كانت الحكومة اللبنانية قد أصدرت مرسومًا برقم 3794 تاريخ 4/2/1981م اعتبرت بموجبه إخفاء الإمام موسى الصدر وأخويه جريمة اعتداء على أمن الدولة الداخلي، وأحالت هذه القضية على المجلس العدلي.
وسندًا للمرسوم المذكور، أصدر وزير العدل اللبناني قرارًا برقم 72 تاريخ 6/2/1981م عيّن بموجبه القاضي طربيه رحمة محققًا عدليًا في هذه القضية.
وادعت النيابة العامة التمييزية في القضية بجريمتي الفتنة والحضّ على النزاع بين الطوائف في لبنان.
وأصدر القاضي رحمة قراره الظني بتاريخ 18/11/1986م متضمنًا الأدلة وشهادات الشهود على اختفاء الإمام ورفيقيه داخل الأراضي الليبية وعلى أن أشخاصًا آخرين انتحلوا شخصياتهم وزيفوا آثارًا لدخولهم الأراضي الإيطالية، وان جريمتي خطف الإمام وحجز حريته لا تستهدفان الإمام شخصيًا لأنه لم يتبين وجود خلافات أو عداوات شخصية له، بل تستهدفان الساحة اللبنانية بغية خضها وتأجيج الاقتتال الدائر عليها.
وانتهى القرار بتأكيد اختصاص القضاء اللبناني للنظر في القضية وبإصدار مذكرة تحرٍّ دائم توصلًا لمعرفة الفاعلين والمحرضين والمتدخلين في الجرائم موضوعها.
وفيما يلي نص القرار الظني:
نحن طربيه رحمة قاضي التحقيق لدى المجلس العدلي، بعد الاطلاع على المرسوم رقم 3794 تاريخ 4/2/1981م المحالة بموجبه على المجلس العدلي قضية الاعتداء على أمن الدولة الداخلي الناتج عنها اختفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والسيد عباس بدر الدين.
وبعد الاطلاع على القرار رقم 72 تاريخ 6/2/1981م القاضي بتعييننا محققًا عدليًا في القضية المحكي عنها.
وبعد الاطلاع على ادعاء النيابة العامة التمييزية المؤرخ في 21/2/1981م وعلى التوضيح الصادر عنها بتاريخ 21/10/1986م وعلى مطالعتها النهائية المؤرخة في 6/11/1986م وأوراق الدعوى كافة.
تبين أنه أسند إلى:
1 - مجهولين
انهم خارج الأراضي اللبنانية وبتاريخ لم يمر عليه الزمن أقدموا على خطف وحجز حرية الإمام موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والسيد عباس بدر الدين وبالتالي تعريض لبنان للفتنة وإثارة النعرات المذهبية والنزاع بين الطوائف الجرائم المنصوص والمعاقب عليها في المرسوم الاشتراعي رقم 27 تاريخ 5/3/1959م والمادتين 308 و 317 من قانون العقوبات.
وتبين بنتيجة التحقيق
بعد جمود في العلاقات بين المسؤولين الليبيين ورئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان الإمام موسى الصدر وبعد مداخلة قام بها الرئيس الجزائري المغفور له هواري بومدين تلقى سماحته دعوة رسمية لزيارة الجماهيرية الليبية سلمت إليه من قبل القائم بأعمال السفارة الليبية في لبنان بتاريخ الثالث والعشرين من شهر آب سنة 1978م فتوجه إلى طرابلس الغرب بعد يومين مصطحبًا الشيخ محمد يعقوب والسيد عباس بدر الدين.
بعد وصوله إلى ليبيا بدا متضايقًا فلم يُجْرِ أي اتصال هاتفي بأحد في لبنان، أو بأحد أفراد عائلته الموجودين في فرنسا حيث كانت زوجته تعالج وخلافًا لما اعتاده في أسفاره.
بتاريخ الثامن والعشرين من آب المذكور قابله القائم بأعمال السفارة اللبنانية في ليبيا فأكد له أن بقاءه في الجماهيرية متوقف على تحديد مواعيد لبعض المقابلات الرسمية فإن تمت عاجلًا سافر على الأثر وإن أبلغ تعذر حصولها غادر أيضًا.
