الإعلام والنقد - سماحة المفتي الشيخ عبد الأمير قبلان

الرئيسية إصدارات كلمة سواء مؤتمر "كلمة سواء" السابع: الذات والآخر في الاعلام المعاصر

اليوم الأول - الجلسة الافتتاحية

سماحة المفتي الجعفري الممتاز
نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى
الشيخ عبد الأمير قبلان

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين.
فخامة الرئيس العماد اميل لحود ممثلاً بالوزير بيضون،
دولة رئيس مجلس النواب،
رئيس حركة أمل الأستاذ نبيه بري،
دولة الرئيس رفيق الحريري ممثلا بالدكتور ميشال موسى،
أصحاب الدولة،
سعادة سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية،
اصحاب السماحة مفتي الجمهورية وشيخ طائفة الموحدين،
ممثل صاحب الغبطة الكاردينال صفير ممثل صاحب الغبطة البطريرك هزيم وصاحب الغبطة البطريرك لحام،
العائلة الكريمة آل الصدر وآل قبلان وآل بري وجميعكم عائلة الإمام موسى الصدر المجتمعون هنا وفي الخارج في لبنان وفي العالم العربي وفي العالم الإسلامي نحييهم جميعاً وأقول لهم:


يسرُّنا أن نلبّي دعوة مركز الإمام الصدر للأبحاث والدراسات إلى جلسة افتتاح هذا المؤتمر السابع حول الذات والآخر في الإعلام المعاصر.

قبل البدء بهذا الموضوع عليّ ان أوجه تحية من بعيد
سيدي الإمام…
لعباءَتِكَ التي لا تزال تُظلِّل حياتنا اليومية…
لزُرقة عينيك التي تقدح نوراً وخيراَ…
لصوتك الهادر الساكن فينا وعداً وعهداً…
أراك سيدي الإمام تدخل مساجدنا ومجالسنا، تستهل فرائضنا وشعائرنا باسم "الله أكبر" فتُحرِّكُ فينا العزيمة والهِمّةَ والنشاط، تسكب فينا حنين الحنايا…
لصلواتِكَ التي تخرج من أعماق قلبك فتدخل ملكوت السماوات والأرض…
سيدي الإمام… أيها الشيخ الجليل … لقد تأخّر غيابك عنا … أتعَبَتكَ السنون وأَسَرتك أيدي الباطل … لقد تأخر غيابك عنا، عد إلينا، لا تفتدينا بعمرٍ آخر … لا تفتدينا بغياب آخر …
سنوات العمر أتْعبتها بسمتك الحانية …
سنوات العمر أتعبَت التاريخ، ومواعيد الشوق ما زالت ترصِّعها قراءتك للإنسان والحق والعدالة … فيا أيها الإمام لا تطِل غيابك …

إن اختيار الإعلام … وهو المادة الغنية في عالمنا المعاصر موضوعاً لهذا المؤتمر بات يُثْبِت أن للإعلام بوسائله المتعددة وبثورته التي أنتجها، أن له في عصرنا الحاضر دوراً وتأثيراً كبيرين في تشكيل ثقافة الناس وقيمهم. فالإعلام هو مرآة للذات، الذات المتبصرة، الناقدة، الواعية التي تستوحي في عملها قوله تعإلى ﴿ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين﴾ [النحل،125].

فالعلاقة بين الذات والآخر هي علاقة الحوار والتفاهم لا علاقة التبعية والاستبداد بالرأي من هذا الآخر. وإذا كان هناك من تحديات تواجهها الأمم والشعوب ، فهذا يتطلب من الجميع التفكير العميق، والتخطيط المتواصل، للخروج من هذه التحديات بنجاح واقتدار.

والإعلام، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، سوف يكون له الدور المهم في تشكيل اتجاهات الأفراد والمجتمعات، والثقافة لم تكن غائبة عن الإعلام، ولم يكن الإعلام غائباً عن الثقافة، بل أخذ كل منهما يغذّي الآخر، وبات الإعلام واحدة من أكبر قضايانا في الثقافة والسياسة والاقتصاد، فنحن أمام نمط جديد من الإنتاج يحكمه رأس المال المعولم، وأصبح الجميع يرتبط بشبكة إيصال (اتصالات) واحدة متعددة الأطراف وعابرة للحدود الوطنية، فالمطلوب إزاء ذلك أن نؤسس لمرجعية إعلامية متخصصة ودائمة، وهذا واجب الإعلام الرسمي، وهو الأقدر على المراجعة في فهم هذه الظاهرة المتغيرة، فعلينا أن نراجع سياساتنا الإعلامية وباستمرار وأن نضمِّنها دائماً التشريعات التي تتوخّى الارتقاء بقيم الناس وثقافتهم وتجعلهم في مأمن من التعدي والإساءة، وان تحكمها مفاهيم الحق والحقيقة.

