المداخلات

الرئيسية إصدارات كلمة سواء مؤتمر كلمةٌ سواء العاشر: التنمية الإنسانية: أبعادها الدينية والإجتماعية والمعرفية ... وإشراقات من فكر الخاتمي

مداخلات كلمة السيد خاتمي في نقابة الصحافة.

سؤال: فخامة الرئيس نضم صوتنا الى صوت النقيب الأستاذ محمد بعلبكي بالترحيب بكم في بلدكم لبنان ونقدم اعتذارنا عن نقيب محرري الصحافة اللبنانية الأستاذ ملحم كرم الذي لم يتمكن من الحضور لوجوده في سوريا لحضور اجتماعات اتحاد صحافيي العرب.
أما السؤال فقد سبق لفخامتكم أن طرحتم في مقابل نظرية صاموئيل هنتنغتون في صدام الحضارات أن حوار الثقافات يتعثر بعد هذه الحرب التي تُشن في غير بقعة من العالم تحت عنوان كبير وهو أن هناك حضارات لا تتلاقى بل يتعين عليها أن تتصادم. هل فقدنا الأمل نهائياً أو في صورة شبه نهائية من أن تحل كلمة السواء بين الشعوب وبين الدول والاعراق والطوائف وأن يقوم حوار جاد للخروج من هذه الثنائية التي تحكم العالم أو أننا سوف نستسلم لهذه النظرية اللعينة التي شاهدنا آثارها في العراق أو في غير العراق وشكراً.

السيد خاتمي: اسمحوا لي أيها الاعزاء قليلاً كي أتحدث عن تصوري لماهية فكرة حوار الحضارات وللمشاريع التي أصبو لتحقيقها في المستقبل إن شاء الله على هذا الصعيد وبذلك أكون قد أجبت ضمناً على هذا السؤال.
إن أهم شعار اطلقته خلال الحملة الانتخابية الرئاسية لسنة 1997 في ايران كان مسألة تقوية المجتمع المدني في ايران، وتعزيز وتمتين وضع حوار الحضارات على المستوى الدولي.
وكنت أعتقد وما أزال أن كلاً من هذين الشعارين يستمد شرعيته من الدين الاسلامي الحنيف الذي أعتقد به ويعتقد به الشعب الايراني.
وبعدما تسلمت مهامي الرسمية كرئيس للجمهورية الاسلامية الايرانية بادرت لطرح هذا المفهوم، مفهوم حوار الحضارات على أعلى مستوى في المنتديات الدولية والعالمية وخاصة على مستوى الأمم المتحدة حيث طُرح هذا الأمر للتصويت ونال الثقة بأكثرية قلّ نظيرها، وكما تعرفون فقد اعتمد عام 2001 عالم لحوار الحضارات.
وخلال شهر تشرين الأول من هذا العام صدر تقرير من منظمة الأمم المتحدة احتوى على كل النشاطات والانجازات التي تمّ التوصل اليها على صعيد حوار الحضارات.
وتم التوافق بين الدول المنتمية الى هذه المنظمة الدولية على اعتماد خمس سنوات جديدة للاستمرار في مسألة حوار الحضارات حيث ينبغي ان يُقدم تقرير الى أمين عام هذه المنظمة عند انتهاء السنوات الخمس الثانية.
وبعد ان انتهت مهامي الرسمية أو فترة توليي لرئاسة الجمهورية الاسلامية في ايران شعرت أن هناك حاجة ماسة لتفعيل دور المنظمات غير الحكومية على مستوى العالم برمته.
وبحمد لله تعالى فقد اثمرت هذه الجهود إلى افتتاح مركز دولي لحوار الحضارات. هذا المركز سوف يفتتح عملياً بعد حوالي ثلاثة أشهر تقريباً في جنيف بحضور نخبة من كبار الشخصيات العالمية على المستوى السياسي وعلى المستوى الفكري.
وخلال لقاء عُقد في العاصمة الفرنسية في باريس خلال شهر نيسان الفائت في منظمة الأونيسكو وبحضور أكثر من ستين شخصية عالمية مرموقة على المستوى الفكري والثقافي قرر الجميع أنهم سوف يعملون بكل ما أوتوا من قوة من أجل التوصل إلى هذا الانجاز.
ولكن ما هي مقولة حوار الحضارات؟
أريد أن أقول إن مفهوم حوار الحضارات هو ليس نظرية علمية كسائر النظريات المعتمدة في علم السياسة.
وليس أيضاً استراتيجية عملية في مجال الأمور العملية والتنفيذية
نحن لدينا عدة نظريات على المستوى العالمي في الشأن السياسي
وأيضاً هناك العديد من الاستراتيجيات المعتمدة في العالم
وحيث يعتقد البعض ان صراع الحضارات هو أيضاً امر استراتيجي.