مساء 29/8/1978م حصل لقاء فكري حول «الكتاب الأخضر» بترتيب من السيد طلال سلمان بين الرئيس القذافي ووفد لبناني مؤلف من السادة: منح الصلح، محمد قباني، بلال الحسن، أسعد المقدم وبشارة مرهج فاستمر إلى ما بعد منتصف الليل علمًا أن هؤلاء وصلوا طرابلس الغرب يوم 26/8/1978م أي بعد وصول الإمام ورفيقيه إليها وقد زاروا سماحته بجناحه في فندق الشاطئ بعد انتهاء اللقاء صبيحة الثلاثين من آب سنة 1978م فأخبرهم انه كان على موعد تلك الليلة مع الرئيس الليبي وتلقى حوالي منتصف الليل مكالمة هاتفية تنبئ بتأجيله مما حمل السيد المقدم على الاعتقاد أن سبب التأجيل هو امتداد اجتماعهم مع الرئيس القذافي حتى ساعات الصباح الأولى.
يوم 31/8/1978م علم السيد المقدم من عباس بدر الدين أن مكالمة هاتفية جرت بين المسؤولين الليبيين والإمام وأن موعدًا للاجتماع بالرئيس الليبي حدد له وقد شاهده عند الساعة الواحدة والربع من بعد ظهر ذلك اليوم برفقة عباس المذكور يهمان بمغادرة الفندق مما جعله يستنتج انهما ذاهبان إلى الاجتماع المشار إليه.
بعد التاريخ والوقت المنوه عنهما انقطعت أخبار الإمام ورفيقيه انقطاعًا كليًا وما تزال، وقبيل العاشر من أيلول سنة 1978م أخذ القلق يساور أعضاء المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى سيما وقد علموا أن الإمام لم يتصل بعائلته ولم يصل فرنسا بعد، فأبلغوا قلقهم للمسؤولين اللبنانيين على أعلى مستوياتهم وأعربوا عن خشيتهم من أن يكون سماحته والوفد المرافق قد تعرضوا للسوء.
بتاريخ الرابع عشر من أيلول سنة 1978م قابل الأمين العام لرئاسة مجلس الوزراء اللبناني الدكتور عمر مسيكة، الرائد عبد السلام جلود فأكد له المعلومات الرسمية المعطاة من السلطات الليبية ومفادها أن الإمام ورفيقيه غادروا ليبيا إلى إيطاليا على متن طائرة «أليطاليا» الرحلة 881 عند الساعة الثامنة والنصف من مساء 31/8/1978م، مضيفًا أنهم سافروا فجأة وموضحًا أن تحقيقًا بوشر مع سائقي السيارات التي كانت موضوعة بتصرف الإمام بشأن مرافقتهم له إلى المطار دون إبلاغ المراسم.
وضعت النيابة العامة للجمهورية في روما يدها على التحقيق على أثر ما نشرته وكالات الأنباء من أخبار وعلى أثر ما طلبه القائم بأعمال السفارة اللبنانية في روما من السلطات الإيطالية من إيضاحات، فتبين لها أنه بتاريخ 1/9/1978م ظهرًا حضر شخصان كان أحدهما يرتدي لباسًا دينيًا إلى فندق «هوليداي إن» عرفا عن نفسيهما أنهما الإمام الصدر والشيخ محمد يعقوب وطلبا إشغال غرفتين في ذلك الفندق فأعطيا الغرفتين 701 و 702 ودفعا الحساب سلفًا عن مدة أسبوع ثم بعد دخولهما الغرفتين لمدة عشر دقائق خرجا بلباسين مدنيين ولم يعودا، وعندما فتحت الغرفتان بنهاية المدة المدفوع أجرها عثر على جوازي سفر الإمام والشيخ محمد يعقوب وعلى أربع حقائب بينها واحدة لعباس بدر الدين وكانت محتويات الحقائب من أغراض ووثائق وثياب قد خلطت فيما بينها خلطًا فوضويًا واحتوت أغراضًا غير عائدة أصلًا للإمام ورفيقيه لا سيما المحفظة البنية الظاهرة عليها صورة العربة والحصان، وتبين أن استمارتي الفندق كتبهما الشخص الذي عرف عن نفسه أنه محمد يعقوب بأحرف كبيرة وخط بدائي وأغلاط كثيرة.
