قرار قاضي التحقيق الايطالي (28/1/1982)

الرئيسية إصدارات القضية مذكرة تحر دائم

قرار قاضي التحقيق:

الرقم 30/81 سجل عام النيابة العامة
الرقم 8168/81 ب1 سجل عام غرفة التحقيق
 
محكمة روما
غرفة التحقيق - القسم 12
ــــــــــــــــ
- قرار بالتحقيق وبحفظ الأوراق.
- وقرار بعدم إمكانية تحريك الدعوى الجزائية
ــــــــــــــــ

الجمهورية الايطالية
باسم الشعب الايطالي

القاضي المحقق الدكتور دومينيكو نوسترو Dr. Domenico Nostro:

 بعد الاطلاع على أوراق الدعوى الجزائية ضد مجهولين مدعى عليهم :
أ- بالجرم المنصوص عليه في المادتين 110 و 494 من قانون العقوبات، لإقدامهم بالاشتراك فيما بينهم ، على انتحال شخصية كل من موسى الصدر ويعقوب شحادة.
ب- بالجرم المنصوص عليه في المواد 110و476و482 من قانون العقوبات، لإقدامهم بالاشتراك فيما بينهم، على تزوير جواز سفر موسى الصدر واستعماله مزوراً في ايطاليا.
ج - بالجرم المنصوص عليه في المادتين110و85 من قانون العقوبات،لإقدامهم بالاشتراك فيما بينهم ، على التزوير في ملء بطاقة النزلاء في فندق "هوليداي إن" وفي توقيعها بإمضاء مزوّر باسم يعقوب محمد شحادة، واستعمالها مزوّرة.

الواقعة في روما بتاريخ اليوم الأول من شهر أيلول 1978.
- وبعد الاطلاع على أوراق دعوى اختفاء الإمام الشيعي موسى الصدر ومحمد شحادة يعقوب وعباس بدر الدين.