أما مقولة حوار الحضارات فهي في الحقيقة اقتراح لنظرية أو مقولة متعارضة مع المقولة الأولى تدعو إلى ايجاد حالة من التعايش والاستقرار والأمن والازدهار لكل شعوب العالم إلى جانب بعضها البعض.
أي أن مقولة حوار الحضارات هي فكرة أساسية أو جوهرية من شأنها أن تبلور كل المشاريع أو الطروحات السياسية والعلمية والتنموية والاقتصادية التي تصبو اليها شعوب العالم.
وأريد أن أطرح على مسامعكم مثالاً يدل على معنى الفكرة التي أريد أن أعبر عنها وهي انه كيف يمكننا أن نعطي حلة اخلاقية ومعنوية لأي أمر أو مشروع نريد ان نقوم به.
في القرون الوسطى وقبل تلك القرون كما تعرفون كانوا يعتبرون ان العلم هو الوسيلة المعتمدة لكشف الحقيقة. أو بمعنى آخر كانوا يعتبرون أن العلم وأن المعرفة هي الوسيلة التي ينبغي أن تعتمد من أجل تفسير الحياة وتفسير الكون.
وهناك مقولة جديدة طُرحت على المستوى العالمي في عالمنا اليوم, هذه النظرية تقول إن العلم الذي كان يعتبر وسيلة لتفسير الحقيقة أو لتبيان الحقيقة أصبح وسيلة لتغيير هذا الواقع.
وهذا المفهوم البديل هو الذي أحدث كل هذه التغييرات على الساحات الثقافية والعلمية والفكرية والسياسية.
في القرون الوسطى كانت مسألة السير وراء الثروة أو السلطة أو القدرة مسألة مضمونة ومفروغ منها. والانسان الذي كان يسعى الى السعادة كان لا ينبغي له أن يلهث وراء الثروة أو القدرة أو السلطة أو المال.
وأتت الديانة أو أتى المذهب البروتستانتي كي يطرح مقولة جديدة مفادها على عكس ما كان متبعاً في السابق أن مسألة اكتساب المال أو السعي وراء الثروة لا نستطيع القول فقط انه ليس أمراً مذموماً بل ينبغي القول إنه ينبغي المبادرة أو أن نسعى إلى تحقيقه.
ومن هنا رأينا نشوء المجتمعات الرأسمالية.
حتى لو لم نقبل نظرية ماركس فيبر مئة في المئة كما هي.
الذي كان يعتقد أن الحياة العصرية والمدنية الحديثة تستمد جذورها من الاصلاح الديني ومن المذهب البروتستانتي.
حتى لو لم نقبل هذه المقولة مئة في المئة، لا أحد يستطيع ان ينكر هذه المقولة التي مفادها ان هذه الاصلاحات الدينية لها دور أساسي في التغييرات التي شهدناها في العالم.
أردت أن أطرح هذين المثالين حتى أعبر عن فكرتي في هذا الاطار.
أما بالنسبة لمسألة حوار الحضارات فكيف نشأت وكيف خطت طريقها إلى الوجود؟
وعندما أتحدث عن كيفية تشكلها وولادتها عند ذلك أجيب تلقائياً أنها كيف استطاعت ان تستحوذ على رضى لدى الرأي العام.
نحن يمكننا القول إن أسوأ قرن وضعناه وراء ظهورنا هو القرن العشرين.
في النصف الأول من القرن العشرين شهدنا حربين عالميتين.
وان الدمار المادي والمعنوي الذي خلفته هاتين الحربين, الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، على الصعيد المادي والمعنوي في الحقيقة يفوق بالأضعاف المضاعفة كل الخسارة والدمار الذي لحق بالانسانية منذ فجر التاريخ وحتى هذا التاريخ.
وبعد انتهاء الحربين العالميتين شهدنا ظاهرة حدوث حروب اقليمية في العديد من المناطق في العالم حيث ان الخسائر المادية والمعنوية التي خلفتها هذه الحروب الاقليمية لا تقل عن أضرار وعن خسائر الحربين العالميتين المنصرمتين.
وفي لبنان طبعاً أنتم تعرفون معنى هذا الأمر أكثر من أي شعب آخر نظراً للحرب الأهلية المؤلمة التي عصفت بهذا البلد طوال سنين عديدة.
وأيضاً في النصف الثاني من القرن المنصرم شهدنا ظاهرة سيئة أخرى وهي ظاهرة الحرب الباردة.
وإلى جانب هذه الظواهر التي تحدثنا عنها كانت هناك ظاهرة أخرى وإن كنا قد شهدنا نظيراً لها في التاريخ الماضي ولكن لم تكن بهذا الحجم وبهذا الهول من الخسائر ومن الدمار الذي لحق بالعالم.
