد في الساحة هو مسألة انتقال الجيش اللبناني إلى الجنوب، ومضاعفات ومقارنات هذا الانتقال.
تعرفون أن في شتورة حصل اتفاق على أن يبتعد الفلسطينيون عن الشريط الأمامي، وبالتالي عن الاصطدام مع إسرائيل، ومع المجموعات العسكرية المنتمية إلى الجبهة اللبنانية. طبعًا، ما حُدِّد وقت، ولكن أُقِر المبدأ. ما حُدِّد وقت، على أساس أن الجيش اللبناني المهيأ لاستلام المنطقة الأمامية، بحاجة إلى وقت. الجيش اللبناني يخشى أن التركيب الشامل للمسلمين والمسيحيين في الجيش إذا انتقل إلى الجنوب، قد يكون نوعًا من الدس الإسرائيلي، والفتنة الداخلية، وبالتالي انهيار التجربة.
لذلك يحاولون أن يقوموا بعملية انتقال الجيش إلى الجنوب بدقة متناهية، وضمن خطوات: يصلون إلى صيدا، يبقون بضعة أيام، ثم ينتقلون إلى صور–النبطية، يبقون بضعة أيام، ثم ينتقلون إلى الخطوط الأمامية.
المؤكد أن العوامل الداخلية اللبنانية-الفلسطينية متوفرة، لأن الأطراف اللبنانية والأطراف الفلسطينية، جميعًا، وافقت على وقف إطلاق النار، وعلى الانسحابات، وعلى تنفيذ الاتفاقيات. ولكن في الجنوب، طرف جديد، وهو إسرائيل. إسرائيل، بثلاث وسائل، تخلق توترًا في الجنوب:
الوسيلة الأولى، عن طريق المجموعة العسكرية لشدياق ولسعد حداد الذين يتسلحون ويتدربون ويتمونون، ويتنقلون من إسرائيل. وبالتالي، بدون إرادة إسرائيل، فلا يمكن أن يقبلوا وقف إطلاق النار أو تجميد الوضع، أو حل الوضع في الجنوب.
الوسيلة الثانية، إسرائيل، عن طريق القصف المباشر أيضًا، تخلق مشاكل... لأن القصف الإسرائيلي هو الذي يؤدي إلى التهجير. والتهجير يسبب مزيد من المشاكل. التهجير يؤدي إلى الفراغ، الطمع، السرقات، الخلافات الأخرى.
الوسيلة الثالثة، بالإضافة إلى ذلك، هناك، العصابات الإسرائيلية المتحدثة باللغة العربية، والتي تتمكن إسرائيل أن تسرب ضمن المنطقة اللبنانية، وضمن المنطقة الفلسطينية، وضمن الأحزاب وضمن اليمين، وضمن اليسار، وضمن كله. وطبعًا نحن نعرف أن الجبهات، لا انضباط لها ولا ترتيب فيها. وإسرائيل تلعب هذا الدور. إذًا، متمم المشكلة أن يقنعوا إسرائيل، بكف اليد عن استمرار التوتر. هل تقبل إسرائيل ذلك؟ ولماذا تقبل؟
إسرائيل تستفيد من نزف الجرح في الجنوب، بالإضافة إلى أن توتر الوضع في الجنوب، يعني ربط القضية اللبنانية بقضية الشرق الأوسط بشكل عام. لماذا إسرائيل تقبل تجميد الوضع وفصل القضية اللبنانية عن القضية العامة في الشرق الأوسط، وبالتالي أن تترك اللبنانيين والفلسطينيين يرتاحون في هذا البلد؟
هنا في نوع من الأمل بالموقف الأميركي. السياسيون اللبنانيون يبذلون جهودًا مكثفة، اتصالات مكثفة مع الولايات المتحدة لأجل الضغط على إسرائيل. وعندهم أمل بأن هذه الضغوط تنفع. ويقال إن الرسائل الأخيرة من الرئيس كارتر، إلى المسؤولين هنا وفي سورية وفي إسرائيل، تتعلق بوضع الجنوب بالذات، حيث يهتم الأميركيون جدًا بقضية الجنوب. على كل حال هذا الأسبوع، أسبوع تجربة، من المفروض أن يبدأ الانتقال، انتقال الجيش إلى صيدا على الأقل، في هذا الأسبوع. ونرجو أن هذه التجربة تنجح وتتوفق.
على صعيد آخر لا شيء جديد، تنفيذ اتفاقية القاهرة في بيروت، جمع السلاح والتزام الفلسطينيين بتنفيذ اتفاقيات شتورة في الجنوب، ألقى الأضواء على موقف قوات الردع من الجبهة اللبنانية، هل يجمعون سلاحهم أيضًا؟ هل يتركون للسلطة الشرعية أن تعمل عملها في الأراضي اللبنانية كلها أيضًا؟ هذا هو مجال السؤال.