تبين
أنه بموجب تقرير مؤرخ في 18 أيلول 1978، أبلغت إدارة الشرطة في روما المدعي العام للجمهورية أنه في اليوم الثالث عشر من الشهر ذاته نشرت وكالات الأنباء أخباراً تفيد أن رئيس الطائفة الاسلامية الشيعية في لبنان الامام موسى الصدر غادر بيروت بتاريخ 25 آب المنصرم، برفقة أميني سره، في زيارة رسمية الى ليبيا، ولم يعودوا الى بلدهم .
وحسب الأخبار الصحفية ذاتها، فإن الحكومة الليبية عندما استوضحت من قبل الحكومة اللبنانية بالموضوع، أفادت أن الامام، بعد انتهاء زيارته لليبيا، سافر بتاريخ 31 آب على متن طائرة "أليطاليا" متوجهاً الى روما. إلاّ أن السفارة اللبنانية في روما لم تبلغ أي خبر عن وصول الرئيس الشيعي الى العاصمة الايطالية.
وفي ذات التقرير المؤرخ في 18/9/1978 ورد أيضاً أن شخصية بارزة في منظمة التحرير الفلسطينية صرّحت بأن تنظيم الطائفة الشيعية في بيروت أصدر بلاغاً يفيد أن الامام موسى الصدر ورفيقيه شوهدوا، بحالة طبيعية، من قبل لبنانيين شيعة، في طرابلس مساء اليوم الأول من شهر أيلول، أي بعد تاريخ السفر المزعوم للامام نفسه الى روما .
وتضمن التقرير أخيراً، نتيجة التحقيقات التي أجرتها مفوضية الأمن العام في مطار "فيومتشينو" (روما) والتي تضمنت أن أشخاصاً باسم موسى الصدر ومحمد يعقوب وعباس بدر الدين غادروا طرابلس على متن طائرة أليطاليا (الرحلة 881) بتاريخ 31 آب ووصلوا الى روما في ساعة متأخرة من الليل، إلاّ أنهم لم يغادروا في اليوم التالي الى مالطا على متن طائرة أليطاليا (الرحلة490) حسب ما كان قد صرح به شخص تقدم من المفوضية المذكورة باسم بدر الدين عندما طلب إذناً لمدة 48 ساعة لدخول الأراضي الوطنية (الايطالية).
ثم بالتحقيق لدى السفارة الايطالية في طرابلس، اتضح أنها بتاريخ 31 آب منحت كلاً من موسى الصدر ومحمد يعقوب تأشيرة دخول الى ايطاليا.
وبتاريخ 24 أيلول أُبلغت النيابة العامة للجمهورية بوجود حقائب الإمام ويعقوب في فندق "هوليداي إن" في روما، فبادرت الى حجزها، ودققت في محتوياتها فوجدت فيها ثياباً وألبسة داخلية وملفات وأوراقاً مطبوعة على الآلة الكاتبة، مختلطة ببعضها البعض، خلطاً فوضوياً، في كل الحقائب. ووجدت في داخل الغرفتين اللتين حجزتا في الفندق للشخصين، جوازي سفر موسى الصدر ومحمد يعقوب، موضوعين بشكل ظاهر ومفتوحين.
بواسطة صور فوتوغرافية للامام، استحصل عليها من عائلته، أُجريت تحقيقات للتثبت فيما إذا كان الرئيس الشيعي سافر فعلاً على متن طائرة أليطاليا (الرحلة 881) يوم 31/8/1978، ونزل في مطار "فيومتشينو" في ساعة متأخرة من ليل ذلك اليوم، وأخيراً فيما إذا كان قد نزل في فندق "هوليداي إن" أو قدم إليه.
هذه التحقيقات أعطت نتيجة سلبية قاطعة، حيث أن أفراد طاقم الطائرة، والركاب المسافرين على متنها، والموظفين في مطار "فيومتشينو"، والموظفين في فندق "هوليداي ان"، الذين تمّ الاستماع اليهم، نفوا نفياً قاطعاً أن يكونوا قد لاحظوا، كلٌ في مكان عمله، وجود شخص تنطبق أوصافه على أوصاف الامام.
وكذلك أعطت نتائج سلبية تماماً ، التحقيقات التي أجريت لمعرفة ما إذا كان الإمام ورفيقاه قد سافروا بتاريخ 31 آب، بواسطة أية شركة طيران ، الى أية جهة في منطقتي الشرق الأدنى والشرق الأوسط.
وذات النتائج السلبية أعطتها التحقيقات التي أُجريت لمعرفة ما إذا كان الأشخاص الثلاثة قد نزلوا في أي فندق في العاصمة.
ولدى الاستماع الى إفادة المواطن الفرنسي نزار علي، بموجب استنابة قضائية دولية، بتاريخ 30/11/1978، تبين أن هذا الشاهد كان قد نزل في ذات الفندق الذي نزل فيه الامام في طرابلس، وأنه التقى الرئيس الشيعي ورفيقيه بعد ظهر يوم 30 آب 1978 ومساء اليوم نفسه. وفي هذه المناسبة، وبما أن موسى الصدر كان قد علم مسبقاً من بدر الدين بأن نزار سوف يعود الى فرنسا في اليوم التالي، فسلمه الامام رسالة خطية باللغة العربية كي يسلمها الى عائلته الموجودة في فرنسا. وفي هذه الرسالة يبلغ الامام عائلته عن عزمه على المغادرة الى فرنسا يوم السبت أو الأحد القادمين (أي اليوم الثاني أو الثالث من شهر أيلول).
وقال هذا الشاهد، إنه علم، خلال حديثه في الفندق مع الامام ورفيقيه، أن موسى الصدر كان ينتظر لقاء العقيد القذافي، وأنه بعد إلغاء موعدين سابقين، صار تحديد الموعد الجديد لهذا اللقاء يوم الجمعة في الأول من أيلول. ولهذا فإن الشاهد يعتقد بأنه بالرغم من أن الامام كان يرغب بالوصول الى باريس في أقرب وقت ممكن، إلاّ أنه لم يكن بإمكانه مغادرة طرابلس قبل اليوم الثاني أو الثالث من شهر أيلول.
وأضاف الشاهد المذكور أن الامام لم يشر بتاتاً الى أية نية عنده للمرور في روما ، إلاّ أن بدر الدين ذكر هذا الاحتمال في حال عدم وجود رحلة طيران مباشرة من طرابلس الى باريس.
على أساس أدلة الثبوت المتكوّنة ، وبعدما تبين لمدعي عام الجمهورية أنه لا يمكن احتمال حصول أي جرم بحق موسى الصدر على الأراضي الايطالية، طلب بتاريخ 9 أيار 1979 إصدار القرار بعدم إمكانية قيام الدعوى الجزائية. وصدر هذا القرار عن قاضي التحقيق بتاريخ 7/6/1979.
فيما بعد، وبموجب مذكرة مؤرخة في 15 شباط1980، طلب المكتب الشعبي للجماهيرية العربية الليبية الشعبية من المدعي العام لدى محكمة الاستئناف في روما إجراء تحقيق إضافي بالقضية.
هذه المذكرة أُرفقت بنسخة عن تحقيق أجرته الشرطة الليبية ابتداءً من 3 تشرين الثاني1979، يتكوّن ، بمعظمه، من استماع شهود ليبيين وشاهد واحد موريتاني.
بعد قبول الطلب، أجرى المدعي العام للجمهورية تحقيقات ابتدائية دقيقة، بالاستماع الى شهود عديدين لبنانيين وليبيين مستمعين في التحقيقات التي أجريت في البلدين.
بتاريخ 23 أيلول 1981 أحيلت أوراق الدعوى الى المدعي العام لدى محكمة الاستئناف الذي قام بتحقيقات إضافية، وبعد اكتمال هذه التحقيقات، طلب إصدار القرار بحفظ القضية فيما يختص باختفاء الامام موسى الصدر والشيخ محمد يعقوب وعباس بدر الدين، وإصدار القرار أيضاً بعدم متابعة الاجراءات في شأن الجرائم الأخرى المبيّنة أعلاه لأن فاعليها بقوا مجهولين.
إن طلبات المدعي العام في محلها ويجب قبولها كلهـا.
فالتحقيقات الاضافية المعمّقة التي أُجريت، عزّزت وأيدت بشدة نتائج التحقيقات السابقة، وأفرزت أدلة ثبوت متطابقة لا يرقـى اليها أدنى شك، وهي وفيرة جـداً، بحيث يترتب الجزم، بكل تأكيد، أنه لم يرتكب أي جرم على أراضي الدولة الايطالية بحـق موسى الصدر ومحمد يعقوب وعباس بدرالدين، لأنه ثبـت أن المذكورين لم يصلوا الى مطار "فيومتشينو" في سـاعة متأخرة مـن ليل 31 آب 1978على متن طائرة أليطاليا (الرحلة 881) القــادمة من طرابلس، وأن أشخاصاً آخرين غير معروفـين انتحلوا شخصيات الأشخاص الثلاثة، وزيّفوا آثاراً لدخولهـم وإقامتهم على أراضي بلدنا.
إن الحدود المعروفة لمبدأ إقليمية قانون العقوبات، تفرض على قاضي التحقيق هذا، التدقيق فيما إذا كان اختفاء الامام ورفيقيه قد حصل في ايطاليا، حيث زعم بصورة مبطنة، أن الثلاثة ذهبوا ضحية مجموعات إرهابية أو مخابرات سرية تعمل في بلدنا.
إن التدقيق في هذا الاحتمال، لا يمكن أن يغفل التدقيق، بصورة عرضية أو فرعية (incidente)، في احتمال حصول اختفاء الثلاثة في ليبيا وذلك ضمن الحدود اللازمة من أجل تكوين أدلة ثبوت أو نفي لاحتمال الاختفاء في ايطاليا.
وعليه، يبدو من المناسب، الرجوع واستعادة الوقائع، بطريقة منهجية، فيما يعود للسفر الذي قيل أنه قاد الامام موسى الصدر ومحمد يعقوب وعباس بدر الدين الى روما.
بالنسبة إلى الوصول المزعوم للإمام موسى الصدر ومحمد يعقوب إلى فندق "هوليداي إن" يمكن الملاحظة أنه بالفعل قدم إلى الفندق المذكور، في ذات الوقت وفي عداد أشخاص آخرين، شخصان، أحدهما يرتدي لباساً دينياً، وحجزا لمدة أسبوع الغرفتين رقم 701 و 702 ودفعا الأجرة سلفاً.
أبرز الشخصان جوازي سفر الامام ويعقوب، وتولى الشخص حامل جواز سفر يعقوب ملء بطاقتي نزلاء الفندق عنه وعن الشخص الثاني، ووقّع البطاقة الخاصة به وحدها.
ذهب الشخصان الى غرفتيهما، وبعد عشر دقائق تقريباً خرجا مرتديين لباساً مدنياً بالزّي الاوروبي، ولم يعد يراهما أحد من بعد.
وبعد مرور الأيام السبعة على الحجز ، فتحت الغرفتان وأمكن ملاحظة أن السريرين لم يستعملا.
عثر في الغرفتين على أربع حقائب، وعلى جوازي سفر الامام ويعقوب.
هذا ما نتج عن إفادات العاملين في الفندق "نيكولوزي ليوناردو"و"كولانجيلو بياترو" و"زامبوكو مارغريتا"و"تشادروني البيرتو" و"دورانتي جيوزيبي".
  لدى استماع إفاداتهم من قبل النيابة العامة في التحقيق الأولي بتاريخ 26 و 27 أيلول 1978، أعطوا تفاصيل عن أوصاف الشخصين تختلف كلياً عن أوصاف الامام والشيخ يعقوب، ثم عندما عرضت عليهم صورة الامام موسى الصدر، نفوا نفياً قاطعاً أن تنطبق أوصافه على أوصاف أي من الشخصين اللذين قدما الى الفندق .
ومن المجدي أيضاً أن نلاحظ أن أياً من الشهود لم يذكر أن للشخص الذي انتحل شخصية الامام لحية وشاربين. بل إن الشاهدين "تشادروني" و "دورانتي" أكّدا أن الشخص المذكور لم تكن له لحية ولا شاربان. علماً بأن اللحية والشاربين من أوصاف الامام الخاصة والمميزة.
ويحسن الاضافة أيضاً أن العاملين في الفندق صرّحوا إلى نائب المدير "هوبير زيغفريدو" بأنه يمكن أن يكون الشخصان بعمر واحد وهو ثلاثون سنة تقريباً. علماً بأن فارق العمر بين الامام والشيخ يعقوب عشرون سنة، فالأول مولود سنة 1928 والثاني مولود سنة 1948.
إن عدم تعرّف العاملين في فندق "هوليداي إن" على الامام، يجب اعتباره دليل إثبات على أن شخصين انتحلا شخصيتي الامام موسى الصدر والشيخ محمد يعقوب ولا تنطبق أوصافهما على هذين الأخيرين، حضرا إلى الفندق المذكور صباح اليوم الأول من أيلول 1978، وهذا الدليل لم يتكوّن فقط من التطابق المطلق في أقوال الشهود المذكورين، بل أيضاً من كون إفادتهم فورية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى بالنسبة إلى أوصاف الامام الفريدة والمميّزة (طول قامته190 سنتم، لحية كثيفة ، لباس ديني إسلامي وبنية جسدية ممتلئة جداً).
ثم إنه يوجد أدلة أخرى، أكيدة، تثبت أن أشخاصاً آخرين انتحلوا شخصيتي الامام ويعقوب لدى الفندق.
من إفادات كولانجيلو، وزامبوكو، وتشادروني، ودورانتي، يتضح أن الشخص الذي انتحل شخصية موسى الصدر، فور أن علم برقم الغرفة التي خصصت له، صعد بمفرده الى الطابق الذي توجد فيه هذه الغرفة، وأخذ يتمشى ذهاباً وإياباً في الممر، منتظراً مجيء رفيقه الذي كان قد بقي في باحة الفندق للقيام بالاجراءات اللازمة وتنظيم بطاقتي نزلاء الفندق.
يظهر واضحاً من هذا التصرف، أن منتحل شخصية الامام، بذل كل ما في وسعه لتفادي الملاحظة، ولو لفترة محدودة، باختلاف أوصافه عن أوصاف الامام المعروفة (وبهذا يفسّر أيضاً ابتعاده بعدئذ بسرعة عن الفندق)، وذلك كله تداركاً للفشل الفوري للتمثيلية التي يقوم بها.
