قرار رقم 1/2008 – مجلس عدلي
نحن سميح الحاج قاضي التحقيق العدلي،
بعد الاطلاع :
على المرسوم رقم 3794 تاريخ 4/2/1981 القاضي بإحالة قضية الاعتداء على أمن الدولة الداخلي الناتج عنها اختفاء سماحة الإمام موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين على المجلس العدلي،
وعلى قرار معالي وزير العدل رقم 72 تاريخ 6/2/1982 القاضي بتعيين القاضي طربيه رحمة محققًا عدليًا في هذه القضية،
وعلى القرار الصادر عن المحقق العدلي القاضي طربيه رحمة بتاريخ 18/11/86 والذي صدر وفقًا لمطالعة النائب العام العدلي تاريخ 6/11/86 والذي حفظ صلاحية القضاء اللبناني للنظر بالقضية وقضى بإصدار مذكرة تحرٍ دائم توصلًا لمعرفة الفاعلين والمحرضين والمتدخلين في الجرائم موضوع الدعوى،
وعلى طلب النائب العام العدلي الموجه إلى المحقق العدلي بتاريخ 2/8/2004 والذي عاد وأكده بتاريخ 14/9/2006 والذي يطلب فيه الرجوع عن قرار الحفظ الصادر بتاريخ 18/11/1986 والتوسع بالتحقيق مجددًا،
وعلى طلب التنحي الصادر عن المحقق العدلي طربيه رحمة بتاريخ 3/8/2004،
وعلى القرار الصادر عن معالي وزير العدل رقم 812 تاريخ 31/8/2004 القاضي بتعيين القاضي سهيل عبد الصمد محققًا عدليًا في هذه القضية بدلًا من القاضي طربية رحمة،
وعلى عرض التنحي المقدم من القاضي سهيل عبد الصمد بتاريخ 3/4/2006،
وعلى قرار معالي وزير العدل رقم 625 تاريخ 3/7/2006 القاضي بتعيننا محققًا عدليًا في هذه القضية،
وعلى تقرير البعثة الأمنية اللبنانية إلى روما بتاريخ 31/10/1978،
وعلى تقرير موفد الحكومة اللبنانية الي إيطاليا لمتابعة قضية إخفاء الإمام الصدر ورفيقيه تاريخ 24/8/2006،
وعلى تقرير لجنة الخبراء المعينة من قبلنا المؤلفة من السادة ميشال جدعون ومحمد علي مراد ومحمود الفقيه،
وعلى قرارنا تاريخ 28/8/2007،
وعلى ورقة الطلب عدد 1 تاريخ 21/2/1981 وعلى التوضيح الصادر عن النيابة العامة التمييزية بتاريخ 21/10/1986 وعلى ادعاء النيابة العامة العدلية الإضافي تاريخ 2/8/2007 وعلى جميع الأوراق والتحقيقات،
تبين أنه أسند إلى المدعى عليهم :
1- العقيد معمر بن محمد أبو منيار القذافي، والدته عائشة، مواليد سرت 1943، ليبي الجنسية، أوقف غيابيًا في 23/4/2008 وما يزال فارًا من وجه العدالة،
2- المرغني مسعود التومي (سائق بإدارة المراسم الخارجية مكتب البروتوكول)، والدته فايزة، مواليد جنزور 1948، ليبي الجنسية، أوقف غيابيًا في 2/8/2007 وما يزال فارًا من وجه العدالة،
3- أحمد محمد الحطاب (موظف في أمانة مؤتمر الشعب العام بطرابلس)، والدته فاطمة، مواليد 1946، ليبي الجنسية، أوقف غيابيًا في 2/8/2007 وما يزال فارًا من وجه العدالة،
4- الهادي إبراهيم مصطفى السعداوي (مساعد مدير أليطاليا بمطار طرابلس - المسؤول عن مراقبة حركة الطائرات) والدته عائشة، مواليد 1946، ليبي الجنسية، أوقف غيابيًا في 2/8/2007 وما يزال فارًا من وجه العدالة،
5- عبد الرحمن محمد غويلة (ملازم أول بإدارة الهجرة والجوازات الادارة العامة - عمل في المطار وحدة الخروج) والدته لطيفة، مواليد 1950، ليبي الجنسية، أوقف غيابيًا في 2/8/2007 وما يزال فارًا من وجه العدالة،
6- محمد خليفة سحيون (مدير إدارة شؤون الموظفين بشركة أكسيد ناتال طرابلس الغرب)، والدته عناية، مواليد 1931 العزيزية، ليبي الجنسية، أوقف غيابيًا في 2/8/2007 وما يزال فارًا من وجه العدالة،
7- عيسى مسعود عبد الله المنصوري (موظف بمنشأة المشروعات الكهربائية وحاليًا مجند بالخدمة الإلزامية)، والدته حورية، مواليد 1949، ليبي الجنسية، أوقف غيابيًا في 2/8/2007 وما يزال فارًا من وجه العدالة،
8- محمود محمد بن كورة، (القائم بأعمال سفارة ليبيا في لبنان) في العام 1978، مجهول باقي الهوية – ليبي الجنسية،
9- أحمد الأطرش، (وكيل أمانة الخارجية الليبية في آب 1978) مجهول باقي الهوية - ليبي الجنسية،
10- عبد السلام جلود (رئيس الوزراء الليبي عام 1978) – مجهول باقي الهوية – ليبي الجنسية،
11- عيسى البعباع (وكيل أمانة الخارجية الليبية عام 1978) – مجهول باقي الهوية – ليبي الجنسية،
12- عاشور الفرطاس (رئيس دائرة الشؤون السياسية في الخارجية الليبية) – مجهول باقي الهوية – ليبي الجنسية،
13- علي عبد السلام التريكي، (مستشار القذافي – الخارجية الليبية) - مجهول باقي الهوية – ليبي الجنسية،
14- أحمد شحاته (رئيس مكتب الاتصال الخارجي في الأمانة العامة لمؤتمر الشعب العام 1978) – مجهول باقي الهوية – ليبي الجنسية،
15- أحمد مسعود صالح ترهون، (عريف بإدارة الهجرة والجوازات في مطار طرابلس من 2 شباط 78 حتى 24/3/79 – الإدارة العامة)، مواليد 1946، مجهول باقي الهوية - ليبي الجنسية،
16- إبراهيم خليفة عمر (ملازم أول – أمن المطار)، مواليد 1933، مجهول باقي الهوية - ليبي الجنسية،
17- محمد علي الرحيبي (مقدم في شرطة المباحث الليبية)، مجهول باقي الهوية – ليبي الجنسية،
18- محمد ولد دادا – (السفير الموريتاني في ليبيا عام 1978)، موريتاني الجنسية – مجهول باقي الهوية،
19- من يظهره التحقيق،
إنهم خارج الأراضي اللبنانية، وبتاريخ لم يمر عليه الزمن، أقدموا على خطف وحجز حرية سماحة الإمام موسى الصدر ورفيقيه فضيلة الشيخ محمد يعقوب والصحفي السيد عباس بدر الدين، وبالتالي تعريض لبنان للفتنة وإثارة النعرات المذهبية والنزاع بين الطوائف،
الجرائم المنصوص عنها والمعاقب عليها في المرسوم الاشتراعي رقم 27 تاريخ 5/3/1959 والمواد 569 و459 و459/454 و392 و408 و213 و217 و218 و219 و308 و307 من قانون العقوبات اللبناني،
وبنتيجة التحقيق تبين ما يلي:
أولًا – في الوقائع :
الإمام السيد موسى الصدر شخصية بارزة ومعروفة على مستوى العالمين العربي والإسلامي، سيما وأنه رجل دين متميز ومتنور أسس وترأس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى وأطلق المقاومة اللبنانية ضد العدو الإسرائيلي، وكان يحظى باحترام كل من عرفه تبعًا لصفاته الشخصية، وخطب وحاضر في المساجد والكنائس والمنتديات مناديًا بالعدالة لقضايا الوطن اللبناني والإنسان أينما كان. ومن المفارقات القدرية أن سماحته، المجاز في الحقوق، والذي لم يسعَ يومًا لمطلب شخصي، تعرض مع رفيقيه لأبشع ما قد يصيب المرء، ألا وهو الإخفاء القسري لأكثر من ثلاثين عامًا، دون معرفة أو كشف مصيره، ما سبب ويسبب لعائلته ومحبيه عذابًا أليمًا ما زال مستمرًا حتى يومنا هذا.
