الجهاد الفتيّ سيصنع شيئاً لشرقنا

الرئيسية إصدارات كلمة سواء مؤتمر كلمةٌ سواء العاشر: التنمية الإنسانية: أبعادها الدينية والإجتماعية والمعرفية ... وإشراقات من فكر الخاتمي

كلمة السيد خاتمي في الامانة العامة لحزب الله ببيروت في 2/12/2005.

بسم الله الرحمن الرحيم

إنها ليلة لا تنسى بالنسبة لي لأنها في الواقع تمثل تجسيداً للمكان الذي لطالما كانت افئدتنا تخفق من اجله ونحلم برؤيته، ها هو هذا الامر يتحقق الآن ونحن هنا معكم.
حزب الله هو حزب فتيّ مثل الجمهورية الاسلامية الايرانية.
وتقريباً بعد 4 سنوات من انتصار الجمهورية الاسلامية بدأ حزب الله بالنضال.
وهناك العديد من نقاط الالتقاء والتشابه بين حزب الله وبين الجمهورية الاسلامية في ايران.
ولكن أود في هذا المحفل الكريم ان اركز على نقطة اساسية تمثل وجهاً للتشابه بين حزب الله وبين الجمهورية الاسلامية في ايران.
خلال المئتي سنة المنصرمتين، في كل حرب كانت تقوم ايران بخوضها كانت تخسر قسماً من اراضيها.
والعديد من المساحات والاراضي التي هي موجودة خارج حدود الجمهورية الاسلامية الايرانية كانت في يوم من الايام ملكاً لإيران.

أما بعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران خضنا حرباً ممتدة لأكثر من 8 سنوات ومع الأخذ بعين الاعتبار انه مع صبيحة ولادة هذه الثورة وقيام الثورة الاسلامية في ايران انطلقت هذه الحرب الشعواء ضدنا وكان جيش ايران بطبيعة الحال كانت تعتريه الكثير من الشوائب التي لا بد ان تلاقيها اي ثورة تصل إلى مرحلة الانتصار وكانت ادارة شؤون جيشنا منصبة تماماً في ايدي المستشارين العسكريين الامريكيين وكان كبار قادة وامراء الجيش الايراني في ذلك الحين هم من الذين يأتمرون بأوامر المستشارين العسكريين الاميركيين.
وهذه الثلة من الضباط الكبار الذين كانوا يعتبرون السبب الأساسي للنظام الملكي السابق فُصِلوا من الجيش.
كانت لدينا اسلحة متطورة.
ولكن لم نكن نملك المهارة لاستعمال هذه الأسلحة.
ومع الايام الأخيرة لانتهاء الحرب المفروضة اكتشفنا مؤخراً ان هناك مستودعاً قديماً في مكان ما على الأرض الايرانية كان خافياً علينا وكان يحتوي على العديد من المعدات والذخيرة العسكرية المتطورة.

وكان حرس الثورة الاسلامية لم يتشكل حينها بعد وكان القيمون على تشكيل وقيام حرس الثورة الاسلامية في ايران ثلة من خريجي المدارس والمعاهد والجامعات الايرانية الذين كانوا لا يتمتعون حينها بأي خبرة عسكرية تؤهلهم للقيام بهذا الدور وفي الجهة المقابلة نعلم انه احد اقوى جيوش المنطقة وأكثرها تسليحاً وتدريباً كان يهاجمنا وكان يقف ضدنا.
وكان هذا الجيش المهاجم يتلقى اقصى درجات الدعم والمساندة على المستوى الاقليمي وعلى المستوى الدولي واستمرت الحرب 8 سنوات وكانت هذه الحرب المفروضة اول حرب تخوضها ايران منذ مئتي سنة ولم تخسر فيها حتى شبر واحد من اراضيها. وفي هذه البقعة من العالم نجد انه مضى أكثر من خمسين سنة على تشكيل او قيام كيان هو الكيان الصهيوني وخلال هذه السنوات الخمسين شهدنا العديد من الحروب التي قامت بين الجانبين العربي والاسرائيلي وفي كل حرب من هذه الحروب كنا نرى ان الجيوش العربية مجتمعة ومنفردة كانت تلقى اشنع انواع الهزائم وتخسر في كل مرة المزيد من اراضيها والكيان الصهيوني هو أحد أهم الترسانات العسكرية في العالم، وبعد القوى النووية الكبرى الاربعة الموجودة في العالم، تعتبر اسرائيل القوة النووية الخامسة.
قدرة المناورة العسكرية المتاحة لدى الجيش الاسرائيلي تفوق قدرة المناورة العسكرية الموجودة حتى لدى الجيش الاميركي.
وطبعاً انتم لستم بحاجة إلى ان تُعرّف لكم مدى العلاقة الوطيدة التي تربط الكيان الصهيوني بالولايات المتحدة.
وخلال المقابلة التلفزيونية التي أجريتها مع شبكة CNN الاميركية قلت لهذه الشبكة انتم تعتبرون ان عاصمة اميركا هي واشنطن. ولكن أتعرفون انتم انه في دول الشرق الأوسط وفي دول آسيا وفي دول الشرق عامة وفي الدول الاسلامية في الشرق عامة يعتبرون ان العاصمة الحقيقية لأميركا هي تل أبيب لأن طبيعة العلاقة التي تربط الكيان الصهيوني بالولايات المتحدة الاميركية ليست كتلك العلاقة التي تربط حكومة ودولة تابعة لدولة متبوعة.

