الأستاذ محمد المشنوق: شكراً للدكتور غسان العزي على هذه المداخلة التي قدمت لنا الجوانب السلبية والإيجابية من تعاطي الإعلام الغربي مع قضية الانتفاضة. لدي بعض الملاحظات: وهناك جوانب اشار اليها الدكتور العزي تتعلق ببعض الاشراقات التي لمسناها لدى بعض الإعلام الغربي. اعطي مثلاً صغيراً عام 1978، عندما كنت مديراً للوكالة الوطنية للاعلام وكان اثناءها الاجتياح الإسرائيلي الأول عام 1978، وجاءني المراسلون يطلبون سياسياً لبنانياً رسمياً يتحدث عن هذا الموضوع ويريدونه الان وليس غداً، فالإعلام لا ينتظر التعليق، ولم نجد أحداً يود التعليق مباشرة، فكان التعليق مني شخصياً على مسؤوليتي. وقد تم لومي على ما قمت به، ولكنني اعتبرت أن ما جرى كان طبيعياً، وكان لا بد ان يصدر كلام لبناني في مقابل الكلام الإسرائيلي الذي صدر آنذاك. في ما بعد اكتشفت جانباً الآن استطيع ان اعترف به وأن السياسيين لا يلاحقون فعلاً ما يقال من لبنان رسمياً عنهم (القضايا المثارة) في الإعلام الغربي فكان لا بد لي من التعاطي المباشر مع وسائل الإعلام.
ويقال "فتحت لحسابي شوي" فكنت اقدم هذه التعليقات مباشرة غير عابئ بالموقف السياسي الرسمي، وأدركت انهم لا يقرأون ما يرد من الخارج، فكانوا لا يعرفوا ان هذا الكلام كان منسوباً إليّ. اعطي مثالاً بسيطاً عما كان يحصل:
عندما تقصف قرية في جنوب لبنان، أو لنقل حادث قانا، يرد في اليوم الاول في الصفحة الاولى في الصحف الغربية، في اليوم الثاني ينزل إلى الصفحة رقم 18، مع الاسف. كذلك في كثير من صحفنا العربية. هذا فقط للمقارنة.
تجربة CNN وBBC في إثارة الاهتمام حول عدد من القضايا هي من بعض الإشراقات التي اشار اليها الدكتور غسان، لكن هناك أيضاً الجوانب التي نهملها نحن في عملية الاستمرار في إعطاء وسائل الإعلام المادة التي تبحث عنها. لا يوجد لدينا، كما قال الدكتور جورج جبور، مراكز دراسات تقدم اولاً ما نسميه نحن الداء القرار العربي على مستوى القمة، وكذلك لا يوجد لدينا من يقدم كمراكز دراسات المواد الاساسية اليومية التي يطلبها هذا الإعلام.
هناك لا شك مركز الأبحاث الفلسطيني سابقاً. مراكز الدراسات الفلسطينية التي تقدم مثل هذه المعلومات ولكن ذلك لا يكفي. يجب ان يكون هناك روافد اخرى من مناطق عربية عديدة. هل التغير مستحيل؟ لا. يجب ان يكون هناك فهم للعقل الاميركي والرأي العام الاميركي وان يكون هذا التغير تدريجياً. قد نستغل فرصة واحدة لنبني عليها. أعطي مثالاً على ذلك: بالامس بالذات ليل امس في قناة CNN قدموا مقابلة طويلة مع مجموعة من الفنانين في لوس انجلس (لا ادري اذا كان احد منكم قد رأى هذا البرنامج) رفعوا يافطات ضد الحرب الاميركية المعلنة على العراق وما تقوم به الولايات المتحدة في الشرق الاوسط، أكثر من عشر دقائق، وهذا الحديث على شبكة الـ CNN في الاطار الدولي هل تلقّف الإعلام العربي ذلك؟ كلا. إذاً هذه العملية بحاجة إلى مدى طويل.
