إن المدعي العام، بعد الاطلاع على ملف قضية اختفاء الامام الشيعي موسى الصدر ورفيقيه محمد شحادة يعقوب وعباس بدر الدين، وبعد الاطلاع على الادعاء بحق مجهولين، كما هو مذكور في الملف،
تبين
أنه بموجب تقارير مؤرخة في 18 و20 و 24 و 25و 27 أيلول 1978 و 17 تشرين الأول 1978 والأيام اللاحقة، صادرة عن إدارة الشرطة في روما وعن فصيلة الشرطة في مطار "فيومتشينو"، وسنداً لأخبار وزعتها وكالات الأنباء، علمت النيابة العامة للجمهورية في روما أن إمام الشيعة في لبنان موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد شحادة يعقوب والصحافي عباس بدر الدين وصلوا ليبيا في 25 آب 1978، بزيارة رسمية، وانقطعت أخبارهم بعد ذلك.
وأن السلطات الحكومية الليبية أجابت على استيضاح السلطات اللبنانية بالموضوع، أن الامام ورفيقيه غادروا ليبيا قاصدين ايطاليا بتاريخ 31 آب 1978 على متن طائرة أليطاليا (الرحلة 881) في الساعة الثامنة مساء، وان السلطات الليبية لم تتلق أي علم مسبق بهذه المغادرة التي تمت بالرغم من أن رئيس الدولة القذافي كان قد حدد موعداً في الساعة الواحدة والنصف من بعد ظهر ذات اليوم (31 آب) لاستقبال الامام الذي لم يحضر في هذا الموعد.
وانه بمقتضى الافادات المثبتة في الملف، وخاصة إفادات نزار فرحات القائم بالأعمال اللبناني في طرابلس ونزار علي وزوجة الامام وشقيقته، فإن الامام كان ينوي، بعد إنجاز مهمته في ليبيا، أن يتجه إلى فرنسا للقاء زوجته التي كانت تعالج فيها، ولم يكن يوجد أي سبب معلوم أو منطقي لاحتمال سفره باتجاه ايطاليا سوى سبب وحيد هو توقف الطائرة في ايطاليا بطريق باريس عند عدم توفر طائرة تنتقل من طرابلس مباشرة إلى باريس.
وانه بالتحقيق لدى السفارة الفرنسية في طرابلس، تبين أنها منحت الامام ويعقوب تأشيرة دخول إلى فرنسا.أما عباس بدر الدين فكان قد سلّم جواز سفره إلى نزار فرحات ليؤمّن له تأشيرة الدخول إلى فرنسا. وعندما أمّن فرحات هذه التأشيرة، ترك جواز بدر الدين في فندق الشاطىء حيث كان الثلاثة ينزلون، وحصل ذلك بعد الساعة 12 من يوم 31/8/1978.
وانه بالتحقيق لدى السفارة الايطالية في طرابلس، اتضح أنه في ذات اليوم أي 31/8/78 وحوالي الساعة 12 مُنح الامام والشيخ يعقوب تأشيرة دخول إلى ايطاليا، وحصل طلب التأشيرة من قبل مأمور ليبي وبدون "الطلب الخطي" المألوف. وتبين أنه لم يرد إلى السفارة الايطالية أي طلب تأشيرة من عباس بدر الدين.
بتاريخ 24 أيلول 1978 علمت النيابة العامة للجمهورية في روما أنه عُثر في فندق "هوليداي إن" في روما على حقائب وجوازي سفر الامام والشيخ يعقوب. وعلمت أيضاً أنه بتاريخ أول أيلول 1978وحوالي منتصف النهار طلب شخصان عرّفا عن نفسيهما أنهما الامام والشيخ يعقوب، إشغال غرفتين في الفندق المذكور وأُعطيا الغرفتين رقم 701، 702 ، ودفعا الحساب سلفاً لمدة أسبوع ابتداءً من أول أيلول وانتهاءً بـ 8أيلول 1978. وأن واحداً منهما كان يرتدي لباساً دينيا. وبعد أن شغلا الغرفتين لفترة عشر دقائق، رحلا ولم يعودا. وأن الشخص الذي كان يرتدي لباساً دينياً عند قدومه ، خرج مرتدياً لباساً مدنياً.
وتبين أيضاً:
أ- أن رحلة طائرة أليطاليا رقم 881 من طرابلس إلى روما ليوم 31 آب 1978 كان محدداً موعدها في الساعة (20) مساءً، إلاّ أنها بدأت فعلاً حوالي الساعة (21)، أي بتأخير حوالي ساعة واحدة .
ب- أن الطائرة وصلت إلى روما في الساعة 23 والدقيقة 12.
ج- أن الشخص الذي عرّف عن نفسه بأنه عباس بدرالدين تقدم من مكتب الأمن العام في مطار "فيومتشينو" في الساعة 23 والدقيقة 35 من يوم 31 آب ذاته مصرحاً - خلافاً للحقيقة - بأنه ينوي الاقامة في فندق "ساتلايت"، وطلب تأشيرة دخول لمدة 48 ساعة لزيارة المدينة على أن يغادرها متابعاً سفره إلى مالطة في اليوم التالي أي بتاريخ أول أيلول على متن طائرة أليطاليا الرحلة 490 في الساعة 11 والدقيقة 40.
ولقد استجوبت الشرطة القضائية فوراً العاملين في فندق "هوليداي إن"، وأفراد طاقم طائرة أليطاليا للرحلة 881 ليوم 31 آب 1978، ومأمور الأمن العام العريف زوطو دوناتو Zotto Donato الذي كان قائماً بوظيفته في مكتبه بالمطار ومنح تأشيرة دخول مؤقت إلى الشخص الذي عرّف عن نفسه بأنه عباس بدر الدين.
لقد نفى العاملون في فندق "هوليداي إن" أن يكون للشخصين اللذين نزلا في الفندق المواصفات الجسدية وملامح الوجه التي هي للامام وللشيخ يعقوب. وظهرت إفاداتهم معبّرة بصورة خاصة وقاطعة على أساس الاعتبار أنه بالتأكيد كانت ستبقى مدموغة في أذهان العاملين في الفندق البنية الجسدية العفية والقامة المميّزة للامام (طوله 190 سنتم) وكذلك وجهه الذي يظهر عليه لحية وشاربان.
ونفى أيضاً بشكل قاطع، أفراد طاقم طائرة أليطاليا للرحلة 881 ليوم 31/8/78، عند استجوابهم بعد أيام قليلة من نبأ اختفاء الثلاثة ، أن يكون شخص له مواصفات الامام المميزة قد سافر على متن الطائرة في تلك الرحلة.
