الكاتب:موسى الصدر
* تسجيل صوتي؛ محفوظات المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى.
كنا قد تحدثنا عن معنى الملكية في الإسلام وقلنا إن الملكية التي أصبحت موضع تهجم من الاشتراكية العلمية يعني من الشيوعية، هي في الواقع الملكية الغربية الرأسمالية، يعني تلك الملكية التي لا نراها نحن إلا لله، الملك لله.
أما المالك فاقرأوا كتب الفقه ترون أن الملكية نوع من الوظيفة، في التسمية القرآن يسميها بالخلافة: ﴿وأنفقوا مما جعلكم الله مستخلفين فيه﴾ [الحديد،7].
الاستخلاف كل ما عندنا من أموال هذا لله سبحانه وتعالى ونحن خلفاء، نواب من عند الله عليه. وإذا راجعنا الأحكام نرى أن المالك لا يحقّ له أن يُسرف: ﴿كلوا واشربوا ولا تُسرفوا﴾ [الأعراف، 31]. لا يحقّ له أن يهب أمواله لمن يشاء حتى من ورثته، فالمريض يوصي بثلث ماله فقط، لا يتمكن أن يوصي بأكثر. والإنسان لا يتمكن أن يُبذِّر. التبذير غير الإسراف طبعًا، مثلًا. أنا أريد أن أعطي مالي لكلب، أنا أريد أن أرمي مالي في البحر، الجواب ليس لك حقّ. ليس بإمكانك أن تعطي كما تشاء، ضمن قواعد معينة، المالك في الإسلام هو أمين، هو مسؤول، هو موظف.
وقلنا في النهاية الاقتصاد الماركسي الذي يجتاح العالم اليوم ويلفت نظر الشباب، ما هو؟ الأساس من الاقتصاد الماركسي؟ النقطة الأساسية الدقيقة منه نظرية القيمة، يعني كل شيء قيمته تساوي العمل المتجسد به.
وينطلق ماركس من نظرية القيمة فيقول أيّ ربح تجاري مع العمل سرقة. إذًا، الرأسمالية نهب. حسنًا! ماذا يعمل في النهاية؟ يجب أن نؤمم. نعم، نحن معك أمّمنا. هذا المصنع الذي أمّمته، وسائل النقل التي أمّمتها، الأوتيل الذي أمّمته. ماذا تعمل به؟ أعطيه للأمة. حسنًا! كل الأمة تأتي وتدير الأوتيل؟ ممكن؟ ما ممكن. تريد أن توظف إنسانًا، تقول له أنت يا موظف بيدك هذا الأوتيل، تريد أن تحسب ما المدخول والمصروف وتتصرف بهذه الأموال، تعطيها لخزينة الدولة وتأخذ راتبك من الدولة أو من مدخولك، ولا يحقّ لك أن تحطم أو تخرِّب، عليك أن تصون. مالك الأوتيل في مفهوم الإسلام بهذا المعنى لا يحقّ له أن يخرِّب، عليه أن يصون.
إنتاج الأوتيل لدى المالك بالمفهوم الإسلامي يُصرف أيضًا في سبيل المصلحة العامة. لا يمكن أن يصرفه في سبيل المصالح الخاصة، أن يُبذِّر أو أن يُسرف أو أن يحتكر أو أن يتجاهل الجار، الجائع، كل هذه المسائل...
إذًا، في الأساس هجوم الماركسية على الملكية والرأسمالية واليمين ليس موجهًا ضد الإسلام إطلاقًا لأنه لم يكن يعرف معنى الملكية في الإسلام، فكان أمامه معنى الملكية في الغرب، نحن لا ندافع عن الرأسمالية ولا عن الملكية الغربية ولا عن اليمين، حتى ندافع عن هذا الشيء. هذه النقطة التي حكيناها في الجلسة الأولى.
