لبنان الرسالة - السيد صدر الدين الصدر

الرئيسية إصدارات كلمة سواء مؤتمر "كلمة سواء" السابع: الذات والآخر في الاعلام المعاصر

اليوم الأول - الجلسة الافتتاحية

السيد صدر الدين الصدر

بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمةً طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء* تؤتي أُكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الامثال للناس لعلهم يتذكرون* ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتُثَّت من فوق الأرض ما لها من قرار*﴾.
[إبراهيم، 24-26].
صدق الله العلي العظيم.

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

ممثل فخامة رئيس الجمهورية،
دولة رئيس مجلس النواب الأخ الأستاذ نبيه بري،
ممثل دولة رئيس الحكومة،
أصحابَ الغبطة والسماحة والسيادة والفضيلة،
أخواتي وإخواني أبناء الإمام الصدر،
أيها الحفل الكريم،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
يشرّفني ويسعدني أن أُرحب بكم في مؤتمركُم "كلمةٌ سواء" السابع، الذي دأب مركزُ الإمام موسى الصدر للأبحاثِ والدراسات على تنظيمه. وإنني بالنيابة عن المركز، وعن مؤسساتِ الإمام الصدر ممثلةً برئيستها السيدة الفاضلة رباب الصدر شرف الدين، أتوجهُ إليكم بجزيل الشكر والتقدير على تعهدكُم وسهركُم على إنجاح مؤتمرات "كلمة سواء" الذي نلمَسُه بالحضور والمساهمةِ والمشورةِ والكلمة والدعم والدعاء.

"الذات والآخر في الإعلام المعاصر" هو عنوان مؤتمرنا السنوي "كلمة سواء" التي ما نزال نجهد ساعين إليها. وكم نحن بحاجة إليها في إعلام الآخر، كما في إعلامنا. جاء اختيار هذا الموضوع محاولةً من مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات في مقاربةِ قضيةٍ حساسة ومؤثرة، وفي حقبةٍ مأزومة اضطربتْ فيها القيمُ والمعايير، وغلَبَت فيها الأفكارُ المسبقة، وسادَتْ الصوَرُ المشوَّهة.

• هل يمكننا أن نفهم عصرنا من دون ان نسبُر أغوار هذا الحضور الكلي لما يسمى بالميديا، التي تبشر بما اصطلح على تسميته بالحضارة الكونية؟
• إن التطور التقني الهائل في وسائل الاتصال والإعلام (أي ثورة الاتصالات) في العقود الأخيرة اتاح الفرصة لتبادل المعلومات والصور والأخبار بين أجزاء المعمورة بشكل لم يشهد له العالم مثيلاً من قبل، بحيث أصبح ما يطلق عليه تسمية العولمة كأنه أمر واقع.
• ولمّا كان كل إنسان يعيش في بيئة لها خصوصياتها ونماذجها الثقافية والمعرفية النابعة من تراثه وتاريخه، والتي تحدد نظرته لنفسه وكل ما يحيط به وبالتالي سلوكه، إلا انه يتلقى في الآن نفسه عبر وسائل الاتصال المتعددة حوله صوراً وأفكاراً لنماذج مختلفة من التفكير والسلوك مما يحدث صراعاً لا بد أن يؤدي إلى تغيرات.
• إننا نعيش في عصر المتغيرات الكبرى. فالكثير من البنى الاجتماعية والثقافية ... الخ. مُعَرضٌ للانهيار، وخاصة في ما يسمى دول العالم الثالث، ومعها، وكنتيجة لها، منظومات فكرية - معرفية ورؤى كونية، بما تعنيه من رؤية للذات والكون والمقدس، والعلائق بينها.
• الإشكالية ليست بجديدة. إنها إشكالية الغزو الثقافي والحضاري، التي بدأت في حالتنا مع بداية الانطلاقة الاستعمارية في القرن الثامن عشر، عندما حاول الغرب فرض نماذجه على الشعوب المستعمرة. إنما التحدي اليوم أعظم، ولعله الأخطر بخطورة الوسائل المستخدمة، ومنها وعلى رأسها تقنيات الاتصال والإعلام. فالمتغيرات ليست موضوع النقاش بل مدى جذريتها.
• والميديا، وخاصة الأميركية، تحيط بنا من كل الجوانب. تؤثر فينا، تثيرنا، تستفزنا، تشكل أذواقنا، تصوغنا وتعيد صياغتنا مرات ومرات في حركة لا تتوقف، إنها تتحدانا.
• والميديا، بحسب الترجمة، حيادية بذاتها.
إلا أنها بحسب استخدامها تحتمل النقائض: الهدم والبناء، القطع والوصل ... وهي رغم مخاطرها وسلبياتها، فإنها تحمل في ثناياها الكثير من الإمكانات الإيجابية للتقريب بين الأفراد والمجتمعات والشعوب والمساعدة على تحقيق العدل ووقف الحروب ونشر السلام والارتقاء بالإنسان..
• لذا، وعلى الرغم من عمق التغيرات وتسارعها، يبقى "الحوار" هو العقل والمنطق، الامل والمنقذ، حوار يتجاوز "الصور النمطية"، مادة "إعلام الإثارة"، يبحث عن المشترَك بين الناس فيؤسس لتعارف وتفاعل، وبالتالي تعايش بين المجموعات البشرية لما فيه صالح الإنسانية جمعاء.
• ويصبح لبنان، كما يعبر الإمام الصدر في حديث مع وفد نقابة المحررين بتاريخ 18/1/77، "يصبح لبنان في هذه المرحلة بالذات من تاريخ العالم ضرورة قصوى للعالم المترابط الذي يضم الأديان. والتعايش بين أبناء العالم من أجل استمرار الإنسان في بناء الدولة الكونية الواحدة مرتبطٌ ومتأثرٌ إلى حد كبير بنجاح صيغة لبنان التعايشية"

