سابقات الغدير

الكاتب:موسى الصدر

* مقدمة كتبها الإمام موسى الصدر لكتاب "معنى حديث الغدير" لمؤلفه آية الله السيد مرتضى خسروشاهي الذي صدرت الطبعة الثانية منه سنة 1398 هـ. في قم-إيران.
الحادثة

في السنة العاشرة من الهجرة، رجع النبي (ص) من حجة الوداع، فلما وصل إلى الجحفة حيث مفترق الطرق، وقف هناك قريبًا من غدير يقال له: (غدير خم) ودعا الحجاج بأمر الله، فاجتمعوا من مختلف طرقهم تحت منبر صُنِعَ له من أحداج الإبل في ظل دوحة، وكان ذلك يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجة. وقام في الجمع خطيبًا فقال:
إني أوشك أن أُدعى فأجيب، وإني مسؤول وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك بلغت ونصحت وجاهدت، فجزاك الله خيرًا. قال: ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن جنته حق، وأن ناره حق، وأن الموت حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور؟ قالوا: بلى، قال: اللهم اشهد. ثم قال: فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين، فنادى منادٍ: وما الثقلان يا رسول الله؟ قال: الثقل الأكبر كتاب الله، طرف بيد الله وطرف بأيديكم فتمسكوا به لا تضلوا، والآخر الأصغر عترتي، وأن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يَرِدا عليّ الحوض، فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا. ثم أخذ بيدي علي فرفعهما حتى رؤي بياض إبطيهما وعرفه القوم أجمعون، فقال: أيها الناس، من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: إن الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه، وأحب من أحبه وابغض من أبغضه، وانصر من نصره واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيثما دار... ألا فليبلِّغ الشاهد الغائب.
ونزلت الآية الكريمة: ﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا﴾ [المائدة، 3]، فقال رسول الله: الله أكبر، والحمد لله على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضى الرب برسالتي والولاية لعليّ من بعدي.
تواترها
هذه واقعة الغدير، وقد حفظها المسلمون، وذكرها علماؤهم في مراجع التاريخ والأدب والتفسير والحديث والكلام واللغة، ونحن ناقلون بعض مصادرها عن كتب "عبقات الأنوار" للسيد حامد حسين (1306 هـ)، و"المراجعات" لسيدنا المقدس الإمام شرف الدين (1377 هـ)، و"الغدير" للحجة الأميني (1390 هـ)، "ودلائل الصدق"  للعلامة المظفر (1375 هـ).
المؤرخون
ذكر حادثة الغدير من المؤرخين: البلاذري (279 هـ) في "أنساب الأشراف"، وابن قتيبة (276 هـ) في كتابيه "المعارف" و"الإمامة والسياسة"، والطبري (310 هـ) في كتاب مفرد، وابن زولاق الليثي المصري (387 هـ) في كتابه، والخطيب البغدادي (463 هـ) في تاريخه، وابن عبد البر (463 هـ) في "الاستيعاب"، والشهرستاني (548 هـ) في "الملل والنحل"، وابن عساكر (571 هـ) في تاريخه، وياقوت الحموي (626 هـ) في "معجم الأدباء"، وابن الأثير (630 هـ) في "أسد الغابة"، وابن أبي الحديد (656 هـ) في "شرح نهج البلاغة"، وابن خلكان (681 هـ) في تاريخه، والشافعي (768 هـ) في "مرآة الجنان"، وابن الشيخ البلوي (604 هـ) في "ألف باء"، وابن كثير الشامي (774 هـ) في "البداية والنهاية"، وابن خلدون (808 هـ) في مقدمة تاريخه، وشمس الدين الذهبي (748 هـ) في "تذكرة الحفاظ"، والنويري (733 هـ) في "نهاية الأرب في فنون الأدب"، وابن حجر العسقلاني (852 هـ) في كتابيه "الإصابة" و"تهذيب التهذيب"، وابن الصباغ المالكي (855 هـ) في "الفصول المهمة"، والمقريزي (845 هـ) في "الخطط"، وجلال الدين السيوطي (911 هـ) في غير واحد من كتبه، والقرماني الدمشقي (1019 هـ) في "أخبار الدول"، ونور الدين الحلبي (1044 هـ) في "السيرة" وغيرهم.