ومنذ بداية الأحداث – المحنة التي عصفت بلبنان بدءًا من العام 1975، وسماحة الإمام السيد موسى الصدر يعيش هاجس وحدة لبنان أرضًا وشعبًا ومؤسسات، ولم يترك وسيلة لإقناع الأطراف المتنازعة للكف عن الاقتتال وتجنيب البلد المزيد من المآسي إلا ومارسها حتى قال "لو طلب مني أن أضحي بنفسي ويبقى لبنان ما قصرت لحظة"، وعندما لم تنجح مساعيه سافر وناشد وحاور كل من رأى فيه القدرة على المساعدة في إنهاء الوضع الشاذ الذي كان يمر فيه البلد، فكان نتيجة ذلك انعقاد مؤتمري قمة الرياض والقاهرة.
وأن الإمام شعر بوجود مؤامرة لتقسيم لبنان وإنشاء دولة إسلامية وكان العقيد معمر القذافي من مؤيدي وداعمي هذه الفكرة، فيما كان موقف الإمام واضحًا وقاطعًا بمعارضة فكرة إقامة هذه الدولة وتشبث بكون لبنان وطنًا نهائيًا لجميع أبنائه للمسيحي كما للمسلم. وهذا الخلاف في الرأي أدى إلى توتر في العلاقة بين الإمام والنظام الليبي ظهر بوضوح خلال لقاء الإمام مع القذافي أثناء زيارة سابقة إلى ليبيا عام 1975، كما جعل أنصار القذافي يناصبون سماحته العداء.
وتبين أنه أثناء زيارة الإمام الصدر إلى الجزائر ولقائه برئيس جمهوريتها هواري بومدين، تمنى عليه هذا الأخير زيارة ليبيا ولقاء العقيد القذافي، فنزل الإمام عند رغبة الرئيس بومدين، الذي طلب من أحد مساعديه المباشرة الفورية في تدبير وتسهيل زيارة الإمام للجماهيرية الليبية، حتى إن الرئيس بومدين أورد في مذكراته أنه مسؤول أدبيًا عن قضية اختفاء الإمام ورفيقيه.
وتبين أنه بعد عودة الإمام من زيارة الجزائر، تلقى بتاريخ 28/7/1978 دعوة رسمية لزيارة ليبيا سلمها إليه القائم بأعمال السفارة الليبية في لبنان المدعى عليه محمود بن كورة، وأن السفر على نفقة السفارة الليبية (كتاب السفارة الليبية تاريخ 24/8/1978 محفوظ لدى شركة طيران الشرق الأوسط).
وبتاريخ 20/8/1978 أبلغ سماحته القائم بالأعمال الليبي رغبته في أن تبدأ الزيارة بتاريخ 25/8/1978 واضطراره إلى أن يغادر الجماهيرية قبل 1/9/1978 من أجل الاهتمام بزوجته المريضة التي تعالج في فرنسا والعودة إلى لبنان لمتابعة شؤون ملحة. كما أبلغه أسماء أعضاء الوفد المرافق لسماحته.
وتبين أنه بتاريخ 25/8/1978 توجه سماحة الإمام ورفيقاه إلى ليبيا على متن طائرة تابعة لشركة طيران الشرق الأوسط وكان في عداد مودعيه في مطار بيروت المدعى عليه القائم بالأعمال الليبي محمود بن كورة، واستقبل في مطار طرابلس الغرب من قبل المدعى عليه أحمد الشحاتة رئيس مكتب الاتصال الخارجي في مؤتمر الشعب العام، وحلّ مع رفيقيه في فندق الشاطىء في طرابلس الغرب ضيوفًا رسميين على السلطة الليبية.
وتبين أن هدف زيارة الإمام الصدر ورفيقيه إلى ليبيا والتي صادفت مع بدء التحضير لاحتفالات الثورة الليبية في الأول من شهر أيلول، كانت مقتصرة على لقاء العقيد القذافي والمسؤولين الليبيين وبحث الشأن اللبناني، ومن ثم السفر إلى فرنسا للاطمئنان على صحة السيدة حرمه التي كانت تخضع هناك للعلاج، كما يتبين من نص الرسالة التي بعث بها إلى عائلته مع السيد نزار علي مساء 30/8/1978 وفيها أنه سيصل إلى باريس خلال يومي السبت أو الأحد أي 2 أو 3 أيلول. علمًا أن الإمام استحصل على تأشيرة دخول إلى فرنسا من السفارة الفرنسية في بيروت بتاريخ 25 تموز 1978 وصالحة لغاية شهر كانون الأول من العام نفسه ولعدة سفرات. كما أن فضيلة الشيخ محمد يعقوب الذي كان يرغب بمرافقته إلى فرنسا، استحصل أيضًا على تأشيرة دخول إلى الأراضي الفرنسية من السفارة الفرنسية في بيروت. أما الصحافي عباس بدر الدين فلم يكن جوازه يحمل تأشيرة مماثلة.
أثناء إقامة الإمام ورفيقيه في فندق الشاطىء صادف وجود العديد من الوفود والشخصيات اللبنانية ومن بينهم السادة : طلال سلمان ومنح الصلح وبشارة مرهج وأسعد المقدم ومحمد قباني وبلال الحسن، الذين كانوا موجودين للمشاركة في احتفالات الثورة الليبية في الأول من شهر أيلول.
