المحور الثاني: البعد الديني للتنمية الإنسانية
رئيس الجلسة سماحة الشيخ أحمد الزين
بسم الله الرحمن الرحيم
التنمية الإنسانية لا بد لها أن تبدأ من الإيمان بالله تعالى ومن ثم تنتقل للإنسان ليأخذ موقعه بين سائر الخلائق باعتباره خليفة الله على هذه الأرض يعمرها ويبني عليها مدينته وحضارته وليكون المخلوق العزيز الكريم الذي فضله الله تعالى على سائر مخلوقاته ﴿ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً﴾ هذا الإنسان الذي كرّمه الله تعالى وفضله على كثير ممن خلق إنما تصان كرامته بما جاء به الدين من قيم إنسانية تتمثل في تطبيق العدالة والحرية والمساواة والتعاون بين البشر وتصان كرامته أيضاً بتطبيق ما حرم الله تعالى من اعتداء على حياة الناس وأعراضهم وأموالهم، وكذلك نرى كيف كرم الله تعالى الإنسان بما هيأ له من أسباب العلم والمعرفة حيث يقول تبارك وتعالى وهو يتكلم عن سيدنا آدم عليه السلام ﴿وعلَّم آدم الأسماء كلها﴾ وكانت الكلمة الأولى التي تنزل بها الوحي على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم (إقرأ) وهكذا إن مشروع التنمية في الدين وما يتضمن من قيم إنما هو مشروع للتقدم والنهوض بالمجتمع، وذلك انسجاماً مع نظرة الدين للكون الذي خلقه الله تبارك وتعالى وسخره لخدمة الإنسان من أجل استمراره في هذه الحياة وقيامه بوظيفته خليفة لله على هذه الأرض. مصداق ذلك قوله تعالى ﴿ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة﴾ وهنا نأتي لطرح هذا السؤال: إذا كان الله تبارك وتعالى قد خلق السموات والأرض وجعلها مسخّرة لخدمة الإنسان فيكون من الواجب والمحتم أن تأتي القوانين والشرائع والعلوم والفنون لخدمة الإنسان دون أن تفرق بين الناس بسبب اللون والجنس أو الطائفة أو الحزب أو المذاهب ويكون ذلك كما أشرنا انسجاماً مع الخط الكوني في خدمة الإنسان وعلى هذه القاعدة تكون التشريعات التي لا تراعي العدالة والمساواة في القيمة الإنسانية تشريعات مرفوضة إنسانياً وكذلك العلوم التي تنشر الأسلحة المدمرة للحرب وقتل الناس الأبرياء كالأسلحة النووية إنما هي علوم مرفوضة أيضاً وتتعارض مع التنمية الإنسانية والقيم الحضارية.
إن البعد الديني للتنمية الإنسانية يحتم علينا أن ننظر للمستقبل وأن نضع المشروع الذي ينهض بالوطن والمجتمع في جميع القطاعات سواء كان ذلك في الاقتصاد أو في التربية أو في النواحي الاجتماعية وسائر النشاطات ولا بد لنا ونحن نتحدث عن التنمية الإنسانية أن نتساءل عن الأسباب التي كانت وراء إلغاء وزارة التصميم في لبنان لما لهذه الوزارة من فائدة في مجال التنمية ورسم صورة المستقبل.
إن البعد الديني للتنمية الإنسانية يحتم علينا أن ندرس الواقع دراسة علمية مستفيدين من تراثنا الحضاري والثقافي والديني متطلعين إلى بناء مستقبل كريم لوطننا ومجتمعنا وذلك من خلال تهيئة وتصميم المشاريع اللازمة من قبل رجال الاختصاص وفي سائر القطاعات والنشاطات الإنسانية.
