كيفية الوقوف أمام الأفراح والانتصارات

الرئيسية صوتيات التفاصيل
الكاتب:موسى الصدر

* تسجيل صوتي من محفوظات مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات.
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
كنا في سلسلة من الأحاديث نشرح فيها بعض ما ورد من التعاليم الدينية حول التربية الإسلامية، وأن القرآن كيف يربي المسلم، ويريد أن يكون المسلم في مواقف. فقلنا مثلًا، القرآن يعلمنا كيف نستقبل المصائب، ثم كيف نستقبل الفساد، وشيوع الجرائم والمشاكل في المجتمع؛ واليوم أمامنا حلقة أخرى من هذه السلسلة، كيف نقف أمام الإنتصارات، والمكاسب والأفراح؟
لا أشعر بحاجة إلى التأكيد على أن الإسلام والدين ليسا صلاةً وصيامًا فحسب. بل هناك دائرة واسعة، وتعاليم عديدة، تشمل حياتنا جميعًا. كل شيء في حياتنا من صغيرة، أو كبيرة، فيه حكم من الدين. الإنسان له في كل موقف، تعليم من الإسلام. وهذا واضح في مجموعة التعاليم الدينية. فلا تفكر أن هذه المسائل كماليات في الحياة، بل من صميم الدين، ومن علائم الإيمان.
فالإيمان العميق كما قلنا يجعل الإنسان متينًا، محكمًا، صلبًا، أمام المصائب والمحن. الإيمان العميق يجعل للمؤمن من كل مصيبة درسًا. أما الإنسان الذي يخضع، ويجزع وييأس، ويسأم من الحياة أمام المصائب، هذا لا يعتبر مؤمنًا عميقًا في إيمانه. وهكذا بالنسبة إلى الموقف الثاني أمام المشاكل والمصائب الاجتماعية. المؤمن موقفه، موقف ثابت، معتبر، متنبه، خاشع، يفهم أن هذه المحن والمصائب، هي مما صنعت يداه، ويجب أن يغيّر، ويبدّل، ويتوب، ويبدأ بالعمل من جديد؛ هذه آثار الإيمان في نفس الإنسان. وهكذا حديثنا اليوم للمسلم أمام الأفراح، أمام المكاسب، أمام الانتصارات، يجب أن يكون موقف ثابت، نابع من إيمانه ومن تعاليم دينه.
هناك من الناس من يشعر حينما يكسب مالًا، أو جاهًا، أو حينما ينتصر على خصم له، أو حينما يتوفق في موقف تجده يتأثر بهذه الانتصارات. يفقد صوابه، تأخذه العزة يغتر، كثير من الناس حينما ينتصرون يصير عندهم غرور، يصير عندهم فرح زائد. حينما يتغلبون على خصمهم بعد لا تقدر تحكيهم. صار عندهم شيء من الشموخ والسمو والتعالي كأنه ملك الدنيا وأُخلد في الأرض. أناس عندما يكسبون مالًا يطغون: ﴿إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى﴾ [العلق، 6-7]. البعض عندما يكسبون جاهًا، أو ثقة في نفوس الناس، أو عظمةً، يشعرون بالغرور الزائد. حتى يبلغ وضعهم أنهم يحكمون على أنفسهم، بأنه هو له ميزات بين الناس ويختلف عن الناس. وغالبًا آفة العظماء، الغرور؛ والغرور سبب الانحراف أساسًا. لماذا؟ لأن الإنسان المغرور، تسمعون يا إخوان؟ الإنسان المغرور، يجد نفسه مستغنيًا عن التماس آراء الآخرين، والاستماع إلى الآخرين، والاستعانة بالآخرين. أليس كذلك؟ يرى نفسه أكبر من الآخرين؛ ولأنه أكبر من الآخرين لا حاجة له أن يستعين بالآخرين، أو يستشير الآخرين، أو يأخذ نصيحة الآخرين. بالنتيجة صار محرومًا من الناس. وضع بينه وبين الناس حجابًا، سدًا... صار معزولًا عن الناس. الإنسان المغرور يعيش غريبًا بين الناس. صحيح أنه هو مسرور بما هو فيه، لكن أحاط نفسه مثل دود القز بحاجز، لا يقدر أن يستفيد، لا يقدر أن يشتغل، لا يقدر أن يستعين، انتهى، تجمد. فالغرور انحراف وخطر على النفس، قبل ما يكون خطرًا على الآخرين. ثم الغرور، يوجب أن الإنسان ينظر بالمسائل وفي المسائل وفي الأمور بمنظار عاطفي غير حقيقي. ينظر إلى الكبير كالصغير، وينظر إلى المسائل العظيمة كالمسائل الهينة الرخيصة. لا يستشير الآخرين فيضل الطريق ويهوي. فالغرور خطر على الإنسان. هناك من البشر من يغتر، ويحصل عنده غرور إذا انتصر، أو إذا كسب، أو إذا استغنى، أو إذا صار وجيهًا، أو زعيمًا. (وبيناتنا) طبيعة البشر هكذا. البشر ضعيف، يفزع، ويجزع، إذا فقد شيئًا. ويغتر، ويبطر، إذا وجد شيئًا... ضعيف. ولكن الإيمان إذا كان في قلب الإنسان، وإذا صار الإنسان متينًا قويًا بالإيمان متصلًا بالله، لا يجزع مما فاته، ولا يفرح بما آتاه إلا بمقدار شكر النعمة.
هذا موقف قرآني عميق. لمن يقول القرآن هذه الكلمات؟ لتربيتنا. فلنستعرض هذه المواقف لكي نستخلص منها نتيجة.
إخواني، الإسلام أعمق بكثير مما نحن نفهمه. تربية عالية جدًا. المفروض للمسلمين أن يكونوا متربين بالتربية الإسلامية. من باب المثل: ما هو موقف المسلم أمام الانتصارات؟ إذا انتصر الإنسان، ما موقفه؟ حتى في الحق، لا تفكر أن الإنسان يجب أن يكون انتصاره على الحق للباطل، لا، لو فرضنا، أنت على حق، وانتصرت على خصمك، ما موقفك؟
القرآن يعلمنا، يقول: ﴿إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجًا * فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابًا﴾ [النصر]. يا محمد، أنت سوف تنتصر، وسوف تدخل في مكة، وسوف يدخل الناس في دين الله أفواجًا، وسوف تكون زعيم الجزيرة الأوحد، وسوف تكون سيد العالم، لا الروم، ولا الفرس، ولا أي زعيم في العالم يبلغ ما بلغته أنت، كما يصفه في ذلك بعض الجواسيس من مكة حينما أخبروا أهل مكة قائلين: أننا ما وجدنا ملكًا، ولا زعيمًا، أعظم في عيون أصحابه، من محمد.
وبالرغم من تواضعه، وبالرغم من لين جانبه، واستماعه لأحاديث الناس، يقول الجاسوس في تقريره: رأيته يتوضأ، فوجدت أصحابه يتخطفون قطرات الماء التي تنزل من يده، ويتبركون بها. هذا المقام من وصل إليه؟
دخل محمد في مكة منتصرًا، والعالم العربي الذي كان ينتظر نتيجة الصراع بين محمد وبين قومه، خضع، ودخل: ﴿في دين الله أفواجًا﴾ [النصر، 2]. القرآن يقول له: يا محمد! حينئذ لا تغتر، لا تفكر أن هذا من شغلك أنت. لا تفكر أن هذا الانتصار من ذكائك، ومن نفسك أنت. نحن كنا وراءك. نحن ساعدناك. هذا نصر الله جاءك: ﴿إذا جاء نصر الله﴾ [النصر، 1]. ليس لك هذا، أنت وسيلة، نِعم الوسيلة، ولكن النصر من عند الله. فإذًا، ﴿فسبح بحمد ربك واستغفره﴾ [النصر، 3] من الشعور بالاعتزاز والاغترار، والله يغفر لك، إذا كنت تائبًا بجد. ولهذا، دخل محمد المنتصر، سيد العرب، دخل في مكة وهو يحني رأسه على الفرس، خاشعًا، خاضعًا، مهللًا، مستغفرًا... دخل في مكة بهذه الحالة.
