اليوم الأول - الجلسة الافتتاحية
سماحة آية الله الشيخ عبد الأمير قبلان
نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين الذين اتبعوه بإحسان إلى يوم الدين.
كم كنت أتمنى يا سيادة الرئيس خاتمي أن يكون الامام موسى الصدر باستقبالك، لأنه كان شغوفاً لتطلّ عليه الجمهورية من عليائها لتضفي على شعوب الامة أمناً وسلاماً واطمئناناً. الامام موسى الصدر يستقبلك اليوم، ونحن في خدمته نرحب بك في لبنان وفي مؤتمر كلمة سواء لأننا نقول للامام الصدر في غيابه نحن على الخط وعلى المبدأ لا نحيد ولا نتقلب ولا نماري، خلقنا الله طيبين طاهرين وسنبقى على خط اهل البيت في خط الاستقامة طيبين طاهرين.
التنمية صعبة جداً، ومع وجود الانظمة الفاسدة لا يمكن أن تتحقق تنمية. الذي يبني قصوراً شاهقة في العراق، لا يمكن ان يكون لديه تنمية. والذي يغيّب الامام موسى الصدر في ليبيا لا يفهم معنى التنمية، يعرف معنى الهمجية والوحشية والقبلية والعصبية. ولكن الامام موسى الصدر يتجاوز الجميع ويرتفع الى السماء مع عيسى ابن مريم. نرحب بك، لنقول لك نحن على خطى النبي والائمة والاصحاب المنتجبين. حاربنا مع الامام موسى الصدر، وجاهدنا، وصبرنا، وبغيابه سنبقى معه يا سيد صدري، يا حوراء، يا مليحة، يا حميد، يا أم رائد. نحن أهل موسى الصدر، نحن إخوان موسى الصدر، نحن شعب موسى الصدر. لن نفارق قطّ موسى الصدر ما بقينا على قيد الحياة. إذاً، هذه الذكرى مميزة بوجودك أيّها الرئيس، نخاطبك بالأخ، نحن مع الرؤساء لا حول لنا ولا طوق. نحن مع المؤمنين -مع احترامنا للرئيس بري- لذلك نحن في صف المؤمنين المحرومين المستضعفين، فلذا هذا اللقاء مميز بوجود الرئيس خاتمي والرئيس بري وبوجود حزب الله وحركة أمل. نخاطب الامام موسى الصدر من هنا نقول له: يا أبا صدري، اجتمعت أمتك على خطك، وخطك هو خطّ المقاومة، والمقاومة هي راية الجميع. نحن مع المقاومة، سيقولون نحن مع حركة أمل ومع حزب الله، المقاومة. أنا منذ 1948 مقاومة. قبل أن تبصر النور حركة أمل ويبصر النور حزب الله، عندما دخلت اسرائيل على بلدتنا ميس الجبل، كنت مع والدي وهبط علينا رتل دبابات من المنارة وتخطى ميس الجبل، وكنت أقول لوالدي: "أخاف أن يقتلونا". كان يجاوبني: "لا تخف إن الله معنا ومن كان مع الله، كان الله معه". نعم، جاء موسى الصدر، نفض الغبار، وحّد الصفوف، عمل ما عمل من أتعاب ونشاطات، وأسس.. لذلك أتعبنا الامام موسى الصدر، أتعبنا بحياته، وأهلكنا بعد غيابه لأنه كان شعلة، وكان نوراً، وكان عملاً مستمراً. انسان صاحب طاقة جبارة.
بالأمس كنت في ايران، في أصفهان، سألت العامة من الناس :" ما رأيكم بالسيد محمد خاتمي؟" فقالوا:" إنه محبوب جداً عندما جاء الى أصفهان اجتمع الناس من كل حدب وصوب بدون دعوة". هكذا تحبون خاتمي. نعم. ولذلك أطالبك سيدي بأن تكون أصفهان عاصمة ثقافية للجمهورية الاسلامية في ايران واطالبك يا سماحة السيد ان يكون هناك مدينة جامعية في أصفهان للتقريب بين الملل والنحل لا بين المذاهب لأن أصفهان بلد العلماء، بلد التراث، بلد الهندسة، بلد الشيخ لطف الله الميسي، بلد الشيخ بهاء الدين العاملي، بلد المجلسي، بلد الفقهاء.. فتستحق ان تكون أصفهان عاصمة ايران الثقافية.
