البيان الختامي 11

الرئيسية إصدارات كلمة سواء مؤتمر "كلمة سواء" الحادي عشر: الإنسان في رؤية الإمام الصدر

أقام مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات في 12 من شهر كانون الأول لعام 2009 في قصر الأونسكو في بيروت مؤتمر "كلمة سواء" الحادي عشر تحت عنوان: "اجتمعنا من أجل الإنسان- الإنسان في رؤية الإمام الصدر".

هدف المؤتمر إلى مناقشة أبعاد الإنسان عند الإمام الصدر، كونه خليفة الله على الأرض والمحرك الأساس في الحياة عارضين لمسؤوليات هذا الإنسان في حياته كفرد وكمجتمع. وقد أجمع الحضور بمؤتمريه ومشاركيه على تميز الإمام الصدر في رفع لواء خدمة الإنسان دون اعتبار اللون والمذهب والفكر مترفعًا بذلك عن الانتماءات الضيقة محلقًا في فضاء الإنسانية الأوسع.

الجلسة الافتتاحية بدأت بحضور دولة رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري، الوزير علي حسين عبد الله ممثلًا فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، الوزيرة منى عفيش ممثلة دولة رئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد الحريري، دولة الرئيس حسين الحسيني، النائب سليم عون ممثلًا دولة الرئيس العماد ميشال عون وممثلي رؤساء العائلات الروحية في لبنان، النائب محمد رعد ممثلًا سماحة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، وحشد من الشخصيات الثقافية والسياسية والدينية.

بعد كلمة الافتتاح لمعرف الاحتفال الشاعر حسين نجيب حمادة، وآيات من القرآن الكريم والنشيد الوطني، كانت كلمة الترحيب للسيدة رباب الصدر رئيسة مؤسسات الإمام الصدر، دعت فيها الإنسان إلى "استلهام النظام الكوني وحركته، وإلى توخي العدالة في حركته مع ذاته وضمن عائلته ومجتمعه وبيئته". كما استذكرت تعريف الإمام الصدر للإنسان بأبعاده الأربعة: "كونه شخصًا له إرادة حرة، وعضوًا في مجتمع، وجزءًا من الكون، وهو خليفة الله على الأرض".

كلمة البطريرك الماروني نيافة الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير ألقاها سيادة المطران شكر الله الحاج والتي استهلها بالتمني بأن تنجلي قضية الإمام الصدر حتى تستقيم الأوضاع، ومعربًا عن تقديره الشديد للطائفة الشيعية التي تفتقد بتغييب الإمام الصدر مرجعًا كبيرًا وشخصية وطنية استقطبت باستشرافها المستقبل كل المفكرين والسياسيين والساعين إلى حفظ كرامة الإنسان.

وألقى فضيلة الشيخ هشام خليفة كلمة مفتي الجمهورية اللبنانية فضيلة الشيخ الدكتور محمد رشيد قباني وجاء فيها أن عنوان المؤتمر يختزن الكثير من المعاني. "فكرامة الإنسان موهوبة له منذ الأزل، وأن رؤية الإمام موسى الصدر للإنسان هي ذاتها رؤية الإسلام للإنسان، رؤية مبنية على أسس ثلاثة تشترك فيها كافة الأنواع الإنسانية:

1 – الأصل في الانتماء الآدمي واحد، "كلكم لآدم وآدم من تراب".
2 – ولا تمايز بين بني البشر بسبب الاعتبارات الخلقية والتكوينية والجنسية.
3 – والمساواة الكاملة لناحية الحقوق والواجبات".

كلمة بطريرك الروم الأرثوذكس سيادة المطران أغناطيوس الرابع هزيم ألقاها الأب إبراهيم سعد وجاء فيها أن الإمام الصدر "هو مصدر إشراقات صادرة عن قلبه وعقله، مضيئة للإنسان بغض النظر عن عقيدته وانتمائه. صرخ صرخة الفقراء، من أراد النجاح عليه أن يهاجر عن ذاته نحو الآخر، يتحسس الحق حيث يلقاه. انطلق من الإسلام، وغدًا مفكرًا إنسانيًا وهاجسه دائمًا الإنسان. طالما كانت القيم الإنسانية الكبرى تتصل بالمواطنية. عندها يتسع الوطن لكل الناس، إذ لا يبرر قيام بلد إلا أن يحمل رسالة، وغاية أي رسالة هي الإنسان. من هنا أهمية التحول من امتهان الأخذ إلى امتحان العطاء."