والشكر الجزيل لمركز الإمام السيد الصدر للأبحاث والدراسات على ما يبذل من جهد يشكر عليه لإقامة المؤتمر العاشر كلمة سواء في موضوع التنمية الإنسانية أبعادها الدينية والاجتماعية والمعرفية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نص الكلمة المرتجلة لسماحة الشيخ أحمد الزين
بسم الله الرحمن الرحيم
الامام السيد موسى الصدر له في قلبي موقعاً رفيعاً، وفي وجداني مكانة عالية، بما تميّز به من ايمان عميق بالله تبارك وتعالى ونظرة رفيعة وكريمة للانسان ولما تميّز به من صفات وقيم فاضلة، جعلتني وإخواناً لي على علاقة وجدانية وحب وتقدير لهذا الانسان الكبير. لأصل معكم الى النتيجة مباشرة، نتيجة الموضوع الذي اجتمعنا عليه ألا وهي أن الامام السيد موسى الصدر قد سبق المجتمع اللبناني في ذلك الوقت ولا أبالغ اذا ما قلت أنه سبق المجتمع العربي في ما كان يحمل من عقيدة وقيم إنسانية رفيعة. ثانياً، ان الامام السيد موسى الصدر بما كان يحمل من قيم ومبادئ لم يكتفِ بطرحها نظرياً وإنما مارسها على الارض وفي الواقع وفي علاقاته مع الناس. ثالثاً، ان الامام السيد موسى الصدر كما أشرت قد سبق مجتمعه فيما طرح من مبادئ ونظريات للتنمية الإنسانية، انطلاقاً مما كان يحمل من عقيدة ومن مبادئ، تجاوز، حتى لا يكون كلامي نظرياً ادخل معكم الى الواقع، تجاوز الفوارق الطائفية والمذهبية والعرقية والعائلية والقبلية ليكون للإنسان الكريم الذي كرّمه ربه. من اجل هذا نراه مع سائر الناس على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم نراه المنارة التي أنارت لنا طريق التنمية ولكن وللأسف الشديد الخط المرسوم للبنان ولسائر المنطقة العربية كان يقف سدّاً في وجه أي تنمية. نحن درجنا على الالتفات الى القضية الفلسطينية ونصفها بالقضية المركزية، وحتى الآن نقول ان القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للعرب جميعاً. واذا بنا نرى التوجه للعرب ولسائر العرب باعتبار ان إسرائيل هي القضية المركزية ويجب ان تتوجه الانظار والاهتمامات لإسرائيل، ولمستقبل إسرائيل، وللتنمية في إسرائيل، لا للقضية الفلسطينية. وكان على هذا الخط الاستراتيجي تغييب موسى الصدر وكان على هذا الخط المتسلسل قيام بعض زعماء العرب منذ اكثر من 80 سنة بالتوقيع على صك للانكليز بمساعدة قيام دولة إسرائيل وكان على هذا الخط باعتبار إسرائيل هي المركز للتنمية ما جرى سنة 1948 بالطلب من الشعب الفلسطيني بالخروج من فلسطين أملاً بالعودة بعد أسبوعين من الزمن وكان أيضاً ما شهدناه من هزيمة 1967 وتسليم إسرائيل الارض الباقية من فلسطين التي باركها الله، طريق تنمية لإسرائيل باعتبارها القضية المركزية وما تحقق من انتصار عسكري سنة 1973 للجيش المصري حُوِّل الى هزيمة سياسية في وثيقة اتفاق كامب دايفيد، وشاهدنا كيف ان إسرائيل دخلت بيروت ودمّرت البيوت وشرّدت النساء والاطفال على مرأى من القيادات العربية التي لم تحرك ساكناً انسجاماً مع اعتبار إسرائيل هي القضية المركزية، لأصل معكم في النهاية الى تلك الحرب التي عشناها 16 عاماً في لبنان. هذه الحرب التي صُوِّر لنا فيها من الحجج والاسباب الواهية، ولكن الحقيقة التي وصلنا اليها هي ان على العرب ان تثار في مجتمعاتهم المشاكل والحروب: في الاردن، في لبنان، في العراق.... ولكن ليتاح لإسرائيل ان تبني نفسها تنموياً وان تتقدم وان تقيم السلاح النووي. اما لبنان فلينشغل مع الفلسطينيين ومع الاحزاب في حرب الى ما لا نهاية وهكذا في سائر المناطق العربية. والآن نحن لا زلنا نسير على نفس الدرب فلننشغل في كثير من الامور والمشاكل التي تطرح أمامنا لتستمر إسرائيل في تنمية مجتمعاتها. من اجل هذا غُيِّب السيد موسى الصدر الذي أطلق تلك الصرخة بقوله: "إسرائيل شرّ مطلق" فيما قامت عليه من عنصرية لا إنسانية ولا حضارية وفيما تهدف اليه من اهداف لاإنسانية وعدوانية. سأكتفي بهذا لأني تجاوزت الوقت لأعود لإخواني المشاركين في الندوة لأقول: لن أقدم سيادة المطران جورج خضر من خلال ثقافته الواسعة، ولا من خلال ما يحمله من شهادات في الحقوق وفي اللاهوت وفي سائر العلوم والمعارف، وما يحمل من دكتوراه شرف من معهد القديس فلاديمير، ولن أقدمه كأستاذ للحضارة العربية في الجامعة اللبنانية وكأستاذ للاهوت الرعائي والاسلاميات، او من خلال المراكز التي شغلها في اكثر من مؤسسة، لن أقدمه من خلال مؤلفاته العربية والتي يزيد عددها على عشرين مؤلفاً، او من خلال مساهمته في تأليف عدد من الكتب او من خلال المحاضرات التي ألقاها في مناسبات كثيرة بالعربية والفرنسية والانكليزية. ولكنني اقدمه لكم كعلم من اعلام رجال الدين المسيحيين في لبنان والعالم العربي وكصديق حميم للامام السيد موسى الصدر أقدم لكم سيادة المطران جورج خضر فليتفضل مشكوراً.