تغيير النفس أولاً - سماحة آية الله الشيخ عبد الأمير قبلان

الرئيسية إصدارات كلمة سواء مؤتمر "كلمة سواء" التاسع: موقع الحرية في الاصلاح والتجديد

اليوم الأول - الجلسة الافتتاحية

سماحة آية الله الشيخ عبد الأمير قبلان
نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين.

السلام عليك أيها الراحل بعيداً بعيداً
السلام عليك أيها القريب من قلوبنا الدافئة
السلام عليم يا أبا صدري وعلى رفيقيك ... نعيشك باستمرار ونهفو إليك... تهفو إليك القلوب لتعود إلينا لنشعر بالدفء والحرارة... لنشعر بالمحبة من جديد ولكن قاتل الله حكام هذه البلاد ولا استثني أحداً لأنهم بنوا حكمهم على الأنانية وحب النفس والذات. بعد ان مات النبي انقلب الناس على أعقابهم ولذلك نحتاج من جديد إلى نبي أو وحي يصلح شأن الأمة. الجميع يعملون للدنيا ولا استثني احداً... نعمل وإذا التفتنا في النهاية نعمل للآخرة. وكل ما اشاهد حولي وتجربتي اني اعيش في عالم همه الدنيا والبعد عن الآخرة.
فإنني أسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدينا ويجعلنا من العاملين لمرضاته والساعين بصدق وإخلاص إلى أن نكون جميعا في خدمة إنسانيتنا وفي خدمة قضايانا، عازمين بثبات وتأكيد على إحداث نقلة تغييرية أفضل، وإصلاحية متجددة قادرة على الموازنة بين الأصول وما يتفرع منها، هذه المهمة أيها الأخوة تكاد تكون صعبة ولكنها ليست بالمستحيلة، إذا ما اقترنت بهمة وجهود النُخب من أهل العلم والفكر والثقافة، فهي مسؤوليتهم بالدرجة الأولى، كما هي مسؤوليتنا جميعاً وذلك لجهة الإقبال على مثل هذه المؤتمرات والانسجام مع مثل هذه الندوات التي تقام لهذه الغاية، وبالخصوص مؤتمر كلمة سواء، الذي ينعقد في هذا العام تحت عنوان الحرية بين الإصلاح والتجديد. والحرية مساحتها كبيرة جداً، والإصلاح لا يكون إلاّ بالحرية، والتجديد لا يكون إلا بالإصلاح ولكن كيفما "تكونوا يولّ عليكم".

أيها الأخوة...
إنني أتوجه بالشكر الجزيل إلى القيّمين على هذا المؤتمر وإلى جميع الأخوة المشاركين، وأسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق للجميع.

أيها الأخوة الكرام، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز ﴿إن الله لا يغيّر ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم﴾ ]الرعد،/11[. هذه إشارة قرآنية تدلل على أن التغيير حقيقة مطلوبة، وأنه لا يكون إلا من الداخل، أي من الذات الإنسانية، من الأنفس والتغيير يعني الانتقال من حال إلى حال وهو بالتأكيد نحو الأفضل والأحسن والأصلح، وهذا لا يتحقّق ولا يتم إلا بالحرية، فالإسلام الذي يُتهم والذي يوصف بأنه تطرف وإرهاب وبأنه ضد حقوق الإنسان يشدّد على الحرية، ويدعو إلى الجهاد من أجلها والله سبحانه تعالى يقول:﴿لو شاء الله لآمن من في السماوات ومن في الأرض أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين﴾ ]يونس/99[.

