* تسجيل صوتي من محفوظات مركز الإمام موسى الصدر، (د.ت).
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿قل أعوذ برب الناس * ملك الناس * إله الناس * من شر الوسواس الخناس * الذي يوسوس في صدور الناس * من الجنَّة والناس﴾ [الناس]
صدق الله العظيم
في الحلقة السابقة عندما قرأنا سورة الفلق، تحدثنا عن الأخطار التي كان يشعر بها الإنسان وكان يحس بالقلق والضعف أمامها، وكيف أن الله سبحانه وتعالى يكلفه باللجوء إلى الخالق، إلى خالق النور.
أما في هذه السورة، سورة الناس، فالأخطار التي يشعر بها الإنسان، هي الأخطار الناتجة عن الإنسان وعن البشر الذين يعيش معهم الإنسان. بينما كانت السورة السابقة، سورة الفلق تشير إلى الأخطار غير المحسوسة، والأخطار التي تحصل في وقت الظلام والغفلة، أو دون علم الإنسان ومن خارج إرادة الإنسان.
في هذه السورة يحدد القرآن الكريم الأخطار التي يشعر بها الإنسان. فهناك أخطار من قبل الملوك والحكام، وهناك أخطار من قبل الآلهة التي كان يعبدها لها الإنسان من ذي قبل:
1. الآلهة في العبادة والآلهة في التقديس، والآلهة في كونها مصدر الخوف والطمع للإنسان.
2. الآلهة البشرية يعني طغاة الأرض، فهناك خطر من قبل طغاة الأرض على الإنسان.
3. والخطر الثالث: من خطر الناس الذين يحاولون أن يفسدوا رأي الإنسان بصورة سرية وأن يكونوا صعوبات وتشكيكًا في طريق الإنسان وفي إيمان الإنسان، وهؤلاء على نوعين: نوع من قبل البشر، أولئك الذين يحاولون أن يسعوا بكل وجودهم لخلق عراقيل وفتن وتشكيك في حياة الإنسان وفي طريقه.
والقسم الثاني الأخطار التي تأتي من العناصر غير المرئية والتي تسمى في القرآن الكريم بالجن، والجِنَّة.
أمام هذه الأخطار يعلمنا القرآن الكريم ويذكرنا بأن هذه الأخطار تأتي من قبل البشر، فلماذا لا نلجأ إلى إله البشر وخالق البشر، والذي يعطي القوة والهداية والسداد للبشر، فيعلمنا بقوله: ﴿قل أعوذ برب الناس﴾ ويذكرنا بمصدر الأخطار، فيقول أن هناك أخطارًا تهدد الإنسان من قبل الحكم الفاسد، من قبل السلطان المنحرف من قبل المستبدين في الأرض، فانتبه أيها الإنسان أن هذا النوع من الحكم اللامسؤول خطر على الإنسان.
والخطر الثاني هو خطر الطغاة: مفهوم الإله في القرآن الكريم، مفهوم شامل، يُفهم هذا المعنى من قوله تعالى: ﴿فرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم﴾ [الجاثية، 23]، لا شك أن الذي يأخذ إلهه هواه لا يسجد لهواه ولا يصلي لنفسه، إنما معنى اتخاذ الإنسان هواه إلهاً، أن الأنانية والذاتية، وراء كل تصرفاته، نفسه قدس الأقداس عنده، يتحرك بدافع ذاتي وأناني، فكل موجود يكون هو المصدر لتحرك الإنسان ويقدمه الإنسان ويخضع له ويطيعه في خير أو شر، فهو إله في منطق القرآن الكريم، إله الناس، هناك خطر من الآلهة البشرية، ونحن نلجأ إلى الله إله الناس الحقيقي، كما أننا التجأنا إلى الله ملك الناس الحقيقي.
فهناك أخطار من قبل طغاة الأرض، من قبل الذين نعبدهم من دون الله ونخضع لإرادتهم ونصرف طاقاتنا وأموالنا ومصالحنا في سبيل إرضائهم. إنهم لا يخدمون الإنسانية والإنسان، ولكن يستخدمون الإنسانية والإنسان. فلماذا نحن نخضع لهؤلاء الطغاة، مع أنهم ليسوا آلهة، أنهم بشر يخطئون ويشعرون بالضعف كما نشعر، ويريدون أن يسدوا نقصهم الذاتي باستغلالهم للناس واستخدامهم للناس. فالخطر الثاني خطر الطغاة نحن نلجأ إلى الله الذي هو إله الناس وملك الناس ورب الناس من هذه الأخطار ومن الأخطار الأخرى التي تأتي من قبل الآخرين، الذين يوسوسون بصورة سرية، فالإنسان آفته التردد والضعف، وآفته الوسوسة والنزعات الخفية التي تعترض سبيل الإنسان.
إن هذه الشكوك التي تساير الإنسان وتقف في وجه الحركة والأقدام وتتوسوس في صدور الإنسان، هي خطر على العزم والإرادة.
نحن مكلفون بأننا حينما نجد أن الرسالة والمهمة والخير في عمل، نبدأ بالعمل دون تردد، أما الذي يتردد، فالتردد من الشيطان ومن جنود الشيطان. والشيطان للفرد هو الذي يكون ترددًا وشكوكًا في نفسه، والشيطان للجماعة، أولئك الذين يشككون ويخلقون أسئلة وصعوبات في وجه العاملين، هؤلاء الذين لا يعملون ولا يتركون الفرصة لأحد أن يعمل هؤلاء هم جنود الشيطان.
ونحن في عالمنا، مبتلون بصورة واسعة بهؤلاء المشككين الذين يضعفون ثقتنا بأنفسنا، وثقتنا بأصدقائنا، نلجأ إلى الله خالق الناس من شرور هؤلاء الموسوسين والذين يقومون بتشكيكهم بصورة خافية، كالخناس ﴿الذي يوسوس في صدور الناس﴾.
وهؤلاء، سواء كانوا من النوع الذي نعرفه ومن الناس الذين نعرف حدودهم وشخصياتهم أو من الأشخاص الذين لا نعرف تفاصيلهم وشخصياتهم، نلجأ من هذه الشرور إلى إله الناس ورب الناس وملك الناس.
أيها المؤمنون، هاتان السورتان كلفنا بقراءتهما في كل صباح وعند كل سفر وأمام كل عمل شاق وصعب. والمقصود من قراءة هاتين السورتين تذكيرنا بأن الشرور مهما كانت والصعوبات مهما تعاظمت والمشاكل والتشكيكات مهما انتشرت، فطالما أننا نقوم بأمر من الله ونؤمن به، وننفذ إرادته ورغبته، فهو صاحب العلاقة ولا يتمكن أحد أن يعالج وأن يعارض إلها وخالقًا وربًا هو خالق كل شيء ﴿والسماوات مطويات بيمينه﴾ [الزمر، 67].
عندما نتلو هاتين السورتين نشعر بإنارة الطريق والأمل بالمستقبل والصيانة في الخط ودفع الأخطار من كل جانب. ولذلك فعلاج كل صعوبة هو التوسل إلى الله، والتأكيد على الإيمان بالله الذي يأمرنا بالحذر وبالتفكير وبالتخطيط وبوضع الأقدام في الأماكن الثابتة.
نسأل الله أن نكون من الذين نعزم ونتوكل نقوم بالدراسة والمطالعة ثم نبدأ دون قلق ولا تردد بخطنا وبطريقنا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
