التنظيم ضرورة لتغيير واقعنا

الرئيسية صوتيات التفاصيل
calendar icon 17 حزيران 1977 الكاتب:موسى الصدر

* محاضرة للإمام الصدر بتاريخ 17 حزيران 1977، تسجيل صوتي من محفوظات مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات. (بداية التسجيل الصوتي ناقصة)
نحن نريد أن نستخلص الأهداف السياسية من هذا، حتمًا عندهم أهداف سياسية، لأن الدولة كانت متبنية له، وإن كان باسم الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، والإدارة بإسم إدارة شؤون المسلمين، دور الفتوى. يعني عدد كبير جدًا، 107 دولة، ومن عشرات المذاهب والأديان، 663 ممثلًا... يعني جمع حشد هائل. طبعًا، هذا الموقف، الإنسان الذي يشترك في المؤتمرات يعرف مدى صعوبة العمل ضمن المؤتمرات، كثير صعب لأن هذه القضايا غالبًا مطبوعة وخالصة وجاهزة.
وبالنسبة لبحثنا اليوم يا إخوان، طبعًا بالإضافة إلى... قبل أن نبدأ البحث الثقافي نؤدي واجبنا الأصلي: الفاتحة لشهدائنا.
في الواقع، أنا اليوم عندي لقاء الساعة السادسة والنصف، مع الوفد الصحفي المصري، تعرفون أن كبريات الصحف المصرية، رؤساء مجالس الإدارة، ومدراء هذه المؤسسات جاؤوا إلى لبنان وهم اليوم موجودون في لبنان.
الأستاذ السباعي، السيد أمين السعيد، مرسي الشافعي، جماعة الجمهورية، كل الصحف المصرية الكبار... وطبعًا نحن لنا هم ضمن كل مشاكل البلد، والصراعات السياسية والاجتماعية، وضمن القضية الفلسطينية، ومختلف القضايا الأخرى. نحن همنا الأساسي اليوم، الجنوب. ومع الأسف من البداية كان هناك محاولة لإخفاء صوت الجنوب، واعتبار الجنوب نوعًا من المندوحة والبديل عن كل شيء.
الحرب اللبنانية كانت تزعج اللبنانيين وتزعج العرب فحولوها إلى الجنوب. اليوم يتحدثون عن القضايا الأخرى، الجنوب بديل عن كل شيء. في مرحلة من الزمن، حاولوا أن يُسكتوا، ويُعتّموا الوضع في الجنوب. عندما نلقي أضواء على الجنوب نعتمد ونعتبر أن هذه خطوة في سبيل حل المحنة، وتخفيف المحنة، لأن المشكلة أن الإنسان يتحمل الظلم ولا يصرخ، ولا يعلن، ولا يبحث. هذه المشكلة، وكلما برزت قضية الجنوب أكثر في العالم العربي والعالمي، كلما خفت المشكلة. في الوقت الحاضر، أنا أعتبر أنه ليس في العالم مظلوم أكثر من الجنوب، باعتبار أن الشعب الفلسطيني اضطهد وظلم، ولكن قضيته أصبحت موضع عناية كاملة في العالم. بينما الجنوب يعاني، ولا من يقول لماذا؟ لذلك نحن نغتنم الفرص. أنا فترة علاجي بقي منها أربعة أيام، قطعتها، جئت حتى ألتقي مع هذه الجماعة اليوم. لذلك أنا أكتفي ببحث سياسي مختصر، وأترك البحث الثقافي للإخوان يتحدثون في غيابي.
بالنسبة للبحث السياسي إخواني، نريد أن نرجع ونتذكر المبادىء دائمًا، لأن الإنسان كما نشاهد القطرة عندما تصدر عن النبع، صافية؛ ولكن عندما تمر على الممرات، وعلى المسالك، وعلى الأتربة، أو على الأنابيب والقساطل، تتأثر. الإنسان يعيش، الإنسان يجب أن يأكل، الإنسان يشعر بخوف، الإنسان يشعر بالدفاع عن النفس، الإنسان في الطريق، يُظلم، يُصدم، من هنا، من هناك... هذه عوامل دائمًا تخلق للإنسان تطورات نفسية جديدة قد تتغير.