وكذلك نفى العريف زوطو دوناتو أن يكون الشخص الذي عرّف عن نفسه بأنه عباس بدر الدين، هو ذاته بدر الدين الحقيقي الذي عرضت عليه صورته من قبل المحققين.
وبالاستناد إلى العناصر الرئيسية الدقيقة المذكورة أعلاه ، طلب المدعي العام للجمهورية بتاريخ 10/5/1979 من قاضي التحقيق ( وهذا قرر بتاريخ 7/6/79) حفظ القضية بافتراض أنه ثبت عدم حصول أية جريمة في ايطاليا بحق الامام ورفيقيه.
ومن ثم، وبموجب مذكرة مؤرخة في شباط 1980 ، طلب المكتب الشعبي للجماهيرية الليبية في روما من المدعي العام إجراء تحقيق إضافي بالقضية. وأرفقت هذه المذكرة بنسخة عن تحقيق - لم يبدأ إلاّ بتاريخ 3 تشرين الثاني 1979 - أجرته الشرطة الليبية وارتكز بصورة خاصة على الاستماع إلى شهود ليبيين وشاهد واحد موريتاني اعتبروا أن بإمكانهم أن يشهدوا أن الامام ورفيقيه غادروا فعلاً الاراضي الليبية مساء 31 آب 1978على متن طائرة أليطاليا الرحلة 881.
وبعد أن قُبل الطلب، أجرى المدعي العام للجمهورية تحقيقاً أولياً دقيقاً ومعقداً، فاستمع بصورة خاصة إلى شهود عديدين لبنانيين وليبيين وفقاً لما ورد في تحقيقات كل من البلدين.
وبتاريخ 23 أيلول 1981 أُحيلت إلينا الأوراق للتعجيل في التحقيق والتعمق به. وبالفعل تمّ إجراء تحقيقات إضافية تضمنها القسم الخامس طيه.
بناء على ما تقدم، يلاحظ المدعي العام أن اختفاء الامام ورفيقيه يفترض احتمالين :
1- أن الاختفاء حصل في ايطاليا.
2- أن الاختفاء حصل في ليبيا، إذا ثبت (أو افترض ثبوت) أن الأشخاص الثلاثة المختفين لم يغادروا البلد المذكور. وهذا الاحتمال الأخير يجري تحليله هنا على أساس مبدأ الصلاحية الاقليمية لقانون الجزاء، وبشكل عرضي فقط، أي ضمن الحدود اللازمة للتدقيق السلبي في الاحتمال الأول.
يدقق في الاحتمال الأول، لأسباب الوضوح، وبالرجوع الزمني، فيتبين:
أولاً- أنه ثابت بصورة أكيدة قاطعة وبناءً على وقائع موضوعية، أن لا الامام ولا الشيخ يعقوب ولا حتى الرفيق الآخر عباس بدر الدين وصلوا إلى فندق " هوليداي إن" في أواخر صباح يوم 1/9/1978 .
إن أدلة الثبوت القاطعة والأكيدة هي التالية :
1- إفادات العاملين في فندق " هوليداي إن "
يفهم من مجمل هذه الافادات أن عدة أشخاص حضروا صباح يوم 1/9/1978 إلى فندق "هوليداي إن". وأن واحداً منهم فقط كان يرتدي لباساً دينياً. وأن هذا الشخص وشخصاً آخر - بعد أن أبرزا جوازي سفر الامام ويعقوب - حجزا لمدة أسبوع الغرفتين رقم701 و 702. وأن يعقوب ملأ استمارة الفندق (بطاقة نزيل الفندق) باسمه وكذلك ملأ الاستمارة باسم الامام، ووقع الاستمارة العائدة له وحدها. وبعد أن شغل الشخصان الغرفتين لمدة عشر دقائق تقريباً، غادرا الفندق - مرتديين كلاهما ثياباً مدنية بالزي الاوروبي - ولم يعد يراهما أحد بعد ذلك. وأنهما لم يستعملا السريرين. وأنه بعد انقضاء الأيام السبعة المدفوع أجرها، فتحت الغرفتان وعثر على جوازي الامام ويعقوب متروكين على طاولة قرب السرير، كما عثر على أربعة حقائب.
من هذا العرض، يسهل جداً الاستنتاج، اكتفاءً بهذه الافادات، أن الشخصين اللذين نزلا الفندق باسم الامام ويعقوب، هما مزيّفان ، وبالحقيقة :
- نيكولوزي ليوناردو Nicolosi Leonardo لم يتعرف في صورة الامام التي أُبرزت أمامه إلى أي من الشخصين العربيين اللذين قدما في أول أيلول ، وذلك بالرغم من شكل الامام الفريد (قامته بطول190 سنتم، لحية كثيفة، لباس ديني وبنية جسدية عفية)، وبالرغم من أن الشاهد أدلى بإفادته بتاريخ 27/9/78 أي بوقت قريب من تاريخ الواقعة.
- كولانجيلو بياترو Colangelo Pietro صرّح بأنه لم ير إطلاقاً الشخص الماثل في صورة الامام التي عرضت عليه، بالرغم من شكل الامام الفريد، وبالرغم من أن الاستماع الى إفادته حصل في وقت قريب.
- زامبوكو مارغريتا Zambucco Margherita وصفت الشخص الذي كان يرتدي لباسا ً دينياً وعمامة بأن طول قامته يبلغ حوالي 175سنتم، والشخص الذي كان يرتدي ثياباً مدنية بأنه قصير القامة. ونفت أن يكون الشخص الأول ذات الشخص الظاهر في صورة الامام التي عرضت عليها، وذلك بالرغم من شكل الرجل الديني الفريد، وبالرغم من كونها أدلت بإفادتها في وقت قريب.
- تشادروني البيرتو Cedroni Alberto وصف الشخص الذي كان يرتدي لباساً دينياً وعمامة بأن طول قامته يبلغ180 سنتم تقريباً وأنه بدون لحية وبلا شاربين، ووصف الشخص الذي كان يرتدي ثياباً مدنية بأنه قصير القامة. ونفى إطلاقاً أن يكون الشخص الأول هو نفسه الذي يظهر في صورة الامام التي عرضت عليه.