وهذه الظاهرة هي ظاهرة الارهاب.
الارهاب، هذه الظاهرة الاجرامية، دلّ أنه ليس هناك من نقطة آمنة على امتداد هذا العالم.

إن الارهاب طبعاً لا يختار ضحاياه من أوساط الرؤساء أو المسؤولين أو حتى المواطنين العاديين أو الوزراء او النواب الذين ينتمون فقط للبنان أو فلسطين أو مصر أو ايران أو اميركا اللاتينية.
بل انّ هذا الخطر الداهم وهو خطر الارهاب لم يسلم منه برجي منظمة التجارة العالمية والبنتاغون الذي من المفترض ان يُعتبر الحامي للديمقراطية الغربية.
من هنا كانت اللحظة التي انطلقت فيها مسألة حوار الحضارات.
ان المقولة التي تحكم العلاقات الدولية ينبغي ان تتغير.
كلنا نرى اننا نتضرر من الارهاب.
وانّ الارهاب لديه جذر أصيل وثابت يتمثل في العنف.
والعنف هو ابشع واعنف الأساليب التي يمكن ان تتبع.
يمكنكم ان تسمعوا معنا رأياً نشازاً وسيئاً في عالمنا اليوم.
وهذا الصوت النشاز هو في نهاية المطاف صوت واحد وان كان ينبع من مصدرين متقابلين ظاهرياً.
المحافظون الجدد في أميركا يقولون إن كل من ليس معنا إذن هو يقف ضدنا،
ومن يقف ضدنا فنحن لنا الخيار أن نتخذ بحقه أي اجراء نراه مناسباً.
والحركة الرجعية في أفغانستان كانت تقول أيضاً إن كل من لا يقف معنا هو ضدنا، والكل كفر ما عدا نحن، وبالتالي كل هؤلاء الكفرة قد أُهدر دمهم، ونحن يحق لنا أن نتعاطى ونتعامل مع هؤلاء الكفرة الذين لا يوافقون على فكرتنا بأية طريقة نراها مناسبة.
هذا المنطق هو الذي يولد العنف.
والعنف هو الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى الجريمة, إلى الحرب وإلى الارهاب.
وأنا أعتقد أن الرأي العام على المستوى العالمي جاهز لتقبل هذا النموذج. الحضارات هي واقع قائم بحد ذاته ودليلٌ على ذلك ان هذا العالم الذي يقول انه يتبنى فكرة العولمة نجد انّ الروابط القومية او العرقية تقوى وتتجذر يوماً بعد يوم. الحضارات لا تسير الى الزوال وانّ الفكرة أو التصور الذي يقول إن الحضارات تستطيع أن تختصر في حضارة تتميز بالتفوق هو ليس أكثر من سراب أو خيال.
وبالتالي فإن افضل تصور يمكننا من خلاله أن نحلم بغدٍ أفضل لنا ولجميع العالم، هو ان تقف كل الحضارات ليس في وجه بعضها البعض وإنما إلى جانب بعضها البعض.
وأن تقف هذه الحضارات إلى جانب بعضها البعض كالمرآة حيث أستطيع أن أرى من خلال هذه المرآة أَوْجُه الجمال وأَوْجُه السوء الموجودة لدي.
وعندما أقف في مواجهة المرآة فإنني أُقوي أو أُكثّر وأُمتّن أوجه الجمال الموجودة لدي وأحاول أن أخفف قدر المستطاع أوجه التقصير والسوء الموجودة لدي.
الحضارات يمكنها أن تكون كالمرآة بالنسبة لبعضها البعض، بشرط أن لا تعتبر أي حضارة من حضارات العالم انها الحضارة المطلقة، وبشرط أن تبادر كل الحضارات في العالم إلى احترام الحضارات الأخرى. وبالتالي أن تبادر كل حضارة الى مساعدة الحضارة الأخرى لتخطي الصعاب وأَوجُه التقصير التي تعاني منها، وأن تستند الحضارات في الأمور المشتركة بينها وبالتالي أن تبادر هذه الحضارات إلى أن تسد أَوْجُه النقص الموجودة لديها بصورة مشتركة. ومن الناحية العلمية فإن هذا النموذج المطروح لديه الأسس التي يستطيع ان يستند اليها، وأنا أعتقد انه على الرغم من الظواهر الموجودة على امتداد العالم والتي تتمثل في الحروب والارهاب، إذا نظرنا الى عمق وجوهر وجدان الشعوب وفي عمق أذهان المفكرين والمثقفين وأصحاب الرأي والقلم ليس فقط نستطيع أن ندعي أن مسألة حوار الحضارات بات معترفاً بها بل إن هذه هي المقولة ان حوار الحضارات بات مطروحاً كضرورة ينبغي الاستناد اليها ولكن بطبيعة الحال هناك موانع عديدة ما زالت تقف في طريقنا طبعاً اولئك الذين يسعون وراء الحروب ووراء الفتن هم العقبة الأساسية أمام تبلور هذا النموذج.