لقد أكد الإمام على ضرورة وجود مستقبل يحفظ وينمّي رسالة الوطن العالمية ويجعل من الطوائف اللبنانية نوافذ حضارية على العالم، لا دويلات متصارعة، ويُمكن كل فئة من ان تعطي الوطن لا أن تأخذ منه وتنمو على حسابه، مستقبلاً تحس به كل طائفة بأنها عزيزة تعطي ولا تشعر بأنها مظلومة ومصنّفه ومحتقرة، مستقبلاً يكون الوطن فيه ندوة الحوار الإسلامي – المسيحي وقاعدة اللقاء الأوروبي – العربي ومختبر التفاعل الحضاري وواحة للتجربة العالمية الناجحة غداً. مستقبلاً يحمل مشعل القضية الفلسطينية ورسالة القدس على رؤوس الأشهاد فيدخل به وبها ضمير العالم ويؤسس معه ومعها حضارة المستقبل العادلة.

لذلك يقول الإمام "إن لبنان في هذه الفترة ضرورة حضارية أكثر من ذي قبل". لذلك - والكلام مازال للإمام - "فليسمح اللبنانيون لنا بأن نقول إن التعايش ليس ملكاً للبنانيين لكنه أمانة في يد اللبنانيين، ومسؤوليتهم، وواجبهم، وليس حقهم فحسب".

إذاً للبنان رسالة عالمية وحضارية، ولإنسانه دور رسالي، إنه الأداة الحضارية لإنجاز هذه الرؤية.
"ولبنان هذا بلدنا، رصيده الأول والأخير هو إنسانه، وصيانته بصيانة إنسانه .. صيانة طاقاته وتنميتها..

والحرية هي المناخ الملائم لنمو طاقات الإنسان وبروز مواهبه .. هي أم الطاقات. وفي غيابها يخضع الإنسان للحجم الذي يقدمه الغاصب للحرية، فمن الاستبداد إلى الاستعمار، ومن الإقطاع إلى الإرهاب الفكري، وادعاء الوصاية على الناس واتهامِهم بأنهم لا يفهمون، ومن الاستعمار الجديد إلى فرض المواقف على الأفراد والشعوب بضغط اقتصادي أو سياسي أو فكري .. صور وأشكال لسلب الحريات ولتحطيم الطاقات .."

هذه أمانة الإمام فينا وفي الوطن.

أيها الأعزاء،
تمنياتُنا الحارة بأن تتكلل مجهوداتكم بالتوفيق وبالنقاش المجدي، وأن تؤولَ إلى استشراف آفاقٍ واعدة تفتحُ طريقَنا نحو إعلامٍ حرٍ وفاعلٍ مسؤول، وبناء يحققُ المزيدَ من إنسانيةِ الإنسان. "فالحريةُ_ والقول للإمام الصدر"_ هي حقٌّ للصحافي من المجتمع الذي يعملُ فيه، وخدمة للمجتمع ليعرف كل شيء .. فلا صيانَةَ للحريةِ إلاّ بالحرية".

ولنا في قضية الإمام الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والأستاذ عباس بدرالدين مع الإعلام أو على الاصح التضليل الإعلامي وقفات. فالإعلام الممَّول من ليبيا – وبالتعاون، بالطبع، مع أجهزة ذات نفوذ ومصلحة – ما لبث ينفث حقده وأكاذيبه على امتداد فترة التغييب، عاملاً على ترويج سيناريوهات وهمية تتلوّن بتلون الأحداث المترافقة والسياسات.

وهنا نؤكد بصلابة الواثق وتواضع القادر، أنه لن يكون هناك "لحظة زمنية" محلية أو إقليمية مهما اختلف عنوانها، تسمح بإعفاء مسؤول من مسؤوليته في قضية الإمام الصدر ورفيقيه، أننا مصرّون على المضي قدماً ورفع القضية إلى المحاكم الدولية المعنية لتبيان من أوعز وخطط ونفذ وتستّر، كي يتحمل كلٌّ مسؤوليةَ عمله، دون إعفاء، أو السماح بإعفاء أحد، مهما علا شأنه، وكثرت المغريات.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.