وتبين أنه منذ وصول الإمام ورفيقيه إلى ليبيا وحتى إخفائه وعلى غير عادته في أسفاره، لم يرد منه أي اتصال هاتفي بالمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى أو بعائلته أو بأصدقائه، وكذلك كانت حال رفيقيه مع أن السيد عباس بدر الدين رافق سماحته ليغطي أخبار هذه الرحلة في وكالته الصحافية. كما أن الصحافة الليبية ووسائل الإعلام هناك تجاهلت هذه الزيارة ولم تشر إليها لا من قريب ولا من بعيد بالرغم من الطابع الرسمي لها، حتى إن القائم بأعمال السفارة اللبنانية في ليبيا الشاهد السيد نزار فرحات لم يعلم بوجود الإمام ورفيقيه إلا بعد ثلاثة أيام من وصولهم وكان ذلك بتاريخ 28/8/1978 وبعد اتصال السيد عباس بدر الدين به هاتفيًا حيث أبلغه رغبته في الحضور إلى السفارة اللبنانية ومقابلته. بعد هذا الاتصال قصد الأستاذ بدر الدين السفارة برفقة السيدين منح الصلح وبشارة مرهج وقابلوا القائم بالأعمال حيث علم أنهم سيسافرون إلى بارس بعد طرابلس ولذلك فهم بحاجة للحصول على سمات دخول إلى الأراضي الفرنسية وطلبوا منه رسائل توصية إلى السفارة الفرنسية في طرابلس للحصول على السمات، فطلب إلى إحدى الموظفات المحليات في السفارة (عائشة رحمة) الاهتمام بالأمر وإعداد الرسائل المطلوبة، إلا أنها أبلغتهم أنهم بحاجة إلى صور شمسية لإرفاقها بالاستمارات عندئذٍ غادر السيدان الصلح ومرهج لإحضار الصور وبقي السيد عباس بدر الدين، وبعد أن استفسر السيد فرحات من السيد بدر الدين عن تاريخ وصولهم وأجرى اتصالًا هاتفيًا بسماحة الإمام، غادر السيد بدر الدين تاركًا جواز سفره وصورة شمسية مع الموظفة المحلية في السفارة للاهتمام بالتأشيرة الفرنسية.
وأنه حوالي الساعة الثامنة والنصف من مساء 28/8/1978 قصد القائم بالأعمال السيد فرحات سماحة الإمام في مقر إقامته فندق الشاطىء وفي هذا اللقاء أكد سماحة الإمام للسيد فرحات بأن بقاءه في ليبيا يتوقف على تحديد مواعيد لبعض المقابلات فإذا تمت عاجلًا سيسافر وإذا قيل له أنها لن تتم سيسافر أيضًا وأن وجهته هي فرنسا. وفي هذا اللقاء تأكد القائم بأعمال السفارة اللبنانية من سمتي دخول الإمام والشيخ يعقوب إلى فرنسا حيث تبين أنهما صالحتان.
مساء 29/8/1978 حصل لقاء حول الكتاب الأخضر شارك فيه المدعى عليه العقيد القذافي والسادة : منح الصلح، محمد قباني، بلال الحسن، أسعد المقدم وبشارة مرهج، واستمر إلى ما بعد منتصف الليل، علمًا بأن هذا الوفد وصل إلى طرابلس الغرب بعد الإمام ورفيقيه في 26/8/1978. وبعد انتهاء هذا اللقاء وعودة الوفد المذكور إلى الفندق وكان وقت السحور فالتقوا بالسيد عباس بدر الدين حيث علموا منه أن سماحة الإمام تناول سحوره فقاموا بزيارته في جناحه وعلموا من سماحته أنه كان على موعد حُدِّد له مع العقيد معمر القذافي في نفس الليلة، وأن مخابرة جاءته حوالي منتصف الليل أبلغته إلغاء الموعد على أن يحدد لاحقًا موعد آخر.
مساء 30/8/1978 أقام القائم بالأعمال اللبناني السيد نزار فرحات إفطارًا على شرف الإمام دعا إليه الشيخ محمد يعقوب والسيد عباس بدر الدين ومنح الصلح وموفد الحكومة اللبنانية إلى الاحتفالات الليبية السفير جوزف سلامة، وبعد انتهاء الإفطار استأذن الإمام للمغادرة ولم ينتظر مجيء السيارة الرسمية بل عاد إلى الفندق بواسطة سيارة تاكسي لأنه كان ينتظر مخابرات هاتفية أو دعوة لمقابلات رسمية قائلًا ومكررًا أنها يمكن أن تأتي في أي لحظة.
ومن عادة العقيد القذافي عندما يكون بصدد مقابلة شخصية ما، أن يوعز إلى مساعديه الطلب من هذه الشخصية الانتظار في الفندق أو في مكان يسهل الاتصال به عليه لإبلاغها الموعد الذي غالبًا ما يحدد على عجل، ولهذا السبب بدا سماحة الإمام متوترًا ومتضايقًا لأنه مضى على وجوده في الفندق خمسة أيام ولم يقابل العقيد القذافي بعد.
وفي صبيحة يوم 31/8/1978 أطلع سماحة الإمام الصدر الشاهد الصحافي أسعد المقدم أنه سوف يعود إلى لبنان لأن المقابلة مع العقيد القذافي لم تتم حتى تاريخه. غير أن السيد أسعد المقدم شاهد سماحة الإمام الصدر مع رفيقيه يغادرون الفندق حوالي الساعة الواحدة ظهرًا وأنه فهم من خلال تبادل بعض الكلمات مع السيد عباس بدر الدين أنهم متوجهون إلى مقابلة العقيد القذافي. وكانت هذه آخر مرة يشاهد فيها سماحة الإمام ورفيقيه.
وتبين أن سماحة الإمام ورفيقيه قد التقوا فعلًا بالعقيد معمر القذافي بعد ظهر 31/8/1978، وأن اللقاء لم يكن وديًا بل كان عاصفًا جدًا بسبب التباين في الآراء السياسية والدينية، الأمر الذي حدا بالعقيد القذافي لأن يقول لمساعديه "خذوهم" ومنذ تلك اللحظة اختفت آثار الإمام ورفيقيه وما تزال، ويؤكد الشاهد السيد نزار فرحات أنه بعد ظهر 31/8/1978، قصد فندق الشاطىء فلم يجد الإمام ورفيقيه فترك جوازي سفر السيدين عباس بدر الدين ومنح الصلح مع السيد بشارة مرهج. وأنه مساء اليوم نفسه عاد إلى الفندق وحاول الاتصال بغرف سماحة الإمام ورفيقيه في الفندق ولكن دون جدوى، بعد أن أخبره موظفو الفندق أن الإمام ورفيقيه غير موجودين حاليًا في الفندق، وفي صباح اليوم التالي حاول مجددًا الاتصال بسماحته أو بأحد رفيقيه فأبلغ عندها من العاملين في الفندق بأن الإمام ورفيقيه غادروا الفندق.