لذلك، دائمًا العودة إلى المبدأ ضروري لماذا كل يوم الإنسان يصلي خمس مرات؟ لماذا مع كل صلاة نقول ﴿إياك نعبد﴾ [الفاتحة، 5]؟ العبادة، ليست فقط الإطاعة، كلمة عبد وعبّد، تصحيح الطريق. الله - هذا صار بحثًا ثقافيًا بالنتيجة- الله الذي نحن نؤمن به غير متناهٍ، الطريق إليه غير متناهٍ. نحن نصلي حتى نتقرب إلى الله. القرب إلى الله ليس بالمكان، لأن الله ما له مكان. التقرب إلى الله بالتخلق بأخلاق الله، تخلقوا بأخلاق الله، فالحقيقة أنه نحن مع كل صلاة نتذكر أنه طريقنا إلى الله نريد أن نعبّد هذه الطريق ونعبد الله، وطبعًا نستعين بالله في سبيل الوصول إليه، يعني في سبيل التخلق بأخلاقه، وهذا طريق لا متناهٍ ولذلك طموحنا غير متناهٍ. دائمًا، دائمًا في حركة دائمة. لماذا خمس مرات كل يوم؟ لأنه أنا من الصبح، عندما أبدأ أروح أبيع وأشتري، ليرة، وخمس ليرات، وإثنين، ووظيفة، ومكتب وزوجة وصبي، وطالع، ومشكلة وإرهاب، وإطلاق نار، تلفون من هنا، خبرية من هناك، كتاب من هنا، جرائد من هناك، يخلق عندي مشاكل، يخلق عندي تطورات نفسية، يصير الظهر، أرجع أقول ﴿إياك نعبد وإياك نستعين﴾ [الفاتحة، 5]. يا إلهي، أنا بنفس الخط، أتذكر المبدأ والمنتهى، أصحح وضعي، حتى إذا انحزت قليلًا من هنا، انحرفت من هنا، سقطت من هنا، عرجت من هنا، أصحح حالي. نحن دائمًا يجب أن نرجع للمبدأ. نحن لماذا قمنا؟ ولماذا تحركنا؟
نحن قلنا الإيمان بالله لا يمكن أن يكون مع تجاهل شؤون المحرومين والمعذبين، إذًا، كما يجب علينا الصلاة، يجب علينا السعي لخدمة الناس. ثم قلنا أن السعي لخدمة الناس يتجاوز في قوته وصعوبته ومشاكله طاقات الفرد. الفرد ولو كان عملاقًا، ولو كان رأسه في السماء لا يقدر، الفرد محدود. إذًا، يجب أن نحول الفرد للجماعة. وقلنا إن الله سبحانه وتعالى، يقول: ﴿قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى﴾ [سبأ، 46]. أولًا، القيام لله بشكل متعدد. إذًا، نحن مسؤوليتنا أن نقوم لله يعني للناس. القيام لله يعني القيام للناس، لأن الإيمان بالله هو خدمة الناس كما نعرف ودائمًا نقول.
إذًا، القيام الجماعي لله، يعني التنظيم الحركي، وبخاصة أن العالم عالم التنظيمات والمؤسسات وليس عالم الأفراد. مهما عملنا ماذا نقدر أن نعمل كفرد؟ نشكل حركة، وقلنا إن هذه الحركة المخرج الوحيد والمنقذ الوحيد والطريق الوحيد لنا، لأنه أمام الدول أمام القوى التي تستضعف الضعيف، يعني الإنسان الضعيف يموت... كنا الآن نحكي مع الشباب، لا مكان تحت الشمس للضعفاء. إذا كنت ضعيفًا يُحَمِّلوني، يأخذون مني ويعطون للذي يصرخ، ويرفع صوته. إذا كنت ضعيفًا يأخذون مني الجنوب والبقاع وضاحية بيروت، هذا شيء طبيعي. والذين يستفيدون مني يستفيدون بقدر قوتي الجسدية، حتى يحمِّلوني أعمالهم. العالم عالم الذئاب، طبعًا هذا لا يعني أنه نحن نحقد على العالم، أو على الإنسان، نحن نحب الإنسان، ونعرف أن هذا النظام الفاسد الغربي، النظام المادي هو الذي حول نصف العالم إلى رأسمالية والنصف الثاني إلى ضد الرأسمالية المنطلقة من المادة أيضًا. شيء واحد. فئة أنكرت الله وفئة تنكرت لله، وهو شيء واحد. بالنسبة لنا نحن وجدنا أنه إذا ما تحركنا يستضعفوننا وسيحملوننا كل المسؤوليات، فتحركنا. عشنا الظلم، رأينا التصنيف، رأينا التبغيض. الآن كل الحرب اللبنانية، العالم انزعج منها والناس لا يريدون أن يموتوا، والحكام همهم أن يركبوا سياراتهم، والمهاجرون يرغبون بالرجوع من أوروبا وبلاد الهجرة، نقلوا الحرب إلى الجنوب.