طبعًا علينا أن نلقي بعض الأضواء، إن نظرية القيمة ونظرية القيمة الفائضة، النظرية الأساسية لماركس غير صحيحة أيضًا لأن نظرية القيمة الفائضة تعتمد على نظرية القيمة؛ وهذا البحث وارد عندي في محاضراتي في أول حلقات وندوات المجلس، إن شاء الله نطبعها ونقدمها للشباب، بحثًا مطولًا.
أساسًا نظرية القيمة أن تكون قيمة كل شيء بمقدار العمل المجسد فيه غير صحيحة. قيمة كل شيء طبعًا تتأثر بالحاجة، حاجة الناس، لكن الجهد الذي يُصرف في هذا الشيء يُضاف إلى الطبيعة. يعني أنت تأخذ الرمل وتستعمل الرمل من الطبيعة والحديد في المصنع، والجهد البشري، الجسدي والفكري وتعمل إبريقًا في جهد بشري من خلال العمل، من خلال التفكير، من خلال صناعة المصنع، من خلال جلب الرمل، يوجد جهد بشري... متفقين عليه. لكن جهدك بدون الطبيعة لا شيء، ليس بإمكانك أن تقول إن العمل هو الذي يحدد القيمة، القيمة تساوي الجهد زائد الطبيعة، الآن الطبيعة ماذا تعطيك؟ تعطيك الكثير.
مثلًا، القطن في مصر والقطن في لبنان، بلدان عربيان يزرعان البذرة الواحدة، وتنال الرعاية الواحدة. القطن المصري أغلى في العالم بأضعاف، لماذا؟ لأن أليافه أطول وأرقّ. يعني بإمكانك أن تغزل وتعمل مثل الحرير وهذا شيء مرغوب في العالم.
حسنًا! جهد متساوٍ، عاملان متساويان مع الجهد الفكري والعملي والسقي ومكافحة الحشرات وكل شيء، ومع ذلك يطلع هناك قيمة أكثر لأنها أكثر تلبية لحاجات البشر.
ما الفرق؟ الفرق الطبيعة هناك.
مثال آخر، الفنان شخص، أخوان كم هناك من إخوة، واحد منهم فنان، هذه الطبيعة يعني ربنا أعطاه الموهبة يعمل، يطلّع كاريكاتور، تقدر تعمل كاريكاتور من نفسك؟ كلا، مهما حاولت، الطبيعة هنا زائد الجهد. معروف؟
الفنانون الذين يعملون اللوحات، يقال أن بيكاسو ذهب للمطعم وحطّ الثمن الليرة رسمها في الصحن وأكل وبعدما أكل رسم على الصحن، إفرضْ مثلا مئة لير إيطالي صورة العملة. وقت جاء الجارسون وأخذ الصحن فكّر بأول الشيء أنه عملة وعندما كشف الأمر رجع وسبّه وقال له: لماذا أنت تغشني، جاء صاحب المحل وقال هذا أكثر من مئة ريال، هذه لوحة بيكاسو وتساوي الملايين. حسنًا! الآن بيكاسو لأيّ حدٍّ مقبول، مني أنا شخصيًا لا أحب لوحات بيكاسو، في الحقيقة عنده لوحات حلوة وفي الأسلوب الجديد المودرن يمكن بحاجة لوعي آخر. الطبيعة أعطت بيكاسو أو رافائيل مثلًا، هذين الفنانين الكبيرين في العالم، ما لم تعطه لأخيه، لأمه، لأبيه، لأخته.
هنا الجهد مقياس القيمة؟ أبدًا، الجهد زائد الطبيعة. الكفاءة في الطبيعة، طبعًا نحن نعتبر كل الطبيعة من الله، الخلق، إذًا، ليس بإمكانك أن تؤكد على نظرية القيمة، يعني القيمة لن تساوي الجهد، هذا لمعلومات الماركسيين.
وهذه المسائل أيضًا ليست مني، أنا اليوم، الكتاب مطبوع يُنتقد في كل العالم يمكن أول ما قال هذا الكلام جئت أتصور في حدود قراءاتي في الاقتصاد، يمكن الشباب يعرفون لكن بشكل عام النظرية مرفوضة، يعني مرفوضة اليوم. لا أحد يقبل نظرية القيمة في العالم، القيمة زائد الطبيعة هي في الأساس تكوين للثروة.