فإذًا، الانتصار، لا يجوز أن يجعل الإنسان المنتصر مغرورًا. لا يعرف، ولا يفهم، ولا يبصر ما عنده وعند غيره من المشاكل. المفروض أن يخضع، ويخشع، ويعرف بأن هذا الانتصار أيضًا أمانة من الله في يده، وهو أمين على هذا الانتصار، يجب أن يصرفه في سبيل الله. ولهذا، الأوامر والآثار، التي تأمر بالعفو عند الانتصار وعند المقدرة، ليست من الصعوبة بمكان عند المؤمن؛ لأن المؤمن الذي يعرف أن نصر الله وقوة الله، جعلته ينتصر على خصمه حينئذ يعفو، ليس من يده، وليس من كسبه وذكائه. فإذًا، إذا عفا، ماذا يحدث؟ الله يقول له: إعفُ عنه، لأن الله الذي جعلك تنتصر، بإمكانه بكل سهولة، أن يعكس الآية، كما عكسها بعد فتح مكة. أما ابتليَ النبي بمحنة واقعة أخرى في خارج مكة؟ في: ﴿يوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم﴾ [التوبة، 25]، أما انهزم المسلمون بعد هذا الانتصار؟ فإذًا، هذا التأديب كان لجماعة محمد: ﴿أعجبتكم كثرتكم﴾ [التوبة، 25]. لا تفكروا أنه (خلص) وانتهى، وقعتم في هزيمة قال فيها بعض المستهزئين المنافقين، قال: إني أرى هزيمة، لا يقف أمامها إلا البحر. يعني هذه الهزيمة تمتد من خارج مكة إلى مكة، ثم الهزيمة تستمر إلى جدة إلى الشواطىء، إلى البحر الأحمر. هكذا عبَّروا عن الهزيمة النكراء، بعد هذه الواقعة. ولكن الله سبحانه وتعالى أيضًا، أعاد العكس عليهم، وانتصروا على أعدائهم بصبر جماعة قليلة منهم.
فإذًا، أمام الانتصار، لا يغتر المؤمن. أمام المال والجاه، والمكاسب والأرباح، والأولاد والأفراح، لا يفقد المؤمن صوابه. فنحن نقرأ في القرآن الكريم أنه يؤكد أن الأموال والأولاد، فتنة؛ لا يقول عيبًا الأموال والأولاد قد يعبر عنها القرآن بأنها زينة، وقد يعبر عنها القرآن بأنها فتنة. فتنة يعني اختبار للمؤمن... افتتان وابتلاء للمؤمن. المؤمن كما يُبتلى بالمصائب، يُبتلى بكثرة المال والأولاد. هناك أناس عند المصيبة، يفقدون صوابهم ويجزعون ويتهربون وينحرفون؛ وهناك أناس عند الانتصار والأفراح ينحرفون. فالمؤمن العميق في إيمانه، هو الذي لا يفقد صوابه ويتمسك بتوازنه في حالة الجزع، وفي حالة الفرح؛ لا يفرح أكثر من اللزوم بما أتاه، ولا يجزع بما فقده.