.... الانتفاضة في فلسطين يستطيع اليوم ان يعوض عن هذا التقصير في الاستمرار في الحديث عنها كجذوة يجب ان لا تنطفئ. القرار الاسرئيلي يقول اطفئوا الانتفاضة، مما يعني ذلك في المعادلة إنهاء القضية الفلسطينية لأن الحالة الانهزامية السياسية ستسيطر آنذاك على هذه الانتفاضة التي هي ضمان، وضمانها في الإعلام أن تبقى جذوة ساطعة. اشكر المحاضرين على هاتين المداخلتين وأود أن استمع منكم اذا كان لديكم اسئلة او مداخلات قصيرة جداً اذا امكن. شكراً.
رجاءً ممن يطلب الكلام ان يقدم نفسه.
الدكتور مصطفى سليمان: استاذ في الجامعة اللبنانية ورئيس مركز مأداتا الاحصائي الاستشاري. اود في هذا المدخل أن اشير إلى امرين: الأول هو عدم التواصل العربي في الإعلام، اي غياب الروح الوحدوية او التداول الوحدوي الفعلي، واذكر مثلاً على ذلك اني كنت في زيارة للرئيس بن بلة في الجزائر العاصمة بعد خروجه من السجن في عام 1981 وكان الجزائريون كما كل العرب مهتمين بكل ما يجري في لبنان وفي جنوبه. كنا نستمع الأخبار، لم اسمع ولا اسم جنوبي صحيحاً ولا اسم فلسطيني صحيحاً من القرى والمدن وغيرها. السبب ببساطة، كنت أصحح، وكان يسأل لماذا؟ كنت اقول له لأن كل إعلامكم هنا يأتي مترجماً عن النص الفرنسي. عندما نقول أي كلمة مثل "صور" تصير في فرنسا "تير" وينقلها الجزائرين "تير" كيف يفهم العربي أخبار العرب؟ المسألة الثانية وردت على لسانكم جميعاً، وهي غياب المصدر البحثي الذي يقدّم للإعلام ولصانع القرار. وتشهدون ما سأعرض من حال: نحن في لبنان مجموعة بسيطة قمنا بصناعة مركز لاستطلاعات الرأي وصناعة الرقم. يشهد على ما كنا ننشره (خاصة استطلاعات فترة الانتخابات اللبنانية) دقة عملنا ونتائجنا، قبل أن يصل بنا الإعلام إلى أنه يومياً يتحفنا بنقل استطلاعات العدو الإسرائيلي واستطلاعات غربية وكل استطلاعات العالم ما عدا استطلاعاتنا. لماذا هذه الحرب للرقم العلمي؟ تابعنا المسار فعرضت علينا الأموال الجزيلة وعرضت علينا الارقام المدبلجة. قلنا لا، ثم لا، ثم لا. واليوم ومنذ اشهر طويلة لم نجد في الصحافة الوطنية وفي الإعلام الوطني بما فيها التلفزيونات ما يوازي ثمن ورقة لشراء رقم احصائي أو معلومة علمية. وهذا مني اتهام مباشر لكل وسائل الإعلام الوطنية اللبنانية تحديداً، ناهيكم بالأخرى.
الأستاذ محمد المشنوق: في الواقع هذا الكلام دقيق والمعلومة الاحصائية لدينا كما في مناطق عديدة في العالم العربي وجهة نظر، أي يستطيع شخص آخر ان يقدم أرقاماً مختلفة، مع الأسف، ولم يتم اعتماد الارقام الصحيحة التي تقوم بها مشكورة مراكز احصائية بحثية. المشكلة في الإعلام كبيرة ونرجو منكم مداخلات اخرى.
الدكتورة مهى أبو خليل: بداية اريد أن احيي المحاضرين الكرام، لأنهم فعلاً حقيقة فتحوا لنا الباب للاقتراب من الذات ومن الآخر، وبتعبير آخر من الذوات ومن الآخرين لكن اسمحوا لي اولاً قبل التساؤل أن أؤكد على بعض النقاط أو أورد بعض النقاط إذا جاز لي التعبير.
