نبه قاضي شرع صيدا الشيخ أحمد الزين الى أن الفتنة السنية الشيعية المستفيد الأول منها إسرائيل والمشاريع الاستعمارية التي تريد نهب ثرواتنا، قائلاً: إن الإمام السيد موسى الصدر حرّم دم المسلم السني وحرّم ماله وعرضه، واليوم أنا أقول، على المسلم السني أن يفهم أن المسلم الشيعي يحرّم علينا دمه وماله وعرضه. فهو مسلم ينطق بالشهادتين ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويحج البيت. فكيف يحق لإنسان مسلم أن يحل قتله.
جاء كلام الشيخ الزين خلال ندوة فكرية نظمها نادي الغجر في الخرايب، لمناسبة الذكرى السابعة والعشرين لتغييب الامام السيد موسى الصدر، بمشاركة عضو كتلة التحرير والتنمية النيابية النائب علي حسن خليل والمفكر حسين شرف الدين، في النادي الحسيني لبلدة الخرايب، بحضور نجل الامام الصدر السيد صدر الدين الصدر والمسؤول التنظيمي لإقليم الجنوب في حركة أمل جميل حايك.
وحملت الندوة عنوان "مجتمع المقاومة في فكر الامام الصدر"، وأكد فيها الشيخ الزين أن ما نسمعه اليوم من طروحات فيدرالية أو كونفدرالية في لبنان هي طروحات تهدف الى تدمير لبنان، وهي محاولة لإثارة الفتن الطائفية والمذهبية.
وقال النائب خليل إن موقف حركة أمل من موضوع المقاومة هو موقف الامام الصدر وخطابه، لأن مسألة المقاومة ليست مسألة تحرير أرض بعينها إنما مسألة استعداد دائم لمواجهة ما تمثله إسرائيل من عدوانية وخطر يتهدد القيم والثقافة.
كما ألقى شرف الدين كلمة استعرض فيها مسيرة الامام الصدر ورؤيته للبنان في مواجهة الخطر الإسرائيلي.
وهنا النص الكلمات: (محفوظات مركز الإمام موسى الصدر)
السيد حسين شرف الدين:
جيل الامـام الصـدر
كل جيل وله مصلحوه الذين يخرجون من عمق الحاجات, مهما كان المستوى الاجتماعي الذي يعيشه الجيل, ويبقى لكل جيل طرح إصلاحي يتناسب مع ما هو آني, ويتوافق مع قدرات الجيل, ومع إمكانية التقبل والاستثمار, مما يساهم بجزئية لتغيير اقتضتها القدرة الذهنية والكفاءة البشرية, وقد لا يشعر بالتغيير بسبب الكم المتراكم من الحاجات, ولكن شيئاً سيحفر في الذهن العام للمجتمع ولو بأثر خفيف.
وقد يقيض للجيل من يقوم بما هو أكبر من قدرات ناسه, وينهض لها مجتمعه, فتأتي الاستجابة له, ثم تنكشف عن استجابة عاطفية تمددت أفقياً دون أن يكون العمق على مستوى الارتداد, وهذا يحمّل أعباءً لمن قام بصرخة الاصلاح دون أن تكون له الحماية ممن كانت لمصلحتهم الصرخة, وإذا الجيل الآخر من تنهضه الصرخة فيستجيب بما يناسبها مما مكث في الاعماق.
ويأتي جيل يقحمه الاصلاح بمشروع, تشكله الحاجات الآنية ويتشكل منه التأسيس لتحقيق ما هو من الغايات المستقبلية, فتأخذ الجيل الدهشة بحيث يغفل عن وعي الحدث إلى مقولة من يأتي متقدماً عن زمانه, وليس هناك من مصلح يستبق زمانه, وإنما المصلح من يعي زمانه ويدرك مقتضياته, حيث يبنى عليها الآتي, والرئويون هم أصحاب النهضة الحقيقيين. وما القول بسبق الزمان سوى اعتذار عن عدم فهم الآني فضلاً عن العجز بإدراك الآتي, وما أن تعبر الايام حتى يكون الاستيقاظ على ما فات, ولات ساعة مندم.
نحن من الامام السيد موسى الصدر كمن يدعي لنفسه معرفة بالأزمنة وخبرة بمعادنها حتى إذا تخطانا زماننا الذي ندعي امتلاكه يذهلنا فُتاتاً تلقفناه, دون بذر غرسناه, فلم نحسن ـ حيث يقتضي ـ تحصينا لزماننا حماية لزمان الآتين بمشاعل النور.
زماننا الذي كنا فيه وعشنا على هامشه, دون الاغوار, هو زمان الامام الصدر الذي وعاه زمان ما بعد التغييب, وتجسد في تموز 2006 مستعيداً يوم (تلة مسعود) الذي كان قبل ثلاثين عاماً, وهكذا, فالمكان للأقدام الثابتة المتجذرة, والزمان لمن يشربون بعين سلسبيل يفجرونها تفجيراً.
حديثنا يتمحور حول النقطة المركز لتجسيد شعار منهج طرح سنة 1974 ليؤكد أن (قدر لبنان أن يكون بلداً محارباً), وليس (بلداً سياحياً), وبين هذين (البلدين) لا يزال يشتد التجاذب.
حديثنا اليوم يعرض بإيجاز للتنمية وللبلد السياحي, ثم يشير إلى فترة الازدهار التي كانت يوماً في لبنان وأسبابها, لنتناول بعدها مفهوم الامام الصدر للبلد المحارب.
كان هذا الحديث في أيلول 2005, ورغب إلي مركز الامام الصدر للابحاث والدراسات أن يخرجه وفي هذا الظرف بالذات, إذ بدا, في حرب تموز وما بعدها إلى الآن, أن دعوة الامام الصدر المجتمع المحارب قد أسس ثقافة للنهوض دفاعاً عن مجتمع تنهشه المفاسد والموبقات الامر الذي يستوجب الشكر لإخراجه وللتوقيت.
أساس الاصلاح
في التوقف عند حوار بين الامام الصدر والرئيس رشيد الصلح (1), نحاول استيضاح معالم ما رمينا إليه, ونقتطع من الحوار:
الامام الصدر: هذا الوضع لا يجوز أن يستمر, يجب أن تكون الحكومة ساهرة على المواطنين.
الرئيس الصلح: إننا أمام خيارين, فإما أن نكون بلداً سياحياً وإما بلداً محارباً, والامكانات المادية لا تسمح بتقوية عناصر الامن...
الامام الصدر: إن قدر لبنان أن يكون بلداً محارباً...
يطرح الحوار أمامنا مشروعين: مشروع البلد السياحي, وهو الخيار الضمني المحتمل لرئيس حكومة, لبلد كان قد مضى على استقلاله واحد وثلاثون عاماً ولا يزال يفتش عن خياراته.
ومشروع البلد المحارب وهو أطروحة لإنسان في هذا البلد, يعيش إنسانيته مع البلد وكل أبناء البلد, وقد حسم خياره قبل إجراء هذا الحوار بأربعة عشر عاماً.
على أي حال, علينا أن نعطي لكل منهما حقه بتصوره لنظام يرمي إلى إنماء بلد, ونفترض الجدية في أي خيار كان, وأن التنمية الشاملة هو الغرض, ولذلك نتناول أولاً موضوعة التنمية, والتنمية البشرية, بالذات لنستطيع الحديث عن كل من المشروعين.
الحديث عن التنمية ومدى فاعليات القدرات والطاقات قد يدخلنا في مجموعات كمّيّة وأرقام إحصائية تنتظم في لوحات تبين نسب الموارد المنتجة للتنمية, وهذا ليس موضوعنا, وإنما نستقي منها ما يرتبط بالانسان باعتباره صانع التنمية وصاحب المصلحة فيها:
• التنمية بناء مشروع حضاري متكامل يتوافر فيه التوازن بين الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
• التنمية هي عملية صنع القدرات البشرية, وهي كذلك عملية الانتفاع بهذه القدرات.
• هناك علاقة جذرية بين تنمية الانسان وتنمية الاشياء وبالخصوص في البلدان النامية.
• التنمية البشرية عملية تهدف إلى زيادة الخيارات المتاحة أمام الناس.
• النمو الاقتصادي وحده لا يعني التنمية الحقة.
• من التعطيل للتنمية الظن بأن التنمية لا تعدو تحقيق تقدم في الناتج القومي للفرد.
• النمو في متوسط الدخل الفردي يمكن أن يتم مع تباطوء التنمية وتعثرها.
• الانسان صانع التحول للموارد الاخرى والموظِّف لها, وكذلك مورد لاتنضب طاقاته.
• زيادة الخيارات المتاحة امام البشر يضفي على مفهوم التنمية البشرية دينامية, فالخيارات البشرية غير محدودة, متطورة باستمرار إذ تشمل الحريات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتوفير فرص الابداع واحترام حقوق الانسان.
المضامين الاجتماعية للتنمية البشرية.
التربية مسؤولة عن تشكيل قدرات بشرية, وتنظيم طرق الانتفاع بالقدرات المكتسبة, بالاحاطة بأبعاد تعليمية وتدربييةوتنظمية وسلوكية, لتوفير المضامين الاجتماعية للتنمية البشرية التي ينبغي أن يسعى النمط الانمائي العام لتحقيقها بحيث تؤدي مدخلاته ومخرجاته إلى تحقيق متزايد في الشمول والمستوى لتلك العناصر المؤدية في تفاعلها وتكاملها الى تطوير لمستوى معيشة الانسان ونوعية حياته, بقدر ما يوفر مدى اشباع الحاجات:
1ـ الانسانية للنمو الجسدي, وتشمل: الغذاء والماء, والكساء, والصحة, والسكن, وحماية الجسم من الاعتداء والاصابة, والحركة الجسدية الطليقة.
2 ـ الاجتماعية والثقافية, وتشمل: التعليم وتحصيل المعرفة, تنمية المهارات والمواهب, العمل النافع والمجزي للفرد والمجتمع, التواصل الاجتماعي من خلال إتاحة المعلومات والخبرات, تكوين الوعي الاجتماعي, تأمين الانسان على عمله ونشاطه اليومي, تأمين الانسان على حياته وحياة أسرته ومحيطه الاجتماعي, حب الاستطلاع والتجربة والاختبار واكتساب الخبرة الانتماء والهوية.