الأموال والأولاد زينة ونعمة من الله، ولكنها فتنة. لماذا؟ لأن الإنسان إذا كان له درجة من الإيمان وهو غير غني، إذا صار غنيًا يتمكن أن يعمل شيئًا يجب أن يكون عنده درجتين من الإيمان، حتى يتمكن أن يمسك بحد العدالة، ويتزن في تصرفاته؛ لأن الكثيرين لا يرتكبون المحرّم لأنهم لا يملكون، كثيرون لا يرتكبون المحرم ولا يظلمون الناس لأنهم لا يتمكنون. فإذا تمكن الإنسان، وكان إيمانه على قدر إيمان غير المتمكن، ممكن ينحرف. ولهذا، المال فتنة. لماذا؟ لأن المال، اختبار لدرجة إيمان المرء. فإذا كان مؤمنًا متينًا، حتى بعد الغنى، حتى بعد الجاه، حتى بعد التمكن، يبقى عادلًا متزنًا. عندنا ناس مظلومون، لأنه ليس لهم أولاد، وحسب تعبير منطقتنا، ليس لهم زلم. وإذا صار لهم شباب وأولاد، إذا عندنا 20 شابًا، 50 شابًا، 5، 6 شباب، نحب حينئذ أن نظلم، ونرتكب ونعمل؟ أعوذ بالله، هذا معنى الفتنة لأن الإنسان بالفعل حينما يرتفع عن الدرجة العادية، ويصير عنده أولاد أكثر من اللزوم. يصير عنده جاه نسبيًا. ويصير عنده مال مناسب، يصير عنده قوة بدنية معقولة، فيجب أن يكون إيمانه أكثر حتى يتمكن من المحافظة على سلامة الموقف.
فإذًا، موقف المؤمن عند الكسب والوجدان المالي المادي، أي موقف، نفس موقفه عند الفقر. لماذا؟ لأنه لم ينحرف، لأن هذه البسائط من المكاسب، لا تتمكن أن تجعله منحرفًا متغيرًا. يبقى هو العبد المحتاج، الذي لا يملك لنفسه نفعًا، ولا ضرًا، ولا موتًا، ولا حياة ولا نشورًا. المال عندي، ولكن الله سبحانه وتعالى جعلني خليفة في هذا المال ومستخلفًا في الأرض، جعلني كما يقول الحديث الشريف: الأغنياء أمناء الله... وهكذا ذو الجاه، أمين من الله على جاهه، وذو الأولاد أمين من الله على مجده، وعلى قبيلته، وعلى زلمته، وعلى أولاده. ما دمت أنا أمين على هذا، فلا يجوز لي أن أتصرف بوجه من الوجوه في هذه الأمانة في غير ما يرضي الله. لا يجوز لي، أن الأمانة التي أعطاني الله إياها، أصرفها في معصية الله. أنت ترضى لنفسك أن تعطي أموالًا لصديقك، أو لجارك. جارك يقيم دعوى عليك ويستعمل هذه الأموال ضدك في المحكمة؟ هل تقبل لنفسك أن تحترم صديقًا لك فتعطيه من باب المثل سلاحًا، هو يستعمل السلاح في سبيل قتل ابنك أو جرح أخيك؟ هذا عمل صحيح؟ عمل كريم أو لؤم هذا؟
نحن إذا خضعنا للمنطق القرآني وعرفنا أن المال، والجاه، وكل هذه الأشياء؛ أمانة من الله. فالمفروض أن نصرفها في ما يرضي الله، لا أن ننحرف. فإذًا، الإنسان أمام الانتصارات، وأمام المكاسب، الإنسان المؤمن، واجبه أن يكون معتدلًا، موزونًا. أن يكون الإنسان أمام هذا المجد يشعر بالمسؤولية ولا ينحرف. ولا شك أن هذا من علائم الإيمان العميق أيضًا أنه لا ينحرف عند الجزع. وهكذا بالنسبة إلى الأفراح. الإنسان في فرحة ما، في لذة ما، وتمر الفرحة، واللذة على كل واحد من البشر، الإنسان السخيف، الخفيف، يضيّع نفسه. يتخبط، يحكي، يلهج، ويهجر. أما الإنسان الموزون، من هو الإنسان الموزون؟ الإنسان الثقيل من هو الثقيل؟ الذي عنده الإيمان، لأن الإيمان صلة متينة بين الإنسان، وبين الله. فالإنسان المتين السليم الموزون المؤمن ليس خفيفًا. يقول أحد الشعراء: أن الإنسان الخفيف وضعه مثل أجمة القصب... غابة القصب أي القصب الناشف. هنا يمكن قليل ما يوجد قصب ناشف لأن القصب غالبًا قصب السكر يقطعونه في وقت الطراوة، لكن لا بد أنكم رأيتم الآجام في كثير من المناطق. أجمة يعني مكان لكثرة القصب، قصب فارغ ناشف. هذه الأجمة من القصب، يعني حرش القصب، عندما يهب هواء خفيف يصدر أصواتًا مزعجة تطلع من هذا. لماذا؟ لأنها خفيفة. أما بالنسبة للأشجار الطرية المتينة، الهواء لا يخلق هذا الصوت. هو يقول : يا بني آدم، لا تكن مثل الأجمة الفارغة، مثل حرش القصب، بمجرد ما تسمع كلمة تصرخ. وماذا صار يعني، ماذا صار بالدنيا، (طوّل بالك). بمجرد ما تجد فرحة، تضيّع نفسك. ماذا صار! هذا العمر عابر، هذا العمر مؤقت، هذه الانتصارات محدودة، ليست لك. يوم لك ويوم آخر عليك. فإذًا، لا تضيع حالك إذا انتصرت، أو إذا فرحت، أو إذا كسبت، أو إذا وجدت.