كان من عادة الإمام الصدر عندما يكون مسافرًا الاتصال يوميًا بالمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان وبعائلته كما سبق ذكره آنفًا، إلا أن مرور عدة أيام دون أن يقوم بهذا الاتصال خلق لدى الجميع بلبلة وتوترًا وخوفًا فجرى الاتصال من قبل المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بفخامة رئيس الجمهورية اللبنانية آنذاك المرحوم إلياس سركيس ودولة رئيس مجلس الوزراء الدكتور سليم الحص لاطلاعهما على الوضع. حاول فخامة الرئيس سركيس مرارًا الاتصال بالعقيد القذافي هاتفيًا لكنه لم يتمكن من ذلك، فتم اتخاذ القرار بإيفاد أمين عام مجلس الوزراء الدكتور عمر مسيكة مع ضابطين من الشعبة الثانية هما الرائد نبيه فرحات والملازم نصوح مرعب إلى ليبيا، إلا أن القائم بالأعمال في سفارة ليبيا في لبنان المدعى عليه محمود بن كورة أخذ يماطل في البداية بمنحهم تأشيرة دخول إلى الأراضي الليبية، وبعد اتصالات منح أمين عام مجلس الوزراء تأشيرة دخول دون الضابطين المذكورين. وبالفعل توجه الدكتور مسيكة إلى ليبيا بتاريخ 14/9/1978 وقابل عددًا من المسؤولين الليبيين، إلا أن رئيس الوزراء الليبي المدعى عليه الرائد عبد السلام جلود ماطل كثيرًا في تحديد موعد له، لكن نتيجة تهديد الدكتور مسيكة بمغادرة الأراضي الليبية وانعكاس ذلك في الشارع اللبناني وفي الموقف الرسمي، حُدِّد له موعد مع الرائد جلود الذي بدا مستغربًا خلال اللقاء أن يكون قد أقدم أحد على خطف سماحة الإمام الصدر ووعد ببذل المساعي لإنهاء هذا الوضع. وأبلغ الرائد جلود الدكتور مسيكة أن سماحة الإمام الصدر ورفيقيه غادروا إلى إيطاليا على متن طائرة عائدة لشركة "أليطاليا" في الرحلة رقم "881 " وذلك عند الساعة الثامنة والنصف من مساء يوم 31/8/1978 وأنهم سافروا فجأة من دون إبلاغ أي مرجع رسمي ليبي بذلك. مع الإشارة إلى أن الوفد الأمني المؤلف من الضابطين فرحات ومرعب غادر إلى روما لمواكبة التحقيقات الإيطالية ولم يتمكن من دخول الأراضي الليبية.
لقد سبب إخفاء سماحة الإمام ورفيقيه قلقًا بالغًا ليس فقط في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى وذويه ومحبيه، وإنما أيضًا لدى السلطات الرسمية اللبنانية التي طلبت من السلطات الإيطالية عبر القنوات الدبلوماسية التحقيق في الموضوع، وبالفعل باشرت النيابة العامة للجمهورية في روما تحقيقًا على مرحلتين الأولى بتاريخ 24/9/1978 والثانية بتاريخ 23/9/1981 ووضعت هذه النيابة بتاريخ 20/12/1981 مطالعة طلبت فيها من قاضي التحقيق في روما حفظ القضية إذ ثبت لديها أن سماحة الإمام ورفيقيه لم يحضروا إلى روما وأن الأشخاص الذين دخلوا كانوا منتحلين أسماءهم وهوياتهم وهم مزيفون، ومن ثم وبتاريخ 28/1/1982، قرر قاضي التحقيق في روما حفظ الأوراق لذات الأسباب.
لقد بين التحقيق الذي أجراه القضاء الإيطالي أنه بتاريخ 1/9/1978 دخل شخصان إلى فندق "هوليداي إن" عرفا عن نفسيهما أنهما الإمام والشيخ يعقوب وكان أحدهما يرتدي زيًا دينيًا وطلبا إشغال غرفتين فأعطيا الغرفتان رقم 701 و702 ودفعا الحساب سلفًا لمدة أسبوع، بعد ارتياب أحد موظفي الفندق بأمرهما. وبعد أن شغلا الغرفتين لفترة عشر دقائق رحلا ولم يعودا. وأن الشخص الذي كان يرتدي لباسًا دينيًا عند قدومه، خرج مرتديًا ثيابًا مدنية.
وأن الشرطة القضائية استجوبت فورًا العاملين في فندق "هوليداي إن"، وقد نفى العاملون في الفندق أن يكون للشخصين اللذين نزلا في الفندق نفس المواصفات الجسدية وملامح الوجه التي هي للإمام وللشيخ يعقوب، وأن الشخصين اللذين نزلا الفندق باسم سماحة الإمام وفضيلة الشيخ يعقوب هما مزيفان.
وأن الشاهد نيكولوزي ليوناردو (Nicolosi leonardo) لم يتعرف في صورة الإمام التي أبرزت أمامه إلى أي من الشخصين العربيين الذين قدما أول أيلول.
أما الشاهد كولانجيلو بياترو (Colangelo pietro) صرح بأنه لم يرَ إطلاقًا الشخص الماثل في صورة الإمام التي عرضت عليه.
وأن الشاهدة زامبوكو مارغريتا (zambucco margherita) وصفت الشخص الذي كان يرتدي لباسًا دينيًا وعمامة بأن طول قامته يبلغ حوالي 175 سنتيمتر، والشخص الذي كان يرتدي ثيابًا مدنية بأنه قصير القامة، ونفت أن يكون الشخص الأول ذات الشخص الظاهر في صورة الإمام التي عرضت عليها.
وأن الشاهد تشادروني البيرتو (Cedroni alberto) وصف الشخص الذي كان يرتدي لباسًا دينيًا وعمامة أنه بدون لحية وبلا شاربين، ووصف الشخص المدني بأنه قصير القامة. ونفى أن يكون الشخص الأول هو نفسه الشخص الذي يظهر في صورة الإمام التي عرضت عليه.
أما الشاهد دورانتي جيوزيبي (durante giuseppe) الحمال في الفندق، فقد وصف الشخص الذي كان يرتدي لباسًا دينيًا بأن طول قامته يبلغ 175 – 180 سنتيمتر تقريبًا وأنه بدون لحية وبلا شاربين، ووصف الشخص الآخر بأنه قصير القامة وله شاربان. وأضاف بأن الشخص المدني كان يعامل رجل الدين باحترام زائد مع شيء من الخوف كأنه "جندي أمام ضابط". ونفى بشكل قاطع أن يكون الشخص الأول مطابقًا لصورة الإمام التي عرضت عليه.
هذا ونفى طاقم طائرة "أليطاليا" لرحلة 881 تاريخ 31/8/1978، بشكل قاطع، أن يكون شخص له مواصفات الإمام المميزة، قد سافر على متن الطائرة في تلك الرحلة.
