المحور الثالث: التنمية الإنسانية في فكر الإمام الصدر وتجربته
الدكتور ساسين عساف
أوّلا" : مصادر الأخلاقيات في فكر الامام
اشكالية فكرية مطروحة منذ القدم والمراجع الدينية والفلسفية بشأنها في اختلاف نظر: أتأسيس الأخلاقيات قائم على الدين أم على الفلسفة؟
ابن سينا والفارابي وابن طفيل أسّسوا الأخلاق على الفلسفة لا على الدين..
والأبيقورية نفت الأصل الغيبي للحسّ الأخلاقي.
الامام الصدر ليس من جميع هؤلاء، إنّه من القائلين بأنّ مصدر الأخلاقيات هو ديني وأنّ المقتضى الأخلاقي هو أمر ربّاني إطلاقي والهدف منه تنمية الجانب الروحي في حياة الفرد والمجتمع .. إنّ التأسيس الديني للأخلاقيات استقاه الامام من القرآن الكريم والسيرة النبوية الشريفة ونهج الإمام عليّ واستشهاد الحسين وأفهوم الجهادين الأكبر والأصغر..
أصول الفكر الأخلاقي عنده تعود إلى إرادة الله في خلقه وذلك لارتباط الأخلاق بالحقيقة اليقينية، بأفاهيم الخير والشرّ والجهل والمعرفة والفضيلة والرذيلة وبفهم مكانة الدين في التاريخ . فالدين هو معيار الأخلاق السامية التي تنقذ الانسان من ميوله الوضيعة وتلقي فيه الفضائل وترتفع به عن الرذائل .. وعليه، النصّ الديني هو الأصل الوحيد للمبدأ الأخلاقي . هو النصّ التأسيسي للأخلاق . هو الهندسة "اللاّهوتية" الأصلية والثابتة للوعي الأخلاقي.
بهذا المعنى يقترب الامام من " كانط " المؤمن بالأصل الربّاني للأخلاق التي هي متعذّرة عنده بدون الإقرار بحساب سماوي ..
إنّ بنية الوعي أو الفكر الأخلاقي لدى الامام الصدر بنية مثالية مستخلصة من تعاليم أو أحكام النصّ الالهي أو أوامره أو وصاياه .. إنّها بنية ايديولوجية تحاول أن تؤوّل النصّ بما يتلاءم وراهنيّة الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي .. بهذا المعنى يبدو الامام الصدر في الاسلام عديلا" لتوما الأكويني في المسيحية .. فالتأويل عنده هو وسيلة للتكيّف مع الواقع استجابة لتحديّاته .. هنا تتحوّل الأفاهيم الأخلاقية إلى وقائع أو سلوك يلبّي الضرورة التاريخية ويفي بمتطلّبات الارتقاء الروحي (الأخلاقية الارتقائية ) ..
أمّا بينه والقديس أوغسطينوس فنقاط اتفاق ونقاط اختلاف:
يتّفقان في أنّ الله هو مصدر الأخلاق وفي أنّ فعاليّة الانسان هي في إرادته الحرّة وفي أنّ المؤمن الحقّ أو المتديّن يستأصل من نفسه "الأهواء الآثمة"..
يختلفان في مندرجات ما يعني "لاهوت الاذعان" والتسليم الصوفي عند أوغسطينوس ومندرجات "لاهوت التحرّر" والارادة الثورية عند الامام .. من مندرجات اللاهوت الصوفي نعدّد الاستكانة والفناء في الحبّ الالهي وانتظار الخلاص السماوي والزّهد والتخلّي عن الذات انصياعاً للإرادة الإلهية .. ومن مندرجات اللاهوت الثوري نعدّد الاقدام والرجولة والعدالة الاجتماعية والنضال على الأرض والانخراط المسؤول في حياة الجماعة والأمّة وتأكيد الذات تجسيداً للإرادة الإلهية .. (للإمام الصدر محاضرة بعنوان: الدين وحركات التحرّر في العالم العربي) .
المتطلّبات الأخلاقية جاءت في النصّ الديني، كما يراها الامام، بمنزلة الفروض والارشادات نهوضاً بمسؤولية الواجب وإتماماً لعمل الخير والفضيلة وتلافيا" للشرّ والمنكر .. وهي تتّخذ صورة القواعد والوصايا ..