حسنًا! الجهد لي، التعامل، الطبيعة لمن؟ هنا ننتقل إلى الفصل الثاني الذي سنتحدث فيه.
الناس شرّعٌ في ثلاث: الماء، والكلأ والنار. وهذا بحث فقهي دقيق يجب أن ندخل فيه بحذر لا نتطرف ولا نتضايق إن شاء الله نحكيه في جلسة كاملة.
إذًا، نظرية القيمة في الأساس غير صحيحة ونظرية فائض القيمة أيضًا غير صحيحة. بالإضافة إلى عدم صحة الأساس، وهذا أيضًا بحث طويل حول هل بتزاوج الجهد ورأس المال ووسيلة الإنتاج، هل تولد ثروة جديدة أم لا؟ هذا السؤال يُحرج ماركس ولذلك في كتابه "رأس المال" لم يردْ على هذا السؤال.
إذا كان تزاوج العوامل الثلاثة يخلق ثروة جديدة، فالثروة تتوزع ولا يوجد حصة -ولا يوجد سرقة أيضًا- تتوزع بين العمل ورأس المال والمصنع، -المصنع الذي هو تراكم للجهد بدوره من جديد-هذا بحث طويل ومكتوب، وليس هناك حاجة لأن أعيده، إن شاء الله نقدّمه للإخوان.
إذًا، في الأساس الملكية المطروحة ليست ملكيتنا. والأساس، النظرية المطروحة ليست نظريتنا. مع العلم أن نظرية القيمة الخاصة بالرأسمالية أيضًا نحن لا نقبلها، ليست صحيحة. النظرية الرأسمالية للقيمة أن القيمة خاضعة للعرض والطلب، طبعًا درجة العرض ودرجة الطلب أو الكسر الذي يتشكل من العرض والطلب.
يوجد ماء وأحوج ما يكون الإنسان إليه وهو موفور إلا في الصحراء؛ ويوجد أشياء الحاجة إليها قليلة وهي قليلة في الحياة وغالية، نسبة العرض ونسبة الطلب بطبيعة الحال. طبعًا العرض والطلب تضليل للجهد وللطبيعة بأنه هذه عوامل ثانوية، لأنه على المدى الطويل عندما يكون الشيء موضع حاجة الإنسان الجهد يتركز عليه، وإذا كان غاليًا الجهد يتركز عليه حتى يكسب. بشكل معادلة العنصر الأساس في القيمة ليس العرض والطلب بل الجهد والطبيعة. أيضًا موجود هذا في البحث الذي سيقدَّم للشباب.
والملكية الموجودة في الرأسمالية مرفوضة عندنا أساسًا. نحن لا نعرف ملكية واحد يريد أن يوصي بأمواله للكلب، نحن لا نعرف هكذا شيء، لا يوجد في الإسلام هكذا شيء؛ أو أريد أن أحرم ورثتي، أو أريد رميها في البحر، أو أريد أن آكل حتى (أفطس)، هذا ليس واردًا في الإسلام، والإسلام لا يعرف هكذا شيء؛ أو أحتكر.
الملكية الغربية تسمح بالتجارة لمن يشاء، بما يشاء، حيث يشاء، بالقدر الذي يشاء، وبالشكل الذي يشاء، ولذلك يصير طغيانًا. بينما الملكية الإسلامية أساسًا أمانة، درجة الربح محدودة، الاحتكار حرام، الربا حرام، الخُمس واجب، الميراث موزّع، وكل هذه المسائل.
إذًا، أولًا، الملكية أمانة، والملكية مسؤولية، والملكية المطلقة لله. ونحن خلفاء لله، وهذا البحث أتذكر في أول مؤتمر أنا اشتركت فيه في مكة بدعوة من رابطة العالم الإسلامي في اللجنة الثقافية نحن فسّرنا الملكية على أنها أمانة ومسؤولية اجتماعية، ثم عرضنا على الهيئة العامة أمام شخص مصري ويدَّعي التدين الكبير وقف على المنبر وقال: الله الله في الإسلام، الشيوعية دخلت في المؤتمر عن طريق اللجنة الثقافية لتحاول أن... انتبهوا يا ناس، من وضع هذا البيان؟ طبعًا المجموعة التي كانت معي لأني ما كنت أنا وحدي وكان الشيخ عبد العزيز بن باز...