ما هي حرب الجنوب؟
نفس الأطراف، نفس الأسباب، ونفس المبررات، ونفس الأسلحة، ونفس الأموال موجودة، لماذا؟ لأن الجنوب ضعيف، لو كان الجنوب قويًا لما انتقلت الحرب إلى الجنوب والقوة مع الجماعة، يد الله مع الجماعة. نحن انطلقنا من هذه المبادىء حتى نخدم إنساننا المعذب، إنساننا المحروم. وهذا الطريق اخترناه. فئة منا قُتِلت، عندنا أكثر من مئة شهيد، فئة منا جُرحت، قُطِعت أقدامهم، بُتِرت أعضاؤهم، راحت عيونهم، نحن مسؤولون عن هذه الأشياء، ليس بإمكاننا أن نتراجع بعد. تراجعنا يعني إنهاء الحركة خيانة في حق أولئك الذين تحركوا، وبذلوا جهدهم وأعطوا. ثم إذا لم نعمل حركة ماذا سنفعل؟
إذا لم نكن بمستوى المسؤولية نفسح الدرب، حتى الغير يستلم وحتى يعمل. لذلك، نحن نحس بالحاجة الملحة إلى دعم التنظيم، وتقوية التنظيم ثقافيًا وتنظيميًا وعسكريًا. بكل أسف، هذه الحاجة في الجنوب طبعًا. اليوم، التنظيم العسكري ليس ميليشيا في القرى وفي المناطق، بمقدار ما هي عملية في الجنوب، والدفاع في الجنوب. لذلك إخواني نحن طريقنا واضح. التحول الأساسي في تاريخ الشيعة إذا أردنا أن تخرج الشيعة عن دور التفرج وتدخل في طور المسؤولية، إذا أردنا أن نخرج عن دور البكاء إلى دور العلاج، إذا أردنا أن نعود إلى عالمنا الأول إلى انطلاقتنا الأولى، علينا أن نقوى. والقوة في الجماعة والتجمع في التنظيم، ودقة التنظيم، ومسؤولية التنظيم. لا تفكروا أن حضور الجلسات، دفع الانتسابات، قراءة القرارات، حضور اللقاءات، هذه المسائل لوكس مسائل تجميلية، هذه مسائل واجبة مثل الصلاة، يعني إذا أراد الإنسان التنظيم ينظم مثل الناس. طيب، أنتم كل واحد منكم كعمل تنظيمي، يعرف تنظيمات مشابهة. رسالتكم أقدس من رسالة الآخرين، لأنهم يعملون لدنياهم، وأنتم تعملون لدنياكم ولدنيا الآخرين ولآخرتكم. إذًا، أهدافنا أوسع وأشرف وأقدس، ولذلك لا بد من أن يكون تحركنا أوسع.
ما أتمناه، أمام الفترة القاسية التي أمامنا لا تزال في ظروفنا، مزيدًا من الوعي والانتباه. وأنا عندما أتذكر أن الظروف القاسية، التي مرت علينا خلال الأحداث، والاستفزازات الشديدة التي كانت تتوجه إلينا حتى من قبل إخوان لنا - المقاومة الفلسطينية - وما خلقت عندنا ردود فعل ضدهم، أعتز بالشباب وأفتخر. وأعرف أنه نحن ننطلق من المبادىء، لا ننطلق من ردود فعل. وهكذا يجب أن نبقى وأن نعمل. بدون شك لن يبقى دائمًا الإنسان في حالة طور النمو والضعف. سنقوى بإذن الله.
في إطار تحركنا العام كنا نتحدث مع الشباب، إنه نحن الآن ما لنا التزام بالتحركات السياسية، والجبهات العريضة المفتوحة لأن الجبهة العريضة يعني تحالف، والتحالف بيننا وبين الناس له شرطان: الشرط الأول: وحدة الهدف، والشرط الثاني: وحدة الوسيلة.
نحن حكينا من مدة، من قبل ثلاث جلسات، بأننا نؤمن بأن الغاية لا تبرر الواسطة. وقلنا أن الوسيلة من جنس الغاية. وشاهدنا في المعارك أن حلفاءنا في الحركة الوطنية، وأعداءنا في الطرف الآخر، مارسوا أعمالًا غير شريفة. نحن نرفض التحالف مع الشخص الذي يمارس عملًا غير شريف. لأننا نعتقد أن العمل غير الشريف ينطبق ويؤدي إلى الغاية غير الشريفة.
إذًا، شرط تحالفنا، وحدة الهدف ولو واحد، وحدة لبنان. ولكن أيضًا، الشرط الثاني، وحدة الوسيلة، يعني عدم الانتقام من الأبرياء، يعني عدم النهب للبيوت، يعني عدم الطعن في الظهر للحليف، يعني عدم إطلاق النار على المدنيين، يعني عدم قصف الأحياء المدنية بالمدافع، عدم إحراق سيارات الإسعاف، عدم الهجوم على المستشفيات، هذه مسائل  التي كانت مثل شرب الماء في الأحداث.