المحدثون
وذكرها من أئمة الحديث: أبو عبد الله محمد بن ادريس الشافعي (204 هـ)، وأحمد بن حنبل (241 هـ) في مسنده ومناقبه، وابن ماجه (273 هـ) في "السنن"، والترمذي (279 هـ) في "سنن التزمذي"، والنسائي (303 هـ) في "الخصائص"، وأبو يعلى الموصلي (307 هـ) في مسنده، والبغوي (516 هـ) في "مصابيح السُّنة"، والدولابي (310 هـ) في "الكنى والأسماء"، والطحاوي (321 هـ) في "مشكل الآثار"، والحاكم (405 هـ) في "المستدرك"، وابن المغازلي المتوفى (483 هـ) في "مناقب علي"، وابن منده الأصبهاني (475 هـ) في تأليفه، والخطيب الخوارزمي (568 هـ) في "مناقب علي بن أبي طالب" و"مقتل الحسين"، والكنجي الشافعي (658 هـ) في "كفاية الطالب"، ومحب الدين الطبري (694 هـ) في "الرياض النضرة" و"ذخائر العقبى"، والحمويني (722 هـ) في "فرائد السمطين"، والهيثمي (807 هـ) في "مجمع الزوائد"، والذهبي (748 هـ) في "اختصار مستدرك الحاكم"، وابن الجزري (833 هـ) في "أسنى المطالب"، والقسطلاني (923 هـ) في "المواهب اللدنية"، والمتقى الهندي (975 هـ) في "كنز العمال"، والهروي القاري (1014 هـ) في "شرح مشكاة المصابيح"، وتاج الدين المناوي (1031 هـ) في "كنوز الحقائق" و"فيض القدير"، والشيخاني القادري (ق.11 هـ) في "الصراط السوي"، وابن باكثير المكي (1047 هـ) في "وسيلة المآل في عدّ مناقب الآل"، وأبو عبد الله الزرقاني (1122 هـ) في "شرح المواهب"، وابن حمزة الدمشقي (1120 هـ) في "البيان والتعريف".
المفسرون
وذكرها من أئمة التفسير: الطبري (310 هـ) في تفسيره، والثعلبي (429 هـ) في تفسيره، والواحدي (468 هـ) في "أسباب النزول"، والقرطبي (671 هـ) في تفسيره، وأبو السعود (982 هـ) في تفسيره، والفخر الرازي (606 هـ) في تفسيره "التفسير الكبير"، وابن كثير الشامي (774 هـ) في تفسيره، والنيسابوري (ب. 553 هـ) في تفسيره، والسيوطي (911 هـ) في تفسيره، والخطيب الشربيني (977 هـ) في تفسيره، والألوسي (1270 هـ) في تفسيره.
المتكلمون
وذكرها من المتكلمين: القاضي أبو بكر الباقلاني (403 هـ) في "التمهيد"، والقاضي عبد الرحمن الأيجي الشافعي (756 هـ) في "المواقف"، والسيد الشريف الجرجاني (618 هـ) في "شرح المواقف"، والبيضاوي (685 هـ) في "طوالع الأنوار"، وشمس الدين الأصفهاني (749 هـ) في "مطالع الأنظار"، والتفتازاني (793 هـ) في "شرح المقاصد"، والقوشجي (879 هـ) في "شرح التجريد"، والقاضي أبو الفضل نجم الدين محمد الشافعي (876 هـ) في "بديع المعاني في شرح عقائد الشيباني"، والسيوطي (911 هـ) في "الأربعين"، وحامد بن علي العمادي (1171 هـ) في "الصلاة الفاخرة"، والألوسي (1324 هـ) في "نثر اللآلي في شرح نظم الأمالي".
اللغويون
ومن أئمة اللغة ذكرها: ابن دريد محمد بن الحسن (321 هـ) في "جمهرة اللغة"، وابن الأثير (606 هـ) في "النهاية"، والحموي (626 هـ) في "معجم البلدان"، والزبيدي (1205 هـ) في "تاج العروس"، والنبهاني (1350 هـ) في "المجموعة النبهانية".