وصار حادث مرة ثانية دعانا في حفلة الإفطار صائب سلام وكنا جالسين، سماحة المفتي وأنا والشيخ إبراهيم أبو عبيه وصائب سلام وشخص كان من مؤسسي رابطة العالم الإسلامي وهو عالم بيروتي وكان اسمه الشيخ سعدي ياسين، كنا جالسين على اليمين واليسار. بدأ الشيخ سعدي ياسين يتحدث عن اليمين، وأنه نحن يمين، وأن الإسلام يمين، وأنه نحن أصحاب اليمين... بعدما انتهى، قلت له: سامحك الله، لماذا أنت تحمِّل الإسلام أوزار اليمين؟ ماذا دعا بك لأن تعتبر الإسلام يمينًا؟ الإسلام هو الصراط المستقيم، لا اليمين ولا اليسار. نحن لا نتحمل الاستعمار إطلاقًا ولا نعرف الاستعمار. الإسلام في جميع فتوحاته لم يكن مستعمِرًا، كان محرِّرًا؛ وكان يترك الحكم لأهله، وكان يعرض الإسلام فإذا قُبِلَ الإسلام... ليس فقط مصر احتلينا نحن، الإسلام أرض مصر أو أرض المغرب أو أرض الأندلس... لو أندونيسيًا أسلم، يعني يكون خليفة المسلمين وليس عربيًّا أساسه، لا تفرقة عنصرية. عندما قال عمر بن العاص أو سعد بن أبي وقاص، أحدهما في العراق، قال: إنما السواد فطيرة قريش. السواد، أرض السواد، يعني العراق، لأن العراق كان خصبًا مظللًا بالظلال حتى سُمي بأرض السواد، قال: إن السواد فطيرة قريش، يعني فطور عنصرنا، جماعة قريش. فقام عمر بن الحمد، هذا الذي أُبعد إلى الشام وقُتل في مرج عذرا ذنبه أنه قال: إنما هي ثمرة جهاد المسلمين وثروتهم، إن أنت إلّا واحد منهم بل أقلّ واحدٍ فيهم.
طبعًا، العنصرية كانت تحاول أن تدخل في الإسلام من خلال القبائل، لكن الأحكام واضحة وتضع حدودًا لكل هذه الأمور. إذًا، نحن ليس لنا علاقة باليمين، ولا نعتبر حروبنا حروبًا استعمارية، ولا نعتبر أنفسنا كعرب أفضل من الآخرين؛ الجنة لمن أطاع الله ولو كان عبدًا حبشيًا، والنار لمن عصاه ولو كان سيدًا قرشيًا، لا فضل لعربي على أعجمي إلّا بالتقوى. أبدًا لم تكن استعمارًا فتوحاتنا، ولا ملكيتنا رأسمالية، ولا حياتنا حياة اليمين، ولا لزوم إطلاقًا... نحن نعتبر حالنا مع اليمين ضد اليسار، اليمين واليسار الكفر ملّة واحد.
وهناك تفصيل معروف في سورة الحمد، أرجو أن أتوفق لاكتشافه لأني كتبته: ﴿غير المغضوب عليهم ولا الضالين﴾ [الفاتحة، 7]، أن غير المغضوب عليهم اليمين، الضالين اليسار. وهذا ممكن نكتشفه من القرآن لا تستعجل... نحن على الصراط المستقيم ولا نعرف شيئًا من هذا النوع، وكل أحكامنا أصيلة، واقتصادنا أصيل، ملكيتنا أصيلة، تحريرنا، حروبنا، أبدًا. حسنًا! هذا هو الأصل الأول.
الأصل الثاني الذي كان يعبِّر عنه الأخ الدكتور مصطفى بالإيثار [...]