يمكن الحصول أيضاً على أدلة ثبوت قاطعة أكثر، على انتحال الشخصية المنفّذ في فندق "هوليداي إن" ومن إفادات عائلتي الامام ويعقوب، ومن جوازي سفر الرجلين اللذين عثر عليهما في الفندق، ومن حقائبهما، ومن بطاقتي نزلاء الفندق اللتين ملئتا باسميهما.
وبالفعل، نفت بشكل قاطع، زوجة الامام وشقيقته وزوجة محمد يعقوب، أن يرتدي الرجلان ألبسة مدنية، أو أن يكونا قد اقتنيا مثل هذه الألبسة، وذلك بعكس ما فعل الشخصان اللذان قدما الى الفندق (أحدهما عند دخوله الى الفندق، والاثنان عند خروجهما منه).
ومن جهة ثانية، اتضح من الافادات المذكورة ومن إفادة زوجة عباس بدر الدين أن الحقيبة نوعها سمسونايت ولونها رمادي غامق، والتي وجدت بين الحقائب المتروكة في الفندق، هي حقيبة عباس بدر الدين، وأن الحقائب الأربعة كلها التي خلطت فيها محتوياتها خلطاً فوضوياً، تحتوي أغراضاً تخص موسى الصدر ومحمد يعقوب وعباس بدر الدين، كما تحتوي أغراضاً لأشخاص آخرين مجهولين (من بينها، بكل تأكيد، محفظة جلد لونها بني ومرسوم عليها عربة وحصان، وورقة مكتوب عليها عنوان فندق "هوليداي إن" بخط هو غير خط أي من المختفين، وربطة عنق لونها بني، ولباس أبيض وقميص للباس داخلي لونه يميل للاصفرار).
فإذا أخذنا بعين الاعتبار وجود حقيبة تخص بدر الدين كان يجب أن لا تكون بين الحقائب المتروكة في فندق "هوليداي إن" لأن صاحبها - كما سنرى فيما بعد - كان قد اتخذ وجهة سفر مختلفة عن وجهة سفر الامام ويعقوب .
وإذا نظرنا الى اختلاط الأغراض داخل الحقائب، اختلاطاً فوضوياً، والى اختلاط أغراض الأشخاص الثلاثة ببعضها البعض (وهو أمر لا تفسير له في ضوء العلاقة القائمة بينهم والتي هي علاقة صداقة وليست علاقة ود لصيقة)، وبصورة خاصة الى وجود أغراض لا تخص أياً من الأشخاص المختفين،
فعلينا أن نستنتج أن هذه الحقائب جرى فيها تلاعب من قبل أشخاص هم غير أصحابها، في ظروف استوجبت العجلة بدون تبصر، ويجب أن تكون ذات علاقة بالاختفاء، وبهذا يفسر فقدان محفظة الوثائق خاصة بدر الدين.
وأيضاً فيما يتعلق بالحقائب التي عثر عليها في الفندق، يجب الملاحظة بأنه وجدت في إحداها ساعة يد الامام وقد كسر زجاجها وانتزع منها الطوق وهي معطلة، ومتوقفة عند تاريخ (1) وعند الساعة الواحدة والدقيقة (14).
هذه المعطيات، فيما يعود للساعة، لا يمكن أن تؤدي الى تفسير من جهة واحدة. فعدم وجود الطوق، وكون الساعة معطلة، وتوقيت الأيام متوقف عند الرقم (1)، عوامل تظهر متناقضة مع احتمال عطل ناتج عن حادث.
أما فيما يتعلق بجوازي السفر، فبعد أن نلاحظ أن الوثيقتين هما حقيقة تخصان الامام ويعقوب، وبعد معرفة أنهما وجدتا من قبل العاملين في الفندق، معروضتين بصورة ظاهرة في الغرفتين، يجب الملاحظة أن الجواز الدبلوماسي باسم موسى الصدر قد جرى فيه تلاعب وتزوير. فالصورة الفوتوغرافية منزوعة جزئياً، وآثار الخاتم الناشف على الصورة لا تنطبق تماماً على الاختام الموجودة على الصفحة 3 من الوثيقة، وتظهر على قفا الصورة آثار ورقة غريبة عن ورقة الجواز التي أُلصقت عليه والتي تظهر بالفعل خالية من آثار انتزاع.
إذن، فمن المنطقي الاستنتاج بأن هذه الصورة نزعت عن وثيقة أخرى تركت عليها بعض الآثار الظاهرة. ويدل الظرف أن الصورة التي كانت ملصقة على الجواز، أساساً، قد نزعت. وهذا يدل على أنه قد جرى تزوير في جواز سفر الامام من قبل الشخص الذي انتحل شخصيته.
أما واقع كون الصورة الفوتوغرافية الأساسية لم توضع ثانية على الجواز، فهذا يفسر بضرر لحق بها أثناء نزعها أو بخطأ وقع فيه الشخص الذي قام بالعملية.
وبالنسبة لبطاقتي نزلاء الفندق، أخيراً، فلقد أوردنا إفادات العاملين في الفندق بأنه قام بملء محتوياتهما الشخص الذي انتحل شخصية يعقوب، وهو الذي وقّع البطاقة العائدة له.
إذن، وبهذا الخصوص، يجب أن يثبت بصورة لا تقبل الاعتراض، أن البطاقتين ملئتا من قبل شخص غير يعقوب وقّع أيضاً على بطاقته.
قبل كل شيء، إن الكتابة على البطاقتين هي بأحرف كبيرة، وإن الخط بدائي وبتردد، وذلك على نحو يتبين منه أنه لشخص بمستوى علمي متدن بشكل ملحوظ عن مستوى محمد يعقوب الذي يظهر من جواز سفره أنه دكتور في الفلسفة.
لقد نفت، بصورة قاطعة، زوجة محمد يعقوب، أن يكون لزوجها الخط والتوقيع على البطاقتين المعروضتين.
ثم إن التوقيع الظاهر على البطاقة المنظمة باسمه، يختلف كلياً عن توقيعه الظاهر على جواز سفره.
وأخيراً إن اسم كل من الامام ويعقوب، مكتوب بأغلاط واضحة، وبصورة خاصة اسم يعقوب الذي كتب بأحرف كبيرة هكذا (محمد شحاده). واسم (شحاده) هو اسم والد محمد يعقوب حسب ما تبين من جواز السفر.
يجب أن يكون أيضاً سلبياً تماماً الجواب على السؤال فيما إذا كان الرفيق الثاني للامام، وهو عباس بدر الدين، قد وصل الى الأراضي الايطالية مساء 31/8/78 وأقام عليها لبعض الوقت.
الواقع أنه في الساعة 23.35 من ذلك المساء، حضر أمام مفوضية الامن العام في مطار "فيومتشينو" شخص ادعى أنه عباس بدر الدين، طالباً الاذن بالإقامة لمدة 48 ساعة في ايطاليا، وأبرز حجزاً لليوم التالي على متن طائرة أليطاليا (الرحلة 490) الى مالطا، وصرّح بأنه سوف يقيم في فندق "ساتلايت".
إنما العريف زوطو الذي منح إذن الاقامة الى بدر الدين المزعوم، صرّح لدى ضبط إفادته بتاريخ 19و20 أيلول 1978 بأنه لم يشاهد أبداً شخص بدر الدين الحقيقي الظاهر على الصورة الفوتوغرافية التي عرضت عليه.
اتضح أيضاً بعد التحقيق لدى فندق"ساتلايت"، وفي بطاقات نزلاء الفنادق المحفوظة لدى مديرية الشرطة في روما، أنه لا يوجد أي شخص اسمه عباس بدر الدين أقام في فندق "ساتلايت" أو أي فندق آخر في العاصمة ليل 31 آب.
كما اتضح أيضاً أن التحقيقات التي أجريت لدى شركة مالطا للطيران ولدى شركة أليطاليا، وفي مالطا، أظهرت أنه لم يسافر أي شخص اسمه عباس بدر الدين على متن طائرة أليطاليا (الرحلة 490) باتجاه مالطا في أول أيلول (ولا على متن أية طائرة أخرى خلال الأسبوع الأول بكامله من هذا الشهر) أو نزل في مالطا خلال نفس الفترة المذكورة .
فمن البديهي إذن، أن شخصاً غير معروف زيّف آثار بدر الدين الحقيقي في مطار "فيومتشينو" .
وهذا الظرف معزز بواقع أن بدر الدين المزعوم لم ينزل في فندق "هوليداي إن" حيث عثر على جزء من الحقائب التي تخص بدر الدين الحقيقي.
ثم أنه لا يوجد بالفعل أي سبب منطقي يفسر لماذا افترق بدر الدين عن الامام وخصوصاً في ايطاليا، وذلك باعتبار أنه يتبع الامام رسمياً بصفته الصحفية.
وفي الحقيقة، فإن الافتراق الذي حصل في ايطاليا، يتماشى فقط مع فرضية انتحال شخصية كل من الثلاثة المختفين من قبل أشخاص مجهولين، ويجد تفسيراً منطقياً في الوقائع التي سلطت عليها الأضواء التحقيقات بخصوص جواز سفر بدر الدين.
وبالفعل تبين أن جواز السفر هذا الذي سلمه حامله في طرابلس الى نزار فرحات القائم بالأعمال اللبناني، كي يحصل له على تأشيرة دخول الى فرنسا، لم يعد الى عباس بدر الدين الذي كان غائباً عن الفندق، بل وضع في الصندوقة العائدة للغرفة التي كان يشغلها بدر الدين.
وإذا وصلنا هذا الظرف بالظرف الآخر - أي أن الطلب من السفارة الايطالية في طرابلس بتاريخ 31/8/78 إعطاء تأشيرة دخول الى ايطاليا فقط لموسى الصدر ومحمد يعقوب - يصبح من البديهي الاستنتاج أن مؤلفي الرواية التمثيلية لم يتمكنوا من الحصول على جواز السفر الحقيقي العائد لعباس بدر الدين.
من هنا يظهر عدم إمكانية ترك جواز السفر في فندق "هوليداي إن " كما حصل لموسى الصدر ومحمد يعقوب، وبالتالي ضرورة تمثيل عملية دخول بدر الدين الى ايطاليا بوسيلة أخرى وفي هذه الحالة بواسطة إذن الاقامة لمدة 48 ساعة على الأراضي الايطالية الذي استحصل عليه في المطار باسم عباس بدر الدين.
تظهر نتائج التحقيق بوضوح ، واقع عدم سفر الامام ورفيقيه على متن طائرة أليطاليا (الرحلة 881) التي غادرت طرابلس، وبالتالي عدم وصولهم الى مطار "فيومتشينو" في الساعة 23.12 من يوم 31 آب 1978.
إن إفادات طاقم الطائرة والموظفين في مطار "فيومتشينو" والراكبين فالنتي ودونسلمان، هي متطابقة فيما بينها وحريّة بالثقة نسبة لأوصاف الامام الفريدة والمميزة، ونسبة لكون هذه الافادات أعطيت بعد فترة وجيزة جداً من وقوع الحادث.
لقد نفى مساعد الرحلة العامل خاصة في مقاعد الدرجة الأولى (اسطولفي اورلندو) نفياً قاطعاً أن يكون في عداد ركاب الرحلة المذكورة وخاصة في مقاعد الدرجة الأولى التي يبلغ عددها ثمانية فقط راكب تنطبق أوصافه على أوصاف الامام.
وأضاف أن راكباً، بقامة الامام وبنيته الجسدية لا بدّ وأن يلاقي صعوبة في الجلوس ولكان قد اضطر للتوجه إليه في هذا الشأن، الأمر الذي لم يحصل.
ونفى مساعد الرحلة في الدرجة السياحية (بيجي بيارو) أن يكون شاهد بين الركاب شخصاً له أوصاف الامام، ولم يتعرف في صور المختفين الثلاثة التي عرضت عليه على أي واحد منهم في عداد ركاب الطائرة للرحلة المذكورة.
كما نفت المضيفة (كوتشياني ليتشيا) وجود أي شبه بين ملامح الامام وأوصافه الظاهرة في الصورة التي عرضت عليها، وبين أي راكب في الطائرة. وأضافت أن راكباً له بنية الامام الجسدية لكان وجد صعوبة في الجلوس داخل الطائرة وحتى في الدخول من باب الطائرة الذي دخل منه كل الركاب فيما كانت هي موجودة الى جانب هذا الباب خلال صعود الركاب.
وأكّد (كونتينو سارجيو) وهو مساعد في الرحلة في القسم السياحي الخلفي، أنه لم يلاحظ أي راكب أوصافه تشبه أوصاف الامام ونفى أن يكون شاهد على متن الطائرة ركاباً لهم سمات المختفين الثلاثة.
ونفى (كادرونه اندريا) و (ماندرونه كارمينه) وهما المولجان بالتدقيق في جوازات السفر في مطار "فيومتشينو" مساء 31/8/1978، نفياً قاطعاً وبكل تأكيد، أن تنطبق أوصاف الامام ورفيقيه كما ظهرت في الصور التي أبرزت أمامهما، على أي من الأشخاص الذين جرى تدقيق جوازاتهم خلال دورهم في الخدمة.
ونفى أيضاً بصورة جازمة (فيديله الفريدو) وهو مأمور في الجمرك مسؤول عن المكتب الوحيد للمراقبة الجمركية الذي يعمل في نطاق الرحلات الدولية، أن يكون قد مرّ أمامه ثلاثة ركاب تنطبق سماتهم على سمات المختفين الثلاثة. وأضاف أن ظرفاً مثل هذا لا يمكن أن يغفل عنه نسبة لعادته بالتكلم مع الركاب العرب بلغتهم.
وأيضاً راكبا الطائرة (فالنتي الساندرو) و (دونسلمان جوزيفين) نفيا أن يكونا قد شاهدا على متن الطائرة شخصاً له أوصاف الامام.
ونتيجة إفادة ( بانيولو روبير ريشار ) هي ذاتها ، إذ نفى هذا الشاهد وجود أي راكب على متن الطائرة بأوصاف الامام.
وهذه النتائج المذكورة أعلاه تناقضها نتائج التحقيق الذي أُجري في ليبيا من قبل شرطة أمن البلد المذكور، هذه النتائج المستخرجة من إفادات المرغاني التومي، وأحمد الحطاب، والهادي ابراهي الصداوي، وعبد الرحمن غويلا، وأحمد مسعود صلاح، وابراهيم خليفة عمر، ومحمد خليفة صهبون، وعيسى محمد عبد الله المنصوري، ومحمد محمود ولد داده، ومحمد علي الرحيبي.