3 ـ النفسية (السيكولوجية) وتشمل: الطمأنينة وإبعاد عوامل الخوف والقلق, المحبة والتحاب, الاعتراف بقيمة الانسان في أسرته ومحيطه الاجتماعي, حب الاستطلاع والتجربة والاختبار واكتساب الخبرة, الانتماءوالهوية.
4 ـ المعنوية , وتشمل: القدرة على التعبير دون كبت أو قهر. القدرة على الفعل والتأثير والتعبير. القدرة على ابعاد الظلم والعسف الذي قد يقع. القدرة على التجديد والابتكار والابداع.
5 ـ القدرة على المشاركة في الحياة العامة, وتشمل: المشاركة في الحياة السياسية. الانضمام إلى الجمعيات والنقابات والجماعات الضاغطة. المشاركة في صناعة القرار ومتابعة تنفيذه وتقييمه. والمشاركة العادلة في ثمرات العمل.(2 )
بعد أن عرضنا نقاطاً رئيسة توضيحية للتنمية ـ التنمية البشرية ـ والنمو والتنمية ـ نعود إلى الحديث عن مشروعي البلد السياحي والبلد المحارب, وأي منهما أقرب للتعاريف.
البلد السياحي.
البلد السياحي الذي يعتمد كلياً السياحة لإقامة نظامه الاجتماعي ليس جديداً في العالم, وطبيعته تكوّنياً وموقعاً وموارد وعلاقات تفرض عليه أن يقوم علىالسياحة فحسب, وغالباً ما تكون طبيعة هذه البلدان جزراً استقلت في النصف الثاني من القرن العشرين وأبقت على علاقاتها مع الدول التي استقلت عنها فوفرت لها ضمانة دولية, ومنها في المحيط الهندي: أرخبيل ملديف, وجزيرة موريس. ومنها في أوقيانيا: تاهيتي وهاواي, وهناك جامايكا والبهاماز وغيرها, وفي منطقتنا: جزيرة قبرص. وأشهر البلدان السياحية موناكو, تقع على المتوسط بين ايطاليا وفرنسا.
هذه الجزرـ الدول لاتزيد مساحتها عن بضعة مئات من الكيلو مترات المربعة, وأكبرها جامايكا التي تتخطى 11 آلف كم2 ومليوني نسمة, بينما أصغرها أمارة موناكو, ومساحتها كيلو متر ونصف الكيلو متر المربع, وتعدادها لا يزيد عن 25 ألف نسمة ,وتتكون من ثلاثة أحياء فقط.
موارد هذه الجزر لا يتعدى السكر ـ الموز ـ البن ـ الآناناس وبضعة أصناف زراعية آخرى وواحدة تنتج المرجان هذه الدول ـ المدن: .
مضمونه سياسياً من دول كبرى, إذ لا مطمع في منتجاتها, ولا ثروات أخرى لديها (معدنية وغيرها) ومرغوبة لأنها مراكز استجمام لأساطين المال الدوليين, وهذا ما يلفت إلى ضرورة حمايتها, وعليها ألا يكون لها خصومات وعداوات وأن تكون مفتوحة على الجميع.
أما اجتماعياً فليس من همّ عند سكانها إلا تقديم المغريات بجميع أشكالها للسياح بغية الحصول على الدولارات, ومتطلباتها التنموية محدودة جداً ونموها التجاري وزيادة التضخم فيها هو عين تنميتها.
ليس في أي جانب من طبيعة هذه الجزرـ الدول ما يمكن مقارنته بالوضع اللبناني تاريخاً وثقافة وموقعاً استراتيجيا يستدعي المطامع.
لبنان بلداً سياحياً .
نعتقد أن المنشأ التاريخي لفكرة اعتماد لبنان بلداً سياحياً تزامن مع الاحتلال الصهيوني لفلسطين, والجو المحيط بهذا الطرح, كان يهدف إلى الايهام بأن لبنان سيكون أول بلد عربي يوقع صلحاً مع الدولة الصهيونية في فلسطين, ولو كان, لأصبح لبنان هو المدخل العملي للهيمنة الصهيونية السياسية والاقتصادية على كامل محيط الشرق الاوسط الحديث, وصولاً إلى أقاصي آسيا.
كي يأخذ مشروع البلد السياحي موقعه في الأذهان يقتضي أن يدعم ببعض الاسس النظرية والمخارج السياسية, والبلد السياحي حسبما رأينا مفتوح للجميع وعلى الجميع حدوداً وثقافة وتعاملات واتفاقات, ولكونه لا موارد طبيعية عنده, سوىالجبال والمياه يتناسب معه المبدأ, النظري: قوة لبنان في ضعفه, وتطبيقاً للمبدأ, جرد من كل إمكانية دفاعية, والحرب اللبنانية فضحت هذا المبدأ, إذ اعتبر الجيش اللبناني أضعف (ميليشيا) مسـلحة.
والمخرج السياسي كان بالاستفادة من مبدأ آخر وهو: لبنان ذو وجه عربي, وتفسيراً لهذا المبدأ الذي فرضته الحالة اللبنانية الموزعة الأهواء, كان القول بأنه يرضي العروبيين ولا يزعج المتغربين.
ونأخذ القول على حسن الظن, وإن تم استغلاله إلى أبعد الحدود لإبقاء الوجه للعرب بمشاركته في (الجامعة العربية) ومؤتمراتها, والقمة الاسلامية ومؤتمراتها, وما عدا الوجه يمكن أن يكون مشاعاً عاماً يتقلب حسب الظروف.
أما المشجع لاستحضار هذا المشروع آخر سنة 1974ـ يوم كان الحوار الذي تقدم بين الامام الصدر والرئيس رشيد الصلح ـ فربما كان لحالة الازدهار الاقتصادي الذي كان له نتائج ملفتة بين أواسط الستينيات وأواسط السبعينيات, إذ كان الناتج الاجمالي للفرد سنة 1966: خمسمائة وست دولارات ( 506) فارتفع سنة 1973 إلى ألف وثلاث وعشرين دولاراً (1023 ), يعني أكثر من الضعف خلال سبع سنوات, وهو ارتفاع قياسي لم تحققه دولة في العالم .
فإذا كان هذا المشجع لاستحضار الفكرة في زمن التخبط السياسي والفساد المستشري, فعلينا أن نعود لأسباب الازدهار هذا فإذا هي خارجية وليست من دينامية الداخل, وهي:
1 ـ الاحتلال الصهيوني لفلسطين, انعكس ازدهاراً في لبنان لعوامل:
أ ـ المقاطعة العربية التي أدت إلى استبعاد مرفأ عكا, إذ كان المحطة الرئيسة لحركة التجارة العربية, وفلسطين هي قلب استراتيجي تجاري وعسكري للمنطقة العربية وما يليها, ومرفأ عكا أقدر على حركة الترانزيت من أي مرفأ آخر, وبفعل المقاطعة كان مرفأ بيروت هو البديل, ولايزال حتى الآن قادراً على أن يكون البديل.
ب ـ هجرة الفلسطينيين إلى لبنان بشكل عام, وفيها الايدي العاملة المدربة وكان منهم حوالي 30 ألفاً في صور ومنطقتها, ممن يتمتعون بخبرة زراعية لم تكن متوفرة, بالخصوص بالنسبة إلى زراعة الحمضيات والموز, مما جعل سهل صور يمثل مايزيد عن 80% من انتاج الحمضيات والموز في لبنان.
جـ ـ توجُّه المهاجرين من ابناء الساحل في الجنوب اللبناني لاستثمار أموالهم بإعمار البساتين.
2 ـ عدم الاستقرار السياسي في دول الجوار العربي, للانقلابات العسكرية والتحول الاقتصادي نحو الاشتراكية في مصر وسوريا والعراق, والاضطراب السياسي الداخلي في الاردن, فكان لبنان الملجأ للرساميل المتخوفة.
3 ـ ظهور النفط في البلدان الخليجية أنزل ثروة فجائية قامت تبحث عن مستقر لها فاستقطبت بنوك لبنان نسبة كبيرة منها , كما ازدهرت السياحة وبلدان الاصطياف.
آثـار النمو
ايجابياً: 1ـ الحالة التنموية الوحيدة هي الاستثمار للمال المهاجر في عمران الارض وخلق فرص عمل للخدمات الزراعية وللأيدي العاملة وحركة تصدير وموارد زراعية.
2ـ انتعاش قطاع الخدمات, وبالخصوص السياحية والمصرفية بما فيها من سلبية تمركز الثروة.
سلبياً: أ ـ التفاوت الكبير الذي حصل بين الريف والمدينة لعدم تحول النمو إلى تنمية بتوزيع عادل للثروة.
ب ـ لم ينعكس النمو على القطاعات الانتاجية المختلفة, ومنها الصناعة والزراعة, وما كان في الجنوب زراعياً حالة خاصة خارجية وليست من حركية الداخل.
جـ ـ اتضحت الهوة بين طبقات المجتمع, وكانت الطبقة الوسطى تغطي التفاوت سابقاً فكان أن سيطرت طبقة الاربعة بالمائة على المرافق العامة, اقتصاداً وسياسة وبرز الفساد أكثر صراحة.
د ـ تمركز النمو, مركزية الادارة السياسية والاقتصادية حالا دون تنمية بشرية واجتماعية.
لهذا كان من الطبيعي ألا تكون معالجات للقضايا الاجتماعية, ولو بمعالجات أولية لإشكالات: التعليم ـ الاستشفاء ـ البطالة, وإشكالية التهميش للمنظمات المدنية والحؤول دون مشاركتها في الحياة السياسية وفي خطط التنمية.
بل كان من الدولة ما يدل على تخليها عن محافظة بكاملها في قمة الازدهار الاقتصادي, ففي كلمات الامام الصدر سنة 1969: (الدولة تخلت عن الجنوب نهائياً, فالمشروع الأخضر سحب معداته وأوقف أعماله ومصلحة الليطاني ألغت أعتماداً بعشرة ملايين ليرة, وكانت مخصصة لمشروع الري, ووزارة الاشغال أوقفت شق الطرقات وإصلاحها, ووزارة الزراعة انسحبت من الجنوب, ووزارة التربية تدبر الامور بما هو موجود من دون أن تفكر في المستقبل.
بكلمة واحدة إن الدولة نفضت يدها من الجنوب واعتبرته منطقة لبنانية بالاسم, كأنها بذلك تدفع أبناء الجنوب إلى الاستسلام وتقول لهم: دبروا حالكم)(3).