بداية أتوجه بالتحية إلى القيمين على انعقاد هذا المؤتمر وأبارك جهودهم وفي مقدمهم الأخت الكريمة السيدة رباب الصدر، كما أتوجه بالتحية أيضاً إلى الأخوة الكرام المشاركين بالحضور أو بالكلام وبخاصة فخامة الرئيس سماحة السيد محمد خاتمي الذي نحترم ونقدر دوره الرائد لا سيما في مؤازرته ومواكبته لمثل هذه المؤتمرات التي تعنى بقضايا الإنسان وضرورة كشف مكامن الخلل التي تعيق لا بل تعرقل كل سبل التحرر من الجهل والتخلف.
آملين بأن نكون جميعاً في مستوى هذا التحدي الكبير الذي تواجهه أمتنا العربية والإسلامية عاملين معاً على تحديد العراقيل وسبل مواجهتها بما يضمن لنا الفكاك من طوق التخلف هذا، وإرساء صحوة معرفية تعيشها الأمة وتتفاعل معها، وتكون قادرة على إثبات وجودها واسترداد دورها الثقافي والحضاري الذي بكل أسف نجده الآن يعيش تراجعات خطيرة في ظل حالة مقلقة استشرى فيها الجهل والأمية وتعاظمت فيها شأوة التسلط التي عطلت كل أسباب التنمية الإنسانية، وقوقعت إنساننا وحاصرته ضمن دائرة الإنسان المصفق دائماً والمحروم من حقه الطبيعي والمشروع في أن يفكر أو يبحث أو ينتج، وانتزعت منه كامل حقوقه في الاعتراض والمشاركة، منتهكة بذلك أدنى حقوق الإنسان في حرية التعبير عن رأيه وفي ممارسة دوره كإنسان أراده الله أن يكون حراً.
الله سبحانه وتعالى لم يُكْرِه البشر على الإيمان بل شاء لهم أن يتحركوا بحرية لقوله تعالى «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» سخّر لنا الفلك، سخّر لنا الأنهار، سخّر لنا الليل والنهار، سخّر لنا ما في السماوات وما في الأرض كي نعقل، كي نتذكر، كي نتفكر، علّمنا بالقلم، علّمنا ما لم نعلم، ليقوم القسط بين الناس، ليتحقق العدل وليعم الرخاء لا فقر لا جهل لا تخلف، لا استبداد لا ظلم، لا تسلط، بل معرفة وبيان «الرحمن، عَلَّم القرآن خلق الإنسان، علَّمه البيان» ميّزه عن سائر المخلوقات بأن جعله خليفة في الأرض، فضَّله وأعزه وأكرمه بالقدرة على التعلم وإشاعته بين الناس، إذ لا معنى لأي إنسان من دون علم، ولا قيمة له، رسول الله (ص) يقول: «فضل العلم أحبّ إلي من فضل العبادة». وأمير المؤمنين علي (عليه السلام) يقول: «لو علم الناس ما في طلب العلم لطلبوه بسفك المهج وخوض اللجج».
من هنا، أيها الأخوة المشاركون، ومن خلال مؤتمركم هذا المنعقد تحت عنوان كلمة سواء للبحث في موضوع التنمية الإنسانية أبعادها الدينية والاجتماعية والمعرفية ندعو إلى ضرورة التركيز على التنمية الإنسانية وإعطائها من الاهتمام ما يؤدي إلى انطلاقتها انطلاقة علمية وعملية توفر لإنساننا كل مقومات التعلم والمعرفة وذلك من خلال إفساح المجال أمام النخب من المثقفين والباحثين المرموقين في عالمنا الإسلامي والعربي للعب دورهم في الإشراف على توجيه وترشيد وتثقيف شبابنا الذي نعوّل عليه والذي ينبغي أن يتصدر أولويات واهتمامات مؤسساتنا وحكوماتنا.