وألقى فضيلة الشيخ غسان الحلبي كلمة فضيلة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن ومما قاله أن الإمام الصدر "ليس حلم ملكوت السماوات، بل حقل التحقق الإنساني للمستضعفين" بما فيه من كرامة وحرية وعدالة. مضيفًا أن الإمام الصدر كان "يرى لبنان كما سماه بلد اللقاء هذا يعني بلد الواحد والآخر، فإذا كانت الفردانية المنعزلة بأناها لا تقيم إنسانًا، فإنه باللقاء الطيب مع الآخر تشع الإنسانية مكرمة من الله سبحانه وتعالى" ولذلك "سمى الإمام الصدر لبنان بلد الإنسان حيث بالإمكان سماع النداءات الأصلية السماوية".

ومثّل بطريرك الروم الكاثوليك سيادة المطران غريغوريوس الثالث لحام الأب غابي هاشم الذي استهل كلمته بتأكيد أن "تعاليم المسيحية تقول بأن الإنسان هو موضوع حب الله... خرج الإنسان من قلب الله وإلى هذا القلب يعود". مستذكرًا مقاطع من خطبة الإمام الصدر في كنيسة الكبوشيين قائلًا بأن الإمام الصدر "فقه سر الله والأديان والإنسان على أفضل وجه."

وخاطب نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى سماحة الإمام الشيخ عبد الأمير قبلان الإمام موسى الصدر بقوله: "سيدي أبا صدري... نظرت إلى الإنسان من خلال إنسانيته وليس عبادته. نقول لك: تغيرت البلاد. الجميع يطالبون بالمعتقلين والمغيبين، مجلس الأمن تعطل. هيئة الأمم لا تسمع بالمظلومين". وأضاف: "نطالب الحكومة اللبنانية الجديدة بتشكيل هيئة جديدة تتابع تنفيذ ما جاء في بيانها الوزاري، هيئة تحرر الإمام ورفيقيه تعطي الإمام حقه بالاهتمام".

تخلل حفل الافتتاح مقاطع مصوّرة (فيديو) قصيرة للإمام الصدر محورها الإنسان –عنوان المؤتمر- حيث جرى تحويلها إلى عرض بصري غني ومعبر استحوذ على إعجاب الحاضرين.

ختام الجلسة الافتتاحية كان خطبة سماحة الإمام السيد موسى الصدر الصوتية والتي ألقاها في كنيسة الكبوشيين في 18 شباط 1975، والتي كان للإخراج والتنسيق المتقن دورهما في تحقيق الرؤية الفنية. وقد جاء في خطبة الإمام الصدر: "اجتمعنا من أجل الإنسان الذي كانت من أجله الأديان... فلنلتقِ، أيها المؤمنون والمؤمنات، فلنلتقِ على الإنسان، على صعيد الإنسان، كل إنسان؛ والإنسان، كل إنسان ليس خارج الفرصة، ولا معزولًا ولا مصنفًا، فلنحافظ على إنسان لبنان لكي نحفظ هذا البلد، بلد الإنسان أمانة التاريخ وأمانة الله".

ضم برنامج المؤتمر جلستين كان محورهما الإنسان بأبعاده المختلفة التي قدمها المشاركون وذلك في قراءة لنصوص الإمام الصدر الذي أطلق مشروع الدين في خدمة الإنسان في محاولة أصيلة لمنحه القيمة التي أرادها الله له.

الجلسة الأولى ترأسها فضيلة الشيخ سامي أبو المنى الذي عدَّ تغييب الإمام "تغييبًا للاعتدال وإفساحًا في المجال أمام التطرف، وتغييبًا للغة الحوار التي اختارها الإمام، منطلقًا من إيمانه الديني والتزامه الإسلامي: "الحوار من أجل الدين، أي من أجل الإنسان" الذي من أجله – من أجل الإنسان- كان الدين وكانت الأديان، وبالتالي من أجل الجماعة ومن أجل الوطن". ورأى أن الهدف من هذا الاحتفال هو العودة إلى "خطاب الإمام الإنساني الذي نوافق عليه ونتعلم منه، لأنه ينطلق من روحية الأديان جميعها ويرتكز إلى حقيقة الإسلام التي هي أيضًا حقيقة الأديان، كل الأديان".

