"كلمة سواء" يصدر توصياته بعد أربع جلسات عمل: تشديد على الحوار وتحديد معوقاته ومطالبة بكشف غموض اختفاء الصدر

calendar icon 10 تشرين الثاني 2001

إختتم مؤتمر "كلمة سواء" السادس أعماله مساء أمس بسلسلة توصيات تركزت حول عنوان المؤتمر "حوار الحضارات"، وتناولت قضية تغييب الإمام موسى الصدر مطالبة بالعمل على كشف مصيره ورفيقيه وتقديم الشكاوى بحق النظام الليبي وتوصيف عملية الإختطاف بالعمل الإرهابي.

وكانت جلسات المؤتمر تواصلت أمس، فعقدت الأولى صباحًا تحت عنوان "الحوار الاسلامي – المسيحي في اطار حوار الحضارات- التجربة اللبنانية" شارك فيها رئيس تحرير "المستقبل" الفضل شلق وعضو "لقاء قرنة شهوان" سمير فرنجية وترأسها رئيس المحاكم الشرعية الشيخ حسن عواد في حضور عدد من المهتمين.
وأكد عواد في مداخلته "واجب الحوار لدى المسلمين، كما هي الصلاة والصيام"، مستشهدًا بالعديد من الآيات القرآنية، وسجل على المسلمين انهم "ليسوا عصاة فقط في موضوع الصلاة والصيام بل في المسائل العامة ومنها انهم لم يعيشوا الحوار الذي فرضه الله تعالى عليهم". وأشار الى ان القرآن الكريم عندما يتحدث عن الحوار "فهو يتحدث عن المسيحية بشكل خاص".

فرنجية
تلاه فرنجية متحدثًا عن "أنواع الاصولية الدينية والقومية والعلمانية وخصائصها القائمة على الفرز بشكل أساسي"، ليخلص الى "المنطق الاصولي هو في جوهره منطق بدائي ينطلق من غريزة موجودة عند جميع الكائنات الحية تدفعها الى اعتبار التمايز والمغايرة والاختلاف مصدر خطر على وجودها".
واعتبر ان الطريق الوحيدة لمواجهة الاصولية الكامنة في النفوس هي بالعودة الى الدين بما هو فلسفة لفهم الذات والآخر، ورأى "عدم وجود حضارات متنوعة في هذا العالم لكل منها نظام قيم خاص، بل هناك حضارة واحدة مكونة من روافد متنوعة ساهم في بنائها جميع الأمم والأديان في مراحل متلاحقة، فلو كان هناك حضارات مختلفة لتركز حوارنا على كيفية تنظيم التعايش في ما بينها".

شلق
تلاه شلق الذي اعتبر ان فهم مقولة حوار الحضارات يقتضي بحثها انطلاقًا من ثلاثة وجوه: "العولمة وتحدياتها، صراع الحضارات وحواراتها وتفوق الحضارة الغربية وقيمها"، مشيرًا الى "اننا تلقفنا مقولة العولمة كي يتدعم لدينا الوهم بأن العالم يتآمر علينا، ثم استقبلنا مقولة صراع الحضارات مشترطين ان يتحول الصراع حوارًا كي نكون طرفًا فيه منعزلًا عنه وفي مواجهته من دون انخراط جدي في العالم، ثم انشغلنا بالرد على مقولة تفوق الحضارة الغربية وقيمها المسيحية كي نبرر للعقل المستريح استقالته من السياسة (..). ولكي لا يبقى مجال للالتباس نقول ان العولمة وهم وان حوار الحضارات وصراعها وهم اكبر، وان الحقيقة الوحيدة التي يجب التصدي لها هي تفوق الغرب، وان تفوق الغرب ليس مسألة تقنية بل هو حصيلة تفوق القيم خاصة الاخلاقية منها".