أعتقد بأن الإعلام العربي لا يزال متلقٍ لغاية الآن كغيره من الصناعات المعرفية، ومتلقٍ بشكل سلبي. ثانياً الإعلام العربي غني بتقسيماته وتخصصاته ودورياته كما أورد الدكتور جبور، لكن في نفس الوقت لازال بعيداً عن معرفة من هي الذات. يعني رغم تقسيماته لازال بعيداً عن معرفة من هي الذات.
الإعلام العربي حاول في بعض اللحظات الخاطفة ان يقترب من دوره المنوط به أو الذي يجب ان يناط به، ومثل على ذلك مجزرة قانا. وهنا التساؤل، يجب التركيز، أو أرى من الضروري أن نعرف من هي ذاتنا عندما نتكلم عن الذات العربية أو الإعلام العربي؟ من هو الإعلام العربي؟ كيف نقسّم؟ كيف نفهم هذا الإعلام؟ هذه الجهة؟ من هو الإعلام الفلسطيني؟ من هو الفلسطيني؟ من هو العربي ومن هو الفلسطيني؟ هل نحن واحد؟ هل نحن عاديون؟ هل نحن متعددون؟ هل نحن متعارضون؟ فهذه وظيفة الإعلام يجب ان نبحث فيها؟ يجب ان يكون هناك في دور البحث أو كليات الإعلام أو الدراسات أو ... الخ. لنقترب من معرفة ذواتنا قبل ان ننطلق إلى آخر. والان بالنسبة إلى الآخر؟ من هو الآخر هل هي إسرائيل واحدة أم إسرائيلات؟ هل الإعلام الغربي هو واحد أو اعلام آخرين؟ هل الإعلام على ضفتي الاطلسي هو واحد أم لا؟ هل هناك تمايز كما ذكر الدكتور العزي؟ هل هو إعلام واحد؟ اعتقد بأن هذه المسألة ضرورية للمعرفة أو للكشف عليها وأشكر المحاضرين لأنهما فعلاً فتحا لنا الباب للاقتراب من هذه الزاوية.
نزار رعد (استاذ في التعليم الرسمي وباحث اجتماعي): في البداية اشكر د. جبور ود.غسان العزي على المطالعة القيمة. السؤال برأيكم: هل يمكن صياغة اسس علمية منظمة تعيد رسم سياسة واضحة للتنمية الإعلامية الشاملة ونحن نعيش حالة تناقض سياسي عربي واسلامي تجاه القضية الفلسطينية وينعكس كل ذلك على واقع الإعلام السياسي لابراز واقع المشكلة الفلسطينية للذات العربية تجاه واقع الآخر للذات الإسرائيلية لصاحبة الأمر الواقع.
الحاج فؤاد الزين: (مجلة العرفان اللبنانية) أريد ان اخفف بعض الشيء من المسؤولية عن عاتق الإعلاميين العرب.
وجهة نظري هي تحميل المسؤولية للانظمة وللحكام صناع القرار وصناع الحدث في البلاد العربية. إن السلطة الإعلامية قد تكون سلطة رابعة في الديمقراطيات، ولكنها في أنظمة مستبدة بشكل عام، وأنظمة دكتاتورية، لا أظن أن الإعلام لديه من الحرية ما يكفي ليتحمل مسؤولية التقصير. فالوسائل الإعلامية نحن نعرف أنها تابعة للانظمة، وهذا يعني أن الإعلاميين أجيرون لدى هذه الانظمة، وهنا استغرب أن الدكتور محمد المشنوق والدكتور جورج جبور ما زالا يطرحان أفكار تقديم دراسات يعني مراكز دراسات ونحن نعرف أن صناع القرار لا يأخذون بالدراسات والابحاث.