كنا قد تحدثنا عن معنى الملكية في الإسلام وقلنا إن الملكية التي أصبحت موضع تهجم من الاشتراكية العلمية يعني من الشيوعية، هي في الواقع الملكية الغربية الرأسمالية، يعني تلك الملكية التي لا نراها نحن إلا لله، الملك لله.
أما المالك فاقرأوا كتب الفقه ترون أن الملكية نوع من الوظيفة، في التسمية القرآن يسميها بالخلافة: ﴿وأنفقوا مما جعلكم الله مستخلفين فيه﴾ [الحديد،7].
الاستخلاف كل ما عندنا من أموال هذا لله سبحانه وتعالى ونحن خلفاء، نواب من عند الله عليه. وإذا راجعنا الأحكام نرى أن المالك لا يحقّ له أن يُسرف: ﴿كلوا واشربوا ولا تُسرفوا﴾ [الأعراف، 31]. لا يحقّ له أن يهب أمواله لمن يشاء حتى من ورثته، فالمريض يوصي بثلث ماله فقط، لا يتمكن أن يوصي بأكثر. والإنسان لا يتمكن أن يُبذِّر. التبذير غير الإسراف طبعًا، مثلًا. أنا أريد أن أعطي مالي لكلب، أنا أريد أن أرمي مالي في البحر، الجواب ليس لك حقّ. ليس بإمكانك أن تعطي كما تشاء، ضمن قواعد معينة، المالك في الإسلام هو أمين، هو مسؤول، هو موظف.
وقلنا في النهاية الاقتصاد الماركسي الذي يجتاح العالم اليوم ويلفت نظر الشباب، ما هو؟ الأساس من الاقتصاد الماركسي؟ النقطة الأساسية الدقيقة منه نظرية القيمة، يعني كل شيء قيمته تساوي العمل المتجسد به.
وينطلق ماركس من نظرية القيمة فيقول أيّ ربح تجاري مع العمل سرقة. إذًا، الرأسمالية نهب. حسنًا! ماذا يعمل في النهاية؟ يجب أن نؤمم. نعم، نحن معك أمّمنا. هذا المصنع الذي أمّمته، وسائل النقل التي أمّمتها، الأوتيل الذي أمّمته. ماذا تعمل به؟ أعطيه للأمة. حسنًا! كل الأمة تأتي وتدير الأوتيل؟ ممكن؟ ما ممكن. تريد أن توظف إنسانًا، تقول له أنت يا موظف بيدك هذا الأوتيل، تريد أن تحسب ما المدخول والمصروف وتتصرف بهذه الأموال، تعطيها لخزينة الدولة وتأخذ راتبك من الدولة أو من مدخولك، ولا يحقّ لك أن تحطم أو تخرِّب، عليك أن تصون. مالك الأوتيل في مفهوم الإسلام بهذا المعنى لا يحقّ له أن يخرِّب، عليه أن يصون.
إنتاج الأوتيل لدى المالك بالمفهوم الإسلامي يُصرف أيضًا في سبيل المصلحة العامة. لا يمكن أن يصرفه في سبيل المصالح الخاصة، أن يُبذِّر أو أن يُسرف أو أن يحتكر أو أن يتجاهل الجار، الجائع، كل هذه المسائل...
إذًا، في الأساس هجوم الماركسية على الملكية والرأسمالية واليمين ليس موجهًا ضد الإسلام إطلاقًا لأنه لم يكن يعرف معنى الملكية في الإسلام، فكان أمامه معنى الملكية في الغرب، نحن لا ندافع عن الرأسمالية ولا عن الملكية الغربية ولا عن اليمين، حتى ندافع عن هذا الشيء. هذه النقطة التي حكيناها في الجلسة الأولى.
طبعًا علينا أن نلقي بعض الأضواء، إن نظرية القيمة ونظرية القيمة الفائضة، النظرية الأساسية لماركس غير صحيحة أيضًا لأن نظرية القيمة الفائضة تعتمد على نظرية القيمة؛ وهذا البحث وارد عندي في محاضراتي في أول حلقات وندوات المجلس، إن شاء الله نطبعها ونقدمها للشباب، بحثًا مطولًا.