وتطرق الى الحديث عن النظام العالمي الراهن، فأشار الى ان "مقولة العولمة ساهمت في تعميق موقف المواجهة بيننا وبين الغرب وفي اختزال رؤيتنا للعالم تحت عنوان المواجهة (...)، وغاب عن ذهننا ان الدول الوحيدة التي خرقت جدار التخلف في النصف الثاني من القرن العشرين هي الدول التي تعولمت أو انخرطت في اسوق الرأسمالية التي أسست على قاعدة العمل والانتاج، كما غاب عن ذهننا ان التقدم التقني يتيح حرق المراحل واحراز تطور اقتصادي وبالتالي اجتماعي في وقت قصير جدًا. فالدولة لم ينته دورها في عصر العولمة الموهوم بل انتهى عصر الدول الوهمية".

واعتبر ان "عالمية النظام غير عولمته، بمعنى ان تكون للنظام العالمي مرجعية واحدة ذات قدرة على التقرير (..)، كما ان النظام المعولم الذي تحكمه دول مهيمنة ليس مثاليًا ولن يكون كذلك ما دامت الدولة الرئيسية فيه، أي الولايات المتحدة، لا تستطيع ان تقدم فكرة سياسية واحدة تجعله مؤسسًا على السياسة لا على الامن".

وفي حديثه عن صراع الحضارات رأى انه "في الصراع نعرف ان موازين القوى تقود باتجاه واحد هو ان نسحق وندمر، اما الحوار فهو يسمح لنا بأن نكون طرفًا وبذلك نستريح من عناء الجهد والعمل وتعبئة الإرادة لنصنع الأمة ونوحد القدرات ونضاعف الإنتاج"، مؤكدًا ان "الحضارة العربية الاإسلامية لم تفترض آخر مغايرًا أو مضادًا (...) وهي كانت على مدى التاريخ مزيجًا من حضارات أخرى وهذا سر عظمتها، وقد تخلينا حاضرًا عن عظمة هذا التركيب الثقافي لننساق وراء مقولات وضعها دارسون غربيون عن الذاتية والمغايرة والتفرد".

وفيما ميز بين الصراع الحضاري (أو الحوار) على المدى الطويل حيث تتواصل الحضارات أو المدى القصير حيث الغالب هو الصراع رأى ان "الخلفية الحضارية والثقافية لا يمكن ان تفسر الفرق بين التقدم والتأخر عند أي شعب ومجتمع بل هي السياسة في سياقات تاريخية لا يمكن التنبؤ بها ولا يمكن الحديث عنها قبل ان تحدث لانها شديدة التعقيد".

وخلص الى اننا "بحاجة الآن الى أفكار جديدة وابتداع مفاهيم تتيح لنا العمل كجزء من هذا العالم الذي ينبغي ان نشارك فيه مشاركة فعالة كي لا نبقى الموضوع المنفعل بمقولات وأطروحات من لا تهمهم مصلحة هذه الأمة".

الجلسة الرابعة
وتحت عنوان "الصراع العربي – الاسرائيلي في اطار حوار الحضارات" عقدت الجلسة الخامسة للمؤتمر التي شارك فيها الباحثان نافذ أبو حسنة ووليد نويهض وأدارها النائب محمد رعد الذي اعتبر في مداخلته ان "التصادم الحضاري أمر سهل وغير معقد ويقدم عليه المفلسون وحدهم أما الحوار فأمر صعب لا يستطيعه إلا من هو واثق من نفسه ومعترف بالآخر. إنساني ومتسامح ومتطلع إلى توسيع مساحات الالتقاء" متسائلًا عن "امكانية وجود حوار مع كيان عنصري يؤسس وجوده على إلغاء الآخر".
وتساءل أبو حسنة بداية عن "إمكان وصف الصراع العربي – الإسرائيلي بالصراع الحضاري؟ وإذا كان كذلك فهل هو صراع بين حضارتين محدد في الملامح والسمات؟" واعتبر أن "التفكير في ادراج الصراع العربي – الصهيوني ضمن الصراعات التي يمكن التعامل معها من منظور "حوار الحضارات" قد ارتبطت بالمشروع الأميركي لتسوية الصراع العربي- الصهيوني الذي بدأ في مؤتمر مدريد".