وقد يكون الامام الصدر قصد عدم ذكر انسحاب الجيش اللبناني من الجنوب أيضاً.
الازدهار القاهر
الازدهار المدعى, وارتفاع الناتج الاجمالي للفرد, لم يمنع من ازدياد الشعور بالغبن العام, لما هناك من تفاوت بين فئات الشعب أدى إلى اضطرابات أمنية منها تظاهرات صيدا ضد تأسيس شركة بروتيين التي ذهب ضحيتها المجاهد معروف سعد, ثم كان سبباً رئيساً في اشتعال الحرب الاهلية.
كما أن سياسة قوة لبنان في ضعفه لم تمنع العدو الصهيوني يوماً من الاعتداء على حدود لبنان, والاغارة على القرى والمزارع واعتقال من يريدون ونسف بيوتهم, منذ احتلال فلسطين. وتصاعدت الاعتداءات والاغتيالات لقادة في وسط بيروت, وكانت إحراق طائرات مدنية جاثمة على أرض المطار, واجتياح1978 واحتلال 1982, وقد حاول الصهاينة حينها إظهار منافع السياحة بتسيير خطوط بولمان سياحي ذهاباً وإياباً بين لبنان والارض المحتلة وساعد على هذا لبنانيون افتتحوا مكاتب سفر إلى جانب مكاتب صيرفة كانت عملة العدو من المتداول بها.
بإيجاز, الازدهار الذي كان, أوجد شرخاً عميقاً في البنية الاجتماعية بتمركز الثروة وحصرها في النقطة الاضعف من عمليات تحريك دورة إقتصادية وتنمية إجتماعية, وانتج انخفاضاً في مستوى الحياة الريفية بالنسبة للمدينة, زاد من هجرة أبناء الريف الداخلية والخارجية, وكانت الهجرة الداخلية وبالاً على الازدهار لأنه نقل حزام البؤس القائم حول لبنان إلى حزام بؤس حول بيروت, وازدادت إشكالات الامن الداخلي بالتزامن مع الاستسلام للاختراقات الامنية الآتية من الخارج مما زاد في إضعاف الثقة بالنظام , وانتهى العهد الذهبي للازدهار بحرب داخلية واحتلال خارجي صهيوني, ومازلنا, من خلال سقم تفكير وتسـطيح اشكالات, في تدهور يراكم انهيارات في كامل حياتنا وعلى كل الصعد, فالدولة كانت محايدة بين الاشكالات الاجتماعية كما كانت محايدة بين الوطن والعدو, ومستغنية عن الباب الذي يأتيها منه الريح, كالجنوب الذي إذا أرادت الاحتفاظ به سيكلفها كثيراً.
هذا يؤكد ما ذهب إليه الامام السيد موسى الصدر من أن الامتناع عن البذل يعرض المجتمع للهلاك الجماعي, إذ (أن المطلوب من الانسان أن يقدم من ماله وفكره وطاقته ونفسه في سبيل الله, ومن سبل الله خدمة خلقه الذين هم كلهم عيال الله), (أما إذا امتنع عن هذا البذل وهذا الشرف فقد تعرض للهلاك فيوخذ ماله أو طاقته أو فكره أو نفسه بصورة أخرى, وهي صورة انفجار المجتمع أو سيطرة الاعداء, أو غير ذلك) (5).
هذا البذل الذي يعني به الامام الصدر أصحاب المكنة على البذل بما ينعكس على المجتمع نجاة من تقديمه أو هلاكاً بمنعه, فكيف بنا إذا كان البذل أو المنع من الدولة؟ فالانفجار أشد وأقسى وأسهل ذريعة لتدخل الأعداء إن كانوا خارجيين أو داخليين.
ومن هنا كان التصور الذي يريد منه الامام الصدر أن يكون لبنان بلداً محارباً لاحتمالات الانفجار أوالسيطرة أو الاعتداء.
المجتمع المحارب مجتمع فاعل
ولم تكن عبارة (محارب) لتدل على الجانب المسلح فقط عند الامام الصدر, بل هي من مفردات أدبيات العرب عند التحدث عن الآفات الاجتماعية فيقال: محاربة الفقر والجهل والمرض, فاستعملها بهذه الدلالة كما استعملها للدلالة على التحرك المسلح, وأعطاها صيغاً مختلفة مثل: مجتمع حرب, ومجتمع مقاوم, ومجتمع جد, ومجتمع محارب, ومجتمع طاهر, وكلها لقصد واحد يعني به مواجهة أخطار الميوعة والانحلال في كل حالة من تفاصيل الحياة اليومية, ولهذا يقول: (على الحكومة أن تراعي ظروف المجتمع الذي تعيشه وتجد وسائل الفساد وتكوِّن مناخ جد, ومناخاً طاهراً, وربما في البحث عن التجنيد الاجباري الذي يطرح في هذه الايام ونرجو أن يتم, الوسيلة المعقولة لتكوين مجتمع حرب عند الشباب, أو مجتمع جد نسميه لأننا نحن لا نريد أن نحارب, لكن نريد أن ندافع)(5)
مهما اختلفت التسميات, فالمجتمع الذي يريده الامام الصدر, ليس مجتمع انفعال ورد فعل, ولم تنتجه أزمة عابرة أو ظل قائم, وإنما هو مجتمع متجذر تاريخياً ضمن معالم محدودة وبنية حضارية, كان لها وجودها المتصاعد يوماً, يؤكده ما تنوَّر خلل التراب مع ما تعاور عليه من مداورة الحضارة وتداولها بين الامم, وطبيعة التشكيلات لمدىً عمريّ, أو أنها تتعرض أيضاً للقاعدة الخلدونية في العمران, وبأي حال فالتشكيل من طبيعة الروابط بين الناس, ويبدو أنه لا ينطبق عليه مصداق التشكيل إلا إذا بني على قاعدة من تاريخ وجغرافية أو عقيدة: (لكل تجمع ابتداءً من الجمعية الصغيرة في القرية, وانتهاءاً بهيئة الامم يتكوَّن حول أسس معينة, لكن المهم هو أن يكون تحقيق هذا قائماً على أسس مستندة إلى واقع, ولتكون عميقة يجب أن تقوم على واقع مرتبط بجذور عميقه تاريخية أو جغرافية أو إنسانية أو عقائدية لتكون عميقه في القلوب وفي النفوس وتجمع حولها مجموعة من الناس).
ويرى الامام الصدر في لبنان واقعاً تاريخياً ممتداً, وواقعاً جغرافياً يربطه بعالمه العربي, وواقع توسطه في العالم كما يراه واقعاً حضارياً متكوناً من حضارات وثقافات متنوعه.
هذا أساس أولي لبناء تصوره الذي يخرج منه إلى أساس آخر أقامه على جذور الواقع الثقافي في لبنان المتمثل بالنقاط التالية:
• الايمان بالله إيماناً يشمل بُعديه السماوي والارضي.
• أصالة الثقافة المشرقية المنفتحة على تجارب الآخرين.
• الحرية مرتكز علاقات المواطنين بين بعضهم وبينهم وبين الوطن.
• السيادة الوطنية وسلامة أراضي الوطن بكيانه القائم وبعمقه القومي العربي(6).
من هنا علينا أن نبدأ بفهم كل مادعا إليه الامام الصدر وما فعله وما حدده من نتائج لدراسة وضع أو بنود لرفع مستوى وحل إشكالات, ومن هنا أيضاً, يخطط مشاريع لقضايانا الكبرى, والوطن لا يقوم على أحلام صغار يفصلونه على مقاسهم. بالاحلام يبنون أوطاناً فأحلاماً ينتجون.
في تنامي الازدهار في لبنان, وفي سنة 1966 بالذات ما هو انعكاس الازدهار لدى الامام الصدر ؟ لم يستخفُّه التنامي ولم يأخذه إلى الاحلام, بل بدأ يضع نقاطاً لترشيده, ولم يكن حينها يرغب أن يخرج عن الحيز الذي يعمل فيه آن ذاك ـ صورـ وهو الحيزالذي يمكنه أن يرى جوانبه كاملة حينها, ولكن هذا الترشيد قابل للاقتداء على كامل مساحة لبنان بتعديل أو إضافة, بعيداً عن الانجذاب والانبهار.
الوضع الاجتماعي
البلد المحارب الذي أراده الامام السيد موسى الصدر في وسط الازدهار الاقتصادي نجده في معالجته للأوضاع في صور حيث رآه (بالرغم من النشاط الاجتماعي وتقدم المستوى الثقافي والتربوي في صور, ومع الاعتراف بازدياد عدد المثقفين والافراد الذين حصّلوا تجارب كثيرة من الهجرة, ومع وجود حركات إجتماعية تربوية ثقافية في هذا البلد.
بالرغم من كل هذا, فإن الحياة الاجتماعية في صور لاتخلو من أمراض ونقائص تؤثر تأثيراً أساسياً على أبنائها وتمنع وصولهم إلى المستوى اللائق بهم (7).
ويذكر أهم المعوقات, ومحورها البطالة التي تتمثل بشكل اتكالي على مساعدات من المهاجرين أو من ريع عقارات وغيرها من أشكال البطالة المبطنة التي تستفرغ جهداً غير منتج. مما يعكس مظهراً غير لائق مثل كثرة المقاهي, ويؤدي إلى آفات صارت مستحكمة يعددها مثل التأثر بالاشاعات والاتكالية وعدم التعاون بين الطوائف وانعدام التربية المدنية وتفشي القمار والسكر, وضعف الثقافة المنزلية عند النساء والثقافة العامة إجمالاً وتدني التنشئة الاخلاقية, وآثارها فقدان ثقةوهدم التعاون, وتفكك مجتمعي, وبعد هذا يقدم خطوات حلول لمحاربة الآفات هذه.