وعلى منهج "روسّو" تنبع بعض آرائه الأخلاقية من موقفه الاجتماعي والسياسي. فقد رفض أنظمة الاستبداد والظلم والاستغلال والاكراه والحرمان وثار عليها وانتقد حضارة المجتمع المادي وهيّأ لحضارة المجتمع المدني القائم على العدالة والمساواة والنزاهة والاستقامة والمواطنة..
ثانيا" : الأخلاقيات الواجب تنميتها في فكر الامام
- الكرامة الشخصية وحرية الإرادة والضمير
الانسان قيمة في ذاته وهو بحاجة إلى التنمية المادية والروحية والعقلية .. أساس هذه التنمية إشعاره بكرامته الشخصية وحرّية إرادته وضميره .. يقول الامام: "الخطوة الأولى في طريق تربية الانسان ورفع مستواه في جميع حقول التكامل هي في جعله يشعر بكرامته .." والكرامة الشخصية هي موقف أخلاقي يقفه الانسان من نفسه .. وهي جوهر وجوده لأنّه صنيع يد الله وفيه روحه وهو خليفته على الأرض .. وهي عند الامام الصدر تتقدّم على كلّ الضرورات الأخرى: "... [علينا] أن نوحّد صفّنا حكومات وقادة وأحزاباً وفئات ومذاهب وتعليق خلافاتنا ولو كانت أساسية إلى ما بعد عودة الكرامة إلينا.." وعي الكرامة شكل من أشكال وعي الذات .. إنّ مضمون وعي الذات الأخلاقي يشمل فضلاً عن الوعي بالكرامة وبحرّية الارادة والضمير، الوعي بالواجب والمسؤولية التي هي "شأن كبير للانسان وتشريف له .."هذا الوعي الأخلاقي بالذات هو السبيل الى الحرّية والتحرّر .. الحرية سمة للانسان بما هو .. وهي هبة من لدن الله .."والحرية" ، يقول الامام ، "هي أفضل وسيلة لتجنيد طاقات الانسان كلّها ولا يستطيع الفرد أن يخدم في مجتمع لا تسوده الحرية ولا يستطيع أن ينطلق بجميع طاقاته وينمّي جميع مواهبه اذا أعوزته الحرية .. "لولاها لما أمكنه أن يكون أخلاقيا" وذا قدرة على القيام بأعمال أخلاقية ولولاها لما كان مسؤولاً عن تصرّفاته وتالياً لا عقاب له ولا ثواب .. تقول الآية الكريمة: ﴿انّ الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم﴾ ]الرعد/11[ حرّية الارادة ليست أمراً عشوائياً، انّها اعتراف بكرامة الانسان من جهة وهي خاضعة لقوانين العمل ومتطلّباته لأهداف سامية من جهة أخرى .. سمّو الأهداف يضفي على الارادة الحرّة الطابع الأخلاقي فتمسي منضبطة بمبدئيّة المصالح العامة والضرورة الموضوعية.. هذا الانضباط يحوّل عمل الارادة الحرّة إلى واجب أخلاقي وذلك في مجرى بناء الذات والمجتمع (أخلاقيّة الواجب والضمير)..
أخلاق الواجب (الديونطولوجيا) قوّة معنويّة تحدّد للإنسان نشاطه الهادف وسلوكه المسؤول الذي يترجم حرّية ضميره.. إنّها تحدّد للانسان ثقافته.. والثقافة عند الامام قيمة لالتزامها الضمير.. وتنمية الثقافة عنده تعني تنمية الفكر الملتزم للضمير.. إنّه يقيم قراناً بين الثقافة والضمير والحبّ وبه يظهر العمق الانساني للثقافة..
الضمير هو مرتكز الأخلاق ومبعث الشعور بالواجب الأخلاقي.. والواجب هو الأفهوم المركزي في الأخلاقيات، فالخير كما الفداء كما دعم المقاومة عند الامام هو فعل الواجب ..
في مسألة الضمير يلتقي الامام الصدر مع "كانط" و"فيخته" في اعتباره المعيار الوحيد للأخلاقية .. إنّه المكوّن الرئيس بين مكوّنات الشخصية الأخلاقية .. وغالباً ما بدأ نداءاته بمناداة " أصحاب الضمائر الحيّة .. "
كرامة الانسان في مجتمع التصنيف والتمييز واللاّعدالة واللاّمساواة مهانة ومنتقصة .. من هنا كانت ثورة الامام على الاستغلال والقهر والحرمان والظلم الاجتماعي .. بإزالة الغبن والحرمان وبناء المجتمع العادل والدولة العادلة والحكم العادل تستعاد كرامة الانسان وارادته الحرّة .. حرّية الارادة تدفع نحو الفضيلة.. وتنمية الفضيلة تفضي الى تنمية المجتمع كما يؤكّد ابن باجه في كتابه "تدبير المتوحّد" وكذلك ابن رشد في مقولته "الفضيلة تتمّ في المجتمع" ..