يبدو أنه صارت اتصالات مفصلة بهذا الخصوص، ويبدو أن إعلام الجبهة اللبنانية، ورشقاتها وتحميلها الفلسطينيين المسؤوليات، وتضخيم الأحداث، دليل على أن الجبهة اللبنانية لا تريد أن يقترب الكأس المر من شفاهها، يعني أن تتوجه الأنظار إليها لأجل جمع السلاح. لكن، نحن بكثير من البساطة، نعتبر أن الالتزام السوري، وتعهد الرئيس حافظ الأسد شخصيًا في خطاباته، ضمانتنا الوحيدة في هذا المجال، في فرض السلام وجمع السلاح، والسماح للشرعية بالتقدم. هذا المطلوب، ونتوقع الأحداث.
من جملة الشؤون التي استغلتها الجبهة اللبنانية، لإثارة الغبار، وبالتالي لعدم الاقتراب من مرحلة تنفيذ الاتفاقية، كانت قضية الاحتفال. ترون أن الصحف عندهم تُنادي بالويل والثبور. يقول الرئيس شمعون إن الدكتور شريعتي، شيوعي وثلاثة أرباع... تذكرت القرون الوسطى عندما كان كبار رجال الدين يُكَفِّرون، ويقولون أنت كافر، وأنت مسلم، وأنت مؤمن، وأنت خارج عن الكنيسة وأنت داخل الكنيسة، لكن في وقتها كان كبار رجال الدين يُكَفِّرون أبناء دينهم. لكن نحن وصل الأمر بنا إلى أن شخصًا مدنيًا، من غير دين، يُكَفِّر إنسانًا من المسلمين، ويعتبره شيوعيًا أو غير شيوعي.
ثم احتجوا على مشاركة أبو عمار في الاحتفال. اعتبروا أن هذا خلق توترًا مع إيران، ونحن في غنى عن هذا التوتر، وأمثال ذلك. ثم اعتبروا أنها قضية خاصة. اعتبروا أن هذه محاولة لتفجير قضايا الخليج في لبنان. وهكذا الخيال، امتد، وانتشر. طبعًا هناك نقاط يجب أن يعرفها الإخوان.
أولًا، الدكتور شريعتي، أنتم قرأتم قسمًا من كتبه، وقسمًا من مقالاته. ومن حسن الحظ، أول مقال ترجم من الدكتور شريعتي في أمل ورسالة كان الماركسية وماركس. ولاحظتم كيف أن الرجل ينتقد ماركس نقدًا تاريخيًا وموضوعيًا، وله دراسات مطولة عن الماركسية. ولا شكّ أن ماركسيته هو مثل ماركسيتنا، يعني عدم الخضوع لليمين، عدم الاستسلام للمطامع، مثل ماركسية الإسلام، مثل ماركسية البابا، إذا صح التعبير. كل من ينادي بالعدالة الاجتماعية، ويعتبر أن اغتصاب حقوق الناس يجب ألا يكون... عند بعض الناس ماركسي.
رجل ثقافته إسلامية، التزاماته معروفة، وصاياه معروفة، أدعيته، خطاباته، مقالاته، أتباعه، أنصاره، أوضح من الشمس. نحن لماذا نحترمه... لأنهم يقولون ماذا كان الدافع لمثل هذا الاحتفال؟
في الواقع أنا ذكرت في الاحتفال، أنه نحن كنا نفتش عن مثل الدكتور شريعتي. لأنه نحن أمام الأحداث التي لا ترضينا، أمام المجتمع المتخلف، الظالم، أمام الرجعية، أمام التشتت، أمام الاستثمار، أمام الاستعمار، أمام... أمام كل هذه الأجواء. يمكن أن نختار أحد الخيارات الأربعة.
الأول، إما أن نستسلم فنكون مثل الناس الذين يحومون حول الزعامات، ويذهبون ويأتون، ويطلبون رضاهم، ويعملون معهم. يعني استسلام.
الخيار الثاني، الهجرة. الفرار من الواقع بالهجرة إلى الغرب، بالهجرة إلى الشرق، بالهجرة إلى الخارج أو بالهجرة النفسية: مخدرات، خمر... أو الهجرة العبادية، الانعزال في البيت، الاعتكاف في البيت، عدم التصدي لقضايا الاجتماع، البقاء في المسجد، الاكتفاء بالصلاة والصيام، هذه القضايا قضايا الهجرة.
الخيار الثالث، أن الإنسان يحاول التغيير، لكن بإيديولوجية الغير، يعني يعترف بإفلاسه. تعالوا يا شيوعيين اعطونا إيديولوجية حتى نغيِّر المجتمع بواسطة إيديولوجيتكم، أو الرأسمالية أو سائر المدارس الفكرية المطروحة.
الخيار الرابع، أن الإنسان يغيِّر بإيديولوجية أصيلة من أرضه، من سمائه، من بلده، من منطقته، من تراثه، من صميم إيمانه. طبعًا هذا النوع من الإيديولوجية الأصيلة نحن نفتش عنها. وبالفعل، الدكتور شريعتي، كان أحد أبرز قادة الفكر في هذا المجال بالذات. هذا لا يعني، كما كتبنا في الجريدة، أنه نحن مئة في المئة، أفكارنا تنطبق على أفكار الدكتور شريعتي، ولكن أفكاره بناءة، أصيلة، تقدم إيديولوجية متكاملة للتغيير. إذًا، نحن نكرم الرجل باعتباره -إننا نعتبره- أحد ينابيع الثقافة الحركية عندنا.