بعد انتهائي من رئاسة الجمهورية الاسلامية في ايران قمت بالعديد من الزيارات وفي خلال اللقاءات التي جمعتني سواءً بأهل السياسة أو بأهل الفكر والثقافة الكل متفق على تأييد هذه الفكرة, حتى أن منظمة الأمم المتحدة والحكومة الاسبانية تفكران بعد طرح أو بعد الموافقة على مسألة حوار الحضارات أن نبادر الى طرح مسألة ائتلاف الحضارات أو تحالف الحضارات.
وهناك فريق يتألف من ثمانية عشر شخصاً كُلّفوا من قبل الأمين العام للأمم المتحدة أن يبادروا إلى متابعة هذه الفكرة في اسبانيا وكنت واحداً من هذا الفريق المعتمد والآن أتيت في هذه الزيارة إلى لبنان من اسبانيا وهناك قيل انه لا ينبغي لنا ان نعتبر ان مسألة حوار الحضارات تنافس مسألة تحالف الحضارات لا بل ينبغي ان نعتبر ان هاتين الفكرتين تكملان الواحدة الأخرى وقيل هناك ان قضية تحالف الحضارات هي قضية مطروحة على مستوى الحكومات وبالتالي لديها ميّزة اضافية وهي انها تحظى بدعم حكومي ورسمي ولكن في الوقت عينه هناك بعض المخاطر التي تشوب هذا الأمر لأنه اذا افترضنا ان هناك حكومة معينة توافق على هذه المقولة اي مقولة تحالف الحضارات وتدعم هذا الأمر وتسانده فاذا تغيرت هذه الحكومة وأتت حكومة أخرى لا توافق على هذه المقولة من الممكن ان تبادر الى مخالفة الأهداف والتوجهات التي تعبر عنها هذه الفكرة. من هنا نحن بحاجة ماسة الى وجود آلية هي عبارة عن المنظمات غير الحكومية على مستوى العالم وبطبيعة الحال فإن هذه المنظمات غير الحكومية سوف تكون على اتصال دائم وتعاون مثمر مع المنتديات الدولية مثل منظمة الأمم المتحدة, منظمة الأونسكو, منظمة المؤتمر الاسلامي كي تتمكن من خلال التعاون الوثيق والبنّاء مع هذه المحافل الدولية ان تتمكن من طرح الأفكار التي تؤمن بها على مستوى الرأي العام الدولي وبالتالي فإن الجواب على السؤال الذي تفضلتم به انه ليس هناك من استمرار للحرب وانما هناك استمرار في التعارض بين نموذج حوار الحضارات ونموذج صدام الحضارات وأنا ليس لدي أدنى شك بأن حوار الحضارات هو الذي سوف ينتصر في نهاية المطاف.
وأنا أعتقد أنه نظراً للنتائج المثمرة التي استطعنا أن نحققها على هذا الصعيد خلال فترة زمنية وجيزة ولأنّ التحولات الاجتماعية كما تعرفون بحاجة إلى فترات طويلة مكدّة فأعتقد أن هذا الأمر يبعث على الأمل بحد ذاته وأنا أغتنم هذه المناسبة الطيبة كي أطلب منكم أيها الأعزاء أن تمدوا لنا يد العون في هذا الطريق ومن المحتم والمؤكد انه اضافةً الى الشخصيات العالمية الأميركية والأفريقية والأوروبية والآسيوية التي نتعاون معها في هذا الاطار هناك شخصيات فكرية وثقافية لبنانية باستطاعتها ان تتعاون معنا ايضاً.
ونحن نعتقد ان هذا المجتمع اللبناني الواعد الذي يتمتع بمزايا عديدة مثل الحرية والثقافة والفكر المتحرر والمتقدم بإمكانه ان يكون منبراً مناسباً جداً لتعزيز هذا العمل الذي نقوم به.

أستاذ وليد عوض من مجلة الأفكار، سأل عن موقفه تجاه ما يجري في العراق فأجاب
السيد خاتمي: أود أن أجيب على هذا السؤال بشكل مختصر. كلنا شعرنا بالسرور على أثر سقوط نظام صدام حسين الاستبدادي ولكن على الأقل أستطيع القول إنني شخصياً وان الجمهورية الاسلامية الايرانية كانت مستاءة جداً لاحتلال العراق بهذه الطريقة، وكنا نعتقد منذ البداية ان التعامل مع المسألة العراقية بهذا الشكل العسكري من شأنه أن يحول العراق الى بركان متفجر تصيب حممه ليس فقط الشعب العراقي وإنما تصيب هذا الشعب بدرجة اولى وسوف تصل شرر هذا البركان الى كل منطقة الشرق الأوسط لاحقاً.