- العدالة والمساواة وعدم التسامح مع الظلم الاجتماعي
"العدل جنّة المظلوم وجحيم الظالم" ( الخليفة عمر )..
العدالة قيمة أخلاقية متّصلة بماهيّة الانسان وحقوقه وواجباته.. وهي تؤسّس للمساواة في الحقوق والواجبات وأمام القانون وللفرص المتكافئة بين المواطنين وشبكات الأمان الاجتماعي لهم وتضمن السلم الأهلي في المجتمع.. وهي قيمة دافعة نحو التحرّر من سلطات القهر والظلم والتهميش والحرمان..
العدالة التامّة في رأي الامام هي الاحترام لحقوق المواطنين في السياسة والاجتماع والاقتصاد والتنمية..
- الالتزام والاخلاص والأمانة
الالتزام تعهّد طوعي للقيام بواجب معيّن وهو يفرض الاخلاص والأمانة ..
الاخلاص هو الولاء الثابت لقضيّة أو عقيدة والناتج عن مبدأ وقناعة (حرية الارادة وحرية الضمير) وهو نقيض الغدر والخيانة ..
الأمانة تشتمل على الصدق والمبدئية والنزاهة وهي نقيض الكذب والنفاق.. أن يؤتمن الانسان، في رأي الامام، فتكريم له وإشادة بمقامه..
هذه القيم عند الامام الصدر فضلاً عن مضمونها الأخلاقي المجرّد تعود الى مقتضيات الحياة المشتركة بين اللبنانيين وتطبيق المواثيق المبرمة فيما بينهم إنجاحاً لدور لبنان الحضاري في محيطه والعالم..
ثالثاً: أبعاد التنمية الأخلاقية في فكر الامام وأهدافها
- البعد الروحي الارتقائي
الارتقاء بالثقافة الروحية شأن بيّن في فكر الامام وهو هدف رئيس من أهداف التنمية الأخلاقية. عنده فالغنى الأخلاقي يؤسّس للارتقاء الروحي ذلك أنّ مصدر الأخلاق كما رأينا في كلام سابق هو مصدر إلهي وهنا نضيف انّ مآل الروح أو مصبّها هو مآل أو مصبّ إلهي..
التنمية الأخلاقية في بعدها الروحي الارتقائي تعني في أساس ما تعنيه تنمية الفضائل المستمدّة من الأخلاق الدينية.. هنا الامام يتساءل: ".. ترى هل فقدنا فاعليّة الدين وتأثير تعاليمه في حياتنا؟! "تعاليم الالفة والتحسّس بآلام الآخرين وتناسي الأحقاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..
في أخلاقيات الارتقاء الروحي يلتقي الامام الصدر والأب "تيار دي شاردن" عند الأفكار الآتية المستلّة من اللاّهوت الأخلاقي: صيرورة الروح في اتجاه باريها، الكون يرتقي بارتقاء الروح، الروح الجماعية والحدّ من الأنانية الفردية، كلّ ما يساعد على ارتقاء الروح وتطوّر الوعي الفردي والجماعي هو خير، الأخلاق مبنية على الدين، تأكيد قدرات الانسان الأخلاقية..
التنمية الأخلاقية بمضمونها الروحي ترسي في قلب الانسان الطمأنينة المطلقة وترتقي به إلى أسمى حالات النفس البشرية المتحرّرة من الانفعالات والأهواء والقيود المادية..
- البعد الاجتماعي الاصلاحي
التنمية الأخلاقية في تعليم الامام ترسّخ علاقات إنسانية على أسس العدالة والتضامن والتكافل والتعاون والتسامح ونبذ التعصّب والتفاني والتضحية والفداء والثقة والصدق والأمانة.. وتبقى المحبّة المبدأ الأساس في الأخلاقيات اللاّهوتية..
التنمية الأخلاقية تنتج أنماط السلوك الانساني وترسم مناهج الحياة الاجتماعية الودّية لدى الأفراد والجماعات داخل المجتمع الواحد وتضع قواعد التصالح والتسالم بين المجتمعات والشعوب..