إننا نطمح بأن يتحول شبابنا من ناقل للمعرفة إلى صانع لها، ومن مستورد إلى مستثمر، وهذا يتطلب جهوداً جبارة يجب أن تبذل لأن الذي يطلع على تقارير التنمية الإنسانية في عالمنا العربي والإسلامي يجد كم هو مقلق واقعنا وكم هي مخيفة الأرقام التي تتحدث عن نسبة الأمية ويدرك الأهمية الكبرى التي تحتلها المعرفة في تنمية الشعوب وتقدمها والتي لا تتعارض أبداً مع واقع عقيدتنا الإسلامية فالإسلام يأمرنا بأن نتعلم.
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اطلبوا العلم ولو بالصين فإنّ العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة».
الإسلام يشجعنا على طلب المعرفة لأن الجهل ظلمات في الدنيا وفي الآخرة، والجاهل لا يعرف نفسه ولا يعرف الله. أمير المؤمنين علي عليه السلام قال: «من عرف نفسه فقد انتهى إلى غاية كل معرفة وعلم».
علينا أن نعرف أنفسنا أيها الأخوة وأن نحدد موقعنا ليتبين لنا كم نحن مقصرون وكم نحن بحاجة إلى الكثير من العلم والسعي إلى طلب المعرفة، كم نحن بحاجة إلى أن نقرأ ونقرأ ونقرأ لننفض غبار هذا الجهل وهذا التخلف، لنستيقظ من هذا السبات المخيف، لنستنهض هذه الأمة التي تواجه الآن كمّاً هائلاً من التحديات في فلسطين وفي العراق وفي لبنان وفي سوريا وفي إيران وفي كل عالمنا العربي والإسلامي وبخاصة التحدي العلمي والمعرفي الذي يشكل المرتكز الأساس في عملية الاستنهاض المجتمعي وإعادة بناء الأمة، كما ينبغي أن تكون أمة واعية متراصة متضامنة متكافلة فيما بينها، وهذا ما سعى إلى تحقيقه الإمام المغيب السيد موسى الصدر، ولكن للأسف الشديد لم يكن ما كان يسعى إليه مقبولاً لدى البعض، وبالخصوص النظام الليبي، هذا النظام المتخلف والمتسلط والظالم هو عدو الإنسان والإنسانية، لا يؤمن لا بمعرفة، ولا بفكر، ولا بتطور، بل هو متحفز دائماً لمناهضة أي فكر تنويري يمكن أن يوقظ الأمة ويؤدي إلى إسقاط مثل هذه الرموز المستبدة.
نعم أيها الأخوة، الإمام الصدر كان يعي ماذا يريد ويعرف تماماً مكامن الضعف في الأمة، ولهذا كان تركيزه دائماً على بناء المؤسسات وعلى دورها في عملية الإصلاح وبناء المجتمع على قاعدة يكون فيها الإنسان هو المحور، وتنميته هي الغاية والهدف، لأن الإنسان هو أكرم المخلوقات عند الله تبارك وتعالى، ورسوله (ص) يقول: «ما من شيء أكرم على الله من ابن آدم» قيل: «يا رسول الله ولا الملائكة؟» قال (ص): «الملائكة مجبورون بمنزلة الشمس والقمر».
وفقنا الله جميعاً إلى مرضاته وهدانا إلى صراطه وجعلنا من المخلصين لله في ما نعمل وفي ما نقول يحكمنا قوله تعالى «قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً».
نعم فإلى الكلمة السواء أيها الأخوة، إلى الكلمة الحق، التي تشرّع لنا آفاق التحاور وتوفر لنا سُبل التعاون لما فيه كرامة الإنسان وعزة الإنسانية.
والحمد لله رب العالمين.