وفي الكثير من قضايانا، يعني القضية الفلسطينية، والتعاطي مع الصراع الإسرائيلي كما تفضلتم، هم بارعون في تغيير وجهة الصراع وفي خلق مشكلات صغيرة وجانبية (اي ما يسميه المفكر الإيراني الشهيد شريعتي الاستحمار) وهذا يحدث يومياً معنا. مثلاً القمة العربية الأخيرة اجتمعت والانتفاضة تسيل منها أنهار الدماء على أيدي السفاح شارون حدثت مشكلة في أوساطنا كنا نتابعها هي مجيء القذافي او عدمه بسبب قضية تغييب الإمام الصدر، فإذا برئيس الجامعة العربية يتلقف الأمر ويفتح معركة صغيرة جانبية وتصبح الطائفة الشيعية في لبنان هي التي تريد تفشيل القمة العربية، يعني كأنهم لا يستطيعون ان يهتموا بالهدف الاساسي والصراع العربي الإسرائيلي الأساسي ويتابعوا قضية أخرى محقة كقضية الإمام الصدر ويتحملوا مسؤوليتها. هناك هروب من المسؤوليات، من القضايا، هذا معروف. يعني لدينا من هنا رجاء حتى المعقّبين والمداخلين تخفيف الحمل عن الإعلاميين وعن المثقفين أيضاً. المطلوب لعله كلمة، موقف، كما كان الإمام الصدر، أن يتحول الإعلاميون والمثقفون إلى أصحاب كلمة يناضلون من اجلها.
الأستاذ محمد المشنوق: وفي الواقع أن هذا الموضوع يحتاج إلى توضيح. سيكون هناك جواب للإخوة المحاضرين. توضيح هذا الموضوع يحتاج إلى جلسات طويلة جداً. من هو القائم بالاتصال؟ ومن هو المتلقي؟ وما هو الأسلوب؟ وما هو المضمون؟ وما هي الظروف العملية الاتصالية المتشابكة؟ وندرك نحن أن وسائل الإعلام بعضها مملوك بصفة شخصية، والعديد منها ضمن أنظمة الدول، والبعض منها تدخل عليه الأهواء الغربية وحتى الإسرائيلية، ندرك ذلك. ولكننا لا بد لنا ان نتجاوز بعض هذه النقاط لنركز على أجزاء من هذه القضية المطروحة. واليوم، المطروح هو موقف هذا الإعلام العربي أو الغربي، أو كما كان مفترضاً، الفلسطيني والإسرائيلي، من قضية الانتفاضة، لكي نصبح على تواصل مع هذا الموضوع وكي يطلع الرأي العام ويزداد اطلاعاً، وليس كما تفضلت. هناك عبارة الاستحمار التي سبق اليها الشيخ سعيد تقي الدين عندما وصف الرأي العام بالبغل العام في سنة 1952 عندما قال ان الذي يقود الرأي العام كما يقود هذا البغل الذي يسمونه عاماً! واضح أن المشكلة كبيرة، واضح ان الحلول ليست فقط بين ايدينا ولن نتولى عملية التنظير. هل هناك من مداخلات؟ تفضل. استطيع أن آخذ مداخلتين بعد.
كنت أود ان اوجه تحية من هنا إلى ضمير فلسطين النابض جداً إلى ابي رامي رفعت النمر، هذا الإنسان هو ضمير حي جنّد نفسه لهذه القضية، وكما تدركون من الخمسينات وحتى اليوم، ومايزال هذا القلب النابض من بيروت في الاتجاه الصحيح إعلامياً وسياسياً.