الحديث عبر العصور
رواه من الصحابة (106)، ومن التابعين (84)، ومن علماء القرن الثاني (84) رجلًا، ومن القرن الثالث(92) عالمًا، ومن القرن الرابع (43) عالمًا، ومن القرن الخامس (23) عالمًا، ومن القرن السادس (20) عالمًا، ومن القرن السابع (20) عالمًا، ومن القرن الثامن (18) عالمًا، ومن القرن التاسع (15) عالمًا، ومن القرن العاشر (14) عالمًا، ومن القرن الحادي عشر (11) عالمًا، ومن القرن الثاني عشر (12) عالمًا، ومن القرن الثالث عشر (11) عالمًا، ومن القرن الرابع عشر (18) عالمًا. نقل الحجة الأميني في كتابه "الغدير"، كل هذا نقلًا عن كتبهم أو عن الكتب المعتبرة مع أسمائهم، فراجع.
كتب الغدير
وألف جماعة من الأعلام كتبًا في هذا الحديث وأسانيده ودلالته فمنهم:
الطبري (310 هـ) في كتاب "الولاية في طرق حديث الغدير"، ذكره الحموي (626 هـ) في "معجم الأدباء"، وابن عقدة الهمداني (333 هـ) في كتاب "الولاية"، وأبو بكر محمد بن عمر الجعابي المتوفى (355 هـ) في كتاب "من روى حديث غدير خم"، وأبو طالب عبيد الله بن أحمد بن زيد الأنباري الواسطي (356 هـ) في كتاب "طرق حديث الغدير"، وأبو غالب أحمد بن محمد بن محمد الزراري (368 هـ)، وأبو المفضل محمد بن عبد الله بن المطلب الشيباني (387 هـ) في كتاب "من روى حديث غدير خم"، والدارقطني (385 هـ)، والشيخ محسن بن الحسين أحمد النيسابوري الخزاعي (1270 هـ) في كتاب "بيان من كنت مولاه"، وعلي بن عبد الرحمن بن عيسى الجراح القناني (413 هـ) في كتاب "طرق خبر الولاية"، وأبو عبد الله الحسين بن عبيد الله الغضائري (411 هـ) في كتاب "يوم الغدير"، والحافظ أبو سعيد السجستاني (477 هـ) في كتاب "الدراية في حديث الولاية"، رواه عن مائة وعشرين صحابيًا، وأبو الفتح الكراجكي (449 هـ) في كتاب "عدة البصير في حجج يوم الغدير"، وعلي بن بلال المهلبي (ق. 450 هـ) في كتاب "حديث الغدير"، والشيخ منصور اللاتي الرازي (القرن الخامس الهجري) في كتاب "حديث الغدير"، والشيخ علي بن حسن الطاطري في كتاب "الولاية"، وأبو القاسم عبيد الله بن عبد الله الحسكاني (ب. 470 هـ) في كتاب "دعاء الهداة إلى أداء حق الموالاة"، وشمس الدين محمد بن محمد الدمشقي المقري ابن الجزري (833 هـ) له كتاب "أسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب"، والمولى عبد الله بن شاه منصور القزويني (ب. 1027 هـ)، والسيد نجم الحسن اللكهنوي (1360 هـ) في كتاب "حديث الغدير"، والسيد مير حامد حسين (1306 هـ) في مجلدين ضخمين في ألف وثمانمائة صفحة من مجلدات كتابه الجليل "عبقات الأنوار"، والسيد مهدي الغريفي (1343 هـ) له كتاب "حديث الولاية في حديث الغدير"، والحاج الشيخ عباس القمي (1359 هـ) له كتاب "فيض القدير فيما يتعلق بحديث الغدير"، والخطيب السيد مرتضى حسين [الفتحيوري[، والشيخ محمد رضا طاهر آل فرج الله النجفي (1386 هـ) له كتاب "الغدير في الإسلام"، والحجة السيد مرتضى الخسروشاهي التبريزي (1372 هـ) له كتاب "إهداء الحقير في معنى حديث الغدير"، وأخيرًا العلامة الحجة الأميني (1390 هـ) له كتاب "الغدير في الكتاب والسنة والأدب" في عشرين مجلدًا، صدر منه أحد عشر مجلدًا يذكر فيه جميع ما نُظِمَ في الغدير طوال القرون، وهو كتاب جليل يحلل أكثر المواضيع المهمة في تاريخنا الإسلامي.