وأن الشاهد اسطو لفي اورلندو (astolfi orlando) المساعد في طائرة الرحلة 881، أكد لدى عرض صورة الإمام عليه، أن الإمام لم يكن على متن الطائرة.
كذلك أدلى بيجي بيارو (bigi piero) المساعد في الرحلة، أنه لم يرَ بين الركاب شخصًا له اوصاف وملامح الامام. ولدى عرض صور الإمام ورفيقيه لم يتعرف على أي واحد منهم في عداد ركاب الطائرة للرحلة المذكورة.
وأكد الشهود كوتشياني ليتشيا (cociani licia) وكنتينو سارجيو (contino serjio) وبانيولو روبير ريشار (Bagnulo Robert richard)، أقوال الشهود المذكورين أعلاه.
وأن الشاهدين كردونه أندريا (Cardone andrea) وساندرونه كارمينة (sandroni carmine) أدليا بأنهما كانا مولجين بتدقيق جوازات السفر مساء يوم 31/8/1978 في مطار فيوميتشينو في روما ونفيا بشكل قاطع أن تكون صورة اي من الإمام ورفيقيه مطابقة لأي من الأشخاص الذين دققا جوازاتهم خلال خدمتهما في تلك الليلة.
وأن الشاهد فيديله الفريدو (Fedele alfredo) الموظف في إدارة الجمارك أكد أنه كان يؤدي خدمته في قسم التدقيق والمراقبة في الجمارك من الساعة 18 من مساء يوم 31/8/1978 لغاية الساعة الثامنة من صباح 1/9/1978، ونفى بصورة قاطعة وجازمة أن يكون قد مر أمامه سماحة الإمام وفضيلة الشيخ يعقوب والسيد بدر الدين الذي عرضت صورهم عليه، وعزز أفادته بأنه يجيد اللغة العربية. حيث إنه أقام لمدة طويلة في القاهرة وإن من عادته أن يخاطب بهذه اللغة المسافرين العرب.
أما الشاهدان فالنتي أليساندرو (Vatente alessandro) ودونسلمان جوزفين (dunselman josephine) وهما راكبان على الرحلة المذكورة، فقد نفيا أن يكونا قد شاهدا على متن الطائرة شخصًا يشبه الإمام أو له مواصفاته.
مع الإشارة إلى أن جميع هذه الإفادات ضبطت بصورة فورية خلال الفترة الواقعة بين العشرين والثالث والعشرين من شهر أيلول 1978.
وأن العريف في الأمن العام زوطو دوناتو (Zotto donato) المسؤول عن تدقيق الجوازات في مطار فيوميتشينو أدلى بأن الشخص الذي حضر أمامه كانت ملامحه تنطبق على الصورة الفوتوغرافية الملصقة على جواز السفر وأنه لا يذكر ملامح الشخص الذي طلب منه إذن الإقامة باسم عباس بدر الدين وأنه لا يذكر بتاتًا أنه رأى شخص عباس بدر الدين الحقيقي الذي عرضت عليه صورته من قبل المحققين.
وأن التحقيقات التي أجريت في فندق "ساتلايت" أثبتت عدم إقامة أي شخص باسم بدر الدين عباس أو عباس بدر الدين في ليل 31/8/1978 أو بعده، في فندق "ساتلايت" أو في أي فندق آخر في روما.
وأن التحقيق لدى شركة "مالطا" للطيران ولدى شركة "أليطاليا" بيَّن أنه لم يسافر أي شخص باسم "بدر الدين عباس" أو "عباس بدر الدين" إلى مالطا لا في أول أيلول ولا في باقي أيام الأسبوع. وقد توصل التحقيق الإيطالي ان الشخص الذي حضر امام العريف زوطو في الساعة 23 والدقيقة 35 من ليل 31/8/1978 باسم وبجواز سفر عباس بدر الدين هو شخص مزيف0
ان التحقيقات الإيطالية بينت بما لا يدع مجالًا للشك بأن الإمام الصدر ورفيقيه لم يغادروا ليبيا وبالتالي لم يدخلوا إلى الأراضي الإيطالية، وقد أثبتت ذلك الأدلة الثبوتية المنوه عنها أعلاه، وهذه الأدلة تتناقض مع الإفادات الحاصلة في ليبيا على يد شرطة البلد المذكور.
وأن مصادر التحقيق الليبي أثارت شكوكًا لدى التحقيق الإيطالي وذلك للتأخر في فتح التحقيق الليبي الذي بدأ بتاريخ 3/11/1979 أي بعد مضي أكثر من سنة على إخفاء الإمام ورفيقيه. وأن المستجوبين وقعوا في تناقضات عديدة نذكر منها:
1- المرغني التومي: أكد مرة أن الإمام وحده كان يرتدي لباسًا دينيًا، ثم في مرة أخرى أكد أن الشيخ يعقوب كان يرتدي لباسًا دينيًا أيضًا.علمًا بأن زوجة فضيلة الشيخ محمد يعقوب أكدت بأن فضيلته لا يرتدي ولا يقتني ثيابًا مدنية.
2- أحمد الحطاب: أدلى أنه أجرى المعاملات لسماحة الإمام ورفيقيه بسرعة فائقة لأن الطائرة كانت على وشك الإقلاع، بينما اتضح أن الطائرة غادرت المطار بتأخير ساعة كاملة. كما أن الحطاب أدلى ايضًا أن لون جواز سفر سماحة الإمام "أحمر"، وهذا لا ينطبق على الواقع.
3- الهادي السعداوي: أدلى أن شخصين كانا يرتديان اللباس الديني بينما أدلى أحمد مسعود صلاح وإبراهيم خليفة عمر، أن شخصًا واحدًا فقط كان يرتدي ثيابًا دينية.
4- عيسى مسعود عبدالله المنصوري: أدلى أمام الشرطة الليبية أن شخصًا واحدًا فقط كان يرتدي اللباس الديني، ثم عاد وأدلى أمام النيابة العامة أن شخصين كانا يرتديان الألبسة الدينية. وأدلى أيضًا أنه سافر في الدرجة السياحية على متن الرحلة 881.
5- محمد خليفة سحيون: أدلى بأنه سافر مع سماحة الإمام بذات الرحلة، بينما لم تثبت له إقامة في إيطاليا ولا كيفية مغادرته لها، ولا سبب مقنع لمصادفة وجوده على نفس الرحلة المزعوم وجود الإمام ورفيقيه فيها.
6- محمد علي الرحيبي: أدلى بأن جواز سفر الإمام كان سليمًا بما في ذلك الصورة الفوتوغرافية. بينما ثبت أن تلاعبًا حصل في الصورة الفوتوغرافية الملصقة على الجواز.
7- الموريتاني محمد محمود ولد دادا: أدلى بأنه بتاريخ 31/8/1978 كان موجودًا في مطار طرابلس ليستقبل وفدًا موريتانيًا حضر إلى ليبيا للمشاركة في الاحتفالات، لكن صحيفة الشعب الموريتانية نشرت في عددها الصادر بتاريخ 31/8/1978 أن وفدًا مهمًا في ليبيا غادر موريتانيا بتاريخ 30/8/1978، وبالتالي فإن ولد دادا لم يكون موجودًا في مطار طرابلس الغرب مساء 31/8/1978، علمًا بأنه لا يعرف الإمام شخصيًا.