المهندس علي حاطوم: أولاً يعطيكم العافية. نحن نعلم أن الواقع الإعلامي العربي هو انعكاس طبيعي للواقع السياسي والاجتماعي والمالي العربي المتفكك. السؤال: كيف يمكن لهذا الإعلام ان ينتفض على نفسه فيبدأ بتأسيس استراتيجية اعلامية عربية موحدة، وان لا يكون انعكاساً طبيعياً للوطن والتفكك العربي؟ هذا السؤال برسم الأساتذة، هذا اذا امكن. أما إذا كان هذا الأمر غير ممكن، لماذا برايي نتلطى وراء اصابعنا ونفتش على شيء محال؟
الأستاذ محمد المشنوق: أنا محرض مثلك، أقول ممكن أن نترك للمحاضرين يقولوا كيف؟
الشاعر علي فرحات: نحن نلاحظ ان الإعلام لم ينصر فيتنام على أميركا، والإعلام نفسه لم يهزم أميركا امام فيتنام، كما أنه لم ينصر هتلر في بداياته، كما أنه لم يهزمه في نهاياته أيضاً. فأعتقد ان القوى الغاشمة هي التي تفرض نفسها، ولتجعل الإعلام ورقة في مهب الريح في كثير من الأحيان. فبالنسبة للأمة العربية، نجد فيها الضعف والتشتت، بحيث إن العدو يطمع والصديق ينهزم، ونكون دائماً في دوامه الهزيمة. فنحن نملك حقوقا حضارية هائلة، فنحن اذا فقدنا الإعلام على الأقل فيجب أن لا نفقد التربية الوطنية، التربية الدينية، التربية القومية، فنحن انفسنا فقراء في كل هذه الأقاليم المختلفة والأساسية بمقاومة الأمة. فإذاً أعتقد ان الإعلام هو تابع لهذه المقومات وليس الاساس، فيجب أن يتوجه الإعلام بكله وكلكله إلى التربية القومية والتربية الوطنية، إلى الوحدة. وانا استغرب أن الوحدة العربية أو حتى الإقليمية كمثل وحدة الهلال الخصيب أو الوحدة المغربية لم تطرح من أي مسؤول كبير أو صغير أو صحافي أو استاذ جامعي. وهذا ايضاً، أعتقد أنه يحتاج إلى تنبيه وتركيز من الإعلام. وانا اريد ان اختم هذه الكلمات بكلمة للإمام علي (ع): "إذا فقد الإنسان المال فإنه يفقد بعض الشيء، واذا فقد الشجاعة فقد فقد الشيء الكثير، واذا فقد الشرف فقد فقد كل شيء". واعتقد ان الامة العربية فقدت شرفها، حكاماً وشعوباً. فليكن الإعلام منارة، فليكن الإعلام الرادار والسلطة الحقيقية التي توجه العرب حكومات وشعوباً إلى مكامن ضعفها ومكامن قوتها. وأنا أرى أننا من باب أولى ان نطرح الوحدة السورية – اللبنانية أيضاً، وهذا ما اجده في فراغات واسعة في الإعلام اللبناني والإعلام الثقافي والتربية الوطنية.
الأستاذ محمد المشنوق: شكراً. أنا أريد ان اعتبر كلامك جزء عاطفي منك كشاعر ولكن الامة العربية لم تفقد شرفها.
الأستاذ ناجي صفا: (صحافي لبناني ورئيس تحرير مجلة حقوق ناطقة بلسان المنظمة الفلسطينية لحقوق الإنسان) أنا أود أن أتوجه بادئ ذي بدء بالشكر لرئيس الجلسة والمحاضرين على ما قدموه لنا من شيء جليل جداً. وأود ان اقول إن مقاربة الإعلام أو الذات والآخر في الإعلام المعاصر هي مقاربة هامة جداً، نظراً لأهمية الإعلام، لأننا كلنا ندرك مدى أهمية الإعلام. والمشكلة ليست نقصاً في الإعلاميين إنما نقصٌ في التوجه، نقصٌ في القرار السياسي. ذلك أن النظام الرسمي العربي توجه إلى الداخل، إلى الذات، ولا يتوجه إلى الآخر. غادر فخامة الرئيس، واستقبل فخامة الرئيس، وودع فخامة الرئيس، وهذا للأسف لأنه لا يود ان يدفع ثمن الكلفة فيما لو توجه إلى الآخر ليعرض قضاياه ويتحمل مسؤوليته السياسية. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، لفتني من دكتور جورج في ما يتعلق بقرارات الأمم المتحدة. صحيح أن القرار 1441 يعني تم تنفيذه على عجلة. إن الأمم المتحدة، أو مجلس الامن، أصدر حوالي 16 قراراً تتعلق بالعراق. كلها تدخل في باب الفصل السابع. الذي له آلية تنفيذ مباشرة وملزمة ما عدا قرار واحد هو 688 الذي يتعلق بحقوق الإنسان. لن ندخل في باب الفصل السابع. النقطة الأخرى التي أود الإشارة اليها أن هناك قراراً تم بموجبه الاعتراف بإسرائيل كدولة في الأمم المتحدة الذي هو القرار 273 في 15 أيار 1949. هذا القرار علّق وجود إسرائيل على شرطين، يعني هي دولة عضويتها قائمة في الامم المتحدة على شرطين تنفيذ القرار 181 وتنفيذ القرار194. للأسف، الدبلوماسية العربية، كما الإعلام العربي، لا يتطرق إلى هذا ان دولة قائمة عضويتها في الامم المتحدة على شرطين لم ينفذا حتى الآن القرار 181 والقرار 194.
