ومنذ وصول سماحة الإمام الصدر إلى ليبيا، وطيلة الأيام اللاحقة، لم يرد منه أي اتصال هاتفي أو رسالة أو خبر لأي كان في لبنان(1)، وذلك خلاف عادته في أسفاره. وكذلك حال أخويه، علمًا بأن أحدهما وهو الأستاذ بدر الدين صَحب الإمام الصدر في هذه الزيارة من أجل تغطية أخبارها في وكالته، وهذا الأمر لم يتحقق.
بعد أن تأخرت عودة الإمام الصدر وأخويه من ليبيا، واستمر الاتصال بهم منقطعًا، طلب المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى من القائم بالأعمال الليبي في لبنان بتاريخ 4 شوال 1398هـ الموافق 6 أيلول 1978م معلومات في الموضوع، فماطل في إجابة الطلب أربعة أيام عرض بعدها المجلس الموضوع على رئيس الحكومة اللبنانية الدكتور سليم الحص الذي استدعى على الفور القائم بالأعمال الليبي بتاريخ 10 أيلول 1978م وأكد له الطلب رسميًا وبصورة مستعجلة. فأجابه ظهر اليوم التالي «أن الإمام الصدر ومرافقيه غادروا ليبيا مساء يوم 28 رمضان 1398هـ الموافق 31 آب 1978م إلى روما على متن طائرة الخطوط الجوية الإيطالية (الرحلة رقم 881)».
نظرًا لما أثاره هذا الجواب من قلق، حاول رئيس الجمهورية اللبنانية الأستاذ الياس سركيس بتاريخ 12 أيلول 1978م الاتصال هاتفيًا بالقذافي، لاستيضاحه في الموضوع وإبلاغه أن ضيوفه لم يصلوا إلى وطنهم ولم يظهروا خارج ليبيا، إلا أن هذه المحاولة لم تنجح بالرغم من تكرارها مرارًا في اليوم ذاته، فالمتكلم الليبي على خط الهاتف المطلوب في طرابلس الغرب كان يجيب أن القذافي غير موجود على هذا الخط وكان يعطي رقمًا آخر وكان هذا الرقم يطلب دون جدوى...
أما رئيس الحكومة اللبنانية فقد تمكن من الاتصال هاتفيًا في اليوم ذاته برئيس الحكومة الليبية الرائد عبد السلام جلود الذي استمهل في بادئ الأمر للإجابة، ثم أجاب في مخابرة لاحقة مكررًا الجواب الذي قدّمه القائم بالأعمال الليبي، ومضيفًا «إن الإمام لم يكن راضيًا وغادر ليبيا دون إعلام الجهات الرسمية بموعد سفره ليجري وداعه رسميًا. وأن أحد الموظفين السيد أحمد الحطاب شاهد سماحة الإمام صدفة أثناء وجوده في مطار طرابلس الغرب فودّعه».
لدى استقصاء أخبار سماحة الإمام، بسؤال العائدين من ليبيا(2) بعد حضورهم احتفال «الفاتح من سبتمبر»، تبين:
* أنه كان في استقبال سماحته عند وصوله إلى مطار طرابلس الغرب السيد أحمد شحاتة رئيس مكتب الاتصال الخارجي في الأمانة العامة لمؤتمر الشعب العام.
* أن سماحته مع مرافقيه حلّوا ضيوفًا على الأمانة العامة لمؤتمر الشعب العام ونزلوا في فندق الشاطئ بطرابلس الغرب.
* أن السيد أحمد شحاتة أجرى مباحثات مع سماحته بتاريخ 26 و27 آب 1978م، وفي إحدى جلسات هذه المباحثات أجرى التلفزيون الليبي تصويرًا وسجل حديثًا لسماحته، لكن هذا التسجيل لم يبث.
* أنه سُجل حديث طويل لسماحته عن الشؤون اللبنانية والعربية الراهنة، من أجل بثه في إذاعة الوطن العربي في الجماهيرية، إلا أن إذاعة هذا الحديث مُنعت.
* أنه منذ وصول سماحته إلى طرابلس الغرب بتاريخ 25/8/1978م كان ينتظر إبلاغه موعد اجتماعه بالقذافي، وكان قد أبلغ عن اضطراره للسفر إلى باريس قبل 1/9/1978م.
* إن مرافقي سماحة الإمام كانا ينويان السفر إلى باريس. ولذا طلب أحدهما السيد عباس بدر الدين من القائم بالأعمال اللبناني في ليبيا بتاريخ 29/8/1978م تأمين تأشيرة له لدخول فرنسا. أما سماحته والشيخ محمد يعقوب فكانا حائزين تأشيرتين صالحتين من السفارة الفرنسية في بيروت.
* ان سماحته ومرافقيه شوهدوا معًا يخرجون من فندق الشاطئ حوالي الساعة الواحدة من بعد ظهر يوم 31/8/1978م ليستقلوا السيارات الموضوعة بتصرفهم، من أجل الانتقال للاجتماع بالقذافي الذي أكد فيما بعد أنه كان حدد موعدًا لهذا الاجتماع في الساعة الواحدة والنصف من بعد ظهر اليوم نفسه، وأن الاجتماع لم يتم وأن سيادته أُبلغ أن سماحته سافر.
إنتشر خبر اختفاء الإمام الصدر وأبرزته الصحف اللبنانية في صفحاتها الأولى بتاريخ 12 أيلول 1978م، وتناقلته الإذاعات ووسائل الإعلام العالمية، ولوحظ أنه في هذا التاريخ أوردت إحدى الصحف اللبنانية الوثيقة الصلة بالسلطات الليبية الخبر تحت عنوان «هل لأحداث إيران علاقة بهذا اللغز؟» وأدرجت هذه الصحيفة في متن الخبر أسبابًا تعلل بها التوجه نحو إمكانية علاقة القضية بأحداث إيران. كما لوحظ أن وكالة الأنباء الكويتية أوردت في نشرتها بالتاريخ ذاته أن الإمام الصدر موجود منذ بضعة أيام في إيران، ونسبت هذا الخبر إلى مصادر رسمية ليبية، وتبين أن مصدر هذا الخبر هو مدير مكتب وكالة الجماهيرية الليبية للأنباء في بيروت.
_______________________
(1) الاتصال الوحيد مع الخارج كان عبر رسالة خطية بعث بها الإمام إلى عائلته في فرنسا مع صديقه اللبناني نزار علي يعلمهم بموعد قدومه إلى فرنسا في الثاني أو الثالث من أيلول.
(2) منهم السادة بشارة مرهج، اسعد المقدم، طلال سلمان، منح الصلح، محمد قباني، بلال الحسن، محمد سلمان إضافة إلى نزار فرحات القائم بالأعمال اللبناني في ليبيا.