- دورانتي جيوزيبي Duranti Giuseppe وصف الشخص الذي كان يرتدي لباساً دينياً بأن طول قامته يبلغ 175-180 سنتم تقريباً، وأنه بدون لحية وبلا شاربين، ووصف الشخص الآخر بأنه قصير القامة وله شاربان. ونفى بشكل قاطع أن يكون الشخص الأول مطابقاً لصورة الامام التي عرضت عليه، وبالرغم أيضاً من أن الاستماع إلى هذا الشاهد حصل في وقت قريب وأن شكل الامام فريد.
- هوبر زيغفريدو Huber Siegfrido نائب مدير الفندق صرّح - حسب ما بلغه عن لسان العاملين في الفندق- بأن الشخصين العربيين "يمكن أن يكونا بعمر واحد وهو ثلاثون سنة تقريباً". علماً بأن الامام من مواليد سنة 1928 ويعقوب من مواليد سنة 1948.
2- إفادات زوجة الامام وشقيقته وزوجة يعقوب ونزار علي:
- نفت الشاهدتان الأولتان أن يكون للامام ثياب مدنية. ونفتا أيضاً أن يكون ارتدى في أي وقت مثل هذه الثياب نفياً باتاً.
إذن فإن الشخص الذي قدم إلى فندق "هوليداي إن" مرتدياً لباساً دينياً، وغادره مرتدياً لباساً مدنياً أوروبياً، هو دجال ومزيف.
- أدلت الشاهدة الثالثة بإفادة مماثلة بخصوص يعقوب. إذن فإن الشخص الذي قدم إلى الفندق باسم يعقوب، وبلباس مدني أوروبي، هو دجّال .
- ونفت أيضاً الشاهدة الثالثة أن تكون استمارتا الفندق مكتوبتين بخط يد زوجها. كما نفت أن يكون التوقيع باللغة العربية المذيل به الاستمارة المنظمة باسم زوجها، عائداً له. إذن فإن الشخص الذي ملأ الاستمارتين بخط يده ، هو مزيف.
- الشاهد الرابع أكد أنه كان موجوداً في طرابلس يوم 30 آب 1978 وكان عليه أن يسافر في اليوم التالي إلى باريس، فاجتمع بصديقه الامام الذي طلب منه أن يبلغ ابنه وزوجته الموجودين في باريس أنه سيصل إلى هذه المدينة، في أبعد حد، بتاريخ2-3 أيلول 1978.
إذن فإنه من المستحيل أن يكون الامام ذاته قد حجز للاقامة في فندق"هوليداي إن" لمدة أسبوع بكامله- من أول أيلول لغاية 7 أيلول- ومن جهة أخرى، لو كان الامام نفسه سيسافر في 31 آب وهو ذات يوم سفر نزار علي، لما كان بحاجة الى أن يبلغه الرسالة التي كلّفه بها.
3- استمارتا الفندق :
ملئت هاتان الاستمارتان بخط يد الشخص حامل جواز سفر يعقوب (كما هو ثابت) بإفادات: نيكولوزي ليوناردو- وكولانجيلو بياترو - ودورانتي جيوزيبي.
من الأكيد أن هاتين الاستمارتين مزورتان بفعل ملئهما وتوقيع إحداهما من قبل شخص هو غير يعقوب. وهذا يستنتج من :
- إفادة زوجة يعقوب المذكورة أعلاه.
- الخط الرديء الذي ملئت به الاستمارتان والذي لا يمكن أن يكون خط شخص حائز شهادة دكتوراه في الفلسفة وفقاً لما هو مدوّن في جواز سفر يعقوب.
- الأغلاط الانشائية الواضحة في كتابة اسمي الامام ويعقوب على الاستمارتين.
- عدم مطابقة توقيع يعقوب على إحدى الاستمارتين، مع توقيعه الظاهر على جواز سفره.
4- جوازا السفر :
عثر العاملون في الفندق على هاتين الوثيقتين موضوعتين بشكل ظاهر على طاولة قرب السرير في الغرفتين اللتين حجزهما الشخصان (إفادة هوبر Huber ).
وتبين من التدقيق في الوثيقتين المذكورتين، أن جواز سفر الامام الدبلوماسي قد جرى التلاعب فيه، وهذا التلاعب حصل في الصورة الفوتوغرافية. فالصورة الملصقة ليست فقط منتزعة جزئياً ، بل إن الخاتم الناشف المحفور عليها يظهر بشكل غير متلائم مع رسم الخاتم الموجود على الصفحة رقم3 من هذه الوثيقة. ومن جهة أخرى، يظهر من قفا الصورة أنها نزعت عن وثيقة أخرى بقيت آثارها على قفا الصورة. أما الصفحة رقم 3 من الجواز فتبدو خالية من آثار الانتزاع .
إن التدقيق في الوثيقتين يقودنا إلى اعتبار أنهما (أو على الأقل وثيقة الامام) استعملا من قبل شخصين انتحلا اسمي الامام ويعقوب. أو على الأقل جرى تزوير في جواز سفر الامام للتمكن من إبدال الشخص.
لقد ترك الجوازان مفتوحين ومعروضين بصورة واضحة، وعن قصد، على الطاولة قرب السرير في غرفة الفندق.
5- حقائب المختفين:
تبين من تفحص الحقائب ومحتوياتها :
- أن الوثائق والثياب والأغراض الخاصة بالامام، خلطت فيما بينها خلطاً فوضوياً.
- اختلطت ببعضها البعض، في الحقائب الأربعة، أغراض ووثائق الامام مع أغراض ووثائق يعقوب وبدر الدين، ووجدت بينها أغراض لآخرين مجهولين .
- إن حقيبة الامام الصغيرة، السوداء اللون، تحتوي أيضاً أغراضاً تخص بدر الدين (من بينها مجموعة صور فوتوغرافية له بحجم تذكرة الهوية، وأربع قطع تستعمل لتثبيت طرفي ياقة القميص الأوروبي الزيّ، ونظارة، وأوراق تحمل اسم الوكالة الصحفية التي تخص بدر الدين بالذات) وتحتوي أيضاً أغراضاً لأشخاص مجهولين (من بينها محفظة لونها بني وتظهر عليها صورة عربة وحصان، وورقة مكتوب عليها عنوان فندق "هوليداي إن" بخط ليس خط يد الامام ولا يعقوب حسب إفادات زوجة الامام وشقيقته وزوجة يعقوب).
- وجدت أمتعة بدر الدين بكاملها - حقيبة سمسونايت لونها رمادي غامق .