النقطة التي ذكرني بها الدكتور العزي هي أولبرايت. فعلاً عندما سئلت أولبرايت عن أن شهرياً يتم وفاة 6 الآف طفل في العراق قالت: وما المانع من أن يموت 6 الاف طفل عراقي في الشهر اذا كانت المصالح الاميركية تقتضي هذا. المشكلة؟ إننا نحن لا نبادر باتجاه الآخر. عندما أعلن هنتنغتون وفوكوياما "صراع الحضارات" كانوا يشيرون إلى عودة السيطرة الاستعمارية التي شهدناها في القرنين الماضيين. فإذا كان التقصير من الإعلام لدينا هناك مقولة في الولايات المتحدة الاميركية أن الإعلام هوالإنجيل المقدس، فما يقوله الإعلام في الولايات المتحدة يأخذ به المواطن الاميركي. فنحن لا نتوجه إلى هذا المواطن، لا نتوجه إلى الصحافة الاجنبية. نحن ندرك ذلك أو نعايش هذا الواقع المرير من خلال المؤتمرات التي نحضرها ضمن نشاطات المجتمع المدني. والمؤتمرات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. يكفي هذا.
الأستاذ محمد المشنوق: أحب أن أرحب بيننا هنا بالدكتورة لوري كينغ عيراني، موجودة في الصف الخلفي، حائزة على دكتوراه في الأنتروبولوجيا السوسيولوجية، وقد أجرت ابحاثاً ميدانية في فلسطين ومع المنظمات الفلسطينية، وعملت كذلك كصحافية في لبنان والولايات المتحدة وكندا، وهي من المؤسسين لموقع الانتفاضة على الإنترنيت، وهي تعمل الآن في اطار الحملة الدولية العادلة من أجل متابعة موضوع صبرا وشاتيلا. إنها صحافية مهتمة نرحب بها جميعاً.
الأستاذ المشنوق يعرِّب كلمة د.عيراني: ركزت الدكتوره عيراني على الإشادة بما قاله المحاضران ولا سيما في ما يتعلق بما قاله الدكتور جورج جبور عن إنشاء مركز الدراسات، وكذلك عن فهم كيف يفكر الأميركيون كي نتمكن من الوصول إلى عقولهم. ركزت على موضوع أُثير ايضاً، وهو القيام بالفعل، بدلاً من ردة الفعل، وقالت إن موقع الانتفاضة هو في تطوير دائم للمعلومات والاحصاءات وتقارير عن البيوت المهدمة، ويمكن من خلال ذلك إطلاع العالم والاميركيين بصورة قريبة على هذا الموضوع، ودعت إلى ايجاد موقع مماثل في الشرق الأوسط يتناول مثل هذه القضايا.
ولك التحية منا سيدتي.
كلمة من ملاحظات أخيرة من حضرتك، ثم تعقيب من المحاضرين، ثم نتمنى لكم التوفيق إلى جلسة الغد.
