صلى في السويس وسيناء فكان أول انتصار على الصهاينة، وصلى في كفرشوبا وعين التينة فكان الانتصار في خلدة والطيبة وشلعبون... وكان التحرير. صلى في روما والكبوشية فكانت المحبة وأصبح لبنان وطناً نهائياً لجميع أبنائه. إمامي صليّت حباً وجهاداً وسجنت حقداً وعمالة وعناد.
... الإمام السيّد موسى الصدر لبناني الأصل. هو متحدر من أسرة قرشية عربية... هو حفيد السلالة الهاشمية الحسينية التي تعبر بالإمام الحسين، والإمام علي، إلى الرسول محمد... غرف ثقافته العربية من دراساته في حوزات النجف الأشرف في العراق، وحوزات قُم في إيران.
وعندما نزل مدينة صور آتياً من إيران، استقبله عمّه المجتهد الأكبر الإمام السيّد عبد الحسين شرف الدين، وأودعه أمانة التبشير بالتغيير، والدعوة إلى الإصلاح.
... وكان الإمام الصدر ذا طلعة بهية، طويل القامة، عريض المنكبين، أزرق العينين، يزداد وجهه احمراراً على خجل وعند كل حالة تعبير. عربيته فصيحة، ويزيدها جمالاً لكنته الفارسية العراقية... ثقافته واسعة في أمور الدين والدنيا... وحجته في الحوار والخطاب تصدر ثقافته، قوية مُسندة...
كان مستمعاً جيداً، ومحاوراً كبيراً، وعلى درجة عالية من التواضع والتهذيب والخلق الرفيع.
... أرى في الإمام الصدر إنساناً يرقى إلى مستوى الأئمة التاريخيين عقلاً وعلماً وثقافة وتواضعاً وأدباً.
كان في شخصيته شيء من المسيح ومحمد وعلي والحسين وغاندي ونهرو وعبد الناصر والبابا بولس الثاني وهزيم وشنودة.
تشعر وهو يتكلم إنه إنسان نوراني،... يخرج الكلم من فمه آيات لتدخل دفئاً إلى العقول والقلوب، وكأن "فم الذهب" يولد من جديد.
يتحرك كالنسيم من منبر إلى مسجد إلى ناد، ومن جامع إلى كنيسة، وهو أول إمام أقام الصلاة في بكركي، وأول عمامة حاورت البابا في الفاتيكان والأول بين رجال الدين الكبار يقف واعظاً في الكنائس خاطباً تحت قبابها وصلبانها.
وذهب الأمر به حتى أمسى مثلاً بين الناس يتناقلونه حتى اليوم درساً في التقى والمواطنة والأخلاق.
... الإمام الصدر كان رجل دين ودنيا. كان إذا تكلم في الدين بكى وأبكى. وإذا تكلم في الدنيا، ضحك وأضحك. كان ظريفاً طريفاً.
زار السيّد موسى الصدر الجبهة المصريّة أيام حرب تشرين العام 1973، إثر اندلاع حرب تشرين الشهيرة التي حقق العرب فيها أول انتصار على الكيان الصهيوني الغاصب.
وهنا نستحضر سيّد البلاغة في عصر الإمام الصدر العلامة المجاهد الشيخ محمد يعقوب عندما قال:
سيّد في الالتزام، سيّد في الاحترام، سيّد في الوفاء، سيّد في الوفاء، سيّد في الصفاء، لفته رشح نبوة، وفيض رسالة، وسلوكية رسولية، رأيه الجمع لا المنع، والتوحيد لا التبديد، والتقريب لا التجميد، لقاؤه مع المقاومة في شخص عرفات، من منطلق جبل عرفات، لا من منطلق الباحثين عن الأعطيات، دوره الألفة لا الخلفة، سلوك نبوي ينبثق لكي يعبّر عن آلام المحرومين، آلام المعذبين، همّه الخدمة لا النعمة، هكذا دائماً شعاره، هكذا دائماً تطلعه، وهكذا دائماً مساره، مع رسول السماء محمد، القائل "المنظلم شريك للظالم"، ومن هذا المنطلق كانت حركة المحرومين لتدك عروش الطغاة، ولتلغي الفوارق، ولتحقق العدالة الاجتماعية، ولترسم معالم الطريق، هكذا كان موسى الصدر، وموسى الصدر فرع من عليّ، أجيلوا الطرف من موسى أجيلوا، تروا سيّداً بلا تاج ولا لثم، ولكن تتوجه المعاني والشمول.
بالأمس أتاك الجمع الغفير من كل فج عميق مرددين قسمك خلف دولة الرئيس الأستاذ نبيه برّي الأمين المؤتمن بأن لا يبقى محروم واحد أو منطقة محرومة وأنهم على عهدك يا إمام الوطن والمقاومة ومحرر الأرض والإنسان.
أربعة عقود مضت ونستمع إلى أقواله كأنه يحدّثنا عن اليوم وعن المستقبل، إنه الإمام الحاضر فينا أبداً سيّد الفصول والفصل.