نحن نستطيع القول ان الكيان الصهيوني ان اسرائيل تتمتع بالمزايا والكفاءات والقدرات الهائلة والكبيرة الموجودة لدى أقوى دولة على مرّ التاريخ من النواحي السياسية والعسكرية والاقتصادية.
هذه القوة المتمثلة بالكيان الصهيوني على عظمتها الظاهرية المصطنعة لأول مرة مُنِيَتْ بهزيمة ساحقة.
وهذه الهزيمة مُنِيَتْ بها على يد حزب الله.
ترى أهي مصادفة ان نلاحظ هذا الوجة من التشابه بين حزب الله وبين الجمهورية الاسلامية في ايران انا اقول حتماً هذا ليس صدفة نحن نعتقد ان هناك تشابهاً وتوحداً بين حزب الله وبين الجمهورية الاسلامية الايرانية من ناحية المبادئ ومن ناحية الاهداف ومن ناحية الأساليب المتبعة نحن عندما نريد ان نقدم تعريفاً موجزاً عن الثورة الاسلامية التي قامت في ايران .. عن ان الشعب الايراني قام ونهض من اجل الوصول إلى حريته واستقلاله وتطوره.
وهناك 100 سنة من الزمان تحرك الشعب الايراني خلالها للوصول إلى هذه الاهداف ولكن الثورة الاسلامية هي ظاهرة استثنائية أتت بعد نضال خاضه الشعب الايراني طوال 150 سنة.
وهذه هي المزيّة التي تحدثت عنها اليوم حتى في ندوة انطلياس فقلت ان الثورة الاسلامية كانت تجلياً لحالة من التكامل بين النضال المرير الذي خاضه الشعب الايراني من اجل نيل حريته وسيادته واستقلاله وتطوره وبين الهوية الثقافية و التاريخية لهذا الشعب.
ونحن كان لدينا العديد من الحركات الاسلامية على امتداد السنوات العديدة الماضية.
وليست قليلة تلك المنظمات التي تدّعي انها اسلامية وهي في الواقع على حال يشوّه صورة الاسلام والمسلمين ولكن الثورة الاسلامية هي التي برزت وانتصرت في ايران.
هذه الثورة انتصرت على يد فقيه عارف خطيب متنوّر وانطلاقاً من جذوة الدين نادى بالحرية والاستقلال والتطور هذا هو الشيء المشترك الاساسي بين حزب الله وبين الجمهورية الاسلامية الايرانية، وبين الثورة الاسلامية في ايران هذا الاشتراك في الماهية هو الذي أدّى إلى توجيه هذه التهمة لكم بأنكم تبع للجمهورية الاسلامية الايرانية نحن نعتبر ان حزب الله لا يتبع إلا الله تعالى. نحن نعتبر ان حزب الله اليوم بات عنواناً ورمزاً للمقاومة والصمود والفخر في العالم الاسلامي برمته. واليوم يعتبر ابناء الشعب اللبناني وينظرون إلى حزب الله على أنه دعم أساسي لاستقرار هذا البلد وسياسته ونحن نقول ان حزب الله الحركة الاسلامية الشيعية باتت تنهض اليوم بأعباء ومسؤوليات كبرى يتجلى من خلالها الدفاع عن الاسلام الاصيل، الاسلام الذي ينادي بالحرية وبالوحدة وبالاستقلال وبالتطور، كما يدافع عن الكرامة المهدورة عند العرب الذين لاقوا اصلافاً ومهانة على يدي الاعداء. حزب الله ليس حركة طائفية وإن كان يفتخر بانتمائه إلى مذهب التشيع وأمير المؤمنين عليه السلام لا يخصّ الشيعة وحدهم.