المرغاني التومي وهو سائق سيارة في وزارة الخارجية الليبية، صرح أنه في 31 آب 1978 وعند الغروب، رافق شخصياً الامام ورفيقيه إلى مطار طرابلس.
أحمد الحطاب وهو المسؤول عن التسهيلات للرسميين في مطار طرابلس صرّح بأنه استقبل الامام ورفيقيه في الساعة 19.20 وأخذ جوازاتهم، وأنه تدخل لدى الهادي الصداوي كي يؤمن للثلاثة مقاعد في الدرجة الاولى، وأنه أعاد الجوازات الى الثلاثة بعدما أصبحوا على متن الطائرة.
أيّد الهادي ابراهي الصداوي إفادة أحمد الحطاب.
أفاد عبد الرحمن أحمد غويلا أنه بصفته ضابط شرطة ملحقا ًبالمطار ختم جوازات الشخصيات اللبنانية الثلاثة التي قدمها له أحمد الحطاب.
أكّد احمد مسعود صلاح وهو رقيب في شرطة المطار، بأنه صادف أن كان موجوداً مقابل الممّر المؤدي الى الطائرة المسافرة الى روما، وأنه شاهد الركاب الثلاثة يصلون بالضبط قبل لحظات قليلة من إقلاع الطائرة.
وأكّد ابراهيم خليفة عمر وهو ضابط في شرطة المطار، أنه شاهد الشخصيات الثلاث اللبنانية تتقدم باتجاه الطائرة، مارة مباشرة من قاعة الانتظار الرسمية الى الطائرة.
وأكّد أيضاً محمد خليفة صهبون أنه سافر على متن طائرة أليطاليا (الرحلة 881) بمقاعد الدرجة الاولى، وأنه لاحظ رفيقاً لسفره بين المسافرين شخصاً طويل القامة كان مرتدياً ثوباً دينياً.
كما أكد عيسى مسعود عبد الله المنصوري أنه سافر على متن نفس الطائرة بالدرجة السياحية، وأنه لاحظ أولاً على متن الطائرة، ومن ثم في مطار "فيومتشينو" ثلاث شخصيات أحدها طويل القامة له لحية وشاربان ويرتدي لباساً دينياً.
وأكّد سفير موريتانيا في طرابلس محمد محمود ولد داده أنه كان موجوداً مساء 31 آب 1978 في مطار طرابلس بصحبة وفد بلده الذي قدم بدعوة للمشاركة في أول أيلول باحتفالات ذكرى الثورة الليبية، وأنه لاحظ شخصاً عرف أنه الامام موسى الصدر لكونه شخصية معروفة كفاية.
وصرّح محمد علي الرحيبي وهو ضابط في شرطة المباحث، أنه قدم الى ايطاليا في 18 أيلول 1978 لإجراء تحقيقات بخصوص مصير الامام، وأنه تأكد شخصياً بعدما أجرى اتصالات مع المخابرات الايطالية، أن جواز سفر الامام كان سليماً من ناحية الصورة التي كانت ملصقة في محلها و "مكبسنة".
الملاحظة الاولى التي ترد، بصورة عامة، في شأن تحقيق الشرطة الليبية، تتناول الثقة بنتائج هذا التحقيق. إذ أنه لا يمكن إلاّ النظر بشك الى الامكانية الحقيقية لبعض الشهود، عند سؤالهم بعد انقضاء اكثر من سنة على الأحداث (التحقيق بدأ فعلاً بتاريخ 3 تشرين الثاني سنة 1979) من أن يتذكروا بصورة خاصة ما هو ذا أهمية ثانوية طفيفة (مثلاً تحديد مقاعد الجلوس عينا في الطائرة) مقابل وقوعهم في التردّد والتناقض فيما يتعلق بالوقائع التي هي ذات معنى.
اما فيما يتعلق بالافادات ، بشكل إفرادي، فيمكننا أن نلاحظ :