وتبين أن رحلة طائرة «اليطاليا» رقم 881 من طرابلس الغرب إلى روما مساء 31 آب سنة 1978م تأخرت ساعة كاملة وبعد وصول الطائرة إلى مطار فيوميتشينو عند الساعة الحادية عشرة والدقيقة الثانية عشرة ليلًا تقدم من مكتب الأمن العام رجل عرّف عن نفسه أنه عباس بدر الدين مصرّحًا أنه ينوي الاقامة في فندق «ساتلايت» طالبًا تأشيرة دخول لمدة ثمانٍ وأربعين ساعة لزيارة المدينة على أن يغادرها متابعًا سفره إلى مالطا في اليوم التالي على متن طائرة «أليطاليا» الرحلة 490.
ولدى التحقيق مع نيكولوزي ليونارد وكولانجيلو بياترو وزانبيغو مارغريتا وسيدروني البرتو ودورانته جيوزييه وهوبر زيغفريد والعاملين في فندق «هوليداي إن» نفوا أن يكون للشخصين اللذين دخلا الفندق وانصرفا بسرعة المواصفات الجسدية وملامح الوجه العائدة للإمام والشيخ محمد يعقوب. ونفى أفراد طاقم طائرة «أليطاليا»: استولفي اورلندو وبيجي بيارو وكوسياني ليسيا وكونتينو سرجيو وباغنيلو روبير ريشار والراكبان فالنتي السندرو ودونسلمان جوزفين وموظفا الأمن العام في مطار فيوميتشينو كاردوني اندريا وفيدال الفريد واللذان دققا جوازات سفر القادمين على الطائرة المحكي عنها، أن يكون شخص له مواصفات الإمام الصدر الذي عرضت صورته عليهم قد كان على متن الطائرة في تلك الرحلة، كما نفى العريف دوناتو زوطو أن تكون للشخص الذي طلب تأشيرة الدخول المؤقت ملامح عباس بدر الدين الذي عرضت عليه صورته.
بتاريخ 7/6/1979م صدر عن قاضي التحقيق في روما قرارًا يقضي بحفظ القضية لعدم وقوع أية جريمة في إيطاليا بحق الإمام الصدر ورفيقيه.
وبتاريخ 15/2/1980م طلب المكتب الشعبي للجماهيرية الليبية في روما من القضاء الإيطالي إجراء تحقيق إضافي حول اختفاء الإمام ورفيقيه رابطًا بمذكرته نسخة عن تحقيق بدأته الشرطة الليبية في 3/7/1979م تمحور حول إفادات أدلى بها شهود ليبيون وشاهد موريتاني انطوت على أن الإمام الصدر ورفيقيه غادروا الأراضي الليبية مساء 31 آب سنة 1978م على متن طائرة «أليطاليا» الرحلة رقم 881.
وبعد تحقيقات مطولة وتمحيص دقيق وشامل للأدلة أصدر قاضي التحقيق بتاريخ 28/1/1982م قرارًا بحفظ القضية مجددًا لكون الإمام ورفيقيه لم يدخلوا الأراضي الإيطالية مساء 31/8/1978م ولكون أشخاص آخرين بقوا مجهولين انتحلوا شخصيات هؤلاء الثلاثة وزيفوا آثارًا لدخولهم وإقامتهم على الأراضي الإيطالية.
وحيث أن هذه الوقائع ثابتة:
1 - بالادعاء.
2 - بأقوال الشهود.
3 - بالمستندات المبرزة.
4 - بالوثائق الرسمية الصادرة عن القضاء الإيطالي.
5 - بمجمل التحقيق.
وحيث أن الإمام الصدر ورفيقيه شوهدوا على الأراضي الليبية في الفترة الممتدة بين الخامس والعشرين من آب سنة 1978م والساعة الواحدة والربع من بعد ظهر الواحد والثلاثين منه.
وحيث أن السلطات الليبية أصرت على أنهم غادروا ليبيا إلى إيطاليا على متن طائرة «أليطاليا» الرحلة رقم 881 مساء 31/8/1978م.
وحيث أن القضاء الإيطالي نفى بعد تحقيقات مطولة ودقيقة أساسية وإضافية أن يكون سماحته ورفيقاه قد دخلوا الأراضي الإيطالية، مشددا على أن أشخاصًا آخرين انتحلوا شخصيات الثلاثة المذكورين وزيفوا آثار دخولهم وإقامتهم على الأراضي الإيطالية.
