التغيير في المجتمع حاجة يتلمّسها الأفراد ويرسمونها هدفًا للتحقيق... يطرح الإمام الصدر عنوانًا عريضًا لهذا التغيير الذي لا يراه إلّا بتعاون القلوب والأيدي والاتصال بينبوع الفكر والعقل والقلب وهو الله سبحانه وتعالى. في هذا المقتطف من "أصالة لفكر الثوري" نستلهم هذه المعاني، ونستعرضها مع الإمام سويةً:
بسم الله الرحمن الرحيم
(...) في الواقع، أن إنساننا الطامح، عندما ينظر في الأفق، فيرى أن وضعه وحياته ومجتمعه لا يرضي طموحه، يتطلع إلى الأفق ويعزم على التغيير. هذا الإنسان الذي يقول عنه الحديث الشريف: أكثر الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأولياء، ثم الأمثل فالأمثل. تعبيرًا عن معاناة الذين يريدون أن يغيروا مجتمعهم، ولا يكفيهم ما هم فيه من الوضع المهترئ. فيعانون من المستفيدين من المجتمع أكثر وأكثر بنسبة طموحهم، وببعد تطلعهم البعيد.
(...) الناس فئات:
فئة تستسلم للوضع الحاضر، تذوب فيه، تسايره، تجامله، تفلسفه، تتعاون معه. هؤلاء الضعاف لسنا منهم، ولا يشرفنا أن نلتقي معهم.
فئة أخرى، تفوق الفئة الأولى، لا تقبل بما يجري في المجتمع. ولكنها تهرب من المواجهة، تهاجر، تسافر، تختار مجتمعًا آخر، تختار أميركا، أوروبا، آسيا، هنا وهناك. تفتش هذه الفئة عن الملجأ، عن المهجر. هؤلاء أقوى من الفئة الأولى ولكننا لا نقبل سيرتهم، ولا نكتفي بموقفهم.
(...) وهناك فئة ثالثة، ترى أجواء بلدتها، ومنطقتها، وبيتها لا ترضيها، فتفتش عن التغيير. هناك فئة من الراغبين في التغيير، من الساعين إلى التغيير، من الذين لا يستسلمون إلى الوضع الحاضر، فئة منهم تواجه فتغير. ولكنها تستعمل سلاح الغير. تختار الأحزاب، بعض الأحزاب التي لا علاقة لها بأرضنا. هذه الفئة التي نفضلها على الفئة الأولى والثانية. فالذي يسعى في سبيل التغيير، ولكن يختار خطًا غير متفق عليه، يكون كما يقول الإمام (ع): "ليس الذي طلب الحق فأخطأ، كمن طلب الباطل فأصاب".
نحن هنا، وجدنا أن أفقنا لا يرضينا، مجتمعنا الداخلي، عالمنا العربي، موقعنا في العالم الثالث لا يرضي طموحنا، لا ينسجم مع إيماننا، لا يتفق مع أبدى وأول مظاهر إيماننا، الإيمان بالله اللامتناهي. فطموحنا لا متناه، وإيماننا بالحق والعدل. إذًا، مهما عظمت المصاعب في الداخل والخارج، لا يمكننا أن نقبل.
نحن نشاهد عالمنا العربي، ويعزّ علي أن أقول، أن عالمنا العربي، وما نشاهد في الأجواء، أمر لا يشرفنا. فنحن نشعر بالذل والهوان عندما تتحكم فئة إرهابية في حياتنا، وفي حياة منطقتنا. عندما يريد أن يتحكم إرهابي فيحول إرهابه إلى قضية، ويحول القضية المقدسة إلى الإرهاب، فيجد في العالم مسامع تسمع، وقلوبًا تقتنع، نحن نشعر بالألم.
فنرفض هذا الواقع بكل قوة. ولا يمكن أن نقبل بهذا الواقع، حالًا ومستقبلًا، تمكنا من التغيير فورًا أو لم نتمكن، المهم أن نضع الخطوة الأولى، وفي طريق الألف ميل للتغيير. إذًا، الجو العربي لا يرضينا، ولا ينسجم مع طموحاتنا وتضحياتنا وتاريخنا، فنريد التغيير.
لذلك نفتش في الأفق، لكي نجد ثورة أصيلة، ثورة من طبيعة أرضنا وسمائنا، ثورة فكرية ترتبط بقلوبنا، وتراثنا وإيماننا. (...) ليست مستوردة ولا مقتبسة ولا محاكاة. ثورة من صميم هذه الأرض، ومن وحي هذه السماء، من هذه المنطقة المباركة. ثورة هي في الصراط المستقيم، ﴿غير المغضوب عليهم ولا الضالين﴾ ]الفاتحة، 7[. هذا ما نقر ونعتز، ولذلك بها نتمسك، ولذلك نقف ونحترم ونعتز.
(...) وها نحن نجتمع لنكرم هذا الفكر الأصيل. لنكرم الفئة الرابعة غير المستسلمة، ولا المهاجرة، ولا المقتبسة، بل أصحاب الثورة الأصيلة، الذين يريدون أن يغيروا مجتمعهم.
(...)
أيها الإخوة الأعزاء،
(...) لا نقبل بأن يكون لبناننا الكبير، بلد الحريات بلد الوعي والنضال، بلد النموذج الرسالي في العالم، بلد الوحدة الوطنية، بلد الصراع في سبيل الأفضل، بلد الهجرة المناضلة، بلد المنطلق (...) لا يمكن أن نقبل أن رجالًا صغارًا، لا يملكون إلا اللؤم والدس والفتنة، يدخلون إلى بيوتنا، (...) لكي يمزقونا، ويخلقوا منا محاور وفئات هنا وهناك.
إخواني الأعزاء،
(...) فلنلتقِ! أيها الذين يرفضون الوضع الحاضر ولا يهاجرون، والذين لا يقتبسون سلاحًا من الآخرين.
نلتف، ونلتقِ، ونغيّر حاضرنا اللبناني والعربي والعالمي، بالحكمة والوعي، وعدم السماح للأيادي الخبيثة أن تلعب في أمعائنا؛ ولنضع كلبنانيين أيدينا بعضنا مع بعض، حتى نضع حدًا للكبرياء الذي نعانيه والذي نحس به، والذي نقرف منه، ونشعر بأنه لا يتناسب مع كرامتنا، وكرامة تاريخنا. فيدًا بيد، ووجهًا إلى جانب وجه، وعقلًا إلى جانب عقل، وقلبًا إلى جانب قلب، متصلًا بواسطة الإيمان إلى ينبوع العقل والفكر والعلم، إلى الله سبحانه وتعالى، وإلى الله.
والسلام عليكم.
* للإطلاع على النص الكامل