الوضع الاقتصادي
ويفصله عن الوضع الاجتماعي نظرة وحلولاً فيقدم لها:
(بكل وضوح نشعر بتقدم الوضع الاقتصادي في صور, فحيث اتجهنا وفي أي مجال بحثنا نرى نمواً وازدهاراً اقتصادياً يبشر بمستقبل زاهر) إلى أن يقول: (ولكن هناك عدة نقاط هامة يجب الانتباه إليها لتكامل هذا النمو ولتنسيقه ولاستمراره, فإن الازدهار الاقتصادي غير المنسجم مع طبيعة البلاد, أو غير منطبق على وضع لبنان الجغرافي ليس إلا تقدماً وقتياً مغرياً, ولعله يوجب نتائج غير حسنة) (8)
ثم يقدم مقترحات حلول لاقتصاد يوجب استقراراً, ويعتمد احصاءاً. وفي المقترحات يهتم بالقطاع الزراعي إنتاجاً ونوعية وتسويقاً داخلياً وخارجياً, الاهتمام بالصناعات القروية ـ صناعة السجاد وكل صناعة برأسمال قليل وربح وفير, وكل صناعة يمكن أن يتعاون لإنجازها جميع افراد العائلة , وبالخصوص في أوقات ما بعد العمل اليومي, ايجاد مصنع تعليب وتوضيب فواكه وتسويقها ـ دراسة طبيعة التربة وتوفير زراعات مناسبة مثل الشاي وغيرها مما هو غير معروف في بلادنا, تعزيز الحرف اليدوية المتوارثة مثل حفر الياقوت ـ تحسين حالة استثمار الثروة السمكية وايجاد مزارع أسماك ـ مصنع للزجاج ـ ايجاد مشاريع تجارية تبادلية بين المقيمين والمهاجرين, واستدراج أموال المهاجرين للإستثمار في الداخل.
هذه المقترحات ـ الخطوات الاولى نحو التنمية, هي حرب بكل معاني عبارة الحرب, إذ هي أولاً حرب على إدارة حكومية لم تحدد خيارها بعد, وقد مضى عقود على الاستقلال.
كان هذا الطرح يحدد خطوطاً لتنمية اجتماعية واقتصادية لصدر ومنطقتها, وقد مضى سنوات ست على وجوده في صور يستنهض الناس, وكان أول مناسبة تحدث فيها دعا إلى تحطيم الأصنام: تخلي الناس عن مسؤولياتهم ينشر الفساد ـ قبول الطغيان بكل أشـكاله ـ التمايـز ـ الشرك والاوهام والعادات والأنانية, وبهذا هيأ لتنمية ثقافية تربوية.
وعملياً يوقف التسول ويجري حركة تعاون عام لمساعدة المحتاجين باشتراك شهري بقيمة ليرة لبنانية واحدة, ويؤسس لحركة نهوض نسـوي وعمل مؤسساتي.
نقلة على مسـاحة الوطن.
لم تمض سنة على توصيف الامام الصدر للاوضاع الاجتماعية والاقتصادية في صور, حتى كان ما جعله يقدم توصيفاً أشمل عن الشيعة في لبنان, ولا يخرج هذا التوصيف عن مفهومه للبلد المحارب, لأننا لاحظنا أنه يعتبر الوضع الاجتماعي في لبنان بما فيه من تفريق وتمايز بين ريف ومدينة, بين منطقة ومنطقة, بين فئة وفئة, سيؤدي حتماً إلى حالات منها: (انفجار المجتمع أو سيطرة الاعداء أو غير ذلك).
وكما قدم تقريراً عن الوضع في صور باعتبارها الحيز الذي يعمل من خلاله, فقد قـدم فـي15 /8 / 1966 تقريراً عن الشيعة في لبنان, والشيعة الحيّز الذي يتمكن من خلاله التكلم باسمها كحق لكل فرد منها, ولمناسبة استهدافها من خلاله.
بعد ذكر مواطن الشيعة في لبنان والتعرض لأوضاعهم المعيشية في الداخل والمَهاجر يأتي إلى التخلف المادي ويوجزه بدلالات إحصائية: الصحية ـ الاقتصادية والتقنية ـ السكنية ـ المدرسية ـ الثقافية ـ الاجتماعية ـ التجهيز الصحي ـ الوضع الانمائي العام ثم يجري قراءة للاحصاءات ويخرج باسباب التخلف أنها:
أ ـ تعود لإهمال الحكومات المتعاقبة.
ب ـ النقاط التي تدل على تحرك إيجابي تعود إلى أنشطة فردية, لم تبلغ المستوى الافضل لنقص الخبرة ولكونها فردية دون رعاية دولة.
جـ تنمية الطاقات في الطائفة لتتسنى المشاركة في الادارة العامة .
مظاهر التخلف المعنوي:
أ ـ الحرمان من التوجيه الديني وعدم تعاون المؤسسات الدينية, مما يخلف ضياعاً روحياً يشكل خطراً اجتماعياً.
ب ـ الزحف إلى المدن الكبرى دون حصانة تربوية ايمانية وخلقية.
جـ ضعف المؤسسات الثقافية والاجتماعية لدى الطائفة, وفقدان التنسيق فيما هو قائم منها فـي
المدن الكبرى.
د ـ انجذاب الجيل الجديد إلى مؤسسات خاصة لها توجيهاتها التي تؤدي إلى حيرة روحي.
هـ إهمال الاوقاف الشيعية وعدم تنظيمها لصالح التربية الخلقية.
و ـ الشعور بالاستضعاف لعجز الطائفة من إبراز شخصيتها المتكاملة في مختلف ميادين الحياة,
مما يضعف الشعور بالمسؤولية وأداء واجب المواطنية الكاملة المتكافئة .
من نتائج هذا الوضع نشأت عند أبناء الطائفة الإسلامية الشيعية بعض النزعات السلبية في:
1 ـ فقدان الثقة بالنفس من إمكانية التفوق.
2 ـ فقدان الامل بالدولة.
3 ـ ضعف الثقة برجالات الطائفة من روحانيين وزمنيين لعدم التكاتف فيما يعود على الطائفـة
بالخير العام.
ما بعد تشكيل المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى
كنا فيما سبق مع هموم الامام السيد موسى الصدر بمجمل شؤون الحياة في لبنان. وشخصيته المعنوية قد اكتسبها من عمله ونشاطه وعلاقاته وتقبل الناس له, أما الآن وقد أضيف له جوانب معنوية بالاعتراف الرسمي بمسؤوليات المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى, هذه الاضافة تأخذنا إلى مراقبة الامام الصدر المسؤول بالاقبال الشعبي والمفروض عليه حمل هموم الناس, وبين الامام الصدر عندما أضيفت إليه مسؤولية بقانون, هل يبقى مستمراً بالاندفاعات الشعبية البريئة والموجوعة, أم أن الموقع الجديد الذي يفرض شكلاً جديداً من العلاقات هو أقرب إلى حالة التوسط بين حاجات الناس وقدرات الدولة؟
تأطير الجهود
نعود إليه عشية انتخابه لرئاسة المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى في 23 / 5 / 1969, حيث نجده يؤكد على التنظيم باعتباره الوسيلة لإمكانية أداء الادوار التي على عاتق الشيعة في مختلف الحقول.
• تنسيق طاقات أبناء الطائفة وتجنيدها ومنعها من الهدر.
• تسجيل تاريخ جديد في تاريخ الشيعة بمشاركة فعالة وحماية الديار.
• تسهيل مهمة الحوار, ولا حوار إلا بين الممثلين الحقيقيين من خلال مؤسسات لها شرعية تمثيل.
• زيادة إمكانية محاربة الجهل والفقر والتخلف والظلم الاجتماعي .
• محاربة الفساد والميوعة بالتعاون مع العائلات الروحية.
• رفع إمكانية الاستعداد الجسدي والنفسي من المطالبة بـ:
تحصين مناطق الحدود ـ تحسين الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية ـ التجنيد الاجباري للحفاظ على أرض الوطن والمشاركة مع أشقائنا في المقاومةالفلسطينية.
في النقلة من الشرعية الشعبية العفوية إلى الشرعية الشعبية القانونية, أقدم الامام الصدر على نقل الشرعية العفوية إلى الموقع الجديد, وضمنا جعل القاعدة الشعبية التي عمل بزخمها في السنوات التسع الماضية, جعلها متواصلة مع النخبة الشيعية التي هي الهيئة الناخبة للمجلس الاسلامي الشيعي الآعلى. وظف النخبة لصالح التطلع الشعبي الذي حمله طيلة سنوات. وطرح التصورات نفسها أمام رئيس الجمهورية شارل حلو عندما زار المجلس لتهنئة الامام بالرئاسة, وكأن الامام أراد أن يؤكد شرعية المطالب وشرعية برامجه على مختلف الصعد وعلى مسمع كل المستويات وهي:
ـ تنظيم شؤون الطائفة وتحسين أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية.
ـ القيام بدور إسلامي كامل, فكراً وعملاً وجهاداً.
ـ عدم التفرقة بين المسلمين, السعي للتوحيد الكامل.
ـ التعاون مع الطوائف اللبنانية كافة, وحفظ وحدة لبنان .
ـ ممارسة المسؤوليات الوطنية والقومية, الحفاظ على استقلال لبنان وحريته وسلامة أراضيه.
ـ محاربة الجهل والفقر, والتخلف, والظلم الاجتماعي, والفساد الخلقي.
ـ دعم المقاومة الفلسطينية, والمشاركة الفعلية مع الدول العربية الشقيقة لتحرير الاراضي المغتصبة.
ما قدمه الامام الصدر لم تكن أموراً مطلبية, إنها ثوابت لحق الانسان في الحياة, وحق الوطن بأن تلبى مطالب أبنائه, وحق الحياة بأن يكون إنسانها كريماً, وحق الشرائع أن يكون لها المناخات الحرة لتطبيقها كما يجعل ما قيل عنها بأنها مطالب, جعلها من الثوابت التي لايكون دونها قرب إلى الله ولا تقرب, ولذلك اقتضى أن يكون لبنان بلد حرب ويبقى بلد حرب. فكل نقطة مما طرح يحتاج إلى معركة:
• مياه الليطاني ومياه العاصي التي تضمن نماءاً وحياة كريمة إن كان بارواء الارض أوانتاج الطاقة أو توفير مياه الشفه.
* التربة وما يناسبها من بذار (الشاي من الزراعات البديلة)
* الاستفادة من البيوت لايجاد صناعات يدوية بسيطة ومنتجة ولا يرتهن لها الوقت (السجاد مثلاً) وأي وقت يقضى في البيت من أي فرد من افراده ينجز شيء من العمل فيطغى على الفراغ عند الافراد. يعني محاربة الفساد بطريقة غير مباشرة.