نويهض
وأكد نويهض "استثناء الصراع العربي – الاسرائيلي من قاعدة حوار الحضارات عبر مجموعة من البراهين التاريخية والجغرافية والحقوقية، مفصلًا تجاوزات إسرائيل القانونية حتى قبل تأسيسها.

الجلسة الخامسة
"سبل ومعوقات حوار الحضارات" كان عنوان الجلسة الخامسة التي ترأسها محمد السماك وشارك فيها الدكاترة وجيه قانصوه ومحمد رضا حسين بهشتي وبرهان غليون الذي أرسل كلمته وألقاها نيابة عنه مسؤول الإعلام في مؤسسات الصدر لؤي شرف الدين.

وأشار السماك في الجلسة إلى ملاحظتين "الأولى هي ان الغرب ليس مسيحيًا، وبالتالي عندما نتحدث عن الغرب ثقافة أو حضارة فإننا لا نعني المسيحية بالضرورة، والثانية هي ان العرب ليسوا الإسلام، وبالتالي فإننا عندما نتحدث عن الإسلام ثقافة أو حضارة فإننا نعني إضافة إلى العرب شعوبًا إسلامية عديدة أخرى، كما اننا نغفل المساهمة الكبيرة والرئيسية للمسيحيين العرب في هذه الحضارة أو الثقافة ولا نتغافل على الرواسب اليونانية التي أغنتها".

واعتبر قانصوه في مداخلته، تحت عنوان "حوار الحضارات في عالم متغير"، ان مشكلة العالم "هي ان تقدمه يتسارع بوسائل تقنية عالية من دون أي مقاربة موازية في حل أزماته المتراكمة".

ورأى ان "حوار الحضارات يعني المشاركة في إدارة هذا العالم، ويعني تعددية ثقافية تستدعي إعادة التفكير والبناء للطرائق غير المتساوية في القوة واعتراف متبادل لا يقتصر على مجرد مجاملات يتبادلها أحدنا مع الآخر".

واعتبر بهشتي "ان الوضع العالمي الجديد يشكل خطرًا على التنوع الثقافي، وان انكار الواقع قد يؤدي عن قصد أو غير قصد، إلى اختيار البديل أي المواجهة بين الحضارات".

وتلا شرف الدين كلمة غليون الذي أشار إلى ان "نظرية صراع الحضارات أو الثقافات مثلها مثل نظرية عنف الاسلام، هي من اختراع الغرب، وهي تمثل الاطار النظري الجيواستراتيجي الذي يسعى الغرب الى ان يرى من خلاله معركة دفاعه عن مواقعه المتميزة ومصالحه المشتركة والخاصة في مواجهة المخاطر الكبيرة التي تتهددها منذ الآن وبشكل أكبر في المستقبل".

الجلسة السادسة
أما الجلسة الأخيرة "آفاق ومستقبل حوار الحضارات"، فترأسها الوزير غازي العريضي وشارك فيها المطران بولس مطر والشيخ محمد تقي فاضل مبيدي والدكتورة سعاد الحكيم.

وأشار العريضي الى نقطتين في مداخلة قصيرة الأولى هي ان "من أطلق شعار صدام الحضارات صاموئيل هانتنغتون هو نفسه الذي صرح منذ أيام انه آن الأوان لصراع الحضارات".

أما الاشارة الثانية فهي انها "ليست المرة الأولى التي يحاولون فيها ممارسة الضغوط على لبنان. ونحن أقوياء ولن نعتدي على أحد ولا نريد الاعتداء على أحد، لكننا نصر على حقوقنا".

وتساءل مطر في مداخلته ان "كانت الحضارات هي بذاتها مصدر صدام ام ان الصدام ينبع في الانسانية من أسباب أخرى؟".

