التنمية الإنسانية - السيدة رباب الصدر

الرئيسية إصدارات كلمة سواء مؤتمر كلمةٌ سواء العاشر: التنمية الإنسانية: أبعادها الدينية والإجتماعية والمعرفية ... وإشراقات من فكر الخاتمي

اليوم الأول - الجلسة الافتتاحية
 
التنمية الإنسانية
السيدة رباب الصدر
يمثلها السيد صدر الدين الصدر

بسم الله والحمد لله والصلاة على رسول الله وآله وصحبه
فخامة الرئيس السيد محمد خاتمي
فخامةَ رئيسِ الجمهورية مُمَثلاً بمعالي الوزير الحاج محمد فنيش
دولةَ رئيسِ مجلسِ النواب
دولةَ رئيسِ الحكومةِ ممثلاً بمعالي الوزير الدكتور فوزي صلوخ
أصحابَ الدولة
أصحابَ الغبطةِ والسماحةِ والسيادةِ والفضيلةِ والمعالي والسعادة
أخواتي وإخواني أبناءَ الإمام الصدر
زملائي الاعزاء
أيها الحفل الكريم
السلام عليكم…..

بسم الله الرحمن الرحيم ﴿يا أيُّها الانسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه﴾ "صدق الله العظيم" (الانشقاق 6)

بداية لا بدّ من كلمة ترحيب نخصّ بها ضيفنا العزيز رئيس الجمهورية الاسبق السيد محمد خاتمي الذي شرّفنا بحضوره مؤتمرنا، فأهلاً وسهلاً به.

1- في مؤتمر صحفي عقده الإمام السيد موسى الصدر في آب 1966، وفي عرض واقعي وعلمي اعتمد دراسات بعثة ارفد إلى لبنان تعرّض فيه لقضايا الحرمان والمحرومين في لبنان ومطالبهم, آلامهم وآمالهم - كما عبر - حمّل الامام الدولة مسؤولية إهمال جزء كبير من الوطن بدءاً بالمناحي التنموية وانتهاء بلامبالاتها حيال الاعتداءات الاسرائيلية والتي شكلت هي الاخرى عاملاً إضافياً في ازدياد رقعة انتشار الحرمان وتعميقه.
"في هذا الجو من الاهمال والحرمان والدونية"، يقول الإمام الصدر "تنامت إرادة تبحث عن وطن حقيقي تتساوى فيه طوائفه ومناطقه" (الامام الصدر 1966)

2- وفي وقت لاحق اكد الامام ان السبب الاساسي لهذا الاهمال والحرمان الناتج عنه هو البنية الطائفية للدولة بكل مؤسساتها. فـ "لا حماية…. ولا أمن ولا تخطيط انمائي ولا اهتمام بالحاجات المعيشية اليومية ولا استثمار للثروات ... ولا تطوير للزراعة .... ") الامام الصدر 1974(
واتهم المسؤولين بأنهم "يتجاهلون بقسوة متناهية حقوق المحرومين ويهددون بسلوكهم أمن الوطن وكيانه واستقراره وتعايش ابنائه" (الامام الصدر1974)

3- لذا وقف الإمام ضد النظام الطائفي في لبنان لفشله في صيانة الفئات المحرومة، هذا النظام الذي لم يحقق المساواة (الامام الصدر 1973) بين ابناء الوطن الواحد، بل كرّس الاقطاع السياسي وأعطاه لون القداسة (الامام الصدر1971)
وطالب الدولة بتحمل مسؤولياتها وتأمين العدالة للقضاء على الولاءات الطائفية، وأنهى بإعلانه ضرورة إلغاء الطائفية السياسية، سبب التخلف والحرمان والاهمال.
"اعتقد ان النظام الطائفي فشل بتأمين العدالة الاجتماعية. فالمواطن اللبناني لا يطلب .. المعجزات ... لكنه يرفض التمييز..." (الامام الصدر1972)

4- الغاية النهائية من التصدي للحرمان او التنمية حسب الامام الصدر هي الاستثمار في الانسان، "تأمين المناخ الملائم للإنسان لتفجير كفاياته" وذلك عبر تمكينه من امتلاك المعارف والمهارات, الادوات المناسبة والفرص ما يمكّنه من تحقيق ذاته وخدمة مجتمعه في عملية متواصلة حدودها استنفاذ العناصر المكونة لإنسانيته, خلافته في الارض ...
والتنمية عند الإمام ليست غاية بذاتها كما أنها تتخطى حدود لبنان وإنسانه, انها ضرورة وجودية بالمقدار الذي كان يراه الامام للبنان ودوره…فلبنان رسالة....وبسببها فهو "ضرورة قصوى للعالم…ضرورة حضارية" (الامام الصدر1977)

"ان دور لبنان وموقعه السياسي من محيطه ومن العالم حضاريان، وتأمين هذا الدور وهذا الموقع يتم بالعدالة الاجتماعية، بالحريات السياسية، بالعروبة الحضارية، وبتنظيم الوحدة الوطنية المتميزة بسبب الطوائف العديدة فيه، مما يجعل الطوائف نوافذ حضارية لا حواجز مجتمعية". (الامام الصدر 1977)

5- التنمية مشروع متحرك دينامي تتغير أهدافه ومفرداته وأدواته بتغير البيئة والحقبة التاريخية وذلك بشكل متواصل ومتسارع. إلا أن الانسان يبقى هو الأساس, الهدف والمحور في أي مشروع أو رؤية تنموية، وتبقى إمكانية استنهاض وإطلاق إمكاناته الذاتية منوطة بمؤسسات راغبة و قادرة.
لهذا لم يكتفِ الامام بأن استعرض الحرمان واسبابه وبأن دعا الدولة بأجهزتها لتحمل مسؤولياتها, بل عمل جاهدا على بث الوعي التنموي وإشراك المحرومين في العمل على تغيير وإصلاح واقعهم.