وعندما كانت الولايات المتحدة الأميركية تزمع على احتلال العراق قلنا هذه الرسالة لهم ايضاً.
الولايات المتحدة الأميركية التي كانت تريد ان تجد او توجد لنفسها قاعدة آمنة الى جانب الكيان الصهيوني في هذه المنطقة. أنتم ترون انها تقتطع اكبر الميزانيات العسكرية والميزانيات المالية لنشاطها العسكري في العراق من أموال الشعب الأميركي وهي تعيد يومياً جثث عسكرييها وجثث جنودها الذين يموتون على أرض العراق الى الولايات المتحدة الأميركية. كان من المقرر نظرياً ان تكافح الولايات المتحدة الأميركية من خلال إزالة نظام صدام حسين في العراق وبدلاً من أن تقوم بهذا الأمر فقد تحول العراق اليوم الى مركز يصدر الحركات المتطرفة والارهابية. ولحسن الحظ فإن الرأي العام الأميركي قد التفت الى هذا الأمر ولكن حسب وجهة نظري هناك طريق متاح أمام العراق حالياً وهذا الطريق يتمثل في قيام ديمقراطية حقيقية في العراق حالياً. كلنا ينبغي ان نعمل سوية من اجل دعم قيام حكومة حقيقية ومستقرة في العراق حتماً وقطعاً ينبغي لهذه الحكومة العراقية المرتجاة أن لا تكون حكومة طائفية وأيضاً ينبغي أن لا تكون حكومة عرقية أو قومية. ولحسن الحظ ان الوقائع تشير إلى أن معظم الشعب العراقي ينتمي الى الدين الاسلامي الحنيف ولكن بطبيعة الحال ان هذا الاسلام لن يكون اسلاماً سنياً صرفاً أو إسلاماً شيعياً صرفاً. ينبغي ان تقوم حكومة ديمقراطية في العراق العراق.
هو بلد غني للغاية والولايات المتحدة الاميركية ينبغي ان تقتنع ان العراق لا يمكن ان يتحول الى قاعدة اميركية في هذه المنطقة وينبغي لها ان تمد او ان تدعم الفكرة القائلة بضرورة قيام حكومة ديمقراطية في العراق والا اذا لم تُتّبع ايّ من هذه البدائل المطروحة فإن ظاهرة الارهاب وسفك الدماء والقتل والانتحار، هذه الظواهر المؤسفة والبشعة، هي التي سوف تستمر على الأرض العراقية. ونحن على الرغم من انه لدينا حضور متميز في العراق وانا عندما اقول مثل هذا الأمر وأؤكد عليه, أؤكد عليه من موقع العارف لأنني كنت خلال فترة طويلة رئيساً للجمهورية الاسلامية الايرانية وبالتالي كان لدي اطلاع وافٍ على كنه السياسات الايرانية المتبعة في هذا الاطار نحن ما يهمنا في ايران هو توفير الأمن والاستقرار في العراق وأكثر المواقف السياسية مراعاةً للديمقراطية هي التي اتخذها المرجع الديني في العراق آية الله السيد علي السيستاني واسمحوا لي أن اعبر عن أمنيتي المستحيلة
وهي أن يعود الأميركيون الى جادة العقل والصواب

سؤال: سماحة السيد، ما هو موقف إيران، وهي على مستوى الإنتاج النووي، الآن من دول الاتحاد الاوروبي؟
السيد خاتمي: أنا أعتقد أنه خلال فترة توليي السلطة في الجمهورية الاسلامية الايرانية كنا نتبع أكثر السياسات عقلانية في هذا الاطار. وقد حققنا خلال هذه الفترة انجازات هامة للغاية على صعيد التكنولوجيا النووية وهذا الجهد المبذول كان يهدف الى تأمين الوقود اللازم لتشغيل المحطات الموجودة لدينا حالياً والتي نريد ان ننشئها مستقبلاً.
نحن عضو في منظمة NPT الدولية
ولأننا عضو في منظمة NPT الدولية ومن اجل ايجاد حالة من الثقة لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية ولأننا لم نكن في حينها قد وقعنا على البروتوكول الاضافي لمعاهدة NPT فقد سمحنا لمفتشي هذه الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن يأتوا الى ايران وأن يتفحصوا المنشآت النووية الايرانية ساعة يشاؤون.