• إقامة مراكز معرفية (مهنية يدوية أو علمية فكرية) بحيث يجد كل عمر وكل مستوى علمي أو حالة صحية مجالاً لها (مؤسسات الامام الصدر نموذجاً)
• إقامة مؤسسات تستجيب لحاجات الافراد يختار منها الشخص ما يلبي حاجته, وتؤمن حاجات الآخرين (المجلس الاسلامي الشيعي الآعلى ـ حركة المحرومين ـ كشافة الرسالة مثلاً).
• الاعداد النفسي والجسدي والذهني للدفاع الوطني(أفواج المقاومة اللبنانية مثلاً)
• فهم المواطنية هو الاساس للنهوض التنموي والدفاع.
هذه هي التنمية البشرية (ذهنياً ـ علمياً ـ صحياً ـ مهنياً ـ خدماتياً). ويمكن أن ألخص التوجه العام للامام الصدر في منهجه المقاوم أو المحارب أو الجد, ولتكن العبارة كما تكون, المهم, يمكن استخلاصها من جملة قالها, يمكن فهمها من عدة وجوه (غرسنا منشآت البر والاحسان في التربة العزيزة وبجوار الارض المقدسة لنؤكد بأننا جميعاً على استعداد لبذل إمكاناتنا ساعة تستدعي الحاجة).(9)
في هذه الجملة جمع كل أغراض مجتمعه من ايواء وتعليم وإعانة أصحاب الحاجات, وفيها توجه وطني واجتماعي (التربة العزيزة) من حيث الارتباط به ومن حيث الاستفادة منها, وفيها الدعوة لتحرير أرض مقدسة مغتصبهْ وفي التأهب الدائم للتلبية كما يمكن فهم كل العبارات المختصة بشؤون الحرب والدفاع.
فهم شامل لعناصر المجتمع.
ولا نفهم الامام السيد موسى الصدر من عبارة عابرة أو حركة عفوية وإنما علينا أن نتأمل كثيراً وقد ننال بعضا من معرفته, نعرفه نحن الذين حوله, ويبدو أن الذين عرفوه هم الاعداء الذين يفهمون فتلقفت عداوته حثالة من انفعاليي العداء وغرائزييه وشغلهم قرع الطبول ولا نفير.
وبمراجعتنا لبنود سابقة نجد مثلاً: تحصين الجنوب, ويردفها بالتدريب والانماء والدفاع, وإذا قرأناه في محاضراته ومقابلاته وبياناته, نجد التعداد فروعاً للتحصين وليس منفصلاً عنه, فالتحصين بهذا يرتبط من جانب آخر بملاجيء ووسائل التحصين المعروفة عسكرياً ومن جانب آخر تحصين الانسان في الجنوب بتمكنه من الدفاع وحفظ الامن الطبيعي أن يكون كذلك فالتحصين المادي (دشم ـ ملاجيء ـ جدران اسمنتية...) لا تفعل شيئاً, أمام عزم الانسان, إذ لم يحُلْ خط ماجينو الفرنسي من اقتحام الالمان له في الحرب العالمية الثانية, كما لم يصمد خط (بارليف) أمام عزمة الجندي المصري في حرب 73. فالصامد الوحيد هو الانسان المحصن نفسياً وعلمياً وقتالياً وعقيدة.
التحصين الصدري هو ما سماه: إقامة مجتمع حرب, ولكن هل هذا المجتمع هو ما تسعى إليه الدولة؟.
الامام الصدر في هذا أمام خطين والخيار واحد, وهذا ما أعلنه أمام وفد من قرية حدودية تعاني من الاعتداءات: (نحن أمام خطين لا بديل لهما, الآول: أن نفرض على الحكومة الدفاع عن الجنوب فرضاً, ولذلك علينا أن نشكل ضغظاً شديداً على الدولة لأن خسارتنا مضاعفة, وهي خسارة الارواح وخسارة الكرامة. والخط الثاني: هو تحصين أنفسنا فرادى وجماعات للدفاع.
وأضاف: نحن نريد تغيير سياسة السلطة تجاه الجنوب منذ 1948)(10)
الخطان هذان هما المؤسسة, أو أنهما المستعيدان لمؤسسة الدولة إلى الجنوب, علها تعود من أرض الجهاد, ومما يمكن أن نغرس في النفوس من الوقفات على الحدود, واستنفار الكرامة التي يعمل على أن تموت بالابتعاد عن الجنوب, علّ هذا يعيد الدولة المعروفة في عصرنا الحديث إلى لبنان بأكمله, حتى لا يكون ذلك الخيار المرعب بتشكيل دولة سياحية, هذا الخيار والاختراع اللبناني العجيب, ولا أستطيع أن أنسبه إلى شخص معين, وإن كان نطق به شخص معين, وهو الوحيد الذي لم يضمر السياسة العامة.
مجتمع الحرب والازدهار
الاحتلال الصهيوني أظهر فعالية الاعداد الذي عمل عليه الامام السيد موسى الصدر لإرهاب عدوالله وعدو الناس (اسرائيل) وقد توهمت الصهيونية كما هو شأن القياس بأن هذه المقاومة شكل ارتدادي لحركة المقاومة الفلسطينية, تُنتج لها الذرائع لإبقاء لبنان تحت غطاء من الرعب لإثارة المجتمع اللبناني بكامله ضد من يحدث الذرائع وبالخصوص أنها بسطت أرضية ثابتة لها بعد الاحتلال 1982, وكان الرمز تلك الاتفاقيه فهذه الاتفاقيه لم تكن لتقوي الدولة على المقاومة, بل لتعطي الحق للعدو بأن يقمع كل محاولة ضده بمجموعة من البنود منها أن للعدو الحق بأن يعتقل أي مواطن يهدد أمنها, حسب تفسيرها هي لهذا التحديد, وليس بالضرورة أن تعلم الدولة بنيتها. وبهذا جعلت لبنان بكامله مستعمرة لها بإلغائها سيادته على أرضه ومسؤوليته عن مواطنيه.
هذا شكل من أشكال الدولة السياحية, إذ مقابل فقدان السيادة يعمل العدو على أن يمدد خطه السياحي بحيث تشمل مستعمرته الجديدة (لبنان) الذي تديره من القدس بناء على اتفاق 17 أيار, وأرضه فيما بعد بناء على المشروع الاساسي . ولكن المقاومة السياسية والعسكرية معاً أبطلا الاتفاقية وأسقطاها, لتتولى المقاومة بعد ذلك مهام التحرير, حتى كان 25 أيـار 2000.
منذ إنسحاب العدو من غالبية الارض اللبنانية وتمركزه في المنطقة الحدودية حتى الانهزام اتخذت الاعتداءات أشكالاً من الشراسة غير مسبوقة, ومثلها القصف على المحتمين بالقوات الدولية في قانا ووقوع المجزرة الرهيبة, ولكن بالمقابل كانت المقاومة الاسلامية أكثر إصراراً على المواجهة المزودة بالاكثر حماسة والاعمق إيماناً والاثبت إعداداً, بحيث كان قصف مقر القوات الدولية في قانا صورة للوجع العميق في الهيكلية الامنية, ويبدو أنه لم يعد للعدو طاقة على احتماله بحيث أن قصف قانا اسقطته في مطب الرضوخ للمقاومة والاعتراف بها وقبول شروطها فتوصلت الوسائط فيما بعد إلى ما يشبه الهدنة سنة 1996, وإذ تجاوز حدوده ولقي مالقي وقع هدنة 1999, حتى كان الانهزام 2000.
بعد الاعتراف الضمني بوجود وحق المقاومة الاسلامية, وقبله بسنوات كان الاستقرار الامني يثبت شيئاً فشيئاً في المنطقة المحررة من جنوب لبنان وبعد الانهزام من المنطقة الحدودية كان أكثر اطمئناناً وإن قيل بأنه لم يحقق ازدهاراً, فهذا ليس من مسؤولية المقاومة بل من واجبات الدولة أن تستفيد من ظرف إثبات الوجود, وتحقيق ما سمي بتوازن الرعب, وإن لم يكن في الحقيقة كذلك, إذ أننا أخذنا التوازن من جانبه المادي, فكل البلاد العربية مضافاً إليها الكثير من الدول المشرقية والافريقية لا توازن إسرائيل بها, أما إذا تأملنا الجانب النفسي الروحي, فإن المقاومة أكثر تسلطاً على ذاتها من العدو. أما إذا نظرنا إلى ميدان المعركة وقايسنا القوة المادية المتوفرة على واقع أرض المعركة فإننا نجد خللاً كبيراً في اقتدار هذه القوة من التحرك.
إذا أخذنا على المقاومة أنها حالت دون الازدهار الاقتصادي واستجلاب الاستثمارات الخارجية, وهو ليس من مهامها, بل من مهام الدولة, ولكن من حق المقاومة أن تؤكد قدرتها على حماية المشاريع التنموية إذا عزمت الدولة على ذلك, وما أقيم على نهر الوزاني وجر نسبة من مياهه إلى الارض المحررة, وإن كان أدنى بكثير من حصة لبنان في المياه, ولكن لبنان لم يكن في يوم قادراً على هذا الفعل, وغطاء المقاومة المعنوي على المشروع أبطل كل تهديدات العدو بتدمير المنشآت ونفذ المشروع وجرت المياه ولم تطلق طلقة واحدة, بينما عجزت سابقاً القوات العربية الموحدة بقيادة الفريق علي علي عامر من أن تضرب معولاً لتنفيذ قرارالجامعة العربية بتحويل مجرى نهر الحاصباني.
في النظرية
يجدر بنا في النهاية أن نلتفت إلى الجانب النظري في المسيرة العملية للامام الصدر, أمام المقولتين الغالبتين في العالم اليوم, والتي تحدد أسباب التخلف:
النظرة الأولى, ويقول فيها اقتصاديو العالم الثالث والماركسيون, فعَزوا التخلف إلى أسباب خارجية, في السيطرة القوية لدول الشمال على دول الجنوب باستغلال الثروات بالتواطوء مع طبقة سياسية واقتصادية محلية.
والنظرة الثانية تنظر إلى الاسباب الداخلية من نظام سياسي وفساد ـ سياسـات اقتصادية خاطئة ـ نظام اقتصادي... الخ
فأين الامام الصدر من هاتين؟
المتابع لنظرات الامام الصدر بالوضع الاجتماعي العام في لبنان وللمطالب يجد أنه يرى وضع لبنان والتردي فيه يعودان للعاملين معاً الخارجي من اسرائيل المستغلة لضعفه والضاغطة لاستمرار مترتبات الضعف لصالح أغراضها, وداخلية بعدم وجود نظام سياسي يبغي استقرار الامن والاقتصاد ورفع المستوى الاجتماعي.