أساسًا نظرية القيمة أن تكون قيمة كل شيء بمقدار العمل المجسد فيه غير صحيحة. قيمة كل شيء طبعًا تتأثر بالحاجة، حاجة الناس، لكن الجهد الذي يُصرف في هذا الشيء يُضاف إلى الطبيعة. يعني أنت تأخذ الرمل وتستعمل الرمل من الطبيعة والحديد في المصنع، والجهد البشري، الجسدي والفكري وتعمل إبريقًا في جهد بشري من خلال العمل، من خلال التفكير، من خلال صناعة المصنع، من خلال جلب الرمل، يوجد جهد بشري... متفقين عليه. لكن جهدك بدون الطبيعة لا شيء، ليس بإمكانك أن تقول إن العمل هو الذي يحدد القيمة، القيمة تساوي الجهد زائد الطبيعة، الآن الطبيعة ماذا تعطيك؟ تعطيك الكثير.
مثلًا، القطن في مصر والقطن في لبنان، بلدان عربيان يزرعان البذرة الواحدة، وتنال الرعاية الواحدة. القطن المصري أغلى في العالم بأضعاف، لماذا؟ لأن أليافه أطول وأرقّ. يعني بإمكانك أن تغزل وتعمل مثل الحرير وهذا شيء مرغوب في العالم.
حسنًا! جهد متساوٍ، عاملان متساويان مع الجهد الفكري والعملي والسقي ومكافحة الحشرات وكل شيء، ومع ذلك يطلع هناك قيمة أكثر لأنها أكثر تلبية لحاجات البشر.
ما الفرق؟ الفرق الطبيعة هناك.
مثال آخر، الفنان شخص، أخوان كم هناك من إخوة، واحد منهم فنان، هذه الطبيعة يعني ربنا أعطاه الموهبة يعمل، يطلّع كاريكاتور، تقدر تعمل كاريكاتور من نفسك؟ كلا، مهما حاولت، الطبيعة هنا زائد الجهد. معروف؟
الفنانون الذين يعملون اللوحات، يقال أن بيكاسو ذهب للمطعم وحطّ الثمن الليرة رسمها في الصحن وأكل وبعدما أكل رسم على الصحن، إفرضْ مثلا مئة لير إيطالي صورة العملة. وقت جاء الجارسون وأخذ الصحن فكّر بأول الشيء أنه عملة وعندما كشف الأمر رجع وسبّه وقال له: لماذا أنت تغشني، جاء صاحب المحل وقال هذا أكثر من مئة ريال، هذه لوحة بيكاسو وتساوي الملايين. حسنًا! الآن بيكاسو لأيّ حدٍّ مقبول، مني أنا شخصيًا لا أحب لوحات بيكاسو، في الحقيقة عنده لوحات حلوة وفي الأسلوب الجديد المودرن يمكن بحاجة لوعي آخر. الطبيعة أعطت بيكاسو أو رافائيل مثلًا، هذين الفنانين الكبيرين في العالم، ما لم تعطه لأخيه، لأمه، لأبيه، لأخته.
هنا الجهد مقياس القيمة؟ أبدًا، الجهد زائد الطبيعة. الكفاءة في الطبيعة، طبعًا نحن نعتبر كل الطبيعة من الله، الخلق، إذًا، ليس بإمكانك أن تؤكد على نظرية القيمة، يعني القيمة لن تساوي الجهد، هذا لمعلومات الماركسيين.
وهذه المسائل أيضًا ليست مني، أنا اليوم، الكتاب مطبوع يُنتقد في كل العالم يمكن أول ما قال هذا الكلام جئت أتصور في حدود قراءاتي في الاقتصاد، يمكن الشباب يعرفون لكن بشكل عام النظرية مرفوضة، يعني مرفوضة اليوم. لا أحد يقبل نظرية القيمة في العالم، القيمة زائد الطبيعة هي في الأساس تكوين للثروة.