وحيث أن الاعتداء الواقع على الإمام ورفيقيه في الخارج يستدعي معرفة ما إذا كان القضاء اللبناني صالحًا للنظر في هذا الاعتداء سيما وأن مسألة الاختصاص تتعلق بالانتظام العام وتنبغي إثارتها عفوًا.
وحيث أن مرسوم الإحالة على المجلس العدلي لا يولي هذا المجلس الاختصاص، بل يفترض به وبقاضي التحقيق لديه بالتالي التثبت من اختصاصه على ضوء القوانين الجزائية اللبنانية.
وحيث أن المادة 19 من قانون العقوبات اللبناني توجب تطبيق الشريعة اللبنانية على كل لبناني أو أجنبي فاعلًا كان أو محرضًا أو متدخلًا أقدم خارج الأراضي اللبنانية على ارتكاب جناية مخلة بأمن الدولة.
وحيث أن الحكومة اللبنانية اعتبرت بالمرسوم رقم 3794 تاريخ 4/2/1981م هذه القضية مخلة بأمن الدولة الداخلي وأن النيابة العامة التمييزية ادعت بجريمتي الفتنة والحض على النزاع بين الطوائف المنصوص والمعاقب عليهما في المادتين 308 و317 من قانون العقوبات.
وحيث أن الجريمة الثانية هي من نوع الجنحة ولا تقع بالتالي تحت مظلة المادة 19 المشار إليها التي تلحظ حالة الجناية فقط، فينبغي حصر البحث في الجريمة الأولى باعتبارها من هذا النوع.
وحيث أنه ليس من الضروري أن ينتج عن اختفاء الإمام ورفيقيه وحجز حرياتهم، أو يتحقق على الساحة اللبنانية وجه مادي من اوجه الاعتداء التي لحظتها المادة 308 من قانون العقوبات، بدليل أن هذه المادة رفعت العقوبة إلى الإعدام إذا تم الاعتداء واعتبرت وقوع الاعتداء ظرفًا مشددًا.
وحيث أن المادة 313 من قانون العقوبات تعاقب على المؤامرة بقصد ارتكاب إحدى الجنايات المذكورة في نطاق الفتنة أي أنها تعاقب على مجرد الاتفاق الذي يستهدف تحقيق هذه الجرائم، دون الحاجة إلى القيام، حتى بأعمال مادية ترمي مباشرة إلى التنفيذ.
وحيث أنه لم يتبين حتى الآن أن ثمة خلافات أو عداوات شخصية حملت من قبيل الانتقام والتشفي على خطف الإمام ورفيقيه وحجز حرياتهم.
وحيث أن موقع الإمام الصدر على رأس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان والكثافة الشعبية التي يؤثر عليها وتتأثر به في لبنان والدور الذي كان يلعبه على الساحة اللبنانية إبان الاعتداء عليه واحتدام الصراع على هذه الساحة في المرحلة المذكور أمور يغلب معها أن يكون خطفه وحجز حريته لا يستهدفانه شخصيًا بقدر ما يستهدفان تلك الساحة.
وحيث أن المشتركين في جريمتي الخطف وحجز الحرية بقوا مجهولين. وحيث أن ما يربط اختصاص القضاء اللبناني أو لا يربطه على ضوء ما تقدم، هو اتجاه نية هؤلاء المشتركين إلى خض الساحة اللبنانية وتأجيج الاقتتال الدائر عليها أو عدم اتجاهها.
وحيث أن القول بعدم اتجاه النية على هذا النحو يعني استباقًا للأمور ودفاعًا عن الضالعين في الاعتداء، فيكفي مجرد احتمال وجود مثل هذا الاتجاه لمتابعة التحقيقات توصلًا للتثبت من حقيقة النوايا.
وحيث أنه يقتضي والحالة ما ذكر تأكيد اختصاصنا للنظر بهذه القضية.
وحيث أن التحقيقات الحاصلة لم تؤدِ إلى معرفة المشتركين في الجرائم موضوع القضية فيقضي إصدار مذكرة تحرٍّ دائم توصلًا لمعرفتهم.
لذلك
نقرر وفقًا للمطالعة:
1 - تأكيد اختصاصنا للنظر في هذه القضية.
2 - إصدار مذكرة تحرٍّ دائم توصلًا لمعرفة الفاعلين والمحرضين والمتدخلين في الجرائم موضوعها.
قرار صدر بتاريخ 18/11/1986م
المحقق العدلي
طربيه رحمة