وبسبب العلاقات المتينة او الحسنة, بسبب العلاقات الحسنة التي نشأت بين الجمهورية الاسلامية الايرانية من جهة والدول الأوروبية من جهة أخرى, هذا الأمر قد أدى الى أن توافق الدول الأوروبية على الاستمرار بعملية التفاوض السياسي مع ايران على خلفية ملفها النووي
وقد اقتربنا مرات عدة من الحل النهائي
ولكن التدخل الأميركي والضغط الأميركي الذي كان يمارس دوماً هو الذي وقف حجر عقبة أمام الوصول الى الحل النهائي المنشود
ولحسن الحظ فإن الوكالة الدولية للطاقة الذرية من جهة وثلاثة من اهم الدول الأوروبية من جهة أخرى قد وافقت على أن لإيران حقاً في تملك التكنولوجيا النووية للاستثمار في المجالات السلمية وبالمقابل كانت الجهة الثانية كانت الوكالة الدولية والدول الأوروبية تطلب من ايران ضمانات عملية انها لن تبادر في أي يوم من الأيام الى انتاج اسلحة دمار شامل.
وأعتقد أن الطريق الأسلم في هذا الملف هو الاستمرار في ولوج باب المفاوضات. ولحسن الحظ فإنّ هذا القرار الذي اتخذه مجلس الأمناء الوكالة الدولية في شهر تشرين الثاني كان أفضل من القرار الذي اتخذ في شهر ايلول
وعلى اثر هذا القرار تم التوافق على استئناف المفاوضات. واذا تحلينا بالصبر اللازم فأعتقد أننا سوف نصل الى الهدف المنشود دون ايجاد ازمة ما، الأمر الذي يضمن ان تصل ايران إلى حقها الطبيعي في هذا الاطار وأن يطمئن ويثق العالم بأسره بأن ايران لا تزمع انشاء سلاح دمار شامل

أستاذ رشيد من وكالة رويترز: فخامة الرئيس هل تعتقد أنّ الديمقراطية تساعد في مكافحة الارهاب؟ هذا السؤال الأول, والسؤال الثاني بالنسبة للعراق: هل يمكن أن تقوم في العراق ديمقراطية وانتخابات وحكومة كما أشرت مع وجود احتلال اميركي على الأرض؟
السيد خاتمي: أنا أقول انه أحد العوامل وليس كل العوامل. أحد العوامل التي تؤدي الى تنامي ظاهرة الارهاب هو وجود حكومات قمعية وغير ديمقراطية. من هنا نحن نعتقد ان ظاهرة الارهاب التي تتمثل بالعنف وبالقتل لا يمكن لها ان تتعايش او تتواءم في يوم من الايام مع مسألة او فكرة الديمقراطية.
وان الحكومات القمعية والاستبدادية هي احدى مظاهر تجلي فكرة الارهاب واذا وُجدت لدينا في دولنا وفي عالمنا حكومات ديمقراطية حقيقية فإنها تستطيع على افضل نحو ممكن أن تجابه وأن تكافح ظاهرة الارهاب. وأنا أوافقكم الرأي على أن وجود الولايات المتحدة الأميريكية كطرف يحتل العراق بالقوة العسكرية لا يمكن ان يساهم في ايجاد الاستقرار في هذا البلد ولا يمكن ان يساهم في ايجاد حكومة ديمقراطية هنا. ولكن الشعب العراقي هو شعب واعٍ والعديد من القرارات التي اتخذها الشعب تخالف ظن الأميركيين وأنا أعتقد أنه اذا بادر كل أبناء الشعب العراقي الى أي دين أو مذهب انتموا، بإمكانهم ان يمهدوا الأجواء لقيام حكومة ديمقراطية في بلدهم وأنا لديّ اعتقاد وايمان بالوعي والنضج والحكمة الموجودة لدى الشعب العراقي

من جريدة صدى البلد اللبنانية:
الصحافي: يقال ان الخاتمية كمشروع اصلاحي فشلت داخل ايران؟ هل تراجعت عن دورك الداخلي وانكفأت الى الخارج أم هي محاولة لتنقية صورة ايران في خضم الاشكال النووي والأزمة السورية والمستنقع العراقي المجاور؟ هل اصلاح العالم أسهل من اصلاح الداخل؟
السيد خاتمي: احدى المشكلات الأساسية التي تعاني منها بعض المجتمعات في العالم هي انه بسبب تعرضها لفترات طويلة لحكومات استبدادية او دكتاتورية انها تعلق آمالها في الخلاص على أفراد. وفي الوقت الذي ينبغي ان نقول ان الشعوب هي التي يجب ان تقوم بدور البطل وليس الأفراد وأنا أعتقد أن طرح فكرة او مقولة الخاتمية او Khatamiste كما يقال هي مقولة خاطئة بحد ذاتها. البطل الأساسي هو يتمثل في الشعوب والأفراد أو الشخصيات التي تتماشى مع الإرادة الشعبية العارمة هي التي يُكتب لها النجاح في عملها وأنا أعتقد أنه اذا كان خاتمي قد حقق نجاحاً ما في مجال من المجالات فإنه حقق هذا النجاح لأنه أدرك بعمق الارادة الشعبية التاريخية الموجودة لدى الشعب الايراني، وسار في الاتجاه الذي يؤدي الى تحقق هذه الارادة.