- إلاّ أنه كان من المفروض أن لا تكون موجودة مع الحقائب الأخرى في فندق "هوليداي إن"، لأن بدر الدين أو بالأحرى الشخص الذي انتحل اسمه لم يأت بتاتاً إلى هذا الفندق (انما صرّح للعريف زوطو ZOTTO في مطار فيوميتشينو أنه سينزل في فندق ساتلايت).
- وأيضاً في نفس حقيبة بدر الدين التي هي سمسونايت ولونها رمادي غامق، وجدت أغراض تخصّ الامام (عباءتان غامقتا اللون، وملفات تضم وثائق وصوراً فوتوغرافية للامام وأشخاص آخرين) وأغراض تخص يعقوب (بينها تذكرة هوية وصورة فوتوغرافية) وأغراض تخص مجهولين (على الأقل ربطة عنق بنّية اللون).
- إن بعض الأمتعة الأخرى، مثلاً الحقيبة ذات اللون البني الفاتح التي تخص يعقوب - وهي حقيبته الوحيدة - تحتوي على ثوب أبيض وقميص للباس داخلي لونه يميل للاصفرار، لا يخصان يعقوب، ولم تتعرف إليهما زوجته ولا زوجة الامام ولا شقيقته ولا زوجة بدر الدين وبالتالي فإنهما يخصان أشخاصاً مجهولين.
- لم يعثر على أمتعة أخرى تخص بدر الدين، لا سيما محفظة الوثائق (إفادة زهرة بدر الدين).
- وأخيراً إن ساعة يد الامام وضعت في أحد الطرود، وزجاجتها مكسورة وانتزع منها الطوق، ورقم الأيام فيها متوقف عند الرقم (1)، والعقارب متوقفة عند توقيت الساعة الواحدة والدقيقة 14.
من التدقيق في العناصر المذكورة أعلاه، وفي العناصر التي يلي ذكرها، يسهل الاستنتاج:
أ- أنه لم يصل بتاتاً إلى فندق " هوليداي إن" لا الامام ولا الشيخ يعقوب. كما لم يصل اليه أيضاً بدر الدين (بالرغم من أن إحدى الحقائب التي عُثر عليها تخصه).
ب- إن أشخاصاً مجهولين تعمدوا إظهار آثار الثوبين الدينيين في الفندق، بقصد الايهام بأن الاختفاء حصل في روما.
وفي الحقيقة، فإنه ليس منطقياً ولا طبيعياً،أن يُظهر خاطفون آثار المخطوفين (مثلاً الحقائب والوثائق الخ...) بدلاً من إخفائها.
وبنفس المعنى فإنه ليس لصالح الخاطفين المزعومين الاحتفاظ بساعة يد الامام المتضررة، سواء أكان هذا الضرر ناتجاً عن كسر حقيقي (وفي هذه الحالة لا يفهم لماذا يهتم خاطفون بالاحتفاظ بالشيء بدلاً من التخلص منه) أو كان القصد إظهار توقيت الاختفاء بالساعة واليوم، ومن أجل هذا القصد وضعت الساعة في الحقيبة!!....
يبقى افتراض ثالث -وهو أن يكون الضرر عفوياً في سببه وظروفه ووقت حصوله -إلاّ أن هذا الافتراض يتعارض مع التوقيت الظاهر في الساعة والذي يشير إلى اليوم "1" (أول أيلول؟).
ج- انه بالتالي، وبالنظر إلى الأفعال الحاصلة في فندق "هوليداي إن"، ارتكب في روما أشخاص مجهولون جرائم انتحال أسماء وتزوير خط خاص واستعمال جوازات سفر مزورة: بخصوص هذه الجرائم يصدر القرار الاعلاني (DECLARATOIRE ACTE) اللازم (تسطّر مذكرة تحرٍ دائمة).
ثانياً: إنه من الثابت بصورة جازمة أن اختفاء الامام ورفيقيه لم يحصل في فترة وجودهم المزعوم في روما، لا في ليل 31 آب 1978 ولا في الوقت اللاحق لغاية أواخر صباح يوم 1/9/1978 (وهذا التوقيت الأخير هو وقت الأحداث في فندق "هوليداي إن").
إن أدلة الثبوت هي الآتية :
1- إفادات طاقم طائرة أليطاليا ( الرحلة 881 بتاريخ 31/8/1978)
يستنتج من تدقيق هذه الإفادات، أن الامام لم يستعمل الطائرة إلى روما بتاريخ 31/8/1978. وكذلك رفيقاه.
وتظهر هذه الإفادات أيضاً مقنعة لسببين:
أ- لأن الإفادات فورية وضبطت خلال الفترة الواقعة بين19 و 25 أيلول 1978.
ب- لشكل الامام الفريد والمميّز .
وبصورة خاصة:
- اسطولفي أورلندو Astolfi Orlando المساعد في طائرة الرحلة 881، صرّح بأن عمله في الرحلة كان بصورة خاصة في قسم ركاب الدرجة الأولى (في مقاعد هذه الدرجة يسافر الامام ورفيقاه، وزُعم أنهم سافروا فيها).
لقد نفى هذا الشاهد، بصورة قاطعة،أن يكون راكب مثل الامام قد سافر في قسم الدرجة الاولى الذي يحتوي على 8 مقاعد.
قال اسطولفي إن راكباً بقامة الامام وبنيته، لا بدّ أن يلاقي صعوبة في ايجاد المقعد المناسب الذي يجب أن يتوجه إليه: لكن هذا لم يحصل.
عرضت عليه صورة الامام، فصرّح " مؤكداً " أن الامام لم يكن على متن الطائرة.
أما بخصوص يعقوب وبدر الدين فلم يستطع قول شيء.
- بيجي بيارو Bigi Piero المساعد في الرحلة في قسم الدرجة السياحية. صرّح أنه لم ير بين الركاب شخصاً له أوصاف وملامح الامام.
عرضت عليه صور الامام ورفيقيه، فلم يتعرف على أي واحد منهم في عداد ركاب الطائرة للرحلة المذكورة.
- كوتشياني ليتشيا Cociani Licia مضيفة الرحلة صرحت أنه أثناء صعود الركاب إلى الطائرة، كانت واقفة عند الباب الأمامي الذي دخل منه كل الركاب. وأنه لو كان بينهم شخص له بنية جسد الامام، لوجد صعوبة في الدخول، ولكان عليها أن تبتعد عن الباب، ولكن شيئاً من هذا لم يحصل. وفي أي حال، لم يكن في عداد ركاب الدرجة الاولى شخص له أوصاف الامام. ولو كان مثل هذا الشخص موجوداً لكان عليه أن يجلس في الصف الأمامي أو في الصف الأخير.
