لقد آمن سماحة الإمام بضرورة الحوار بين المسيحية والإسلام على مبدأ التعاش ايماناً منه بأن هذا الحوار السبيل الوحيد لحفظ الكيان اللبناني لذلك انتهج مبدأ احترام الآخر في دينه ومعتقده ولم يكن تعاطيه مع اللبنانيين على مبدأ الفرز السلبي أو المواقف غير الإنسانية بسبب انتماءاتهم الدينية لذلك ركز على ضرورة الإندماج الوطني بين الطوائف لترسيخ أسس الوحدة الوطنية معتبراً أن سلام لبنان أفضل وجوه الحرب مع إسرائيل ومن منطلق القرآن الكريم كان الإمام الصدر أقرب في نظرته ووده الى المسيحية ومن اليهودية يقول تعالى: لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إن نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون.
وفي الوقت ذاته ان الإمام يميز بين الصهيونية كحركة عنصرية والتي على مبادئها قامت دولة إسرائيل وبين اليهودية كديانة سماوية والتي اعتبرها حلقة من حلقات الإسلام مستشهداً بقوله تعالى: ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
ويرى الإمام أن هذه الحركة تعود بنواتها الأولى إلى ما قبل ولادة السيد المسيح ثم بدأت أحلام الصهاينة تتوارث جيلا بعد جيل مع توحيد الشعار ألا وهو القتل والإستعلاء والعنصرية وإعتبار السيف نعمة السماء فإذا كان الإمام قد طرح الحوار مع المسيحية على مبدأ المحبة والله، والله عند اليهود وهم الشعب المختار كما يعتبرون أنفسهم هو يهوه وهو رمز القتل والفتك والدماء يوصي بالعنصرية ويخصص اليهود بإمتيازات يجعلهم النموذج الأعلى للنوع البشري وما دونهم حيوانات خلقهم على شكل بشر ليشرفوا بخدمة اليهود.
فمحاربة الإمام الصدر للصهيونية التي تستمد شريعتها من التاريخ اليهودي المزور ليست محاربة للإنسان بقدر ما هي محاربة للأفكار الفاسدة والظالمة وهذه الحركة التي تقنعت بقناع ديني والتي تجزء البشر وتعمق الإنفصال تعطل اللقاء الإنساني المرتقب فسيطرتها على القدس ومحاولة تهويدها تغرس في ذلك خنجراً في قلب المسيحية قبل الإسلام ويرى الإمام أن سعيهم الدؤوب لإقامة علاقات مع المسيحيين والمسلمين ليست لنبالة في نفوسهم بل من اجل خلق حزام تفاعل عربي صهيوني يؤدي إلى السيطرة والهيمنة وخوفاً على الهوية العربية وخوفاً على صيغة التعايش ونصرة للقدس.
وإعتبر الإمام الصدر أن إسرائيل شر مطلق والتعامل معها حرام وخيانة وطنية كبرى وخيانة لخط الأنبياء والرسل وما حملوه من القيم الدينية والأخلاقية ومن أجل ذلك إعتبر الإمام أن من يسقط في معركة التعامل بين لبنان وإسرائيل هو مع الحسين لأن هذه الحركة بتصرفاتها تمثل الفئة الضالة عدوة الإنسانية التي تعطل حوار الأديان لذلك كان الإمام الصدر يرى في صيغة التعايش المسيحي الإسلامي في لبنان إدانة للعنصرية الإسرائيلية. وأن هذه الصيغة إذا تحققت تشكل تحدياً حضارياً يتعارض مع رؤية الكيان الصهيوني العنصري الذي تغذى من مبادئ هذه الحركة المتطرفة.
فالأنموذج اللبناني الفريد هو بمثابة الإدانة للعدو الإسرائيلي الغاصب القائم على الإنعزالية من هنا كان تركيز الإمام الصدر الدائم على ضرورة حفظ الوطن والإستماتة في الدفاع عنه فالوطنية والوطن لهما حيز عريض في خطاب وفكر الإمام السيد موسى الصدر. يقول الإمام: أن الوطن يعيش في ضمائر أبناءه قبل أن يعيش في الجغرافيا والتاريخ. وقال: لا حياة للوطن دون الإحساس بالمواطنية والمشاركة نريد أن يبقى لبنان وطناً نهائياً لجميع أبناءه. وهذا الأمر يصون لبنان من أن يكون ثغرة للعدو الإسرائيلي فعلى اللبنانيين الترفع عن الطائفية والمذهبية والإنتماء إلى الطائفة الكبرى وهي طائفة الله والإنسان، يقول الإمام: أنا بإنتظار تلك الأيام وذلك الوقت الذي نرى فيه نواة لبنان المستقبل الذي تحول كله إلى طائفة واحدة إلى طائفة الله وطائفة الإنسان. فلبنان التسامح بعيشه المشترك وصيغة التلاقي بين أبناءه لا بد من الحفاظ عليه بوجهه الحضاري المتقدم بما يشكله من إدانة للكيان الصهيوني الغاصب وتصرفاته.
يقول الإمام: إن وجود لبنان بحد ذاته بلد التسامح وتعدد الطوائف هو برهان قاطع ومناقض لوجود إسرائيل كبلد قائم على الفرق وتحدٍ لكل المجتمعات والأفكار القائمة. فإسرائيل هذه بعنصريتها تشكل خطراً على لبنان الرسالة وعلى صيغة العيش المشترك لأنها تسعى لتأصيل أفكارها بين الطوائف اللبنانية وتشكيل أفكار سلبية تتلائم وتطلعاتها، من هنا كان الإمام مستعداً لأن يبذل حياته فداء لصيغة العيش المشترك ولفضح إسرائيل وهو في خضم الأحداث يقول: كل رصاصة تطلق على دير الأحمر إنما تطلق على صدري وعمامتي وبيتي ومحرابي. لأنه كان يدرك أن المستفيد الوحيد في ضرب هذه الصيغة الحضارية هي إسرائيل وهي الخطر على الإسلام والمسيحية والإنسانية، يقول الإمام: أن إسرائيل هي العدو للعرب المسلمين المسحيين وللإنسانية ولله سبحانه وتعالى. ويقول: إن إسرائيل بوجودها وبما لها من أهداف تشكل خطراً علينا... على قيمنا وحضارتنا وعلى اقتصادنا وسياستنا..