الاصلاحات لم تبدأ مسيرتها مع مجيء خاتمي الى الرئاسة حتى تتعطل بعد ذهابه عنها
هناك مئة عام من الزمن يطالب من خلالها الشعب الايراني بالاصلاحات وقد حقق هذا الشعب انتصارات عديدة في هذا الاطار وكما كانت هناك العديد من العوائق في هذا المجال وانّ كل انجاز او كلّ جذوة تنبع من قلب الشعب الايراني لن تنطفئ ولن تتوقف في أي لحظة من اللحظات وأنا أشعر بسرور كبير عندما أرى أنه على الرغم من كل التباينات في وجهات النظر السياسية الموجودة فإن هذه الفئة او تلك داخل المجتمع الايراني فإن كل قرار أو كل منصب لا يمكن ان يتم التوصل اليه الا من خلال الانتخابات وهذه هي الديمقراطية انه على الرغم من ان هذه الفئة السياسية او تلك قد ترضى عن هذه الحكومة او لا ترضى عنها فإن الارادة الشعبية هي التي تقرر مجيء هذه الحكومة او ذهاب تلك.
انتم تعرفون اننا نعيش في منطقة تتميز في حكومات تستمر لأربعين سنة او خمسين سنة وحتى انه في بعض الأحيان يتم تعديل الدستور لمصلحة هذا الطرف او ذاك.
في الجمهورية الاسلامية الايرانية لم يتمكن أي رئيس للجمهورية ان يستمر في تأدية مهامه لأكثر من ثماني سنوات.
من هنا أنا أعتقد أن الاصلاحات في ايران قد عملت أو قد أنجزت ما أنجزت بطبيعة الحال فإن أيّ انتخابات تحصل من الممكن أن ترضى عنها فئة معينة أو لا ترضى عنها فئة أخرى ولكن أنا أعتقد بجد أنه أمامنا مسيرة طويلة من أجل أن نعمل على تحقيق كل الأهداف والتوجهات السامية التي نهضت من أجلها الثورة الاسلامية في ايران والتي يتضمنها دستور الجمهورية الاسلامية الايرانية. لطالما أنّ الشعب الايراني مستمر في حياته وفي تقدمه وطالما أن هذه المطالب التاريخية لم تتحقق بعد فإن هذه المسيرة مستمرة بإذن الله.

اليكسي ----، خريج الجامعة الأميركية: ماذا تعملون لتحسين الصحافة الايرانية الداخلية لسنة 2020, ماذا تفعلون في الداخل لتحسين حرية الصحافة؟
السيد خاتمي: أولاً ينبغي أن نحترم رأي الشعب الايراني، ثانياً أن السياسات العامة في الجمهورية الاسلامية الايرانية تقرر من قبل مجمع تشخيص مصلحة النظام في ايران وتنال الثقة من قائد الثورة وهناك في طبيعة الحال جزءاً أساسياً من السياسات العامة المعتمدة في ايران اعتمدت وأُقرّت داخل مجمع تشخيص مصلحة النظام التي كنت عضواً فيها والتي كان يترأسها الشيخ هاشمي رفسنجاني. وأيّ رئيس للجمهورية الاسلامية الايرانية الى أي فئة انتمى لا بد له من أن يراعي هذه السياسات العامة المعتمدة في ايران. ولكن وبطبيعة الحال فإن اختلاف الأمزجة يمكن أن يؤثر الى حد ما في رسم السياسات العامة ولكنه لم يغير هذه السياسات في عمقها وفي توجهاتها بإذن الله.
إنّ حرية المطبوعات هي مسألة مكرسة داخل المجتمع الايراني.
وأكبر دليل نسوقه في هذا الاطار هو أنّ العديد من الصحف والمطبوعات الفتية الايرانية التي تجذرت على الرغم من انها دفعت اثماناً باهظة وتكاليف عالية كي تستمر في مسيرتها الصحافية وعندما يكون الجسم الصحافي والاعلامي في ايران هو جسم نضر وفتيّ في حالة تقدم وتطور يستطيع ان يفرض حريته على الحكومة في ايران وعلى الرغم من أن هناك حركة مد وجزر قد شهدتها مسيرة الصحافة في ايران ربما نستطيع القول انّ مسألة حرية المطبوعات قد أصيبت ببعض الأضرار إلى حد ما ولكنها في العمق لا زالت مستمرة ومصرة على هذا المنهج.