ونفت نفياً قاطعاً، وبكل تأكيد، عند عرض صورة الامام عليها، أن تنطبق أوصافه وملامحه على أي من الركاب. ولم تقل شيئاً بخصوص رفيقيه.
- كونتينو سارجيو Contino Sergio المساعد في الرحلة في قسم الدرجة السياحية صرّح بأنه لم ير بين الركاب شخصاً يشبه الامام. ونفى أن تكون أي من صور الأشخاص الثلاثة التي عرضت عليه مطابقة لأي من الركاب. وأكّد قائلاً أنهم لو كانوا موجودين، لكان "لاحظهم" ولكان "تعرّف عليهم بدون شك" بموجب الصور الفوتوغرافية. وقال أنه عادة عندما يوجد راكب ذو بنية كبيرة وجسيمة، فإنه يجلس في مقعد خاص.
- بانيولو روبير ريشار Bagnulo Robert Richard المساعد في الرحلة في الدرجة السياحية. قال إنه "لم يلاحظ" أي راكب مثل الامام. لا بل "نفى" وجوده، وقال " لو كان موجوداً شخص له هذه القامة الطويلة ويرتدي هذا الشكل من اللباس، لبقي مطبوعاً في ذهني". وعند عرض الصور الفوتوغرافية للأشخاص الثلاثة عليه، نفى أن يكون أي منهم بين الركاب.
2- إفادات الموظفين في مطار "فيومتشينو" والراكبين "فالنتي" Valente و"دونسلمان Dunselman":
- كردونة اندريا Cardone Andrea وماندرونة كارمينه Mandrone كانا مولجين بتدقيق جوازات السفر مساء يوم 31 آب 1978 في مطار "فيومتشينو". ولقد نفيا، بشكل قاطع، أن تكون صورة أي من الامام ورفيقيه مطابقة لأي من الأشخاص اللذين دققا جوازاتهم خلال خدمتهما .
- فيديله الفريدو Fedele Alfredo موظف في إدارة الجمارك.
أكّد أنه كان يؤدي خدمته في المطار- في قسم التدقيق والمراقبة في الجمارك- وذلك للفترة الممتدة من الساعة 18 من مساء يوم 31 آب لغاية الساعة الثامنة من صباح اليوم الأول من شهر أيلول 1978، وأنه كان الموظف الوحيد المسؤول عن كامل قسم الرحلات الدولية.
نفى هذا الشاهد، بصورة قاطعة وجازمة، أن يكون قد مرّ أمامه أي من الأشخاص الثلاثة المعنيين الذين عرضت عليه صورهم (هذا مع العلم بشكل الامام الفريد والمميّز).
وعزّز إفادته بواقع كونه يجيد اللغة العربية حيث أنه أقام لمدة طويلة في القاهرة، وبقوله أن من عادته أن يخاطب بهذه اللغة المسافرين العرب الذين كانوا يمرّون أمامه.
- فالنتي الساندرو Valente Alessandro ودونسلمان جوزفينDunselman Josephine، وهما راكبان في الرحلة المذكورة. لقد نفيا أن يكونا شاهدا على متن الطائرة شخصاً له مواصفات الامام.
كل هذه الافادات - وخاصة إفادة فيديله Fedele - التي ضبطت بصورة فورية خلال الفترة الواقعة بين العشرين والثالث والعشرين من شهر أيلول سنة 1978، تشكل أدلة ثبوت مثلما هي الافادات المذكورة في الفقرة (1)أعلاه.
3- إفادة العريف في الأمن العام زوطو دوناتو Zotto Donato :
حضر أمام العريف زوطو المسؤول عن تدقيق جوازات السفر في مطار "فيومتشينو"، في الساعة 23 والدقيقة 35 من ليل 31/8/1978، شخص ادعى أنه عباس بدر الدين، وأبرز تذكرة سفر بالطائرة إلى مالطا ( الرحلة بتاريخ 1/9/87 على متن طائرة أليطاليا برقم490) وطلب إذن إقامة في ايطاليا لمدة 48 ساعة، وأُعطي الاذن بعد أن صرّح بأنه سوف ينزل في فندق "ساتلايت ".
وأفاد زوطو - بتاريخ 19و20 أيلول 1978 - أن الشخص الذي حضر أمامه كانت ملامحه تنطبق على الصورة الفوتوغرافية الملصقة على جواز السفر، وأنه لا يذكر ملامح الشخص الذي طلب منه إذن الاقامة، وأنه " لا يذكر بتاتاً أنه رأى" شخص بدر الدين الحقيقي الذي عرضت عليه صورته من قبل المحققين، ولا يذكر أنه كان للشخص الذي حضر أمامه شاربان (بدر الدين الحقيقي صورته بشاربين).
وبعد التحقيقات التي جرت، بما فيها التحقيق المباشر من قبل هذه الدائرة، في فندق "ساتلايت"، ولدى قسم إدارة الشرطة في روما المختص بإقامة الأجانب، ثبت عدم إقامة أي شخص باسم " بدر الدين عباس " أو " عباس بدر الدين " في ليل 31 آب وبعده، في فندق "ساتلايت" أو في أي فندق آخر في روما.
وبعد التحقيق لدى شركة مالطا للطيران ولدى شركة أليطاليا، تبين أنه لم يسافر أي شخص باسم "بدر الدين عباس" أو "عباس بدر الدين" إلى مالطا على متن طائرة أليطاليا الرحلة490،لا في أول أيلول 1978 ولا في باقي أيام الأسبوع الاول من أيلول .
تأكّدت هذه النتائج وثبتت نهائياً بمذكرة مكتب الاستعلام والتحقيقات الأمنية العامة في روما (DIGOS) تاريخ 12/12/1981، وبتحقيقات أجريت في مالطا بطلب من المكتب المذكور وثبت بنتيجتها عدم مجيء عباس بدر الدين إلى مالطا في الفترة المعنية .
لذلك فإن الشخص الذي حضر أمام العريف زوطو في الساعة 23 والدقيقة 35 من ليل 31 آب 1978، باسم وبجواز سفر بدر الدين، هو شخص دجال ومزيّف.
ومن ناحية أخرى، وكما رأينا، لا طاقم الطائرة في الرحلة 881 ولا الموظفون في مطار "فيومتشينو" شاهدوا أو صادفوا بدر الدين.