1- صرح المرغاني التومي أمام الشرطة أن الامام وحده كان يرتدي لباساً دينياً، بينما صرح أمام النيابة العامة أن أحد رفيقيه كان يرتدي أيضاً لباساً دينياً.
يظهر أن الافادة الأولى تنطبق على ما هو معلوم بالنسبة لما حدث في فندق "هوليداي إن"، إنما تتناقض مع إفادة زوجة يعقوب التي أكّدت أن زوجها كان يرتدي دائماً ثياباً دينية.
ويلوح أن الافادة الثانية تأخذ في الاعتبار هذه المعطية الأخيرة وتنطبق على إفادة الهادي ابراهي الصداوي الذي قال أن شخصين كانا يرتديان ثياباً دينية، ولكنها تتناقض بصورة غير قابلة الرجوع مع إفادة الشاهد الأولى ومع إفادة كل من أحمد مسعود صلاح وابراهيم خليفة عمر اللذين قالا أن شخصاً واحداً كان يرتدي ثوباً دينياً.

2- نفس الملاحظات أعلاه تؤخذ في الاعتبار بالنسبة الى عيسى مسعود عبد الله المنصوري (هذا أكّد أيضاً في البداية أن شخصاً واحداً كان يرتدي ثوباً دينياً، ثم عاد وصرّح أمام النيابة العامة بأن شخصين كانا يرتديان ثياباً دينية).
وبخصوص هذا الشاهد المنصوري يجب الاضافة أنه اتضح من التحقيقات التي أجريت الكذب الواضح في تصريحاته بأنه بقي في ايطاليا بين روما ومدينة بولونيا لمدة أسبوعين.