وتبين أن العاملين في فندق "هوليداي إن" عثروا على جوازي سفر سماحة الإمام الصدر وفضيلة الشيخ يعقوب في إحدى الغرفتين اللتين حجزت باسميهما. وتبين أن تلاعبًا جرى في جواز سفر الإمام الدبلوماسي، فالصورة الملصقة ليست فقط منتزعة جزئيًا بل أن الخاتم الناشف المحفور عليها يظهر بشكل غير متلائم مع رسم الخاتم الموجود على الصفحة 3، وأن الصورة الشمسية نزعت عن وثيقة أخرى بقيت آثارها على الصورة من الخلف.
وتبين من تفحص الحقائب ومحتوياتها أن الوثائق والثياب والأغراض الخاصة بالإمام خلطت فيما بينها خلطًا فوضويًا، وقد عثر في الحقائب على ثياب عائدة لسماحة الإمام مع ثياب وأغراض ووثائق عائدة لفضيلة الشيخ يعقوب والسيد بدر الدين، كما وجدت بينها ثياب وأغراض لآخرين مجهولين. وأن حقيبة الإمام الصغيرة كانت تحتوي أيضًا أغراضًا تخص السيد بدر الدين وتحتوي أيضًا أغراضًا لأشخاص مجهولين. كما وُجِدت أيضًا أمتعة السيد بدر الدين في حقيبة سمسونايت لونها رمادي غامق وهذه الحقيبة من المفروض أن لا تكون موجودة في فندق "هوليداي إن" لأن الشخص الذي انتحل اسمه لم يأتِ إلى هذا الفندق بل صرح في مطار روما أنه سينزل في فندق "ساتلايت". كما عُثِر في إحدى الحقائب على ساعة يد الإمام الصدر وقد كسر زجاجها وانتزع منها الطوق وهي معطلة.
وتبين أن المسؤول عن الرحلة 881 نفى أن يكون قد شاهد رجل دين على متن الطائرة.
وأن تقرير لجنة الخبراء: ميشال جدعون ومحمد علي مراد ومحمود الفقيه، المعينة من قبلنا، قد خلص إلى أن جواز السفر الدبلوماسي العائد لسماحة الإمام والذي يحمل الرقم 9/78 قد جرى التلاعب به، إذ "أن صورة الإمام في الصفحة الثالثة غير مثبتة عليها (أي على صفحة الجواز)، ولدى التدقيق في الصورة المذكورة تبين أنها تحمل في الجهة الخلفية منها آثار ورقية ممزقة، كما أنها تحمل ثقوبًا غير مطابقة للثقوب الموجودة على صفحة الجواز وعددها أكثر من عددها على الجواز ما عدا اثنين منها اتفقت وتطابقت مع الثقوب الموجودة على هذه الصفحة، ويستدل منها أنها نُزِعت عن وثيقة أخرى، كما تدل على أنه جرى التلاعب فيها بدليل أنها مثقلة بشوائب عديدة غير مألوفة". وأن جواز سفر فضيلة الشيخ محمد يعقوب يحمل في الصفحة 12 تأشيرة من السفارة الفرنسية في بيروت أُعطيت بتاريخ 9/6/1978 وهي صالحة لغاية 8/12/1978 في حين أنه يوجد في الصفحة 18 من ذات الجواز تأشيرة ثانية من قبل السفارة الفرنسية في طرابلس-ليبيا أُعطيت بتاريخ 31/8/1978 وهي صالحة لغاية 30/1/1979.
وتبين أنه بتاريخ 31/8/2002، ألقى المدعى عليه العقيد معمر القذافي خطابًا في مدينة سبها تطرق فيه إلى قضية إخفاء الإمام الصدر ورفيقيه، واعترف خلاله باختفائهم في ليبيا قائلًا ما حرفيته: "موسى الصدر هذا جاء إلى ليبيا... نحن وجهنا له الدعوة مثل كل الشخصيات التي تحضر الاحتفال في عيد الثورة... واختفى هو معه اثنان صحفيان اختفى في ليبيا لا نعرف كيف اختفى... "
وقد تأيدت هذه الوقائع :
- بالادعاء الشخصي
- بأقوال الشهود
- بتقرير لجنة الخبراء
- بالتحقيقات الإيطالية
- بقرينة منع السلطات الليبية الضابطين اللبنانيين عضوي الوفد اللبناني من دخول ليبيا
- بعدم جدية التحقيقات الليبية
- باعتراف المدعى عليه معمر القذافي باختفاء الإمام الصدر ورفيقيه في ليبيا (خطاب 2002 سبها)
- بقرينه غياب المدعى عليهم
- بمجمل التحقيقات
ثانيًا - في القانون :
حيث تبين من مجمل التحقيقات وبما لا يرقى إليه الشك أن سماحة الإمام السيد موسى الصدر ورفيقيه فضيلة الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين لم يغادروا ليبيا التي كانوا بزيارتها بناءً لدعوة رسمية من السلطات الليبية للاجتماع بالعقيد معمر القذافي، إلى أي مكان بعد لقائهم به بتاريخ 31/8/1978، وإنما استبقوا في ليبيا رغمًا عنهم،
وحيث إن المدعى عليه العقيد معمر القذافي اعترف في الخطاب الذي ألقاه في مدينة سبها بتاريخ 31/8/2002 باختفاء سماحة الإمام ورفيقيه في ليبيا، بالرغم من إصرار السلطات الليبية منذ إخفائه بتاريخ 31/8/1978 بأنه غادر الأراضي الليبية إلى إيطاليا،
وحيث تبين من التحقيقات التي أجرتها النيابة العامة في إيطاليا والتي انتهت بقراري المدعي العام وقاضي تحقيق روما، أن من دخل إلى إيطاليا لم يكن سماحة الإمام الصدر ورفيقيه، إنما كانوا أشخاصًا مزيفين انتحلوا شخصياتهم،
وحيث تبين أن التحقيقات التي اجراها القضاء الإيطالي أثبتت عدم صحة التحقيقات الليبية مع المدعى عليهم،
وحيث تبين من التحقيقات الإيطالية مع طاقم طائرة "أليطاليا" للرحلة 881 من طرابلس الغرب إلى روما بتاريخ 31/8/1978 ومع ركابها، أن أحدًا لم يشاهد الإمام الصدر على متن الطائرة، وأن المسؤول عن الرحلة لم يشاهد رجل دين على متنها. وأنه وعلى سبيل الاستطراد، فلو فرضنا جدلًا، أن أحدًا ما شاهد الإمام في مطار طرابلس الغرب مساء يوم 31/8/1978 فإنه وعلى فرض صحة هذه الواقعة لا تعني صعوده إلى طائرة أليطاليا، بل هي جزء من عملية الخطف، للتمويه على سماحة الإمام ومن قد يشاهده،