إذن، فإن شخصاً مجهولاً أعطى عنواناً مزيفاً ( فندق ساتلايت) وزيّف في مطار "فيومتشينو" آثاراً لبدر الدين الحقيقي، ومن أجل التضليل ادعى أنه سوف يسافر إلى مالطا - منذ ذلك الوقت أي في الساعة 23.35 من ليل 31/8/78 (وهو وقت إعطاء إذن الاقامة من قبل زوطو) - وذلك لإبعاد آثاره عن آثار الشخصين الآخرين اللذين انتحلا اسمي الامام ويعقوب لدى فندق "هوليداي إن".
وبالرغم من كل ذلك ، فإن عدة أغراض (مثل صور فوتوغرافية ووثائق وثياب وحاجيات شخصية) وحتى إحدى الحقائب، تخص كلها بدر الدين، ظهرت في فندق "هوليداي إن". وكل هذا، وهو واضح ، يظهر سوء إخراج عملية إظهار افتراق بدر الدين عن الشخصين الآخرين. ويبدو أن الدجالين المجهولين أهملوا أو سهوا عن هذه النقطة التفصيلية.
ومن ناحية أخرى، وحسب ما تبين من إفادات زوجات المختفين لم يكن يوجد أي سبب لافتراق الأشخاص الثلاثة، وبالضبط في ايطاليا. هذا مع العلم بأن الصحافي بدر الدين كان يتبع بصورة رسمية الامام في كامل الرحلة.
4- عدم وجود آثار للمختفين الثلاثة في ليل 31 آب 1978 :
ثبت أن ثلاثة أشخاص، باسم الامام ورفيقيه، استعملوا الرحلة 881 من طرابلس إلى روما. هذه الرحلة انتهت في الساعة 23.12 في ليل 31 آب 1978. ومنذ هذا الوقت لغاية أواخر صباح اليوم الأول من أيلول 1978 ( وهو وقت القدوم إلى فندق "هوليداي إن") ضاعت آثار الامام المزعوم ويعقوب المزعوم. بينما بدر الدين المزعوم ترك آثاراً له حتى الساعة 23.35 من نفس ليل 31 آب، وهو الوقت الذي طلب فيه واستحصل من العريف زوطو على الاذن بالاقامة.
على ما تقدم، يرى المدعي العام أنه بالنسبة لهذه النقطة، يوجد احتمالان اثنان فقط:
الاحتمال الاول : أن يكون القادمون في الرحلة 881 والنازلون من الطائرة هم الامام الحقيقي ورفيقاه الحقيقيان.
الاحتمال الثاني: أن يكون النازلون من الطائرة ثلاثة دجالين مزيفين .
فإذا افترضنا الاحتمال الاول صحيح، فإنه لا يُفهم ولا يُفسر تعمد الامام الحقيقي ورفيقيه - بملء إرادتهم - إضاعة آثارهم. ولا يظهر من الوثائق أي سبب حقيقي أو معقول لتعمد الثلاثة الاختفاء ليل 31آب ليظهر صباح أول أيلول إثنان منهم فقط في فندق "هوليداي إن".
يجب علينا أيضاً أن نضيف أن زوجة الامام وشقيقته أكدّتا أن الامام عندما كان يسافر، كان يُعلم مسبقاً السلطات اللبنانية عن المكان المقصود، وإن هذه السلطات كانت تجري اللازم لاستقباله. حتى بهذا الصدد، لا يمكن بصورة موضوعية الأخذ بأن اختفاء الثلاثة في ليل 31 آب هو اختفاء إرادي.
ورّب معترض يقول باحتمال اختطاف الثلاثة فور نزولهم في روما أو - على كل حال - خلال ليل 31 آب، وبذا يفهم عدم وجود آثار لهم في ليل وصولهم إلى روما.
إن هذا الاعتراض خال من الأساس المنطقي، وهو من الناحية الموضوعية:
أ- يتناقض بصورة رئيسية، مع أدلة الثبوت في النقاط السالف ذكرها.
ب- يتناقض مع أمر ثابت هو أن وجود الأشخاص الثلاثة في روما، إذا حصل، فهو وجود غير أكيد، ولمدة قصيرة، وبصورة خاصة يكون وجود صدفة (مرة أخرى نشير إلى واقع أن افتراض توقفهم المؤقت في روما محصور في حالة واحدة هي حالة عدم وجود طائرة تنقلهم من طرابلس مباشرة إلى باريس).
فهذا الوجود الاحتمالي، بشروطه المذكورة، لا يوفّر مطلقاً الامكانية لأشخاص مجهولين موجودين وعاملين في روما بأن يقرروا وينظموا وينفذوا عملية معقدة جداً ومحفوفة بالمخاطر كعملية اختطاف الأشخاص الثلاثة.
وإن إمكانية كهذه، تفترض بالضرورة، أن يكون مجهولون آخرون عاملون في طرابلس قد أبلغوا بالسرعة القصوى الاشخاص العاملين في روما لينفذوا عملية الاختطاف: وبدون أن ندخل في تفاصيل إضافية، فإن صعوبات جمة كانت ستعترض الاتصال بينهم، لأنه- حسبما اتضح من الوثائق - كانت الاتصالات الهاتفية الدولية من طرابلس إلى الخارج صعبة جداً، وإثباتاً لذلك نعلم أن الاشخاص الثلاثة لم يتمكنوا من الاتصال هاتفياً بعائلاتهم.
الحقيقة إن الأدلة الثبوتية المذكورة أعلاه - وكلها تصب في نفي احتمال سفر الامام ورفيقيه إلى ايطاليا نفياً قاطعاً - هذه الأدلة تتناقض مع الافادات الحاصلة في ليبيا على يد شرطة الأمن في البلد المذكور:
أ- المرغني التومي سائق سيارة مكتب البروتوكول في وزارة الخارجية الليبية، صرّح للشرطة الليبية بأنه في 31 آب 1978، وعند الغروب، رافق شخصياً الامام ورفيقيه إلى المطار. وأن الامام وحده كان يرتدي لباساً دينياً، أما رفيقاه فكان لباسهما بالزي الاوروبي. ثم أمام هذه النيابة العامة صرح بأن أحد الرفيقين كان يرتدي لباساً دينياً.