هكذا تربية الدين لنا، وكانوا قادتنا يعاملون أنفسهم هذه المعاملة. أكثر من هذا، حتى العلم يا أخي، حتى الثقافة والمعرفة. هناك بعض الناس إذا تعلموا، يضيعوا حالهم. هؤلاء نسميهم في العلم الديني أو العلم الزمني المراهقين، لأن الإنسان الذي يتعلم قليلًا يحكي كثيرًا، أو إذا درس قليلًا رأى نفسه صار من العلماء؛ هذه خفة العقل وضعف الروح. العلم يجب أن يوجد اتزانًا في الإنسان ومتانة في التفكير، وإلا ماذا يعني؟ ألا يوجد أعلم منك؟ هناك كثير: ﴿فوق كل ذي علم عليم﴾، [يوسف، 76]، بتعبير الشيخ علي داوود، الله يذكره بالخير.
فإذًا، الإنسان إذا تعلم، هذا العلم الذي كسب، مثل المال الذي كسب. ما الفرق بين العلم والمال يا أخي؟ لا تفكر أن العلم أشرف إذا صرف لغير وجه الله. نفس الشيء ربح مادي. العلم فن، سلاح، ولهذا يقول عنه الحديث الشريف: الحجاب الأكبر العلم، حتى العلم الديني، هو الحجاب الأكبر. إذا ما كنت متصفًا بالخُلق، هذا العلم يبعدك عن الله بلا تردد. إذا ما كان مقترنًا بالعمل الصالح، وبخشوع القلب، وبقوة الإيمان، يضيع؛ نفس الشيء، مثل صاحب المال الكثير.
فإذًا، حتى الذي تعلم وتثقف وصار واعيًا، وصار عنده تجارب، وصار عنده معلومات من هنا وهناك، يجب أن ينظر إلى هذا المكسب، أن هذه أمانة عنده، ويجب أن يصرفها في سبيل الله، وفي خدمة عباد الله، ولا يغتر. وإلا لا فرق بين الغرور الناتج عن العلم، والغرور الناتج عن السلاح، والمال، والمجد، كله مثل بعض. وأكثر من هذا دعنا ندخل في أنفسنا أيضًا. حتى الدين يا أخي، حتى الصلاة والصيام، حتى إكثار العبادة، حتى الحج. إذا أنت تشعر بعد الحج، وبعد النوافل الليلية، وبعد الصلاة الكثيرة، وبعد الذكر الدائم، إذا شعرت بالغرور، أو إذا شعرت باحتقار الناس، وصنفت الناس، واحتسبت نفسك أحسن من الآخرين، فهذا أيضًا دنيا، وهذا أيضًا حجاب أكبر، هذا الحج يبعدك عن الله، هذه الصلاة ليست معراج المؤمن، هذه الصلاة مثقال المؤمن -إذا صح التعبير- نهضة المؤمن، أليس كذلك؟ نفس الشيء، لماذا يا أخي؟
الصلاة ما هي؟ الصلاة عبادة الله. الصلاة تجعل الإنسان خاشعًا محترمًا لله، ولعباد الله. إذا أنت شعرت بالغرور في صلاتك، إسمح لي أن أقول لك: أن هذه الصلاة، لا تنبع عن قصد التقرب إلى الله. الصلاة إذا صدرت عن الإنسان لا بقصد التقرب بل بداعي كسب الوجاهة أو لأجل الرياء، لا سمح الله، هذه الصلاة لا تقرّب الإنسان إلى الله؛ بالعكس، تنمي النزعة التي أدت إلى هذه الصلاة، مفهوم الكلام؟ هذا الفعل الخارجي ناتج عن سبب، وعن غاية في نفسي؛ إذا كانت الغاية، التقرب إلى الله مع كل صلاة أقفز قفزة إلى الله، معراج المؤمن، أما إذا كانت الصلاة نابعة عن نزعة أنانية بشرية، يعني أنا لأجلك، لأجل كسب الناس، لأجل كسب الجاه، من أجل هذه الأشياء الدنيوية صلاتي تغذي هذه النزعات، وتبعدني عن الله!.
فإذًا، حتى الأعمال الدينية، عندما يتوفق الإنسان لها، وعندما يتشرف بممارستها، يجب أن يشعر بازدياد الخضوع، والتواضع، كلما يزداد الصلاة والتسبيح وصلاة الليل، والحج، ويكثر من الصيام. أما الذين يشعرون بالغرور بعد الصلاة، وبعد الصيام، وبعد الحج، شايفين حالهم! هذا ماذا أقول إلا حديثًا عن الإمام (س) -أظن أنه الإمام الرضا، لأني قرأت هذا الحديث منذ ست سنوات تقريبًا- يقول: ربما يذنب الإنسان ذنبًا يدخله الجنة، وربما يعبد الإنسان عبادة، تدخله النار، تعرف كيف؟
ثم يشرح الإمام يقول: يذنب الإنسان ذنبًا فيتألم ويندم ويتأثر -النفس اللوامة- هذا الأسف والندم عبادة. ولعله يتوقف من استمرار هذا الندم الدال على قوة الإيمان في نفسه؛ وإلا الإنسان غير المؤمن، لا يندم طبعًا على معصية. هذا الندم لعله مفتاح يجعله يترك هذا المحرم، ويتوجه إلى الخير فتكون الخطوة الأولى في السير نحو الجنة. هل تسمعون ونسمع أيها العصاة؟ أضم نفسي معكم. كلنا نشعر بالمعاصي. إذا شعرنا بالندم أمام المعصية، فهذا توفيق من الله. هذا بريق من الجنة، من نور الله دخل في قلبك. وربما يعبد الإنسان عبادة، فيشعر بالغرور، والاعتزاز والاكتفاء، وتحقير الآخرين، وتصنيف الناس، وتنزيل مقام الآخرين، فيكون هذا مقدمة سيره نحو النار.
فإذًا، التربية القرآنية في جميع المكاسب، من الإنتصارات في الحروب، أو من المكاسب الإجتماعية، أو من الكسب للمال، وللجاه، وللأنفس، والثمرات، أو من كسب العلم، أو من كسب العمل، في كل هذه المواقف، الإنسان يجب أن يسمع هذه الآية الكريمة: ﴿إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجًا * فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابًا﴾ [النصر]؛ هذا هو الموقف.
والحقيقة أن الحياة التي نعتبرها، ونراها محدودة مقصورة، لا في الانتصارات، ولا في ما نفتقده من الأشياء. يجب ألا يكون الإنسان خفيفًا إلى درجة يفزع، أو يبطر، نتيجة لهذه المواقف. هكذا يربينا القرآن، ويعلمنا، أن نقف الموقف في هذه النقاط.
والسلام عليكم.

source
عدد مرات التشغيل : 97