3- أفاد أحمد الحطاب والهادي ابراهي الصداوي وأحمد مسعود صلاح وابراهيم خليفة عمر عن العجلة التي تمت بها العمليات للحاق بالطائرة دون إعطاء أي تفسير لهذه العجلة. إلاّ أنه تبين أن الطائرة لم تقلع إلاّ في الساعة21.00 أي بتأخير ساعة هذا مع العلم بأن المرغاني التومي السائق الذي زعم أنه أوصل الامام والآخرين الى المطار، لم يشر لشيء بخصوص هذه العجلة.

4- وأحمد الحطاب بذاته صرّح بأن جواز سفر الامام موسى الصدر كان لونه أحمر، بينما لونه أزرق.

5- إن محمد خليفة صهبون الذي أدلى بتفاصيل دقيقة جداً بالنسبة لسفره ووصوله مع الامام الى مطار "فيومتشينو"، قد كذب، بكل تأكيد، في قوله عن إقامته في ايطاليا، لأن التحقيقات التي أجريت نفت إقامته في ايطاليا وبصورة خاصة في بسكارا.

6- إن قول محمد علي الرحيبي بأنه تأكد شخصياً من أن جواز سفر الامام كان سليماً حتى في الصورة الفوتوغرافية مكذّب بصورة قاطعة ، إذ أنه تبين كما لاحظنا سابقاً بأنه يظهر على الصورة آثار تلاعب.

7- صرّح محمد محمود ولد داده بأنه كان في مساء يوم 31 آب 78 بمطار طرابلس بصحبة وفد آت من بلاده، وبأنه لاحظ في تلك المناسبة موسى الصدر (وهو لم يكن يعرف الامام). ولكن يتبين من صورة الصحيفة اليومية الموريتانية "الشعب" في عددها تاريخ 31 آب 1978، أن الوفد المذكور سافر الى ليبيا في اليوم السابق.

8- تكلم أحمد الحطاب وأحمد مسعود صلاح عن تدخلهما لتأمين سفر الأشخاص الثلاثة وعن جوازات السفر خاصة الثلاثة (الأول أخذها وسلمها إليهم على متن الطائرة، والثاني ختمها). إنما هذا القول لا ينطبق على الحقيقة، لأن جواز سفر بدر الدين لم يكن موجوداً مع جوازي سفر الامام ويعقوب،كما سبق بيانه.
وفي النهاية يظهر أن إفادات الشهود المذكورين أعلاه لا تحوز الثقة لدحض النتائج الواضحة التي أبرزتها التحقيقات بالنسبة إلى عدم وصول موسى الصدر ورفيقيه إلى ايطاليا على متن طائرة أليطاليا (الرحلة 881) في 31 آب 1978.