ب- أحمد الحطاب مسؤول عن التسهيلات للرسميين في مطار طرابلس - صرح أنه استقبل الامام ورفيقيه في الساعة 19.20في المطار، وتسلّم جوازات سفرهم، وتدخل لدى الهادي الصداوي ليؤمن للاشخاص الثلاثة السفر بمقاعد الدرجة الاولى. وأنه أعاد اليهم جوازات سفرهم بعد صعودهم إلى الطائرة. وأكمل معاملاتهم كلها " بأقصى سرعة " لأن الطائرة كانت " على وشك الاقلاع حالاً"، "وانها بالفعل أقلعت بعد دقائق قليلة من الساعة20". وصرح أمام هذه النيابة العامة بأن جواز سفر الامام لونه أحمر.
ج- الهادي ابراهي الصداوي "تذكر" بأنه شاهد وصادف في مطار طرابلس الامام ورفيقيه، وبأنه اهتم بتأمين مقاعد لهم في قسم الدرجة الاولى. وأن اثنين منهم كانا يرتديان اللباس الديني.
د- عبد الرحمن محمد غويلا تذكر أنه بصفته ضابط شرطة في المطار ختم جوازات سفر الاشخاص الثلاثة اللبنانيين ، وأن أحمد الحطاب هو الذي قدم له هذه الجوازات.
هـ- أحمد مسعود صلاح رقيب في شرطة المطار. صرح أنه حوالي الساعة 20 مساء يوم 31 آب كان موجوداً "مقابل الممر الذي يوصل إلى الطائرة المسافرة إلى روما، والذي هو مخصص فقط لمرور المسافرين الحائزين قسيمة الخروج" .
وتذكر بأن " هؤلاء الركاب وصلوا بالضبط في الوقت وفي برهة وجيزة سبقت إقلاع الطائرة".
وتذكر أيضاً أن اثنين منهم كانا يرتديان ثياباً بالزي الاوروبي، وأن الثالث "الذي هو طويل القامة وله لحية" كان باللباس الديني.
و- ابراهيم خليفة عمر ملازم شرطة في المطار. قال إنه رأى الشخصيات اللبنانية الثلاث تتقدم الى الطائرة 881 بالمرور مباشرة من "قاعة الانتظار الرسمية" الى الطائرة ، وإن شخصاً واحداً بينهم كان يرتدي لباساً دينياً.
ز- محمد خليفة صهبون صرّح للشرطة الليبية بأنه سافر من طرابلس إلى روما في 31/8/1978 بالرحلة رقم 881 وبمقعد من مقاعد الدرجة الاولى ، وأن من بين رفاقه في الرحلة شخص طويل القامة كان يرتدي ثوباً دينياً، وأنه شاهد هذا الشخص ينزل في روما حاملاً حقيبة صغيرة. أما هو فإنه بعد وصوله الى روما تابع سفره فوراً في نفس الليلة الى بلدة "بسكارا".
ح- عيسى مسعود عبد الله المنصوري صرح للشرطة الليبية بأنه سافر في مقاعد الدرجة السياحية من طرابلس الى روما على متن ذات الطائرة وفي ذات اليوم المذكورين وأنه شاهد في البداية على متن الطائرة وبعدئذ في مطار "فيومتشينو" ثلاثة أشخاص بينهم شخص واحد طويل القامة، ذو لحية، ويرتدي لباساً دينياً. ولدى هذه النيابة العامة، صرح بأنه أقام في ايطاليا مدة أسبوعين: أسبوع في روما ثم خمسة أيام في بولونيا وباقي الأيام في روما. وأنه في بولونيا نزل في فندق قريب من الساحة الرئيسية للبلدة. أما في روما فقد أقام في بنسيون (نزل) "فابرلو" الكائن بشارع تشيسترونه أو ساحة كافور. وصرح للنيابة العامة ذاتها بأن اثنين من الثلاثة كانا يرتديان ألبسة دينية.
ط- محمد محمود ولد داده سفير موريتانيا في طرابلس، صرح أنه مساء يوم 31 آب 1978 و"داخل المطار "، وبينما كان موجوداً هو شخصياً بالقرب من المدخل الرئيسي لاحظ "شيخاً مميزاً ومحترماً " أثار انتباهه، وكان "يقف" الى جانب هذا الشيخ شخص موريتاني معروف من قبله هو (أي السفير). وبالرغم من أنه لم يسبق له أن شاهد الامام أبداً من قبل، فإنه تمكن من معرفة أنه الامام موسى الصدر، من الشخص الموريتاني أولاً، وثانياً لأن الامام شخص معروف كفاية.
وأكدّ الشاهد أنه كان موجوداً مساء يوم 31 آب 1978 في المطار، حيث كان برفقة الوفد الموريتاني المدعو للمشاركة في احتفالات الثورة الليبية بتاريخ الأول من أيلول.
ي- محمد علي الرحيبي ضابط ليبي في شرطة المباحث بعد أن حدّد بتفاصيل أنه في وقت اختفاء الامام لم يكن موجوداً في ليبيا بل كان في العربية السعودية حيث بقي فيها من 20 آب لغاية 4 أيلول 1978 صرح أنه بتاريخ 18 أيلول 1978 قدم إلى ايطاليا لإجراء تحقيق حول مصير الامام، وبعد اتصال بالسلطات الايطالية، ومن بين الأمور التي تحقق له معرفتها،أن جواز سفر الامام كان سليماً، وبصورة خاصة كانت الصورة الفوتوغرافية سليمة وكانت ملصقة في محلها وبشكل سليم.
إنما لا يمكننا إلاّ أن نشير إلى أن قناعة هذه الدائرة (النيابة العامة) ترتكز إلى أدلة ثبوت دامغة ومتطابقة بصورة دقيقة جداً فيما بينها سواء من الناحية المنطقية أم من الناحية الحسية الملموسة.
وبالتالي فإن مصادر الأدلة في التحقيق الليبي تثير شكوكاً غير قليلة. وبالفعل:
1- فإنه مقابل السرعة الفورية التي تحرك بها المحققون الايطاليون للحصول على أدلة ثبوتية، نلاحظ هنا لتأخر الحاصل في فتح التحقيق الليبي (بدأ هذا التحقيق بتاريخ 3 تشرين الثاني سنة 1979).
2- بذات المعنى المذكور في الرقم (1) أعلاه، فإن بعض الذكريات الدقيقة جداً تعود الى مساء 31 آب 1978 - الواردة على لسان بعض الشهود الليبيين ، تثير الشك .
3- مقابل هذه الذكريات البالغة الدقة ، وقع الشهود في تناقضات عديدة وفي أقوال افتقرت الى الدقة.