- البعد الثوري النضالي
التنمية الأخلاقية ذات هدف ايديولوجي سياسي في مجرى بناء المجتمع المقاوم وهي تتّسم بطابع هادف مرتبط بأفهوم الجهاد الذي يكشف بالممارسة مدى قوّة الأخلاق في بلوغ الهدف: المقاومة والممانعة.. وقوّة الأخلاقية الثورية تتجسّد في التضحية والفداء وشهادة الدم.. ومثالها في رأي الامام قوّة الثورة الايرانية..
هنا التنمية الأخلاقية تذلّل التناقض بين القيمة والسلوك وتجسّد وحدة القول والفعل وتكوّن الموقف الفعّال في مجرى الجهاد العملي والنضال الثوري .. حياة الامام مثال على وحدة المبدأ القيمي والسلوك وفي مدرسته كانت تسود قاعدة التلازم العضوي بين الخطاب والممارسة.. والقتال في دستوره الأخلاقي قيمة متى كان من أجل الانسان.. والنضال قيمة متى كان ضدّ الشرّ.. "إنّنا نقاتل من أجل الانسان... ولكي نمنع تصنيف الانسان وتحقيره.."
الأخلاق تضفي على الثورة ايجابياتها .. الثورة في فكر الامام قيمة تؤسّس للتقدّمية والتحرّر والتغيير وتنمية الانسان.. الثورة قيمة لارتباطها بالعطاء والتضحية والفداء ونصرة الحقّ بقوّة الاستشهاد.. في الصراع العربي/ الصهيوني مثلا" تتصادم مبادئ أخلاقية متعارضة، وهو صراع في مستوى القيم ..ولهذا الصراع تسويغه الأخلاقي.. ولمقاومة الصهيونية مضمون أخلاقي.. ذلك " لأنّ لبنان"، يقول الامام، "بتاريخه الرسالي وبوجوده المتميّز وبنشاطه الحضاري كان شوكة في عين اسرائيل"..
وأخلاقيات الثورة أو الجهاد هي ذات جوهر انساني يقاوم المضمون اللاانساني، المضمون المتوحّش للحضارة المادية، الحضارة الافتراسية حضارة القتل والنّهب والسيطرة.. لذلك، إنّ تنمية القيم عند الامام هي من وسائل المواجهة الحضارية والفعل المقاوم الذي يعطيه الامام قيمة الفعل الثوري المقدّس، يقول: "معركتنا مع اسرائيل معركة حضارية طويلة الأمد... والمقاومة رسالة دينية مقدّسة.."
العمل الثوري الاستشهادي يتجاوز الأرض حتى يتّصل بالسماء.. فهو ثورة الحقّ على الباطل.. والمواجهة في مستوى القيم هي بين الباطل كلّه والحقّ كلّه.. فإسرائيل هي "وليدة الحضارة المادية الطاغية" المتنكّرة لله والقيم، حضارة "التفرقة العنصرية والتعصّب الديني والظلم والاغتصاب والقسوة.." والصهيونية قوّة افتراسية "تقضي على بقايا الإنسانية الموجودة في العالم.." أنجبت اسرائيل بمضمون مادي عنصري استعماري..
العنف المقدّس ينطوي على القوّة في الحقّ.. والقوّة تتحوّل الى قيمة عندما تكون قوّة في الحقّ..
بهذا المعنى، يكتسب الفعل الثوري عند الامام بعده المقدّس وتندرج الثورة في نظام القيم "ثورة على جميع وجوه الباطل" ، ثورة المناقبية والتسامي "حيث أنّ الاخلاص في النيّة والسموّ في السعي" يقرّبان الى الله ينبوع القوّة والحقّ .
- البعد الوطني
الوطنية مبدأ اجتماعي/سياسي وأخلاقي.. وهو يعدّ من أعمق المشاعر الإنسانية.. وهو يحدّد موقف الانسان من وطنه.. أمّا المعيارية الأخلاقية لمحبّة الوطن والاخلاص له فتلخّص بالآتي: حماية مصالح الوطن العليا أو التاريخية، النضال ضدّ أعداء الوطن، الاعتزاز بمنجزاته الحضارية، التعاطف مع آلام شعبه، احترام تاريخه وتراثه، التعلّق بأرضه..