هذه الكتب المؤلفة في خصوص الغدير؛ وأما الكتب المؤلفة في البحث عن إمامة علي (ع)، والمشتملة على حديث الغدير فيبلغ عددها مئات مئات، فراجع كتاب "الذريعة إلى تصانيف الشيعة" للشيخ العلامة الطهراني (1416 هـ).
طرفة
يعد صاحب "العبقات" جماعة من أكابر العلماء أجمعوا على تواتر الحديث المبارك، منهم الرازي (606 هـ) في تفسيره الكبير، فراجع. ثم ينقل عن كتاب "ينابيع المودة" للشيخ سليمان الحنفي (1294 هـ)، أنه حكى عن أبي المعالي (478 هـ) إمام الحرمين أستاذ أبي حامد الغزالي (505 هـ) قوله متعجبًا: رأيت مجلدًا في بغداد بيد صحّاف فيه روايات خبر غدير خم، مكتوبًا عليه (المجلد الثامن والعشرون) من طرق قوله (ص): "من كنت مولاه فعلي مولاه" ويتلوه (المجلد التاسع والعشرون).
سابقة الغدير
ما تقدم يبين أن يوم الغدير رَسَخَ يومًا خالدًا في تاريخ الإسلام، ويظهر من العناية به ما يعكس له أهميته الكبرى.
فما هي أهميته هذه؟
أهميته تنبع من تعيين رئيس يحيل مبادىء العدل والحرية والمساواة، وقيم العلم والعمل حركة حية في تركيب المجتمع وفق نظام الإسلام، ويمد هذا الدين المحرر كما شاءه الله والرسول فردوسًا على الأرض. ولم يكن لشخص الرئيس المُنَصَّب في يوم الغدير، اعتبار بنظر النبي وراء مناقبه الروحية والجسدية وطاقاته العلمية والعملية، التي جعلت منه ضمانة لتطبيق الإسلام حق التطبيق. وبهذا اعتبر هذا اليوم العظيم أساسًا لما نُهِضَ بعده من حركات تقدمية وتطورات حضارية في أصول الحكم وحقوق الإنسان لا يمكن أن نشير إليها في هذه المقدمة، فللباحث أن يراجع ويدرس السِّفر القيّم الخالد للإمام علي بن أبي طالب "نهج البلاغة".
ولا نزيد على ما قلناه، إلا قول صاحبه الخليفة، عمر بن الخطاب (رض)، حيث يخاطبه ويقول: "لو أن البحر مداد، والرياض أقلام، والأنس كتاب، والجن حساب، ما أحصوا فضائلك يا أبا الحسن"؛ فماذا أقول بعد قوله؟ لقد استوحاها أبو حفص من معلمهما الأعظم، وحسب عظيم أن يشهد بعظمته محمد (ص).
هذا الكتاب
قد أشرنا فيما تقدم، أن كثيرًا من الأعلام ألفوا كتبًا حول الغدير وحديثه وأسانيده ودلالته، وهذا الكتاب من جملة هذه المؤلفات القيمة، حيث يبحث بدقة معمقة في دلالة الحديث ويوضح معناه؛ والمؤلف الراحل كان من أكابر علماء الشيعة في آذربيجان، في إيران. وطبع الكتاب مرة في العراق[1] واليوم يصدره مركز البحوث الإسلامية من جامعة قم الإسلامية بإشراف خلف المؤلف المجاهد الأستاذ العلامة الأخ السيد هادي الخسروشاهي، مزيدًا ومنقحًا، لتعم الفائدة.
نسأل الله تعالى أن يوفقه دومًا للقيام بواجبه في الدعوة إلى الحق، وأداء وظيفته تجاه الرسالة الإسلامية العالمية.
والله الموفق والمعين.
بيروت
المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى

موسى الصدر
_____________________________

[1] طُبِع بعنوان "إهداء الحقير في معنى حديث الغدير"

source