أول الباحثين المتحدثين كانت الدكتورة سعاد الحكيم تحت عنوان "مسؤولية الإنسان الأخلاقية والدينية" التي تركزت حول فكرة الخلافة -التي أسندها الله للإنسان دون غيره من المخلوقات- في مفهوم الإمام الصدر، مبرزة بنية المسؤولية في بعديها الديني والأخلاقي. وقدم المحامي الأستاذ رشاد بولس سلامة دراسته عن ثنائية الإنسان والوطن في فكر الإمام الصدر تحت عنوان "لبنان والإنسان في رؤية الإمام الصدر" والتي لخّص معانيها في أن "إنسان لبنان موجود، إذًا فلبنان الوطن موجود، والإنسان متّحد بلبنان، ولبنان متّحد بهذا الإنسان".

أدار الجلسة الثانية السيد لؤي شرف الدين نيابة عن الأب الدكتور جورج مسوح –الذي تغيب بسبب سفر طارىء-، وقدَّم فيها الدكتور محمد منير سعد الدين بحثًا قيّمًا عن "إنسانية الطفولة والشباب في الفكر التربوي للإمام الصدر"، عالج فيه نظرة الإمام إلى "أسرة العصر" ودور الأم والأب في بناء الإنسان "بحيث تتهيأ شخصية إنسانية قوية يمكن الاعتماد عليها لتكون قادرة على الخلافة". وعن "المسؤولية الاجتماعية في فكر الإمام الصدر"، رأى الدكتور طلال عتريسي من خلال دراسته أن الإمام يقرن مسؤولية الإنسان الاجتماعية بالجوانب الأخلاقية ويحددها بحسب رأي الإمام بأنها "التصدي لتغيير أحوال الأمة" والتي حققها قولًا وممارسة في أنه "قدم عمليًا نموذجًا مختلفًا لمسؤولية رجل الدين الاجتماعية".

المقررات والتوصيات:
من وحي ما جاء في كلمات رؤساء العائلات الروحية، وخاصة كلمة الإمام الصدر التاريخية، واستنادًا إلى ما ورد في أوراق الأساتذة الباحثين كما على لسانهم، وإلى ما دار في الجلسات من مناقشات وما وصل أمانة سر المؤتمر من اقتراحات، يؤكد المؤتمر في بيانه الختامي على الخطوط العريضة والمفاهيم الأساسية الواردة في هذا البيان والتي تعكس رؤية الإمام الصدر للإنسان ومحوريته ضمن الكائنات، سيّما ما اتصل منها بكرامة الإنسان وحقوقه في الحرية والإرادة والفكر والعمل وممارسة المسؤولية والحياة الكريمة:

1- يتبنى المؤتمر جميع المضامين والتوصيات الواردة في الخطاب التاريخي للإمام الصدر والتي ألقاها بمناسبة الصوم الكبير في بيت من بيوت الله في كنيسة الآباء الكبوشيين - بيروت حيث استشرف فيها خلاص الإنسان والوطن من محنته. (راجع النص الكامل للخطبة في كلمات الافتتاح).

2- إن المؤتمر وانطلاقًا من رؤية الإمام الصدر للإنسان يدعو وبلسانه إلى "صيانة طاقات كل إنسان ووجوب صيانتها وتنميتها، والوقوف في وجه الاغتصاب لطاقات الإنسان ولنتائج تلك الطاقات" والتي "تظهر اليوم بصورة الاستثمار والاحتكار العالمي بحجة التقدم الصناعي أو عن طريق الحاجات المصطنعة التي تُفرض على الإنسان من خلال وسائل الإنتاج".

3- ويرى المؤتمر أن الحرية والتي هي بلسان الإمام الصدر "المناخ الملائم لنمو طاقات الإنسان وبروز مواهبه عند توفير الفرص مهددة دائمًا من خلال سلب حرية الإنسان وإخضاع طاقات الفرد والمجتمع للحجم الذي يقدمه الغاصب للحرية": لذلك لا بد من مواجهة غاصبي حرية الإنسان ندافع عنه ومعه وعن طاقاته وكرامته، ومواجهة الإرهاب الفكري، والوصاية على الإنسان.

4- كما ويؤكد المؤتمر وفي غمرة الاستهداف للوطن العزيز لبنان أنه وبلغة الإمام الصدر: "إذا أردنا أن نصون لبنان، إذا أردنا أن نمارس شعورنا الوطني، إذا أردنا أن نمارس إحساسنا الديني من خلال المبادئ التي عرضت، فعلينا أن نحفظ إنسان لبنان، ومناطق لبنان، لأن إنسان لبنان أمانة في عنقنا وفي عنق المسؤولين والجنوب الأمانة الأساس التي يجب أن تحفظ بأمر من الله وبأمر من الوطن، لأن حفظ وطننا ليس حفظًا لله ولا لإنسانه إنما يجب حفظه للإنسانية جمعاء".