وبالفعل :
أ- الشاهد المرغني التومي: أكّد مرّة أن الامام وحده كان يرتدي لباساً دينياً. ثم في مرّة أخرى أكد أن يعقوب أيضاً كان يرتدي لباساً دينياً.إن تصريحه الأول لا ينطبق أبداً على إفادة زوجة يعقوب التي يتبين منها أن زوجها كان لا يرتدي ولا يقتني إلاّ الألبسة الدينية.
ب- الشاهد أحمد الحطاب: قال إنه أجرى المعاملات "بسرعة فائقة" لأن الطائرة كانت على وشك "الاقلاع فوراً". ولكن اتضح أن الطائرة غادرت المطار بتأخير مدة ساعة كاملة (أقلعت في الساعة 21). إذن لا يوجد تفسير لهذه "السرعة". كما لا يمكن تفسير تأخر الامام الراغب في السفر، بمغادرة فندق الشاطىء إلاّ إذا كان يتوقع تأخر الطائرة في الاقلاع (وهو أمر لم يكن بإمكانه العلم به مسبقاً)!!..
والقول عن مثل هذه " السرعة" لم يرد في إفادة السائق الذي زعم أنه قاد الامام الى المطار.
هذه الملاحظة بالذات،ترد أيضاً على إفادة الشاهد أحمد مسعود صلاح.
وقال الحطاب أيضاً أن لون جواز سفر الامام "أحمر" وهذا القول لا ينطبق على الواقع.
جـ- الشاهد الهادي ابراهي الصداوي : قال إن شخصين كانا يرتديان اللباس الديني، بينما قال الشاهدان أحمد مسعود صلاح وابراهيم خليفة عمران إن شخصاً واحداً فقط كان يرتدي لباساً دينياً، أما الشخصان الآخران فكانا يرتديان ألبسة بالزّي الأوروبي.
د- الشاهد عيسى مسعود عبد الله المنصوري قال للشرطة الليبية إن شخصاً واحداً فقط كان يرتدي اللباس الديني. ثم عاد فقال أمام النيابة العامة إن شخصين كانا يرتديان الألبسة الدينية.
وبالنسبة لهذا الشاهد أيضاً (الذي زعم أنه سافر في الدرجة السياحية على متن الطائرة ذاتها 881)، فإننا نلاحظ استناداً الى ما ثبت لنا من التحقيقات التي أجرتها هذه الدائرة أنه خلافاً لأقواله، فهو في الفترة موضوع التحقيق، لم يكن مقيماً في ايطاليا لا في روما ولا في مدينة بولونيا، ولا في أي مكان آخر فيها.
4- وذكريات الشاهد محمد خليفة صهبون تبعث على شك لا يستهان به، إنها ذكريات دقيقة جداً.
زعم هذا الشاهد أنه سافر مع الامام في ذات الرحلة، من طرابلس الى روما. ليس بوسعنا إلاّ أن نلاحظ، حسب ما ثبت من التحقيقات التي أجرتها هذه الدائرة ، أنه لم تحصل له إقامة في ايطاليا وبصورة خاصة في بلدة "بيسكارا".
5- وتأكيدات محمد علي الرحيبي تثير شكوكاً غير قليلة، وخاصة فيما يعود لقوله إن جواز سفر الامام كان سليماً بما في ذلك الصورة الفوتوغرافية إذ من الثابت، استناداً الى مصادر الشرطة الايطالية، بالاضافة الى الفحص الذي قامت به النيابة العامة ذاتها، أن الصورة الفوتوغرافية الملصقة على الجواز غير سليمة وتظهر مفارقات على النحو الذي سبق ذكره مراراً.
6- وأخيراً إن تصريحات الموريتاني محمد محمود ولد داده تثير الشك أيضاً.
وبالفعل، وبموجب مذكرة مؤرخة في11/11/ 1981 قدّمها وكلاء عائلة الامام، أبرزت صورة عن الصحيفة الموريتانية " الشعب" في عددها الصادر بتاريخ 31 آب 1978. تحتوي هذه الصحيفة على مقال عنوانه "وفد مهم في ليبيا". ورد في هذا المقال أنه صباح البارحة (أي بتاريخ30 آب) غادر الوفد الموريتاني الى ليبيا للمشاركة في الاحتفالات الليبية التي تقام بتاريخ الأول من أيلول.
إذن يوجد إثبات حسي للاعتقاد بأن هذا الشاهد لم يكن موجوداً في مطار طرابلس مساء يوم 31 آب، بل إن وجوده حصل بتاريخ اليوم السابق باعتبار أن سفر الوفد الموريتاني كان بالضبط في يوم 30 آب. وأن الشخص الذي شاهده في المطار لم يكن بكل تأكيد الامام موسى الصدر.
وأخيراً ، ودائماً بالنسبة لهذا الشاهد، فالملاحظ أنه لا يعرف الامام شخصياً، وأنه من الصعب الاعتقاد بأن الامام كان يستدعي لفت انتباهه وبالتالي ترسيخه في ذهنه، بالرغم من كون الامام شخصاً معروفاً ويسهل تمييزه جسدياً: خاصة وأن هذا الشاهد أدلى بافادته بعد سنة وثلاثة أشهر تقريباً من تاريخ الواقعة.
فيما خلا الجرائم المذكورة في الوقائع المبينة أعلاه ،
يتحصل بالضرورة مما تقدم - على أساس مبدأ اقليمية قانون العقوبات - أنه ثبت، بالتأكيد الجازم، أنه في ايطاليا لم يرتكب أي جرم بحق الشخصيات الثلاث موضوع البحث:
إلاّ أنه نظراً لانحصار سلطان القضاء الايطالي بالحدود الاقليمية (الولاية تشكل شرطاً لتحريك الدعوى،
فإنه لا يمكن إلاّ إحالة القضية مجدداً للحفظ، فيما يختص باختفاء الامام موسى الصدر ورفيقيه أو بأي جرم آخر قد يكون وقع على أشخاصهم.
لهذه الأسباب
نطلب من قاضي التحقيق :
- أن يقرر حفظ القضية فيما يختص باختفاء الامام موسى الصدر والشيخ محمد يعقوب وعباس بدرالدين.
- وأن يقرّر أيضاً عدم متابعة الاجراءات في شأن الجرائم الأخرى المبيّنة في الملف، لأن فاعليها بقوا مجهولين.
20 كانون الأول 1981
النائب العام
الدكتور سلفاتوري فكيوني Dr. Salvatore Vecchione