أما علاقتنا بالآخر الذي يملك إعلاماً قوياً وقادراً، فيجب أن تكون علاقة نقد وأن يكون لأجهزتنا الإعلامية مجتمعة قدرات ذات وظيفة تنموية تعمّق الهوية والتربية والتعليم والوعي الفكري ومقاومة أشكال الاستهلاك الثقافي الغربي الذي يحمل سياسة التغريب، فالقضية تحتاج إلى تعبير قوي عن موقفنا كعرب ومسلمين من النظام الإعلامي الجديد، وتصبح الحاجة أكثر إلحاحاً في ظل هذا النظام المعولم لأن يعيش الآخر غير الغربي مع الغربي كشريك له لا كتابع، لأن هذا الغربي مطالبٌ أن يعترف بالآخر وأن يتخلص من عقدة مركزيته التي لا تزال تعيقه من أن يرى الوجوه الأخرى للحياة الإنسانية، أن يكون جاداً في فهم الآخر، أن يتحسّس ألمه.

فثقافة المنفعة السائدة في الغرب لا تختزلُ كل تاريخ الغرب، وإنما تعاني منها شعوب الغرب أيضاً، وإذا كان الغرب قد قدّم لحفظ حياة الإنسان من خلال العلم والطب الكثير الكثير، لكنه في المقابل عرّضها للخطر من خلال تجاوز قوانين هذا العلم وأخلاقياته ، فما من عدوٍ للجنس البشري (كالجدري والملاريا والجذام والسل) إلا وقهره العلم الغربي بفضل ما توصل إليه، أو هو في طور القضاء عليه ومحاربته خدمةً للإنسانية وللإنسان، إلا أن حقوق الإنسان ما زالت منتهكة في بقاع كثيرة من العالم، فالتفوق في حقلٍ ونسيان أو تناسي بقية الحقول لا يؤدي إلى رفاهية الإنسان وسعادته، حتى ولو وصل ذلك الإنسان إلى النجاح في مستوياته القصوى، بل يبقى عليه أن يوفق بين مستلزمات حياته المادية العملية والروحية معاً. وإن الاستعلاء على الواقع وتذويب الفرد في إعلام موجّه يستهدف البنية الثقافية والروحية للأفراد والشعوب يُعدُّ جحوداً في حق هذا الإنسان المستخلف في الأرض والحامل لرسالة التعمير والبناء.

إن الإعلام يُعدّ من أهم الوسائل الخطيرة، وإذا تم تفريغه من مضامينه الإنسانية الهادفة، فإنه يجلب الفتنة والخراب. فهو الشاهد، ودوره ينبع من أهدافه النبيلة التي يحملها. فكيف يكون إعلاماً صادقاً ومؤسساً لثقافة الناس إن لم يكن ميدانه النقد، نقد الذات إذا أساءت، ونقد الآخر إذا استعلى وبطش وانتهك حقوق الإنسان؟ وهذا ما نراه في أجهزة بعض الدول والأنظمة التي تنتهك حقوق الإنسان عبر إعلامها العنصري. وما يجري في فلسطين. يكشف للعيان عنصرية الإعلام الغربي الذي يتواطأ على فلسطين وقضية فلسطين. فهو إن لم يشهر سلاحه المدافع عن حقوق الإنسان هناك، والتي هي من أولى اهتماماته في رفضه للظلم والعبودية والقهر، وكأن الظلم والاحتلال والسجن والقتل والنفي عن الأوطان وطرد الناس من بيوتهم وهدمها على رؤوسهم ليس من وظيفة الإعلام، بل نقول إنه من صميم عمله الحق، ولكن نشهد اليوم إعلاماً مسيّساً تحكمه المؤسسات الكبرى في العالم وتجيِّره لمصالحها المنتشرة هنا وهناك.

في الختام أتمنى التوفيق لمناقشات هذا المؤتمر ومقرراته، وأن يعود بالخير على لبنان وشعبه، وأن يبقى إعلامنا حراً نزيهاً معافىً، ناقداً للذات وناقداً للآخر. وتلك لَعَمري من صميم دوره ورسالته.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.