وحيث إن الرحلة 881 من طرابلس الغرب إلى روما اقلعت بتأخير ساعة، ووصلت إلى روما عند الساعة الحادية عشر والنصف ليلًا. وأن الشخصين اللذين انتحلا شخصية الإمام الصدر والشيخ يعقوب دخلوا إلى فندق "هوليداي إن" حوالي الساعة العاشرة من صباح 1/9/1978،
وحيث ثبت أن الإمام السيد موسى الصدر لا يرتدي ولا يقتني زيًا مدنيًا وكذلك الحال بالنسبة لفضيلة الشيخ محمد يعقوب،
وحيث تبين أن الشخص الذي انتحل شخصية الإمام السيد موسى الصدر دخل إلى فندق "هوليداي إن" مرتديًا لباسًا دينيًا وخرج مرتديًا لباسًا مدنيًا، بعد أن مكث في الغرفة حوالي عشرة دقائق وغادر الفندق ولم يعد إليه،
وحيث إن جميع مستخدمي فندق "هوليداي إن" جزموا بعد أن عاينوا صورة الإمام موسى الصدر، أن الشخص الذي شاهدوه في الفندق ليس سماحة الإمام السيد موسى الصدر،
وحيث تبين أن اوصاف سماحة الإمام وفضيلة الشيخ يعقوب لا تنطبق على الأوصاف التي أوردها الشهود الإيطاليون، ان لجهة طول القامة (أكثر من 195 سنتم) أو لجهة اللحية والشاربين، أو لجهة اللباس، أو لجهة ملامح الوجه المعروفة،
وحيث أن الشخصين اللذين انتحلا شخصية الإمام الصدر والشيخ يعقوب وصلا إلى مطار روما في الساعة الحادية عشر والنصف من ليل 31/8/1978 بينما سجل دخولهما إلى فندق "هوليداي إن" في روما بعد العاشرة من صباح اليوم التالي في 1/9/1978 ودون وجود سبب منطقي أو مبرر لهذه الفترة الفاصلة بين الوصول إلى روما ودخول الفندق، الذي لم يمكثا فيه أكثر من عشر دقائق،
وحيث تبين أن شخصًا انتحل شخصية الصحافي عباس بدر الدين، حيث لم يعثر على اسمه في فندق "ستايلات" كما لم يسجل مغادرته إلى مالطا كما جرى الزعم. وأن حقائبه وجدت مع حقائب سماحة الإمام في فندق "هوليداي إن" وأغراضه مبعثرة ومختلطة مع أغراض سماحة الإمام والشيخ يعقوب وأغراض لاشخاص آخرين مجهولين (إفادة العريف زوطو وعاملي الفندق)،
وحيث تبين أنه أثناء اجتماع المدعى عليه العقيد معمر القذافي بالإمام السيد موسى الصدر ورفيقيه، حصل نقاش حاد فأصدر الأمر إلى مساعديه بأن "يأخذوهم". وأن مساعديه أقدموا عندها على إخفاء الإمام ورفيقيه وحجز حريتهم لغاية تاريخه،
وحيث تبين أن جواز سفر الصحافي بدر الدين كان مع القائم بالأعمال اللبناني السيد نزار فرحات. وأن هذا الأخير أحضر جواز سفر السيد بدر الدين إلى فندق الشاطىء بعد ظهر 31/8/1978، فلم يجد الإمام ورفيقيه فترك جواز السفر مع السيد بشارة مرهج، علمًا بأن أحدًا لم يعد يشاهد الإمام ورفيقيه بعد مغادرتهم الفندق في الساعة الواحدة من ظهر 31/8/1978 للقاء العقيد معمر القذافي،
وحيث إن افادة الشاهد نزار فرحات حول زيارته إلى فندق الشاطىء في التاسعة والنصف من مساء 31/8/1978 لتفقد الامام ورفيقيه، وأخباره من قبل موظفي الفندق أن الإمام ورفيقيه غير موجودين، وانتظاره هناك، ومحاولته الاتصال بالغرف دون جدوى، إلى أن علم في اليوم التالي من قبل موظفي الفندق أن الإمام ورفيقيه غادروا الفندق، هذه الإفادة تدل على أن الإمام ورفيقيه لم يسلموا غرفهم بالطريقة العادية المألوفة والطبيعية، وتدل كذلك أنه يستحيل سفر الإمام ورفيقيه على متن طائرة أليطاليا التي أقلعت التاسعة مساءً بتأخير غير مبرر لأكثر من ساعة،
وحيث تبين أن تلاعبًا حصل بجواز السفر الديبلوماسي العائد للإمام موسى الصدر، كما تبين من التحقيقات الإيطالية،
وحيث من الملفت أنه لم يعثر على جواز سفر الصحافي عباس بدر الدين، بينما عثر على بعض أغراضه الشخصية في فندق "هوليداي إن" متداخلة مع أغراض سماحة الإمام والشيخ يعقوب وأشخاص آخرين مجهولين،
وحيث إن القائم بالأعمال اللبناني في طرابلس الغرب السيد سعيد بيطار أفاد في كتابه إلى وزارة الخارجية والمغتربين اللبنانية بتاريخ 19/1/2007 أن غالبية المدعى عليهم الليبيين "كانوا إما ضباط أمن أو من لجان الاتصال الشعبية – مخابرات السفارات - أو يتعاطون التجارة لتغطية مهماتهم الرئيسية، وأن أغلبيتهم أصبحوا في سن التقاعد، ومن المعروف أن السلطات الليبية عند تقاعد رجال المخابرات تمنحهم قرضًا كبيرًا ومزرعة في المنطقة التي ينتمون إليها"،
وحيث إن تقرير لجنة الخبراء المكلفة من قبلنا بالاطلاع على جوازي السفر العائدين للإمام الصدر والشيخ يعقوب، لبيان ما إذا كان يوجد أي تحريف لجهة الخطوط والبيانات الواردة عليها وأي تحريف أو تلاعب فيهما، أثبت وجود تلاعب في جواز سفر الإمام الديبلوماسي، مما ينفي أن سماحته هو من دخل إلى إيطاليا، بل أن شخصًا آخر انتحل شخصيته،
وحيث تبين أن جواز سفر سماحة الإمام الصدر كان يحمل تأشيرة دخول إلى الأراضي الفرنسية صالحة لغاية 24/12/1978 وهي لعدة سفرات وألغيت ولم يعرف كيف تم الغاؤها، ووضعت عليه تأشيرة دخول إلى الأراضي الفرنسية بتاريخ 31/8/1978 من السفارة الفرنسية في طرابلس الغرب. كما أن جواز سفر فضيلة الشيخ محمد يعقوب كان يحمل تأشيرة دخول إلى الأراضي الفرنسية صالحة لعدة سفرات ووضعت عليه تأشيرة جديدة دخول إلى الأراضي الفرنسية بتاريخ 31/8/1978 من طرابلس الغرب، ولم ينتبه واضعها للتأشيرة الأولى التي لم تلغَ،