5- يدعو المؤتمر أصحاب القدرة والقرار في القطاعين العام والخاص إلى التحرّك الفاعل والسريع لضمان حقوق المحرومين في نيل حاجاتهم الصحية والتربوية والإنسانية وصيانة كرامة الإنسان بغض النظر عن معتقده أو انتمائه أو عمره أو جنسه. فالمؤتمر، وانطلاقًا من نصوص الإمام الصدر، يعي اشتداد محنة الإنسان "عندما نسينا الهدف وابتعدنا عن خدمة الإنسان"، كما يقرأ بعين القلق والاحتجاج تقارير التنمية البشرية وأوضاع المناطق المنسيّة في أكثر من منطقة، والتي تشير إلى تنامي مؤشرات الفقر والبطالة رغم تحسن أداء الاقتصاد الوطني عمومًا، الأمر الذي يعكس اختلالًا في تقاسم العوائد، ويشكل خطرًا أكيدًا على بنية المجتمع ويخدم المصالح الخاصة مما يهدد الاستقرار الاجتماعي والكرامة الإنسانية. كما يرحب المؤتمرون في التفات الحكومة الجديدة إلى أولويات الناس، ويأملون في أن ينعكس ذلك خيرًا ملموسًا وسريعًا على أوضاع الفئات الأولى بالرعاية.

وانطلاقًا من ذاك يؤكد على المقررات التالية:

1- دعوة الفعاليات الاجتماعية والثقافية ومراكز الأبحاث ووسائل الإعلام إلى تسليط الضوء على سيَر القادة المعتدلين في لبنان" بلد اللقاء، بلد الإنسان"، بحيث يتاح للناس أن يتعرفوا على ما فيها من مساحات مضيئة وعبَر وأفكار تنويرية وإصلاحية.

2- الدعوة ممتدة أيضًا إلى المراكز التربوية وواضعي السياسات التربوية حتى يصار إلى تضمين المناهج الدراسية والأكاديمية مقررات تتناول النتاج الحواري وتجارب الانفتاح والتواصل والإصلاح، تأكيدًا لقول الإمام الصدر: "فبقدر ما صنّا طاقات الإنسان ونمّيناها بقدر ما كرّمناه وخلّدناه".

3- دعوة مراكز الأبحاث والمهتمين إلى تبنّي مشروع القيام بدراسة وافية لنقل فكر الإمام الصدر وتجربته من إطار الثقافة الخاصة إلى الثقافة العامة، وتخصيص الموارد الضرورية لتظهير المشروع ونشره حسب معايير الجودة والفعالية انطلاقًا من شخصيته الجامعة وندائه: "فلنلتقِ على الإنسان، على صعيد الإنسان، إنساننا في بيروت، وإنساننا في الجنوب، وإنساننا في الهرمل، وإنساننا في عكار، وإنساننا في ضواحي بيروت، في الكرنتينا وحي السلم".

4- يرحب المؤتمر بتضمين البيان الوزاري للحكومة اللبنانية الجديدة مضاعفة جهودها في متابعة قضية تغييب الإمام الصدر وأخويه الشيخ محمد يعقوب والصحافي السيد عباس بدر الدين، من أجل التوصل إلى تحريرهم ومعاقبة المسؤولين الليبيين وغير الليبيين عن جريمة إخفائهم المتمادية في ليبيا... ومنفذيها والمتورطين بها استنادًا إلى ادعاء النيابة العامة التمييزية في الثاني من آب 2008 والقرار الاتهامي الذي أصدره المحقق العدلي في الواحد والعشرين من آب 2008. ويتوقع المؤتمر أن يجد ذلك البيان طريقه السريع إلى المتابعة والتنفيذ بدءًا بوضع الآلية المناسبة، بما يعنيه ذلك من توضيح الخطوط العريضة لبرنامج تحركها والجهة أو الجهات المولجة بالمتابعة وآليات التنسيق والتعاون فيما بين تلك الجهات ومع الفعاليات المدنية والأهلية والمرجعيات القانونية الدولية، واتخاذ جميع الاجراءات الوطنية والدولية لتأمين سلامتهم وعودتهم إلى أهلهم ووطنهم.

ومن الله التوفيق وعليه الاتكال

مركز الإمام السيد موسى الصدر للأبحاث والدراسات