من هنا حق لنا الادعاء أن المقاومة والمجتمع المقاوم قادران على أن يحققا ازدهاراً سليماً بحمايتها له, وبما تضمن أمن واطمئنان البلد من أي احتمال اعتداء خارجي فيما لو أرادت الدولة أن توفر استقراراً أسياسياً بنظام أقل فساداً, وسياسة اقتصادية (مالية ونقدية) تصون الاستقرار وسياسة ضرائبية تشجع الاستثمار, وبنى تحتية تواكب التطور, يقوم على هذا كله بيئة اجتماعية تدرك حق المواطنة وتفجر الطاقات البشريه, أما إذا لم يكن ذلك من الدولة, فلن يكون من سبيل إلا إلى مشروع الامام السيد موسى الصدر في مفهومه للمقاومة.
وكلما اشتد كتم الانفاس الدولي للبنان والعرب, فليس من مجال إلا أن نعمم كل المفردات في ثقافتنا التي تولد وتؤكد وجودنا المقاوم.
في المجال العملي
في صور
• تولى توجيه جمعية البر والاحسان فعدَّل فيها (بإشراك المرأة) وطوَّر (بتفريع شباب البروالاحسان).
• قرر منع التسول وقدم البديل (عائلة الجمعية) وتجمع بين الباذلين للجهد والمال وأصحاب الحاجة, فتصلهم المساعدة إلى بيوتهم إن كانت غذائية ونقدية أو دواء.
• تأسيس (بيت الفتاة) للانشطة النسوية, فأقام دورات: خياطة ـ محو امية ـ لغات ـ إسعافات عامة تطور إلأى مدرسة ثانوية للتمريض.
اعمال بيت الفتاة لا يزال يتطور باسم جديد هو (جمعية مؤسسات الامام الصدر)
• تأسيس معهد الدراسات الاسلامية (منهج حوزوي مطور لاستقطاب غير العرب).
• إقامة مؤسسة جبل عامل المهنية (مدرسة مهنية عالية للذكور).
في بيروت
• إنشاء المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى.
• انشاء (حركة المحرومين) حركة نضال سياسي شعبي إسلامي, وفرَّع منها: أفواج المقاومة اللبنانية (أمل) تنظيم عسكري مقاوم.
• مبرة الامام الخوئي (للأيتام) بتكليف الامام الخوئي, برئاسة الامام الصدر وعضوية السيد محمد حسين فضل الله والشيخ محمد مهدي شمس الدين.
• مبرة الزهراء(ع) لليتيمات.
أوقاف
• تأمين مقر للمجلس الاسلامي الشيعي الاعلى .
• 170 دونماً في خراج الوردانية (الشوف) لبناء الجامعة الاسلامية.
• مئات الدونمات (اللبوة ـ الهرمل) لإقامة أنشطة متعددة.
• مساهمة وتشجيع في تأسيس جمعيات اسلامية تخصصية, وإقامة حسينيات ومساجد (حيث الحاجة), وأنشطة إعلامية, وغيرها...
هذه الانشطة بأهدافها تحقق أغراضاً إنمائية متعددة تطال شرائح مجتمعية واسعة ومستويات عمرية مختلفة, إلى جانب مشاركات شعبية على أوسع مدى, من مقيمين ومهاجرين, ولو امعنا بالتفاصيل لوقفنا على تنفيذ كل ما دعا إليه.
المشترك
من خلال ما تقدم وبمقارنة سريعة للمشترك بين فكر الامام السيد عبد الحسين شرف الدين والامام السيد موسى الصدر, وما قام به كل منهما, مع ملاحظة الفترة الزمنية التي عمل فيها كل منهما والبيئة والمستوى الاجتماعي وكل ما يحيط بأجواءالعمل نوجز المشترك في:
• النسب والبيئة العائلية والمكونات الاخلاقية والثقافة الاساسية.
• المكونات الثقافية الخارجية متشابهة كثيراً بالاسس مع الاختلاف بالشكل لاختلاف نوعية الادارة السياسية في بلدي كل منهما, وما يستتبع هذا.
• المنهج العملي عند كل منهما يتجه إلى البنى المجتمعية وبلوغ الاهداف الاصلاحية عن طريق البناء المؤسسي, وإشراك أصحاب الحاجة الاساسيين, مع رؤية المستقبل لهذا الاتجاه.
• اتخاذ الوسائل الجهادية في تحقيق الاغراض الاصلاحية.
• الهموم الوطنية محلياً ـ قومياً ـ إسلامياً ـ إنسانياً.
• الهموم الشعبية وقضايا الشيعة وبالخصوص في الجنوب والبقاع.
• التقريب بين المذاهب الاسلامية, والعلاقات الطيبة مع المسيحين.
• الاهتمام بشؤون الاسرة زوجة وأولاداً
• التركيز على فلسطين والمسؤولية العربية والاسلامية تجاهها.
• المعاناة من الاقربين (بعض الشيعة) باعتراض حركة الفعل.
• تقديم منهاج وقيام على التنفيذ.
• التربية والتعليم أساس في الاصلاح, وكان التعليم العام هو الحاجة في أيام الامام شرف الدين وصار التعليم المهني هو الحاجة في أيام الامام الصدر باعتبار أن التعليم العام هناك من يوفره.
• الاهتمام بعلاج جزئي لمشكلة الفقر بمدارس رعاية أيتام.
• خدمة عبال الله والقيام لقضاياهم هو الوحيد السبيل إلى الله .
الحواشي
1 ـ كان الامام الصدر في زيارة لياسر عرفات بعد عودته من اجتماع هيئة الامم المتحدة ليشكره على ما قاله حول الجنوب, وفي الاثناء دخل الرئيس الصلح, وكان حوار نشر في جريدة النهار بتاريخ 11 / 12 / 1974.
2 ـ تنمية الموارد البشرية( ندوة في الكويت في 28 و29 نوفمبر 1987)
التنمية البشرية في الوطن العربي (بحوث صادرة عن مركز دراسات الوحدة العربية في فبرابر 1995)
تنمية الموارد البشرية في اقتصاد مبني على المعرفة (مركز الامارات للدراساتوالبحوث الاسترتجية 2004)
3 ـ مسيرة الامام الصدر ـ 9 / 12 / 1969
4 ـ أحاديث السحر ـ ص / 15 ـ 16
5 ـ دراسات للحياة ـ ص / 15 و16
6 ـ منبر ومحراب ص / 206 ( 21 / 6 / 1969
7 ـ للمراجعة المسيرة ـ م . س / 69
8 ـ المسيرة جـ / 1 ص / 236
9 ـ مسيرة ص / 137 .. النهار 11/12 / 74 ـ أرشيف المركز.
10 ـ مسيرة ص / 140 ـ النهار 20 /12 / 74 ـ أرشيف المركز.
الشيخ احمد الزين:
(...) ولا رطبٍ ولا يابس الا في كتاب مبين, نتوجه الى الله تعالى بالحمد وبالشكر بالسراء والضراء والى سيدنا ومولانا وقرة أعيننا سيدنا ومولانا محمد وآل بيته الأطهار وصحابته الأبرار بأزكى تحية وأعطر سلام وأسمى صلاة. الصلاة والسلام عليك يا سيدنا ويا مولانا يا رسول الله وعلى آلك وأصحابك.
والى هذه البلدة الطيبة المباركة بلدة الخرايب والى سائر ما يحيط بها بتحية الاسلام السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.
أيها الأخوة الكرام تحدث السيد عن الناحية الانمائية عند الامام الصدر، وقبل أن أتناول بعض المواقف للامام الصدر، أؤكد ما قاله عريف الاحتفال بأن العلاقة التي تربطنا بالامام الصدر هي علاقة وجدانية وقلبية. فنحن مع الامام الصدر بالتوجه الى الله تبارك وتعالى برفع كلمة لا اله الا الله. مع الامام الصدر بالقيم الاسلامية الرفيعة التي كان يطلقها في المساجد وفي الكنائس وفي الجامعات وفي المدارس. تلك القيم الأخلاقية والانسانية الرفيعة نحن مع الامام السيد موسى الصدر الآن, وليس مع تاريخه وليس مع المواقف التي وقفها, تلك المواقف القيادية والبطولية التي وقفها، لنتحدث عنها ولنطلق عليها الثناء والمديح. ولكننا نلتقي مع الامام السيد موسى الصدر لنؤكد حاجتنا الماسة اليوم وفي كل يوم لقيادته وللاستنارة في طريقه وسياسته. مع ما نشاهده اليوم من مطبات وعوائق وشدائد يمرّ بها وطننا العزيز, نحن مع الامام السيد موسى الصدر بحبنا لوطننا وصدقنا مع أمتنا واخلاصنا لشعبنا وللعرب والمسلمين والانسانية كافة.
الامام موسى الصدر بهذا كله كان انساناً مسلماً حضارياً راقياً، لهذا نحن في لبنان وفي سائر المنطقة العربية وفي سائر البقاع، بحاجة الى شخصية تنير دربنا في واقعنا كشخصية السيد الامام موسى الصدر.