وحيث تبين أنه تم الاستحصال على سمات الدخول إلى إيطاليا للإمام والشيخ يعقوب فقط، دون السيد عباس بدر الدين، بعد ظهر يوم 31/8/1978، بواسطة موظف ليبي رسمي وكذلك فإن من استحصل على سمات الدخول إلى فرنسا بذات التاريخ للإمام والشيخ يعقوب، هو موظف ليبي رسمي أيضًا،
وحيث إن طريقة وتوقيت الاستحصال على سمات الدخول إلى فرنسا وإيطاليا ودون الاستعانة بالسفارة اللبنانية في طرابلس الغرب، يؤكد التورط الرسمي الليبي بتدبير عملية الإخفاء،
وحيث إنه من المعروف أن ليبيا تخضع لنظام مغلق مركزي، تابع ومؤتمر من قبل سلطة الزعيم الأوحد المدعى عليه معمر القذافي، بما لا يمكن معه الحديث عن أي قرار أو تصرف إلا بتوجيه من الزعيم الآمر الناهي المدعى عليه العقيد القذافي،
وحيث ان الحكومة الليبية تتحمل تبعات اخفاء وخطف الإمام الصدر ورفيقيه الموجودين على اراضيها بدعوة رسمية من السلطات فيها، والاشتراك في المؤامرات المحاكة لتغطية هذه الجريمة والتمادي فيها،
وحيث إن فعل المدعى عليهم العقيد معمر القذافي، والمرغني مسعود التومي، وأحمد محمد الحطاب، والهادي إبراهيم مصطفى السعداوي، وعبد الرحمن محمد غويلة، ومحمد خليفة سحيون، وعيسى مسعود عبد الله المنصوري، ومحمود محمد بن كورة، واحمد الأطرش، وعبد السلام جلود، وعيسى البعباع، وعاشور الفرطاس، وعلي عبد السلام التريكي، وأحمد شحاته، وأحمد مسعود صالح ترهون، وإبراهيم خليفة عمر، ومحمد علي الرحيبي، ومحمد ولد دادا، يؤلف لجهة التحريض والاشتراك في خطف الإمام موسى الصدر والشيخ محمد يعقوب والسيد عباس بدر الدين الجرم المنصوص عنه في المادة 569/218عقوبات بالنسبة للمدعى عليه الأول العقيد معمر القذافي و569/213 عقوبات بالنسبة لباقي المدعى عليهم،
وحيث إن فعل المدعى عليه الأول معمر القذافي وباقي المدعي عليهم لجهة إثارة الحرب الأهلية في لبنان والحث على الاقتتال الطائفي بين اللبنانيين عبر إخفاء الامام ورفيقيه، يشكل الجرم المنصوص عنه في المادة الثانية من قانون 11/1/1958،
وحيث إن فعلهم لجهة إثارة النعرات المذهبية والحض على النزاع بين مختلف عناصر الأمة يشكل الجنحة المنصوص عنها في المادة 317 عقوبات،
وحيث إن فعل المدعى عليهم، باستثناء الموريتاني محمد محمود ولد دادا والليبي محمود بن كورة، لجهة إقدامهم على تزوير جواز سفر سماحة الإمام الصدر واستعماله مع علمهم بالإمر، ينطبق على المادتين 463 و463/454/213 عقوبات،
وحيث إن فعل المدعى عليهم، باستثناء الليبي محمود بن كورة والموريتاني محمد محمود ولد دادا، لجهة انتحال هوية وارتداء زي لا يعود لهم، ينطبق على المادة 392 /213 عقوبات،
وحيث إن التلازم متوفر بين الجنحة والجناية،
وحيث إن التحقيق لم يتوصل بحالته الراهنة إلى بيان كامل هوية المدعى عليهم :
عبد السلام جلود، محمود محمد بن كورة، أحمد الأطرش، عيسى البعباع، عاشور الفرطاس، علي عبد السلام التريكي، أحمد شحاته، أحمد مسعود صالح ترهون، إبراهيم خليفة عمر، محمد بن علي الرحيبي، محمد ولد دادا،
مما يقتضي معه تسطير مذكرة تحرٍ دائم توصلًا لمعرفة كامل هوية كل من المدعى عليهم:
لذلك
نقرر وفقًا وخلافًا للمطالعة:
أولًا – اتهام المدعى عليه معمر القذافي المبينة هويته أعلاه بمقتضى المادة 569/218 من قانون العقوبات اللبناني لجهة التحريض على خطف وحجز حرية كل من سماحة الإمام السيد موسى الصدر وفضيلة الشيخ محمد يعقوب والصحافي السيد عباس بدرالدين، الجريمة الحاصلة بتاريخ 31/8/1978.
ثانيًا – اتهام كل من المدعى عليهم: المرغني مسعود التومي، وأحمد محمد الحطاب، والهادي إبراهيم مصطفى السعداوي، وعبد الرحمن محمد غويلة، ومحمد خليفة سحيون، وعيسى مسعود عبد الله المنصوري، المبينة كامل هوياتهم أعلاه، بمقتضى المادة 569/213 من قانون العقوبات اللبناني لجهة إقدامهم على الاشتراك في خطف الإمام الصدر ورفيقيه.
ثالثاً – اتهام المدعى عليهم: العقيد معمر القذافي، والمرغني مسعود التومي، وأحمد محمد الحطاب، والهادي إبراهيم مصطفى السعداوي، وعبد الرحمن محمد غويلة، ومحمد خليفة بن سحيون، وعيسى مسعود عبد الله المنصوري، بمقتضى أحكام المادة الثانية من قانون 11/1/1958.
رابعًا – الظن بالمدعى عليهم المذكورين في البند ثالثًا أعلاه، بالجنح المنصوص عنها في المواد 317 و463 و463 / 454/213 و392/213 عقوبات.
خامسًا – إصدار مذكرة إلقاء قبض بحق كل من المدعى عليهم المذكورين أعلاه وسوقهم مخفورين إلى محل التوقيف التابع للمجلس العدلي في بيروت.
سادسًا – اتباع الجنحة بالجناية لعلة التلازم.
سابعًا – تسطير مذكرة تحرٍ دائم توصلًا لمعرفة كامل هوية كل من المدعى عليهم: عبد السلام جلود، محمود محمد بن كورة، أحمد الأطرش، عيسى البعباع، عاشور الفرطاس، علي عبد السلام التريكي، أحمد شحاته، أحمد مسعود صالح ترهون، إبراهيم خليفة عمر، محمد بن علي الرحيبي، محمد ولد دادا.
ثامنًا – تدريك المتهمين والأظناء الرسوم والنفقات كافة.
تاسعًا – إعادة الأوراق إلى جانب النائب العام لدى المجلس العدلي لإيداعها مرجعها المختص.