إذا قبلنا أن الامام ورفيقيه وصلوا فعلاً في مساء اليوم المذكور الى مطار "فيومتشينو"، فيجب إبراز أدلة ثبوت لا يُشك فيها، واعتبارات منطقية لا تُدحض، تتصدى لاحتمال حصول اختفاء الامام ورفيقيه في روما خلال الفترة الزمنية الواقعة بين وقت وصول الطائرة الى مطار "فيومتشينو" ووقت حضور موسى الصدر ومحمد يعقوب المزعومين الى فندق "هوليداي إن ".
وعليه، إنه من المعلوم أن التحقيق لم يعثر على أية آثار تدل على وجود الامام ويعقوب وبدر الدين على الاراضي الايطالية خلال الفترة الواقعة بين وصول الطائرة الى مطار "فيومتشينو" الذي حصل في الساعة 23 والدقيقة 12 من ليل 31 آب 1978 وبين ظهور اثنين منهم في أواخر صباح اليوم الأول من أيلول 1978 في فندق " هوليداي إن"، باستثناء الأثر في إذن الاقامة لمدة 48 ساعة الذي منح باسم عباس بدر الدين من قبل سلطة الأمن العام في المطار في الساعة 23 والدقيقة 35 من ذات ليل يوم 31 آب.
ثم إنه لا يوجد أي دليل يدعم الاحتمال بأن يكون للامام ويعقوب وبدر الدين أي سبب معقول لإخفاء آثارهم في روما طيلة ليل 31 آب 1978.
بل بالعكس، فإنه بالنظر الى عادة الامام بأن يُعلِم، بصورة متواصلة ، ذويه عن تنقلاته، وأن يُعلِم عن وصوله إلى بلدان أخرى السلطات الدبلوماسية المختصة (التي كانت تهتم بتأمين استقباله)، وبالنظر أيضاً، الى الصعوبات التي اعترضت اتصاله بعائلته من ليبيا (ولهذا السبب كانت الضرورة بتسليم رسالة الى نزار علي) ، فإنه من الطبيعي والمعقول أن يبادر الثلاثة - فور وصولهم الى روما - الى إعطاء علم بوصولهم الى عائلاتهم والى السلطات الدبلوماسية اللبنانية في بلدنا.
إذن، بات الاحتمال الوحيد الممكن اعتباره هو أن يكون اختطاف اللبنانيين الثلاثة قد حصل فور وصولهم الى روما أو- على كل حال ـ خلال ليل 31 آب 1978. إنما هذا الاحتمال الذي يفسر لوحده عدم وجود آثار للثلاثة في ليل 31 آب، تنفيه سلسلة أدلة ثبوتية وبراهين وحجج يصعب دحضها.
فالاحتمال المذكور يفرض، قبل كل شيء أن يكون منفذو الاختطاف المزعوم على علم- خلافاً لما هو عليه حال عائلات المخطوفين والسلطات اللبنانية والمجلس الاسلامي الشيعي الأعلى - بوصول الامام ورفيقيه الى روما. وليس من الممكن تصور تحقق علم هؤلاء المنفذين بأمر السفر ما دامت السلطات الليبية تقول بأن السفر من طرابلس كان مفاجئاً لدرجة أنها لم تخطر به وأن الامام لم يعلم القذافي عن عدم ذهابه للقائه في الموعد المحدد بتاريخ 31 آب.
ومن ناحية ثانية، إن وجود الثلاثة الافتراضي في روما، سيكون، بدون شك، بشكل صدفة، ولمدة قصيرة يتطلبها التوقف، واحتمالا داخل حرم المطار ، بانتظار طائرة أخرى مسافرة الى باريس (التوقف في روما يفترض لسبب عدم وجود رحلة مباشرة من طرابلس الى باريس). وبالتالي فإنه لا يمكننا أن نتصور كيف تتمكن مجموعة تعمل في روما من إقرار وتنظيم وتنفيذ عملية معقدة جداً ومحفوفة بالمخاطر كعملية اختطاف ثلاثة أشخاص.
وبغض النظر عن ذلك، من المسلم به القول بضرورة وجود صلة بين منفذي اختطاف الامام ورفيقيه المزعوم وبين فاعلي اختفاء موسى الصدر ومحمد يعقوب في فندق "هوليداي إن" (على الأقل لأن هذين الفاعلين كان بحوزتهما حقائب المختفيين وجوازا سفرهما) وأنه لا يفهم أية ضرورة كانت للخاطفين المزعومين، بعد أن تمّ لهم تحقيق الاختطاف المزعوم، أن يمثلوا وجود المخطوفين الاثنين في الفندق (مع ما في ذلك من مخاطر تكشف أمرهم بتجولهم في روما مع حقائب ووثائق المخطوفين) علماً بأن فاعلي أي جرم يهتمون بإخفاء آثارهم بدلاً من إبرازها.
وفي هذا المجال أيضاً، فإنه لأمر ذو مغزى، وجود ساعة يد الامام داخل إحدى الحقائب، وحالتها تفترض إما أن الساعة تضررت من جراء عمل عنف بحق الامام، وإما أن تكون أتلفت عن قصد وتعمد لتمثيل الوقت والتاريخ اللذين حصل فيهما الاختطاف. ففي الحالة الاولى، فإنه لا يفهم لماذا اهتمّ فاعلو الأمر بالاحتفاظ بالساعة. وفي الحالة الثانية ، تظهر المحاولة مكشوفة جداً لأنه من المفروض أن لا توضع الساعة داخل حقيبة الامام التي - حسب التمثيل - جلبها معه الى الفندق الامام نفسه.
وفي الحقيقة أنه أيضاً التمثيل المسرحي الذي جرى في فندق "هوليداي إن " هو بحدّ ذاته برهان على ان احتمال اختطاف موسى الصدر ورفيقيه أو ارتكاب أي جرم آخر على أشخاصهم، على أراضي الدولة الايطالية ، غير قابل للتصديق وخال من كل أساس.
في الختام، وحسماً للنتيجة بشكل جازم، إن ظروفاً أخرى تثبت أن الامام ورفيقيه لم يصلوا الى روما مساء يوم 31/8/1978:

1- من الثابت، استناداً إلى أدلة حسية وشهادات وافرة، أن الامام لم يذهب الى ليبيا للمشاركة في احتفالات ذكرى الثورة الليبية (التي دُعي اليها وفد لبناني آخر)، بل لأنه تلقى دعوة من العقيد القذافي من أجل لقاء تجري خلاله مناقشات حول الوضع الخطير في لبنان.
اتضح أيضاً أن هذا اللقاء تبناه رئيس جمهورية الجزائر بومدين، وأن الامام قرر السفر الى ليبيا بالرغم من معارضة عدد كبير من أعضاء المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى.
واتضح أخيراً أنه بالفعل، ومرّات عديدة بعد وصول الامام الى ليبيا، حُدّد موعد اللقاء ثم أُجّل، وأنه بعد الساعة 13.00 من يوم 31 آب 1978 شوهد موسى الصدر وعباس بدر الدين، بدون حقائب، في فندق الشاطىء، حينما كانا يتأهبان لمغادرة الفندق للذهاب الى اللقاء المحدد مع القذافي كما أفاد أسعد المقدم.
إذن تظهر إفادة أحمد الشحاتي خالية من الثقة والصدق إذ قال بأنه استقبل وفد الامام في المطار في 25 آب ثم التقى في اليوم التالي وفي مكتبه، الامام ورفيقيه، ورغم أنه خلال هذا اللقاء طلب منه الامام أن يحجز له مقعداً بجانب العقيد القذافي خلال عرض الاحتفالات في اليوم الأول من أيلول، وأنه لما تلقى جواباً سلبياً، اعتبره الامام بمثابة إهانة، لدرجة أنه عدل عن حضور احتفالات اليوم الأول من أيلول وسافر الى روما بصحبة رفيقيه.
إن ردّة فعل الامام الغاضبة التي نسبها له الشاهد، محاولاً ايجاد أي دعم للفرضية بأن الامام امتنع عن الحضور الى اللقاء مع القذافي، ردّة الفعل هذه غير محتملة وغير واردة، وذلك باعتبار أن الامام بقي في طرابلس بعد نشوء السبب المفترض لردة الفعل المزعومة، لغاية 31 آب على الأقل، أي أنه استمر في الاقامة مدة خمسة أيام على الأقل.
ومن ناحية أخرى، فإن إصرار بومدين على أن يتم اللقاء بين الامام والقذافي، وإصرار الامام على السفر من أجل هذا اللقاء بالرغم من معارضة أركان المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى، كل ذلك يبرهن على أن اللقاء مع الرئيس الليبي كان لشأن ذي أهمية كبرى، الأمر الذي يتعارض مع القول بالعدول عنه لسبب يتعلق بمكان يخصص للامام في المهرجانات، هذا القول الذي يناقضه أيضاً واقع أن الامام، خلال مأدبة العشاء في30 آب، لم تظهر عليه آثار خيبة بسبب أن القذافي استقبل قبله وفداً آخر من لبنان وصل بعده الى ليبيا.