نحن ما عملنا هكذا أعمال، ولن نعمل، وأصبنا من جرائها، وتحملنا من جرائها الكثير، ولكن رفضنا. إذًا، نحن إذا وجدنا جبهة تلتقي معنا في الغاية وفي الهدف وفي الوسيلة نلتقي. أما إذا ما وجدنا، فلن نلتقي، حتى الآن ما عندنا تلاقٍ مع الجبهات العريضة التي تقام. طبعًا هناك عروض تُدرس وتُناقش، ولكن حتى الآن ليس لدينا شيء.
طبعًا، بالنسبة للوضع الحالي ربما تعرفون أن الرئيس سركيس اتصل بجميع الأطراف، ووضع نوعًا من ورقة عمل ويفكر في أن يطرح هذه الورقة ويعمل مصالحة وطنية على ضوئها. من جهة ثانية، يبحثون ويناقشون في قضية اتفاقية القاهرة، باعتبار أن الاتفاقية تنظم العلاقات اللبنانية الفلسطينية، وبالتالي تمكِّن قوات الردع من نزع السلاح من الجبهة اللبنانية، لأنه إذا لم يؤخذ السلاح من المدني الفلسطيني في المخيم، وإذا ما أمكن حل الميليشيات الفلسطينية في بيروت، لا يمكن نزع السلاح من الجبهة اللبنانية وحل الميليشيات المارونية. هذا الوضع في الوقت الحاضر قائم. اتفاقية القاهرة تقول: عدم وجود السلاح في المخيمات، ونقل المعسكرات إلى منطقة العرقوب، أو ما يسمى في الخارج، عند الأجانب، بفتح لاند، وحق المرور من القطاع الأوسط والقطاع الغربي. إذا ما نفذت اتفاقية القاهرة ليس بإمكانهم تجريد السلاح من الموارنة وبالتالي لا يمكن بناء المؤسسات والجيش.
إسرائيل تضرب كفرشوبا. لماذا؟ حتى تمنع تنفيذ اتفاقية القاهرة، حتى تقول أن الفلسطينيين ما لهم مكان في العرقوب. وبالتالي اتفاقية القاهرة تظل معلقة. لماذا إسرائيل لا تريد اتفاقية القاهرة؟ حتى تمنع السلام في لبنان، حتى تمنع إمكانية إنهاء التوتر في لبنان وبالتالي خلق المصالحة اللبنانية، وتحول الحياة إلى الحياة العادية.
في هذه الأجواء، نعيش، أجواء قاسية لا بد من فهمها، أجواء قاسية تشترك فيها أبعاد دولية، أجواء قاسية لا بد من التضامن، وأكثر من كل شيء قسوة الأجواء تميل إلى الضعيف. تعرفون أنتم عندما يكون الإنسان في شبابه تنكسر يده، أو سقط، صار في نقطة من النقاط مجروحة، أو كبده أو كليته عليلة، كل مرض يتجه رأسًا إلى العضو الضعيف في جسم الإنسان، هذه طبيعة العمل.
نحن لا بد أن نقوى، لا إكرامًا لأنفسنا، بل إكرامًا لله، وإكرامًا للمعذبين من أهلنا ومن إخواننا، لا بد. هذا الطريق، هذه الصلاة، هذا الحج، هذه القبلة، هذا كل ديننا... الآن أنه علينا أن نسعى في سبيل قوتنا، وتشديد تنظيمنا وتوعية شبابنا، التزامهم الديني والثقافي والفكري والوعي والمسلكي، حتى نقدر أن نحمي ذاتنا. أنتم عندما تنظرون إلى بداية الإسلام، وكيفية العمل ترون صورة علي بن أبي طالب، ليس فقط صورة العابد المتهجد صورة ذو الفقار بجانبه. الرسول كما ينقل صلواته وصيامه وحجه، تنقل غزواته ودفاعه. الجهاد ركن من أركان الإسلام. إذًا، لا ينفصل هذا الأمر عن بقية الأمور. الأجواء مكفهرة، متوترة، لا بد من العمل السياسي والاتصالات والعمل الإعلامي. وبنفس الوقت، لا بد من القوة الذاتية والانضباط الكامل والقوة العسكرية.
هذه كلمة مختصرة، أنا في الواقع عندي بعد قليل أشغال حركية، أترك البحث الثقافي للأخ الشيخ محمد، إذا أراد أن يذكر شيئًا، يتحدث للإخوان ويناقشهم.

 

source
عدد مرات التشغيل : 59