حبّ الوطن عند الامام يجسّد عناصر هذه المعيارية كافّة فضلا" عن أنّه لا يعني الاذعان للأنظمة الفاسدة وللحكّام الفاسدين الظالمين بل انّه يشكّل حافزا" للنضال من أجل الوطن وإنسانه: ".. من أجل الوطن ودفاعاً عن انسانه نقاتل .."
لبنان في فكر الامام هو لبنان القيمة والضرورة الحضارية .. "فإذا سقطت تجربة لبنان"، يقول، "سوف تظلم الحضارة الإنسانية.. " والكيان اللبناني هو "أمانة للحضارة العالمية ... ولبنان هو شعلة الحقّ والعدالة والحرية والإنسانية في كلّ هذا الشرق .."
مرتكز التنمية الأخلاقية في هذا الجانب عنده هو تنمية أفهوم لبنان الحضاري.. فلبنان في رأي الامام هو مضمون حضاري أساس لمستقبل الحضارة..
- البعد الانساني
تنمية القيم الأخلاقية تبقى محصورة في حدود الزمان والمكان التي يتحرّك فيها نشاط الانسان ما لم تتّخذ بعدها الانساني الشامل.. والتنمية في فكر الامام توسّع، بأصولها "الحسينية "، وجود الانسان وتخلق منه، على حدّ تعبيره، وجوداً كبيراً، يقول:
"... إنّ الساحة الحقيقية التي ولدت فيها معركة عاشوراء هي ساحة القيم الإنسانية.. أمّا أبعادها فإنّها تمتدّ مع الانسان ومع حياته أينما كان ومتى يكون، تحطّم جدران سجن ذاته وتربط بينه وبين بني نوعه وتخلق منه وجوداً كبيراً يفوق حدود الزمانية والمكانية ويتجاوز قدراته وكفاياته..."
الانسان في فكر الامام هو المحور وفي نضاله هو القضيّة..
العودة إليه تعني عودة الله إلينا .. كانت الأديان من أجله..
أمّا النضال فهو لنصرة الانسان المعذّب والمضطّهد والمستضعف..
"الدعوة إلى الله وخدمة الانسان"، يقول، "وجهان لحقيقة واحدة.. "
والحضارة كما يراها الامام هي حضارة المواريث الأخلاقية والإنسانية والروحية النبيلة التي لا تصنيف فيها للبشر ولا تسخير فيها لشعوب الأرض وخيراتها ولا تحقير فيها للانسان ولا تمييز بين عناصره.. إنّ فكر الامام الانساني هو فكر نابذ للعنصريات والتصنيفات والاستغلالات بأشكالها كافة .. فالعنصرية تصنيف للإنسان وتحقير له.. لذلك واجه الامام الفكر الاسرائيلي العنصري..
تأمّل أخير في أخلاقيات الامام وقيمه الإنسانية
الأخلاق هي غاية التعاليم الدينية وهي من تكوّنات الدين الأساسية. والانسان، في فكر الامام الصدر، موجود عينيّ حرّ في اختياره متأثر بالطبيعة وبالموجودات الكونية، وهو موجود اجتماعي متفاعل مع بني نوعه، وهو في الأساس مخلوق لله..
هذه الجوانب من وجوده هي محور التنمية المتكاملة في دفع حركته نحو الأفضل.. نحو إسلامه.. نحو إنسانيّته.. "فإسلام الانسان إنسانيّته"، قال الامام.. ومارس..
تعقيب القاضي الحلبي
أشكر حضرة الدكتور ساسين عساف على هذا البحث المعمق والرصين. الكلمة الثانية لحضرة الاستاذ رائد شرف الدين، الذي سيتحدث عن نموذج التنمية الشاملة في تجربة الامام الصدر. وأعتقد أنكم جميعاً تعرفون من هو رائد شرف الدين. وعلى سبيل الاستدراك لمن لا يعرف نقول: إنه مصرفي عريق وحالياً هو مدير عام مساعد في فرنسبنك، أستاذ محاضر في شؤون القيادة والتطوير البشري والإداري في الجامعة الأمريكية والجامعة اليسوعية وسواها. والحقيقة، أنه يشكل في القطاع المصرفي مرجعية مهمة. ناشط في المجتمع المدني. وكأني به مصرفي ناشط في المجتمع المدني، وفي القطاع المدني ناشط مصرفي. عضو الهيئة الإدارية، ورئيس لجنة التنمية في مؤسسات الإمام الصدر. وسيحدثنا عن التنمية الشاملة في تجربة الامام الصدر وسيستعين بالوسائل السمعية والمرئية.