حسنًا! الجهد لي، التعامل، الطبيعة لمن؟ هنا ننتقل إلى الفصل الثاني الذي سنتحدث فيه.
الناس شرّعٌ في ثلاث: الماء، والكلأ والنار. وهذا بحث فقهي دقيق يجب أن ندخل فيه بحذر لا نتطرف ولا نتضايق إن شاء الله نحكيه في جلسة كاملة.
إذًا، نظرية القيمة في الأساس غير صحيحة ونظرية فائض القيمة أيضًا غير صحيحة. بالإضافة إلى عدم صحة الأساس، وهذا أيضًا بحث طويل حول هل بتزاوج الجهد ورأس المال ووسيلة الإنتاج، هل تولد ثروة جديدة أم لا؟ هذا السؤال يُحرج ماركس ولذلك في كتابه "رأس المال" لم يردْ على هذا السؤال.
إذا كان تزاوج العوامل الثلاثة يخلق ثروة جديدة، فالثروة تتوزع ولا يوجد حصة -ولا يوجد سرقة أيضًا- تتوزع بين العمل ورأس المال والمصنع، -المصنع الذي هو تراكم للجهد بدوره من جديد-هذا بحث طويل ومكتوب، وليس هناك حاجة لأن أعيده، إن شاء الله نقدّمه للإخوان.
إذًا، في الأساس الملكية المطروحة ليست ملكيتنا. والأساس، النظرية المطروحة ليست نظريتنا. مع العلم أن نظرية القيمة الخاصة بالرأسمالية أيضًا نحن لا نقبلها، ليست صحيحة. النظرية الرأسمالية للقيمة أن القيمة خاضعة للعرض والطلب، طبعًا درجة العرض ودرجة الطلب أو الكسر الذي يتشكل من العرض والطلب.
يوجد ماء وأحوج ما يكون الإنسان إليه وهو موفور إلا في الصحراء؛ ويوجد أشياء الحاجة إليها قليلة وهي قليلة في الحياة وغالية، نسبة العرض ونسبة الطلب بطبيعة الحال. طبعًا العرض والطلب تضليل للجهد وللطبيعة بأنه هذه عوامل ثانوية، لأنه على المدى الطويل عندما يكون الشيء موضع حاجة الإنسان الجهد يتركز عليه، وإذا كان غاليًا الجهد يتركز عليه حتى يكسب. بشكل معادلة العنصر الأساس في القيمة ليس العرض والطلب بل الجهد والطبيعة. أيضًا موجود هذا في البحث الذي سيقدَّم للشباب.
والملكية الموجودة في الرأسمالية مرفوضة عندنا أساسًا. نحن لا نعرف ملكية واحد يريد أن يوصي بأمواله للكلب، نحن لا نعرف هكذا شيء، لا يوجد في الإسلام هكذا شيء؛ أو أريد أن أحرم ورثتي، أو أريد رميها في البحر، أو أريد أن آكل حتى (أفطس)، هذا ليس واردًا في الإسلام، والإسلام لا يعرف هكذا شيء؛ أو أحتكر.
الملكية الغربية تسمح بالتجارة لمن يشاء، بما يشاء، حيث يشاء، بالقدر الذي يشاء، وبالشكل الذي يشاء، ولذلك يصير طغيانًا. بينما الملكية الإسلامية أساسًا أمانة، درجة الربح محدودة، الاحتكار حرام، الربا حرام، الخُمس واجب، الميراث موزّع، وكل هذه المسائل.
إذًا، أولًا، الملكية أمانة، والملكية مسؤولية، والملكية المطلقة لله. ونحن خلفاء لله، وهذا البحث أتذكر في أول مؤتمر أنا اشتركت فيه في مكة بدعوة من رابطة العالم الإسلامي في اللجنة الثقافية نحن فسّرنا الملكية على أنها أمانة ومسؤولية اجتماعية، ثم عرضنا على الهيئة العامة أمام شخص مصري ويدَّعي التدين الكبير وقف على المنبر وقال: الله الله في الإسلام، الشيوعية دخلت في المؤتمر عن طريق اللجنة الثقافية لتحاول أن... انتبهوا يا ناس، من وضع هذا البيان؟ طبعًا المجموعة التي كانت معي لأني ما كنت أنا وحدي وكان الشيخ عبد العزيز بن باز...