هو ينادي بحرية الانسان، أينما كان حزب الله اليوم، ليس حركة طائفية منزوية وضعيفة تريد ان تتمسك بالقوى الكبرى ولكن حزب الله بات رمزاً وعنواناً لهذا البلد بمسلميه ومسيحييه بسنته وشيعته ودروزه والفلسفة الجندية لحزب الله هو التصدي وهو مقارعة الاحتلال الاسرائيلي الذي ما يزال يحتل اجزاء من الارض اللبنانية.
وبطبيعة الحال هم يفتخرون انهم قاربوا كل هذه المسائل من الزاوية الشيعية.
ترى هل هذا يدعو إلى الاستغراب ان ضمن الكتلة النيابية التابعة لحزب الله هناك أخوة كرام ينتمون إلى المذهب الاسلامي السني.
هل هذا يدعو إلى الاستغراب ان هناك نواباً في كتلة حزب الله البرلمانية تضم اخواناً نواباً كراماً من الديانة المسيحية والطائفة الاسلامية السنية. ترى هل تستطيع فرقة تتجسد من خلال حركة طائفة هزيلة وضعيفة ان تضم إلى صفوفها وتكون من خلال هذا التمثيل الوطني عنواناً لكرامة وعزة هذا البلد.
حزب الله ليس مرتهناً بأي فئة.
ولكن بطبيعة الحال فإن أوجه التشابه والاشتراك الموجودة بين حزب الله وبين الجمهورية الاسلامية الايرانية لا يمكن ان ننكرها.
وأنا اعتبر انه من أهم الأمور التي افتخر وأعتز بها خلال فترة رئاستي للجمهورية الاسلامية في ايران، أحد اهم مواقع الفخر والاعتزاز كان العلاقة المتينة التي جمعتني بالاخوة في حزب الله.
وايضاً ان هذه الفرصة الشجاعة والبطلة التي تمثلت في الدفاع عن الانتفاضة المباركة والمسددة للشعب الفلسطيني.
وأنا على ثقة تامة انه طالما لدينا في الساحة قوى مثل حزب الله ومثل الانتفاضة الفلسطينية فإن أعداء الاسلام وأعداء هذه المنطقة وأعداء هذه الشعوب لن تستطيع ان تصل إلى مبتغاها.

وعلى الرغم من كل المؤمرات فإن حزب الله باقٍ ...
وانا اعتقد ان الهدف الأساسي من وراء كل المؤمرات التي تُحاك في هذه الفترة في لبنان ضد لبنان تستهدف حزب الله بشكل أساسي.
وبحمد الله تعالى فإنه وبفضل التحلي بالحكمة واليقظة فإن امواج التآمر هذه صُدَّتْ ولكن مصدر المؤامرات مازال موجوداً.
وحزب الله ينبغي ان يكون في هذه الفترة الصوت المنادي للوحدة وينبغي لحزب الله ان لا يسمح بأوجه التباين، في وجهات النظر الموجودة في الساحة الداخلية في لبنان، أن تعرّض الوحدة التي تتجلى في الصف الداخلي للاهتزاز لأن هذا الاهتزاز في البنية الداخلية من شأنه ان يجلب المزيد من الحروب والتدخل الاجنبي في هذا البلد.
ولكني أعتقد هنا أنه من الناحية الفكرية ينبغي لحزب الله ان يتمسك بالاسلام المنفتح، بالاسلام الاصيل، بالاسلام الذي يدافع عن الإنسان وينادي بحريته وسيادته واستقلاله وتطوره. هذا الاسلام الذي نادت به الجمهورية الاسلامية الايرانية وأُقِرَّ في الدستور الايراني، وتسير على خطاه الجمهورية الاسلامية الايرانية في مقابل الاسلام الذي يحاولون تشويه صورته من خلال كل ما يلصق به من اتهامات، وينبغي على حزب الله ان يتمسك بالاسلام المنفتح الاصيل وان يتبرّأ من ذلك الاسلام المشوّه.

وأنا حتى بعد انتهاء فترة توليي لرئاسة الجمهورية، قلت دوماً في المناسبات العديد من الخطابات كذلك الأمر لا ينشأ من عطش لدي للكلام ولكن رأيت حفلاً مستمعاً نجيباً واعياً وهذا شجعني على المزيد من الكلام.
ولكن اهم من كل ذلك العشق والرغبة القوية وانتم تعرفون ان الاطالة في الكلام هي من الامور التي تخالف البلاغة هناك مكان واحد تكون الاطالة مرادفة للبلاغة وهو عندما يكون المُخاطب الذي يتحدث اليه الانسان فرداً عزيزاً عليه.
وأسطع دليل على ذلك ما ورد في القرآن الكريم عندما أجاب موسى عليه السلام رب العالمين.
خاطب الله عزّ وجلّ موسى عليه السلام "وما تلك بيمينك يا موسى" وكان من الطبيعي في معرض الاجابة المختصرة ان يقول موسى "هي عصاي" "هي عصاي"، ولم يهدأ باله "أتوكأ عليها" وايضاً لم يهدأ خاطره "أهشُّ بها على غنمي" وعندما لم يجد ما يضيفه فقال: "ولي فيها مآرب أخرى".
الاطالة في هذا المقام هو عين البلاغة.

ولأني أحبكم فقد أطلت في الكلام ولذا فإنني انسان بليغ.
في المرة القادمة التي يدعوني فيها أخي وعزيزي سماحة السيد حسن نصرالله إلى مناسبة أخرى أعدكم اني لن أطيل في الكلام ... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.