2- كانت نية الامام المكوث في ليبيا مدة خمسة أيام تقريباً، لينتقل بعدها الى فرنسا حيث كانت زوجته تعالج في "فيشي"، وبالتالي يعود مع زوجته أو بدونها الى لبنان ليكون بين أبناء طائفته في نهاية شهر رمضان.
إن الافادات المعطاة بهذا الخصوص، أيّدتها تماماً تصريحات نزار علي، وبصورة خاصة محتوى رسالة الامام الى عائلته التي سلّمها الى نزار علي مساء يوم 30 آب بمناسبة لقائهما في فندق الشاطىء.
وعندما نتذكر أن الرسالة كانت تُعلم عائلة الامام بوصوله الى باريس بتاريخ 2 أو 3 أيلول على أبعد حد، لا يمكننا إلاّ أن نلاحظ أن مضمون الرسالة يظهر مطابقاً تماماً لالتزامات موسى الصدر في ليبيا (اللقاء مع العقيد القذافي كان موعده محدّداً بالفعل في الساعة 13 والدقيقة 30 من يوم 31 آب).
إذن، يستنتج من ذلك، بكل تأكيد، أنه لم يكن للامام أية نيّة بمغادرة طرابلس بتاريخ 31 آب، إذ أنه لو كان الأمر على عكس ذلك لما كانت الضرورة لتسليم رسالة الى نزار علي الذي كان سيسافر بتاريخ 31 آب بالضبط.

3- لم يرد في برنامج رحلة موسى الصدر ومحمد يعقوب وعباس بدر الدين، السفر الى ايطاليا في ذلك الوقت عند عودتهم من ليبيا.
فبالاضافة الى الاعتبارات التي بحثت في هذا الموضوع (حيث تبين أن مشروع سفر كهذا الى ايطاليا، كان جديداً تماماً على عائلات المختفين والسلطات الدبلوماسية اللبنانية وأعضاء المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى) يجب الأخذ أيضاً في الاعتبار أن موسى الصدر ومحمد يعقوب، كانا غريبين تماماً عن طلب منح تأشيرة الدخول الى ايطاليا من قبل سفارتنا في طرابلس بتاريخ 31 آب 1978.
ويظهر واضحاً أنه لو كان الامام ومحمد يعقوب قد اضطرا للقدوم الى ايطاليا، وبالتالي للاستحصال على تأشيرة الدخول اللازمة، لكانا اتصلا بالقائم بالأعمال اللبناني في طرابلس نزار فرحات الذي كانت له معهما عدة لقاءات لغاية مساء يوم 30 آب، والذي اتصل به بالتحديد عباس بدر الدين من أجل أن يستحصل له على تأشيرة دخول الى فرنسا حيث كان بدر الدين المذكور هو الوحيد غير الحائز هذه التأشيرة مسبقاً.
من ناحية أخرى، ما دام بدر الدين قد طلب تأشيرة دخول الى فرنسا وحدها، فإن ذلك يثبت أنه كان على الثلاثة السفر الى فرنسا، ولم يكن لهم مشروع ذهاب الى ايطاليا ، وفي ما يختص ببدر الدين فإنه يظهر من هنا أيضاً عدم وجود نيّة لديه بالسفر الى مالطا على النحو الذي صرّح به بدر الدين المزيّف حين طلب من سلطات الأمن العام في مطار "فيومتشينو" إذناً بالاقامة لمدة 48 ساعة في بلادنا.

4- انه كما ثبت بصورة قاطعة ودون أدنى شك، أن الامام ويعقوب كانا غريبين تماماً عن طلب تأشيرة الدخول الى ايطاليا، فإنهما أيضاً كانا كذلك بالنسبة لطلب تأشيرة الدخول الى فرنسا من قبل السفارة الفرنسية في طرابلس ، وأن السلطات الليبية نفسها هي التي قدمت هذا الطلب.
وإثباتاً لذلك، فإن موسى الصدر ومحمد يعقوب ، كما اتضح من التدقيق في جوازي سفرهما، كانا حاصلين بتاريخ 31/8/1978 على تأشيرة دخول الى فرنسا سارية المفعول، وبالتالي لم يكونا بحاجة قطعاً لطلب تأشيرة أخرى. وعليه فإن التأشيرة الثانية التي هي بدون جدوى ، يجب بالضرورة أن تكون طُلبت من قبل أشخاص هم غير صاحبي جوازي السفر ويجهلون وجود تأشيرة نظامية وسارية المفعول من أجل الدخول الى فرنسا.

5- يوجد ثمة علاقة، في الحقيقة لم يبحث فيها، بين التمثيلية التي قام بها مجهولون، وبين صور عباس بدر الدين التي عثر عليها داخل الحقائب في فندق "هوليداي إن".
إنها صور فوتوغرافية من القياس العادي الذي يستعمل لوثائق الهوية، وهذه الصور مأخوذة ومظهّرة في طرابلس حيث أنها وجدت داخل غلاف عليه دلالة هذه المدينة في ليبيا.
لا يوجد دليل على حاجة بدر الدين لأخذ هذه الصور له في ليبيا ، وبالتالي فإنه لا بدّ من وجود علاقة بين وجود هذه الصور وبين واقع كون جواز سفر بدر الدين بقي في فندق "الشاطىء".

6- شوهد الامام وعباس بدر الدين، لآخر مرّة في طرابلس، على الأقل حسب الافادات الواردة في الملف، أمام مدخل فندق الشاطىء حوالي الساعة 13 من يوم 31/8/1978 وعلى الأرجح فيما كانا يتأهبان لمغادرة الفندق في طريقهما للقاء القذافي المحدد موعده في الساعة 13 والدقيقة 30 من اليوم ذاته.
خلال كامل فترة بعد الظهر، وطيلة الليل، لم يتمكن أحد، وبصورة خاصة القائم بالأعمال اللبناني في طرابلس نزار فرحات، من الاتصال بالامام ورفيقيه.
فقط في صباح اليوم التالي، علم فرحات من العاملين في الفندق بأن الثلاثة ذهبوا، ولكن دون أن يتمكن من الاستحصال على معلومات محددة عن وقت الذهاب والمكان المقصود.

لهذه الأسباب
وبعد الاطلاع على مطالعة المدعي العام،
وسنداً للفقرة الأخيرة من المادة 378 وللمادة 74 من قانون أصول المحاكمات الجزائية،

نقرّر
عدم متابعة الاجراءات في شأن الجرائم المحدّدة والمبيّنة في الوقائع أعلاه، لأن فاعليها بقوا مجهولين.

نقرّر
عدم لزوم تحريك الدعوى الجزائية بخصوص اختفاء موسى الصدر ومحمد يعقوب وعباس بدر الدين، وحفظ الأوراق.

روما في 28 كانون الثاني 1982

 الكاتب                     قاضــي التحقيــق
ج . كالزتا        دومينيكو نوستــرو  Dominico NOSTRO