وصار حادث مرة ثانية دعانا في حفلة الإفطار صائب سلام وكنا جالسين، سماحة المفتي وأنا والشيخ إبراهيم أبو عبيه وصائب سلام وشخص كان من مؤسسي رابطة العالم الإسلامي وهو عالم بيروتي وكان اسمه الشيخ سعدي ياسين، كنا جالسين على اليمين واليسار. بدأ الشيخ سعدي ياسين يتحدث عن اليمين، وأنه نحن يمين، وأن الإسلام يمين، وأنه نحن أصحاب اليمين... بعدما انتهى، قلت له: سامحك الله، لماذا أنت تحمِّل الإسلام أوزار اليمين؟ ماذا دعا بك لأن تعتبر الإسلام يمينًا؟ الإسلام هو الصراط المستقيم، لا اليمين ولا اليسار. نحن لا نتحمل الاستعمار إطلاقًا ولا نعرف الاستعمار. الإسلام في جميع فتوحاته لم يكن مستعمِرًا، كان محرِّرًا؛ وكان يترك الحكم لأهله، وكان يعرض الإسلام فإذا قُبِلَ الإسلام... ليس فقط مصر احتلينا نحن، الإسلام أرض مصر أو أرض المغرب أو أرض الأندلس... لو أندونيسيًا أسلم، يعني يكون خليفة المسلمين وليس عربيًّا أساسه، لا تفرقة عنصرية. عندما قال عمر بن العاص أو سعد بن أبي وقاص، أحدهما في العراق، قال: إنما السواد فطيرة قريش. السواد، أرض السواد، يعني العراق، لأن العراق كان خصبًا مظللًا بالظلال حتى سُمي بأرض السواد، قال: إن السواد فطيرة قريش، يعني فطور عنصرنا، جماعة قريش. فقام عمر بن الحمد، هذا الذي أُبعد إلى الشام وقُتل في مرج عذرا ذنبه أنه قال: إنما هي ثمرة جهاد المسلمين وثروتهم، إن أنت إلّا واحد منهم بل أقلّ واحدٍ فيهم.
طبعًا، العنصرية كانت تحاول أن تدخل في الإسلام من خلال القبائل، لكن الأحكام واضحة وتضع حدودًا لكل هذه الأمور. إذًا، نحن ليس لنا علاقة باليمين، ولا نعتبر حروبنا حروبًا استعمارية، ولا نعتبر أنفسنا كعرب أفضل من الآخرين؛ الجنة لمن أطاع الله ولو كان عبدًا حبشيًا، والنار لمن عصاه ولو كان سيدًا قرشيًا، لا فضل لعربي على أعجمي إلّا بالتقوى. أبدًا لم تكن استعمارًا فتوحاتنا، ولا ملكيتنا رأسمالية، ولا حياتنا حياة اليمين، ولا لزوم إطلاقًا... نحن نعتبر حالنا مع اليمين ضد اليسار، اليمين واليسار الكفر ملّة واحد.
وهناك تفصيل معروف في سورة الحمد، أرجو أن أتوفق لاكتشافه لأني كتبته: ﴿غير المغضوب عليهم ولا الضالين﴾ [الفاتحة، 7]، أن غير المغضوب عليهم اليمين، الضالين اليسار. وهذا ممكن نكتشفه من القرآن لا تستعجل... نحن على الصراط المستقيم ولا نعرف شيئًا من هذا النوع، وكل أحكامنا أصيلة، واقتصادنا أصيل، ملكيتنا أصيلة، تحريرنا، حروبنا، أبدًا. حسنًا! هذا هو الأصل الأول.
الأصل الثاني الذي كان يعبِّر عنه الأخ الدكتور مصطفى بالإيثار [...]