يكفي أن أشير الى عدة نواحٍ, أولى هذه النواحي ما قاله الرئيس شارل الحلو الذي أشار اليه سماحة السيد, حينما دخلنا عليه كرؤساء للطوائف من هيئة نصرة الجنوب وكان على رأسنا الامام السيد موسى الصدر ومعنا البطرك خريش والخوري يوسف, المطران يوسف الخوري, المطران جورج حداد, المطران اثناسيوس شاعر, المطران بولس الخوري,...من الموارنة والكاثوليك والأرثوذكس والقسيس وديع أنطون عن البروتستانت، وفضيلة قاضي المذهب الدرزي الشيخ نجيب قيس وسائر المفتين والمشايخ. دخلنا عليه مع السيد موسى الصدر، واستقبلنا بهذه الكلمة :"إنني أعتز بكم وأفتخر وأتمنى أن نطل على العالم من خلالكم, نتمنى أن نطل على العالم بهذه البوتقة من رؤساء الطوائف الذين اجتمعوا على القيم الانسانية والحضارية وعلى الصدق والاخلاص لوطنهم" بهذا المعنى الكبير، استقبلنا الرئيس شارل حلو. بهذا التوجه الحضاري سار بنا السيد موسى الصدر ولم يكتفِ بالخطب والكتابات وتأسيس المؤسسات بل كان يمارس هذا في علاقاته بالناس على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم. يمارس هذا على الأرض وفي الواقع ولهذا أصر على ضرورة الرجوع الى السيد موسى الصدر في معالجة واقعنا والمآسي التي نحياها اليوم وما نسمع من طروحات لمشروع الاتحاد الفدرالي والكونفدرالي والتقسيم والصلح مع اسرائيل واختلاف نوعية المواطنين اللبنانيين ومد اليد من سائر الدول العربية تواقة للصلح والسلام مع اسرائيل, هذا الواقع وما يتهددنا من مؤامرات تطل علينا من اميركا ومن اسرائيل ومن سائر.. ومؤامرات لتدمير لبنان ولإثارة النعرة الطائفية والمذهبية في لبنان.
أمام هذا الذي يتهددنا، تأتي التهديدات لبعض الزعامات الشيعية في الفترة، وتنسب هذه التهديدات لجهة اسلامية سنية زرقاوي وغير زرقاوي.... هذه التهديدات الوافدة انما يُقصد منها اثارة الفتنة بين المسلمين السنة والشيعة, اذا ما ثارت هذه الفتنة وقامت المجازر والمذابح كما تقوم الآن في العراق, السنة سيستفيدون؟ الشيعة سينهضون؟
أبداً المستفيد اسرائيل والولايات المتحدة الأميركية بمشروعها الاستعماري الذي تريد من ورائه أن تنهب ثروات هذه المنطقة.
من المستفيد؟ السنة سيستفيدون من قتل الشيعي والشيعي سيستفيد من قتل السني؟
الحقيقة أنا أريد أن أجيب السيد حسن نصر الله، مؤكداً الخط الذي سار عليه الامام السيد موسى الصدر, خط الوحدة بين المسلمين, وصولاً الى الوحدة الوطنية بين سائر اللبنانيين, السيد موسى الصدر اعلن في خطبته الأخيرة أن الانسان المسلم السني يحرم علينا دمه وماله وعرضه, الانسان السني يحرم على الشيعي دمه وماله وعرضه. وأنا أقول على السني أن يفهم أن دم المسلم الشيعي يحرم علينا دمه وماله وعرضه. وهو مسلم، يشهد أن لا اله الا الله وأن محمداً رسول الله, ويقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويصوم رمضان، ويحج البيت، ويؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وبرسالة محمد وبحبه وولائه لآل محمد. فهذا المسلم كيف يحلّ لإنسان قتله؟
أبداً! والله سبحانه وتعالى يقول "ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذاباً عظيماً ". هذا من يقتل مؤمناً سواء كان سنياً أم شيعياً أم مالكياً أم حنبلياً أم حنفياً.. ما هذه المذاهب كلها؟ مذاهب اجتهادية ومذاهب سياسية ولكن كلها تلتقي تحت لواء لا اله الا الله محمد رسول الله وتحت لواء القرآن الكريم ونبوة محمد بن عبد الله.
السيد موسى الصدر كان يدعو للوحدة بين المسلمين, كان يأتي إليّ يوم الجمعة وهو متوجه الى الجنوب يصلي عندنا في المسجد العمري الكبير وكان يشجعني على أن أتحدث في النواحي الكونية المتعلقة في عقيدتنا.. "تسبح له السموات السبع والأرض وما فيهن وما من شيء الا ويسبح الا بحمده" كان يشجعني على أن ألفت نظر الناس الى آلاء الله وعظمته في هذا الكون والى انسانية الانسان في الاسلام.
يدعو الى الوحدة الاسلامية وصولاً الى الوحدة الوطنية بين المسلمين والنصارى, وأنا في محكمة حاصبيا الشرعية... لابأس أريد أن أذكر هذا، ولو قد تكرر، أريد أن أؤكد الخط الذي كان يمارسه الامام السيد موسى الصدر. يأتيني أهل عين عرب في المحكمة, اسرائيل دمرت بيوتهم في سهل عين عرب، وشرّدتهم في سهل الخيام, تركت المحكمة ونزلت الى سهل الخيام، وجدت أكواماً وكتلاً بشرية تحت شجرة زيتون, تحت شجرة خروب. فأكملت طريقي آتياً من مرجعيون الى الحازمية وصلت الساعة الرابعة وموسى الصدر في مكتبه ليلاً نهاراً, بيته فوق المكتب، وهو يمارس عمله في الليل والنهار، اهتماماً بالانسان وبمشاكل الناس.
قلنا اهل عين عرب دمّرت اسرائيل بيوتهم وهم منتشرون في سهل الخيام, فبماذا أجابني؟ سألني هل هؤلاء من السنة؟ يحل قتلهم من الشيعة او من النصارى او من اليهود, أبداً. قال لي: أرفض أن يبيت انساناً في العراء, أرفض أن يبيت هؤلاء ليلةً واحدة في العراء, الآن انزلوا وأتوا بسيارتين وحمّلوا لهم الخِيَمْ و الأَسِرّة والفرش التي يحتاجون لها. كلّفت الشيخ ابراهيم اللقيس رحمة الله عليه أن يأتي بالسيارات وأنا أسبقك الى مرجعيون, ذهبت الى مرجعيون هناك في مسجد مرجعيون كان خاطب المسجد من عائلة القادر قلت له إنزل الى السهل وإتي بأهل عين عرب الآن سيأتون بالخيم والأسرة وهكذا حصل.
الساعة الثانية عشرة عند منتصف الليل، وصلت السيارتان محمّلتان بالخيم وبالأسرة وبالأغطية، وكان أهل عين عرب من البدو أخذوا هذه الخيم ونزلوا ونصبوها في نصف الليل. قام أهل مرجعيون في الصباح ليروا ان في السهل كله هناك خيم بيضاء. اف ماذا حصل؟
وما علموا أن كان ذلك بإجلال وبإنسانية وأخلاق الامام السيد موسى الصدر الاسلامية والحضارية والانسانية والوطنية. نعم عندما كنا نازلين من كفرشوبا اشتدّ علينا القصف فلجأنا الى راشيا الفخار وعلى رأسنا السيد موسى الصدر ومعنا المطران بولس الخوري, دخلنا الى راشيا الفخار، وما وجدنا غير الكنيسة, كنيسة راشيا الفخار تأوينا من القصف الاسرائيلي. وتأكيداً لهذه الهيئة التي ضمت رؤساء الطوائف، أكد الامام موسى الصدر المعنى الوطني في الوحدة الوطنية، والتي نحتاج اليها اليوم. أمام ما نسمع من برازيت وما نسمع من اتجاهات نحتاج الى الوحدة الوطنية التي نادى بها السيد موسى الصدر. وعلى هذا نعاهد الامام الصدر ونعاهد اجداده من اهل بيت محمد ونعاهد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم على السير على القيم الاسلامية والأخلاق الاسلامية التي حمل لواءها السيد موسى الصدر وأهل بيت النبوة، والتي تدعو الى الوحدة بين المسلمين والى الوحدة الوطنية، والى ان تكون هذه الخطوة الخطوة الاولى على طريق المقاومة. المقاومة يجب ان تبنى على المقاومة الفكرية والسياسية والثقافية، وعلى القرار السياسي الذي يؤدي في النتيجة الى حمل البندقية، والمقاومة بندقية. وهكذا كان السيد موسى الصدر وسنبقى نستفيد ونبقى بحاجة الى توجيهات السيد موسى الصدر والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
النائب علي حسن خليل:
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين. صاحب السماحة, أخي السيد حسين, إخوتي، أخواتي، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كيف يمكن ان أصيب القصيد في مدرسة إمامٍ عظيم، أجد نفسي عاجزاً أن أتحدث, أمام من عايشه وعاصره ورافقه في الأيام الصعبة, ونحن الذين لم نكن نراه الا كحلم يمر أمامنا بقامة تجاوزت حدود الجسد لتطل ممسكة بأحلامنا, ممسكة بطموحاتنا، لتضعها في قوالب استطعنا معها أن نصل, أن نصل الى ما نحن عليه، قبل كل المواقع، ما نحن عليه من عزة وكرامة واعتداد بالنفس, كل هذا لموسى الصدر. ومن موسى الصدر؟
كل عزتنا وكرامتنا وموقعنا, كل تاريخنا الصعب, كل مستقبلنا الذي نراه مشرقاً ما دمنا على خط الامام القائد السيد موسى الصدر كله اليه في أي مكان كان, كله هديةً من أبنائه, من الذين تركهم على خطه ونهجه حتى دون أن يعرفوه أو أن يكون لهم شرف السلام عليه. فالسلام على الامام الصدر. السلام عليكم اخوتي ورحمة الله.
كأناس عاديين كنا محكومين بعقدة الهزيمة والضعف أمام المشروع الاسرائيلي الكبير في المنطقة, كنا أناس سوّق لنا قادتنا في زمن نعترف أنه زمن صعب.. رُكّبت فيه اسرائيل في المنطقة، وأُمّنت لها كل أسباب الحياة. كان التسويق أن الهزيمة هي قدر محتوم وأنه لا إمكان ولا مكان لشعب ضعيف أعزل أن ينطلق ليعبر عن ذاته، ويجد له مكاناً في مواجهة هذا المشروع الاسرائيلي، الذي لم يكن مشروع احتلال أرض فقط، مساحة جغرافية لبناء مشروع دولة عليها. بل كان مشروعاً لضرب القيم التي تمثلها شعوب هذه المنطقة وأوطان هذه المنطقة. كان المشروع الاسرائيلي مشروعاً يعاكس منطق تاريخ هذه الأرض التي احتضنت الأنبياء والأولياء والصلحاء ومشروعهم في بناء علاقات انسانية حضارية، تلتقي فيها الأديان والثقافات على قاعدة الحوار والانفتاح والتكامل.
