الحوار الصدري ممتع العبارة، شيِّق السماع، فسيح الأفق، حادثنا على مدى صفحات الجزء الأول من "حوارات صحفية"، حادثنا حول تطلعاته ومناهجه وخطواته العملية للخروج بالناس من الأمية العقائدية والخواء الفكري والركود العملي، وكانت آفاقه فيحاء، وميادينه فساح، وكانت تلك الفترة رحبة التطلع، كريمة الأمل.
لم يطل زمان مداعبة الأحلام حتى تناوحت في الآفاق الريح، وتشابكت في الميادين أعواد الشبح، وإذا الزمان غير الزمان، وأقام في سوحنا القلق على الجنوب، على المقاومة، على الغد الذي كان قد تسيَّج بأغاريد العصافير.
لذلك طلع علينا هذا الجزء (الوحدة والتحرير) من "حوارات صحفية" عاصفاً حاراً، فقد أجريت المقابلات في وقت من خصوصيته الأيام السود دماءً ودماراً بحيث لم تسلم لنا أرض دون أن تميد، ولم تصفُ لنا سماء دون أن تفجر شمسها أغربة الحقد، ولم يكن سواه، بعقيدته، بإيمانه، بقرآنه يخترق الظلمة، لذلك كانت بداية هذا الجزء تحافظ على نمطه النهضوي.
انبرى الإمام السيد موسى الصدر لكل عمليات التمزيق، وليس في النفق بصيص من نور، ولكنه انبرى وفي برديه نور من كلمة طيبة مثل شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، نور اقتبس من زيتونة يكاد زيتها يضيء وإن لم تمسسه نار، وما هي بشرقية تهب لتكسف كل إشراقة شمس، ولا بغربية تغزو روعة الشفق.
وما كان لبساط الريح أن يضاهي نشر عباءته وهي تركب الريح بين بيروت ودمشق والكويت والرياض والقاهرة في حركة دونها دوامات الأيام، ودوامات المشي وراء الأشياء الصغيرة، ولكنه لملمها وجعلها أمراً ذا بال، وكان مؤتمر الرياض، وثم مؤتمر القاهرة وتسجلت للبنان وللجنوب وقوعات ووقائع.
هذا الجزء الثاني من "حوارات صحفية" يسجل الكثير مما جاءت به الأيام العجاف من معارك: حامية وباردة، خلافات، تشكيك، تقريب، توافق، نفور، حقد، أمل، ألم، غيظ، كل شيء، كل شيء كان، وكان الإمام السيد موسى الصدر يتجول بينها عله يبلسمها. وقد تسجلت له أمور تدهش، نقرأها معكم أيها الإخوة، بتفصيل أحياناً، وبإلماحات أحياناً أخرى وفي كل الحالات مرجعية تؤرخ لزمن التمزق، نقدمها إلى أحبة الرأي الحر ومن الله حسن الثواب.
مركز الإمام الصدر للأبحاث والدراسات