أما مسألة العلاقات مع إيران، لا شك أن النظام الإيراني والحكم الإيراني له أوضاعه وأحواله، يمكن اللبنانيين يعتبرون، في هذا اليوم، أن ليس لهم علاقة بهذه القصة. لكن نحن كنا نقول إن المخابرات الإيرانية تحاول تمزيق الطائفة الشيعية. كل جمعية خيرية تتصل فيهم يرحبون بها، ويدفعون لها، ويدعونها إلى إيران، ويحرضونها على المجلس الشيعي والحركة والسيد موسى. وإذا تريدون أن تجربوا، إذا عندكم أي جمعية خيرية، شكلوا وفدًا (وروحوا شوفوا) السفارة الإيرانية، تقولون نحن شيعة مصابون، عندنا مشاكل، وعندنا صعوبات، ساعدونا. فورًا يقولون لكم: نحن حاضرون، شرط أن تعلنوا غضبكم، وعدم رضاكم على السيد موسى، وعلى المجلس الشيعي. اتصالاتهم ببعض المشايخ وتحريضهم. اتصالاتهم ببعض السياسيين وتحريضهم. اتصالاتهم بالجبهة اللبنانية، بالإضافة إلى المساعدات العسكرية والمالية. تحريض الجبهة اللبنانية عليَّ أنا. وهذا الذي اكتشفته أنا، لمسًا، وبمستندات واضحة. سبعة أشهر، حوالي ثمانية أشهر، صبرت ربما يخجلون، يستحون، ويتركوننا، لا يبحثون معنا، ولا يهاجمونا! ما صار! في النهاية وجدنا أن:
إن أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
السكوت والنبل لا ينفع. فعلينا أن نتهجم عليهم، وأتحمل كافة مسؤوليات الهجوم. الشخص الذي لا يرتأي ذلك يناقش، وإذا ما اقتنع يختار موقعًا آخر كما يريد. نحن نريد الشيعة في لبنان أن يكونوا رجالًا، أن لا يستسلموا، أن لا يضعفوا، أن لا يشعروا بأنه لا حياة لهم، إذا ما كانوا مرتبطين بقوة سياسية في المنطقة أو العالم، أن يرفضوا وصاية الرئيس شمعون، أو غير ذلك حتى يحدد لنا ممن نأخذ معالم ديننا.
طبعًا، نحن نرفض. أنا شخصيًا أرفض ولو بقيت وحدي. إذا كان الإخوان في المناطق الأخرى، يرغبون بأن يعيشوا بكسب رضا أميركا، وإيران، وإسرائيل، والجبهة اللبنانية، وزعامات، وإذا يريدون أن يعيشوا بهذا الشكل، هم أحرار! يعيشوا! لكن نحن لا نختار هذا الطريق! نحن أقسمنا اليمين، وقدمنا الشهداء، وتاريخنا وجغرافيتنا، كل تراثنا، كل تعاليمنا، تؤكد، أو كما كان أحد المتكلمين في الحفل، [يقول]: كل تبدأ بلا حتى الإسلام يبدأ بلا إله إلا الله. وحديثنا اليوم لا إله إلا الله. إذًا، نحن الشيعة، نعرفهم كما يقول الإمام: لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلة أهله، نعرفهم! أناس يزِنون الحق بميزان واحد، ويرفضون الباطل مهما كان الجو عصيبًا.
يقول بعضهم إن علاقتنا مع الدول الصديقة والشقيقة تتوتر، وهل نسينا عندما كانت الجبهة اللبنانية، تسب وتشتم بسورية والدول العربية؟ وإذاعتهم تتحدث أن العرب جرب! وأن المشاكل الأخرى... ما نسينا يعني من الذي يريد أن يحافظ على العلاقات اللبنانية-الشقيقة؟ علاقات لبنان مع الدول العربية؟ مع الدول الصديقة؟ الآن! اليوم يريدون أن يحافظوا على هذه العلاقات؟ هذه أعذار وحجج، والواقع أموال تدفع من المخابرات الإيرانية لتحريضهم علينا.
كانوا يتصورون أن المجلس الشيعي الممثل للطائفة الشيعية في لبنان، يخضع لهم، ويسايرهم. وينفذ سياستهم وأهدافهم، فما إن رفض ذلك حتى تعرض لضغوطهم. ونحن طبعًا رفضنا، عالمين، عامدين، وما كنّا يومًا مخطئين أو غلطانين في سلوكنا، وفي تصرفنا. سائرين متوكلين على الله سبحانه وتعالى، واثقين من سلامة خطنا. هذه نقطة بسيطة، حول الوضع السياسي، والجديد خلال هذا الأسبوع.