فمن المهام التثقيفية والخدمات الاجتماعية العامة بدأ الامام عمله ببناء الانسان، فكانت رحلة المحاضرات والندوات والمؤتمرات والمهرجانات وأخيراً المؤسسات التي استنهضت الانسان للعمل على تغيير واقعه ... بعيداً عن التعصب والانفعال..
"الخطوة الأولى في طريق تربية الإنسان ورفع مستواه في جميع حقول الكمال" بتعبير الامام "هي في جعله يشعر بكرامته ويهتم بشؤون نفسه."

فمن الجمعيات والاندية الثقافية، إلى المدراس المهنية المتخصصة الى المؤسسات الرسمية والشعبية إلى ابراز دور المرأة في عملية النهوض الاجتماعي وتشجيعها على الاضطلاع بدورها في العملية التنموية ومن خلال المؤسسات ذات الطابع الديني البحت و الاجتماعي – السياسي عمل الإمام الصدر على ايقاظ وبث روح العمل في المحرومين و على ايجاد الوعي الضروري لبدء عملية التصدي للاهمال والحرمان, العملية التنموية بمجمل ابعادها الثقافية والتربوية والصحية.. والتعبوية – فمفاهيم العدالة والمساواة والحرية ... مفاهيم فطرية في نفس الإنسان.

"إن لبنان الجديد يجب أن يبني مجتمعاً ينسجم مع عبقرية المواطن وطموحه، لا أن يحدّها، وهذا لا يتم الا بخلق ساحة عمل للمواطن تكون أوسع من الوطن، كما لا يتم إلا بتوفير الفرص لجميع المواطنين الذين تشكل طاقاتهم المجمدة ثروة لبنان الأولى."
"إن المجتمع الواحد، الذي يضمن الحريات والعدالة والثقة المتبادلة والعلاقات العامة بينه وبين محيطه، تلك التي تفتح آفاق العمل للمواطنين بعض أركان لبنان الغد.(الامام الصدر1977)

6- من خلاصات تقرير التنمية البشرية التأكيد على أن مسألة التنمية في العالم العربي أصبحت من التعقيد بحيث أنه لم يعد بالامكان إغفال اي جانب من جوانب الحياة البشرية عند طرحها .. فالاجتماعي اصبح متداخلاً بالسياسي والكل متشابك بالبعد الاقتصادي….
هي عملية تغييرية نهضوية إصلاحية متعددة الابعاد تحكمها رؤية شاملة تهدف إلى الارتقاء بالانسان وتمكينه من مواجهة التحديات التي تعترض طريقه نحو المستقبل، المستقبل الذي يختاره بناء على معطيات البيئة المحيطة بكل أبعادها .. الاجتماعية والسياسية الاقتصادية والثقافية والإنسانية ...
وتغدو ملحة مسألة التنمية عندما تواجه المجتمع تحديات متعددة الابعاد تطال حتى وجوده .. ففي عصر العولمة وثورة المعلومات والاتصالات وتقلص الحدود السياسية والسيادية للدول بالمعنى الذي كان متداولاً في القرن السابق اصبحت قدرة المجتمعات غير النامية على الاستمرار بطمأنينتها المألوفة محدودة, إن وجدت.
7- لكن، في ظل أنظمة شمولية, انتخب رؤساؤها بدون منافسة, ولعقود ليس باستطاعة، حتى العرّافين، تحديد أمدها… حيث لا تتوافر أقنية "مدنية" تعبّر بها وعبرها الشعوب عن قلقها، مطالبها ومصالحها, حيث لا قدسية الا للزعيم الواحد الملهم وعائلته مع بعض المنتفعين هنا وهناك, وحيث الاستبداد والسجون والمعتقلات والقتل والمقابر الجماعية والاخفاءات القسرية, حيث الشح والفقر والحرمان بكل أشكاله والفساد بكل تجلياته, حيث لا شيء حراً لا لجنة ولا هيئة ولا مجلس ولا صحافة ولا قضاء…حيث كل هذا والقائمة تطول وتطول….
اي تغيير يرتجى؟
خاطب احد المسؤولين في افتتاح مؤتمر دبي 2004 إخوانه العرب في السلطة بقوله: "اذا لم تتغيروا، فسيتم تغييركم".
قلقنا، ان تصدق نبوءة " المسؤول العربي الذي في السلطة" فيعيد التاريخ نفسه حيث مضمون الخيارين اللذين يضعهما امامنا واحدا ويعود الاستعمار بوجهيه, مقنعاً او مباشراً. وهل أبلغ من الديكتاتور عميد الزعماء العرب الذي لم يُبْقِ أخضر في ليبيا الا تجديفاته والعراق المحتل اليوم كأمثلة على صدق النبوءة؟
هذا قلقنا، اما قناعتنا ان خيارات الشعوب, كل الشعوب المقهورة وبتناغم أكاد أقول تآمري ما بين مطرقة الاستبداد الداخلي وسندان هيمنة القطب الواحد بنزعته الامبراطورية، هي وإن كانت محدودة إلا أنها وبالاستناد الى التجربة واعدة.
اسمها اليوم كما بالامس وغداً: المقاومة"…..ثورة الحق الذي ينبلج كالفجر الصادق قليلا وضعيفاً فينمو وينتشر على ظلام الليل الكبير فيحول العالم الى ضياء وامل وحركة…" كما عبّر مطلقها الامام السيد موسى الصدر.

"وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الارض "صدق الله العظيم (النور/ 55(

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.