أتى المشروع الاسرائيلي, أتى مشروع قيام دولة اسرائيل لضرب هذه الصورة الحضارية للمنطقة, وسلّمنا, مررنا في ظروف طويلة منذ قيام اسرائيل وحتى حضور الامام القائد، سلّمنا أن منطق الهزيمة هو مسألة محتومة وأن القضية لا تعني الجميع, لا تعني الدول البعيدة نسبياً عن خط التماس مع الكيان الغاصب في فلسطين. على المستوى الداخل اللبناني نمر باختصار شديد بدأ نوعٌ من البناء الثقافي السياسي المُروّج لفكرة أن هذا الكيان أفضل ما يمكن أن تفعله معه، هو أن تتطبع مع وجوده، وأن تسلّم بهذا الوجود، وأن تحفظ نفسك من خلال تعميم فكرة الضعف, أن قوة لبنان هي في ضعفه, هي في حياده, في عدم تعاطيه مع القضايا المطروحة مع قضايا الأمة، هي انعزاله مع هذا المحيط والسقوط في فخ العودة الى تقديم نموذج لبنان المايع. لبنان الذي لا وجهة له لا على مستوى علاقاته العربية, لا على مستوى ثقافة الممانعة في مواجهة ما تخطط له اسرائيل, تعميم صورة لبنان الذي بدأ بالاطلالة على رسمها أخي السيد حسين في بداية حديثه.
كنا نعيش هذه الفكرة, فأتى الامام الصدر ليحرك فينا عناصر القوة في الانسان, في الانسان العادي الى أي دين أو طائفة انتمى. قيمة الانسان في أن يشعر بحريته, فيمة الانسان في أن يشعر ويمارس هذه الحرية بما يخدم حياته العزيزة الكريمة, بما يخدم تطوره الفكري والثقافي. وأُضيف اليه انساننا المؤمن الذي عليه واجبات تزيد عن غيره من بني البشر في عُرف الامام، الذي قدّم صورة نموذجية حقيقية للانسان المؤمن المنفتح المرتكز على قواعد دينه التي يقوم منها على كل قضايا الانسان في المجتمع والوطن والعالم.
ووصلنا باختصار، نحن الذين اتبعنا هذا الامام العظيم والتزمنا بنهجه, بفكره ومارسنا معه قوتنا الحقيقية عندما فتشنا ووظفنا كل عناصر القوة في شخصيتنا, ثقافتنا, ايماننا, وعينا, وطنيتنا استطعنا أن نواجه اسرائيل وأن نؤسس معه مجتمع المقاومة الحقيقي الذي أحدثنا من خلاله هذا التوازن القائم اليوم على ساحة لبنان والذي امتد ليطل معنويات وقوة ودعم لساحات أخرى في عالمنا العربي والاسلامي.
نحن منتصرون اليوم لأن الامام الصدر استشرف خطراً واستعدّ له. حركته، حركة أمل لم تكن لولا أنه استشعر هذا الخطر قبل أن يحدث. وهنا أيها الأخوة يجرنا الحديث الى ما يُطرح اليوم حول مسألة المقاومة واستمرارها واستمرار احتضانها، لنقول أن الامام الصدر استشرف ببعد نظره خطر اسرائيل حتى قبل أن تجتاح اسرائيل, دعا لبناء المجتمع المقاوم قبل أن تجتاح اسرائيل أرض لبنان, هذا الأمر يؤشر الى أن وجود هذا الكيان الغاصب على حدودنا الجنوبية يفرض علينا أن نكون مستعدين في أية لحظة لمواجهة مخاطر هذا العدوان واعتداءاته. المسألة ليست مسألة تحرير أرض بعينها فقط, بعض الذين يسمعون هذا الكلام يمكن أن يقولوا أنه خطاب مختلف لحركة أمل حول جدوى المقاومة وحدود ممارستها, نحن نقول أن خطابنا هو خطاب الامام السيد موسى الصدر أن إستعدوا لاسرائيل وأن إبقوا دائماً في المواجهة ومستعدين لمواجهة مخاطر اعتداءاتها المفتوحة على أرض وسماء وجو اسرائيل. ولكن لمقاومتنا هذه أشكالها المختلفة, صورها المختلفة, المهم أن خطر اسرائيل ليس خطراً مباشراً يتعلق فقط باحتلال الأرض وتحرير هذه الأرض بل أنه خطر مفتوح يجب أن نبقى مستعدين له من خلال بقاء مجتمعنا مجتمعاً له صفة المقاومة، التي أرادها الامام الصدر ممانعةً ثقافيةً وتربوية وسياسيةً واستعداد اقتصادي وقواعد ارتكاز تنموية، تُشْعِرُ أبناء المنطقة الحدودية أنهم جزء من وطن يحتضنهم وجزء من وطن قوي قادر على أن يمد يد العون في أي وقت من الأوقات.
اليوم نحن أمام صفحة جديدة تؤكد أن المواجهة ما زالت مفتوحة وأن الفكر المقاوم – وهو عنوان هذا اللقاء-عند الامام الصدر نحن في أمس الحاجة اليوم لإعادة تظهير. بالأمس في الأمم المتحدة قدم آرييل شارون خطاباً للعالم يتنكر فيه لكل حقائق التاريخ, يتنكر ويقول أنه أي شارون ابن لمزارعين وفلاحين اسرائيليين، وُلد في أرض اسرائيل.. ظروف لم تسعفه حاول قدر الامكان أن يبقى فلاحاً في أرض اسرائيل لولا أن هناك حروباً قد فُتحت وجعلته جنرالاً في الجيش الاسرائيلي.
هذا الكلام وحده يجعلنا أكثر من أي وقت مضى بأمس الحاجة لأن نتمسك بكل شعار وقول من أقوال الامام الصدر التي تدعو الى الاستعداد لمواجهة اسرائيل ومشاريع اسرائيل. نسي آرييل شارون أن أباه وأمه وعائلته، قد أتت واحتلت فلسطين لتؤسس عليها دولةً على حساب شعب هذه الأرض؛ نسي آرييل شارون أن كل العالم هو يعرف تماماً أنه مغتصب، وأتى لهذه الأرض ليبني عليها دولته ومشروعه على حساب شعب, أرض شعب وحق شعب في أن يعيش. لكن للأسف كلنا, كل العالم، اليوم صفّق بأن آرييل شارون قد تنازل وانسحب من غزة وهو الذي ما انسحب الا خدمة لأمن مشروعه وأمن دولته. وهنا نقول بلسان الامام الصدر رداً على ما قاله بالأمس ايضاً هذا الجزار، الذي في مثل هذا اليوم تماماً من العام 1982 قتل بدم بارد وبتغطية من الذين حموه وأعادوا انتاجه ورسم صورته الجديدة؛ في مثل هذا اليوم قبل 23 عاماً آلاف الفلسطينيين ذُبِحوا, مئات اللبنانيين معهم ذُبِحوا قُتِلوا, لأننا في ذاك الوقت كثير من اللبنانيين لم يكونوا مؤمنين في أن في هذا الشعب قوة لو حُرّكت لاستطاعت أن تواجه اسرائيل. كان هناك الكثير الكثير من الذين يحاربون الامام الصدر وحركته ومقاومته ولا يؤمنون بالقدرة على مواجهة اسرائيل.
لكن الآية اليوم أصبحت مختلفة الفكر المقاوِمي عند الامام الصدر أنتج مقاومة ورفضاً وتحدٍ وتحرير لكل الأرض وها هو ينتج اجماعاً جنوبياً واجماعاً لبنانياً على أنه بالمقاومة نستطيع أن نستمر في حماية أرضنا وواقعنا وفي حماية ورسم مستقبلنا الذي نطمح اليه. نقول لآرييل شارون الذي قال بالأمس أيضاً بأن القدس ستبقى عاصمة أبدية لاسرائيل، ما قاله الامام الصدر أن القدس قبلتنا وملتقى قيمنا ومعراج رسالتنا.. هي قدسنا هي قبلتنا وقضيتنا.. وستبقى قبلتنا وقضيتنا.. ولن نتخلى عنها على الاطلاق. في زمن الهزيمة في زمن وجود مئات آلاف الجنود الأميركيين في العراق, في زمن المجازر, في زمن الضغوطات على لبنان والضغوطات على سوريا, في الزمن الفلسطيني الصعب يمكن أن يكون هذا الشعار شعاراً مستحيلاً؛ لكن من كان على خط موسى الصدر, من آمن بقدرة الانسان على التغيير, من آمن بأن وعد الله حق, وهو الذي وعدهم بأن يمنّ على المستضعفين بأنهم من سيرث ومن سينتصر تبقى كل الآمال أمامه مفتوحة، وتبقى قضيته الأساس هو أن يثبت على التزامه وأن لا يتراجع. أقول أخيراً في زمن صعب للمنطقة وللبنان، لو كان موسى الصدر حاضراً اليوم في لبنان، لأكّد على أكثر من أمر, لدعا اللبنانيين جميعاً ونحن ندعو معه على تقديم منطق الوحدة على كل ما يُفرّق, وحدة المسلمين مع بعضهم البعض, وحدة المسلمين والمسيحيين تحت سقف المواطنية التي يؤسّس على قاعدتها دولة قوية قادرة بمؤسسات تعمل لخدمة المواطن بعيداً عن انتمائه, لو كان الامام الصدر حاضراً لكان أول الداعين الى الحفاظ على علاقات لبنان العربية, على هويته, على قوته في امتداده مع هذا الشرق, على صورته المنيعة التي يمكن أن نوظف مقاومتها وقوتها لخدمة كل العرب, لا أن تصبح هذه المقاومة وهذه القوة عبئاً علينا اذا ما انقسمنا على مستوى الداخل اللبناني. لو كان الامام موسى الصدر حاضراً لكان شعاره أن احذروا منطق التقسيم في العراق واحذروا الوقوع في فخ انتصار وهمي في فلسطين. لو كان موسى الصدر حاضراً لقال ابقوا متضامنين مع سوريا في مواجهة الضغوطات, لا تتخلوا عن واقعكم, عن علاقاتكم, عن موقعكم العربي. لو كان موسى الصدر حاضراً لخاطب العالم اليوم في الأمم المتحدة أن هناك مساحة لقاء بين الشعوب, أن هناك مساحة يمكن أن يلتقي عليها بني البشر بأديانهم, بأعراقهم بمناطقهم فتشوا عليها وابنوا عليها مستقبل الانسان في هذا العالم ولا تسمحوا لمنطق العنف والقتل والتشرذم والانقسام ونهب الثروات هو أساس فعلكم يا أيها المجتمعون في قمة العالم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