سئل عن موقفه بالعلاقة بين ايران وامريكا فأجاب:
السيد خاتمي: إن أفضل الاساليب التي اعتمدت من أجل حل كافة المشاكل الموجودة في هذا الاطار كانت السياسات التي اعتمدت خلال فترة وجودي في سدة الرئاسة الاولى في ايران وخلال وجود بيل كلنتون في سدة الرئاسة في اميركا، وللأسف كان هناك سواءً في ايران أو في الولايات المتحدة الأميركية بعض الأطراف التي كانت لا تريد لهذه المشكلات العالقة أن تُحلّ ولكن بطبيعة الحال إن أوجه الظلم المتعددة التي مورست من قبل الولايات المتحدة الاميركية على ايران طوال نصف قرن من الزمان أوجدت حالة من الشك والريبة وسوء الظن لدى ابناء الشعب الايراني تجاه السياسات الاميركية.
وأنا عبرت عن ذلك بوصفي أن هناك جداراً عالياً من انعدام الثقة، وعبرت عن اعتقادي بأن هناك بعض التعديل في السياسات المعتمدة من قبل الطرفين باستطاعتها أن تُحدث شروخاً في هذا الحائط أو في هذا الجدار وهذه التحركات كانت قد بدأت حينها لتقليل حجم هذا الجدار، ولكن للأسف بعد مجيء ما يُطلق عليهم المحافظون الجدد الى الادارة الأميركية تحطمت كل الآمال التي كانت معلقة على الفترة السابقة وفي التالي أخلص بالقول أنه مع وجود هذه الفئة من الساسة في الادارة الأميركية فلا أعتقد أن هناك آمالاً وفيرة لتحسن العلاقات بين البلدين.
أما في ما يتعلق بالساحة العراقية ما قيل عن اتصالات تمت بين الجانبين فليس لدي معلومات عنها بطبيعة الحال فإن مسؤولي الجمهورية الاسلامية الايرانية هم على اطلاع وثيق على مجريات هذه الأمور. وبالتالي يستطيعون أن يقرروا ما ينبغي ان يحصل ولكن إن حدث ذلك فهذا لا يدعو للاستغراب. نحن تحدثنا مع بعضنا بشكل محدود في جنيف على خلفية المسألة الأفغانية وأيضاً في أفغانستان نفسها ومن أجل ضمان مصلحة الشعب الأفغاني تحدثنا أيضاً معهم، وليس لدي معلومات وفيرة حول ما تم تداوله في الآونة الأخيرة. ينبغي أن نثق في المعلومات والمواقف الصادرة من مسؤولي الجمهورية الاسلامية الايرانية.
ولكن عطفاً على ما ذكرته في سؤالكم عن بعض المواقف أو الأمور التي تصدر من الجمهورية الاسلامية الايرانية فأستطيع أن أؤكد أنه ليس هناك من شخص في ايران يرغب أو يريد أن يلحق الدمار بأي دولة أو بأي شعب من شعوب العالم.
إن سياسة الجمهورية الاسلامية الايرانية تقوم على الاستنكار الدائم لسياسات الكيان الصهيوني في اضطهاد الشعب الفلسطيني، وفي عدم السماح للاجئين الفلسطينيين بالعودة الى وطنهم الأم، والمشاريع الظالمة التي يتم طرحها من أجل الوصول إلى السلام المزعوم، لأننا نعتقد أن هذه المشاريع الواهمة لا تأخذ بعين الاعتبار الحقوق العادلة للشعب الفلسطيني واذا كانت فكرة إلحاق الدمار بدولة او شعب من دول وشعوب العالم هي فكرة مستنكرة أو مدانة فكيف لنا أن نتأمل هذا المشهد الذي نرى من خلاله ان هناك نصف قرن من الزمان الذي يتم من خلاله تجاهل الحقوق الطبيعية والبديهية والعادلة للشعب الفلسطيني. وكيف لنا أن نرى أن أرضنا هي أرض فلسطين وبما لديها من خلفية تاريخية يتنكر العالم بأسره عن الحقوق الطبيعية العائدة الى شعبه. وبالتالي فإنه أمام الحروب النفسية التي تُمارس ينبغي أن نفكر معيةً بكيفية الوصول الى سلام ثابت وناجز. وهذا السلام الناجز والراسخ لا يمكن ان يتحقق الا من خلال الاعتراف بالحقوق المشروعة والعادلة للشعب الفلسطيني، وضمان حق عودة كل اللاجئين الفلسطينيين الى وطنهم الأم وأيضاً من خلال الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في اختيار المصير او المستقبل الذي يريده، وشكل الدولة التي يريد ان يعيش في كنفها في المستقبل. ونحن ايضاً ندعو الى قيام سلام عادل وراسخ ومستقر في هذه المنطقة، وكلنا بحاجة الى التنمية ولا يمكن لنا ان نصل الى تنمية المنتجات في منطقة تشوبها القلاقل بهذا الشكل.