وتحدث مبيدي عن "منطق الحوار في سيرة الإمام الصدر" فرأى ان "الامام الصدر كان من مصلحي القرن الماضي وكان حقًا مصلحًا وعالمًا يحمل أفكارًا نيرة (...)، وإحدى الخصائص التي تميزه من بقية المصلحين في القرن الماضي انه كان مع فكرة التعايش بين الأديان والمذاهب وكانت أفكاره التجددية متقدمة على الكثير من المصلحين".
"نحو فلسفة للسلام الإنساني" كان عنوان محاضرة الحكيم التي قالت: "إذا صدقنا الجهات العديدة التي تعلن أنها تجتهد لابتكار مناهج تحقق السلام العالمي في مواجهة قوى الدمار التي تكاد تتسبب بحروب دينية عالمية، فلنبدأ بالتخلي عن فكرة أن الأديان هي العائق أو ان الإسلام هو العائق. المشكلة كامنة في الإنسان لا في الأديان..".

البيان الختامي
وفي الختام تلا الشاعر حسين نجيب حمادة البيان الختامي الذي انقسم الى قسمين، تناول الأول رؤية أفضل أسس الحوار وهي:
1- أن يتنامى الحوار في كافة دوائره.
2- أن يجري بين الممثلين الحقيقيين لأصحاب العلاقة.
3- المساواة بين أطراف الحوار والاعتراف باختلافهم والاحترام المتبادل.
4- البناء على المساحات المشتركة لمقاربة المآسي الفعلية للإنسان.
5- إدخال كل تجارب الحياة داخل مجال التأمل، وإعمال العقل في تحليل الأسباب التي زيفت وتزيف التواصل بين الحضارات.

وفي مناقشاته لمعوقات الحوار خلص المؤتمر الى ابداء قلقه للمجريات الراهنة وتداعياتها حيث يتم استغلال الدين لتغليف مطامح وأغراض تسلطية واستغلالية ولتبرير جرائم بشعة بحق الانسانية أو لفرض نظام دولي قائم على القوة والقهر بمسوغات أخطرها نقل الصراعات الدولية من أرضية المصالح إلى فضاء القيم.

ورأى في الصهيونية استطالة استعمارية وهي محصلة التباسات لثقافات القسر والإخضاع والسيطرة والاستعلاء مؤسسة على قاعدة العداء للآخر، ملاحظًا تقاطع انتهازية الصهيونية مع تغليفات الجموح الاستعماري الجديد لرسم خطوط لصراع عقائدي مفتعل تظهر تجلياته بوصم كل من يحسن قل (لا) بالإرهاب.

وفي التوصيات التي أصدرها المؤتمر دعوة زعماء بعض الدول إلى تنسيق جهودهم والضغط على السلطات الليبية للإفراج عن الإمام ورفيقيه وتحميلها كافة التبعات الأخلاقية والمادية والمدنية، ورفض أي شكل من أشكال المفاوضات لا يؤول في النهاية الى تحريرهم.

ومطالبة هيئة المتابعة بمضاعفة جهودها وتنفيذ وعودها بوضع جدول عمل واضح لتحركها، ومطالبة المعنيين بالإسراع في بت الدعاوى المسجلة على النظام الليبي في المحاكم المختصة والهيئات الدولية المعتمدة، كما تدعو التوصيات المسؤولين في لبنان وإيران وشعبيهما وسائر المهتمين بتحرير الإمام الصدر في كل من افريقيا وأوروبا وأميركا، الى الضغط على الحكومات والأوساط الدولية وملاحقة الدعاوى المطروحة على الهيئات الدولية بما في ذلك منظمة العفو الدولية ومنظمة حقوق الإنسان ودعم مسألة تدويل قضية الإمام الصدر ورفيقيه، وتطالب السلطات اللبنانية بحزم أمرها وتصنيف القضية مع ما يتناسب مع حجمها الفعلي محليًا وقوميًا وإنسانيًا والتعاطي بجدية مع هذا التصنيف رئيسيًا في جدول أعمالها الدائم بتقديم تقرير شفاف عن الاجراءات المنجزة مؤكدة معارضة تشكيل أي لجان لإعادة النظر بحقائق وثوابت قرارات القضاءين الايطالي واللبناني، والتي أخذت بها منظمة العفو الدولية.

source