إنّ الله سبحانه وتعالى رفض أن يُكره الناس، ويرفض أن يُجبروا على الإيمان ﴿... من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر﴾ ]الكهف/29[، إن وظيفة الإسلام هي الحرية، ولكن الحرية المسؤولة، الحرية الحقّة، وليست حرية الشعارات وحرية النصوص، الحرية في الإسلام نصٌ ومضمونٌ، تطبيق وممارسة، تجسيدٌ للعدل، لقيام الناس بالقسط، لمنع الظلم والفساد، الحرية في الإسلام، علم وتفكّر وتبصّر، وليست غوغائية، الحرية في الإسلام روح وليست مظهراً، ولهذا جاءت الرسل تدعو وتعمل على تحطيم الأصنام والقيود، وتقول إنّ العبودية فقط لله سبحانه وتعالى.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقل أحدكم عبدي أمتي، وليقل فتاي وفتاتي وغلامي" وأمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه يقول: "لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً" والإمام الحسين عليه السلام يقول: "كونوا أحراراً في دنياكم". أيها الأخوة لقد استشهد الإمام الحسين عليه (ع) من أجل حريته وكرامته، وهو يدرك تماماً وهو ابن بيت النبوة، بأن الإنسان بلا حرية هو إنسان بلا روح، هو دائماً في الظلام، هو عبد مُسْتَبَدٌ به مسلط عليه، غير فاعل في الحياة، غير قادر على إحداث أي شيء، لا في مجال التغبير ولا في مجال الإصلاح الذي نريده أن يكون إصلاحاً حقيقياً، متجانساً ومتطابقاً مع ما يريده الله سبحانه وتعالى للناس، والله سبحانه وتعالى لا يريد لعباده إلا الخير والبركة، يريد لهم التعاون والتكاتف والتآخي في سبيله، يريد لهم أن يكونوا دائماً في مواجهة الظالم والفاسد والمتسلط، يريد لهم أن يكونوا كرماء أعزاء أحراراً، ولكن على قاعدة "أن نحب لغيرنا ما نحب لأنفسنا، وأن نكره لغيرنا ما نكره لأنفسنا".
من هنا وعبر هذا المؤتمر، أتوجه إلى الجميع وأدعوهم إلى التحرك والبحث في تفاصيل هذا العنوان والخوض في مفاهيم الإصلاح وضرورة تحقيقها بجدية وصدق، هذا الإصلاح الذي شغل الإمام المغيّب السيد موسى الصدر، فكان همّه ومحور حركته وسعيه الدائم، ويجب أن يبقى همّ الجميع حتى يتحقّق الإصلاح المطلوب والتجديد الذي يجعلنا مجتمعاً واعياً ومدركاً ومحصناً في وجه ما يتهددنا من أخطار، قادراً على النهوض والاستنهاض بهذا الوطن من محنة عشناها ولا نزال نعاني تبعاتها. "فلبنان كبير بالحرية وصغير بدونها، وهي شرط أساسي لبقاء صيغة عيشه المشترك، كما هي شرط أساسي لتعزيز هذه الصيغة، وترسيخ وحدة لبنان أرضاً وشعباً، هكذا كان يقول الإمام موسى الصدر، ونحن بدورنا نؤكد هذا القول وندعو إلى أن يكون عنواناً عاماً لنا كلبنانيين ولجميع شعوب منطقتنا العربية والإسلامية، ومشروعاً يتبناه المثقفون والمفكّرون في أوطاننا العربية والإسلامية، ويجاهدون من أجل تحويله إلى واقع نعيشه علماً وفكراً وعملاً.
إننا نعيش أيها الأخوة واقعاً مؤلماً جرّاء أوضاع إقليمية ودولية متأزمة ومتفجرة في فلسطين وفي العراق، فالمنطقة كلها تعيش الأزمات ويمارس عليها ضغوطات هائلة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، ولا بد من مواجهتها مهما كانت التضحيات، كما لا بدّ من مجابهتها بأي شكل من الأشكال، وأول هذه المجابهة يجب أن تكون بإصلاح نحن نصنعه وبتغيير نحن نبرمجه، لا لإصلاح مستورد أو مفروض، لا لإصلاح من دون حرية أيها الأخوة، إذ لا فكر ولا إبداع ولا اقتصاد ولا سياسة ولا عدالة ولا استقرار ولا سيادة من دون حرية.
نتمنى لمؤتمركم النجاح ونتمنى أن نبلغ ما نتمناه ونتمنى أن يعود الإمام موسى الصدر سالماً معافى ليعيش معنا ونعيش معه.
وفقنا الله وإياكم إلى سواء الكلمة وجمع الشمل والحمد الله ربّ العالمين.