زاهر سرور: تعقيباً على كلمة الدكتور عندما أعطى بالنسبة إلى صحف الغربية مثالاً لمجزرة قانا تضعها بالصفحة الاولى ولكن في اليوم الثاني تضعها في الصفحة السابعة عشرة، أنا في فترة مجزرة قانا كنت موجوداً اثناء دراستي في هولندا، ومجزرة قانا لم تذكر نهائياً في الصحف والإعلام الغربي الهولندي خاصة – وبعدها باسبوع قمنا بمظاهرة كانت حاشدة جداً في لاهاي مكان وجود محكمة العدل الدولية، وبالفعل كان في تغطية كبيرة جداً للمظاهرة، ولكن مع الأسف عندما رجعت إلى البيت لم يكن اي شيء على التلفاز. وفي اليوم الثاني، لم يكن اي شيء في الصحف لكن بعدها بأسبوع كان في صحيفة إسرائيلية تصدر باللغة الهولندية وضعت على صفحتها الأولى مظاهرة لحزب الله في دنهاخ أو لاهاي. فلما سألت احد الإعلاميين الاصدقاء عن السبب؟ فقال ان هذا الشيء كان بتوافق بين الدول الاوروبية على اساس انه يكون حماية للانتخابات التي كانت ستتم في وقتها وحتى يأتي حزب العمل المسالم إلى الحكم برئاسة بيريز.
الأستاذ المشنوق: شهادة جديدة على ما تعرفون، ويؤكد ماذا يحصل هناك.
الدكتور جورج جبور: شكراً للمتكلمين الذين تفضلوا فعلقوا على الكلمة المتواضعة. المداخلة المتواضعة التي قدمها المتحدث الأول والمتحدثة الثانية اثار موضوع العلاقة بين الإعلام والذات، دور الإعلام في اكتشاف الذات، هذا موضوع مطروح ليس على مستوى اعلامي فقط بل على جميع المستويات ولا سيما مثلاً على الصعيد الدستوري. وانظر إلى ما جرى هنا في لبنان بالنسبة لهوية اللبناني: من هو اللبناني؟ ما هو انتماء لبنان ... الخ؟ القضية مطروحة في جميع دساتير الدول العربية. عام 1975 اجريت دراسة على الدساتير العربية، الدساتير التي تتبنى تعبير امة عربية هي في الأقلية 8 من22 دستوراً يعرّف الدولة بأنها عربية ويعرف بأنها تنتسب إلى الامة العربية، يعني هناك بعض الاشكالات في موضوع الذات، ولسنا نحن الوحيدين فيها يعني لا نخاف:
خبر الناس قبلنا ذا الزمانا وعناهم من امره ما عنانا
المشاكل التي نعالجها يعالجها غيرنا ايضاً كما قلت. مثلاً الآن في بحث مستفيض حول هوية اوروبا: هل أوروبا مفهوم جغرافي؟ هل هي مفهوم حضاري؟ هل هي مفهوم ديني؟ والبحث عن مكان الله في الدستور الأوروبي بحث يأخذ صفحات واسعة من الجرائد الغربية الآن، فليس علينا ان نخشى من هذا. لكن دور الإعلام ليس اكتشاف الذات، بل يقع على الفلاسفة المفكرين القوميين... الخ. والإعلام هو أحد الأجهزة التي تتابع هذا الامر، لكن ليس هو المعوّل عليه اولاً قبل غيره في هذا الامر. ثم إنني اشكر الأستاذ فؤاد الزين. نشأنا على العرفان من سالفينا، وأشكر له انه خفف عنا العبء. لقد نجح في ذلك. وطبعاً الأستاذ الدكتور مصطفى سليمان ومداخلاته وكذلك د.علي الحاطوم والشاعر علي فرحات. أقف عند نقاط تكلم عنها الأستاذ ناجي وأقف فقط لأقول إنني اتفقت معه، ولم اجد أثراً هذا الصباح، ولم أجد اثراً لاتفاقنا في علامة إعلامنا نحاول إحياء 16/12، يعني بعد يومين ثلاثة نجرب نحكي عن القرار 3379 شيء بسيط جداً، إذا جئتكم على سجلات الامم المتحدة سنة 1975 تجدون عشرات الصفحات عن طبيعة إسرائيل وطبيعة الصهيونية، حتى اتخذ القرار 3379 لما ألغي القرار في 16/12/1991 في صفحة ونصف، لأن اميركا وإسرائيل غير راغبتين في مناقشة. ما هي طبيعة الصهيونية؟ لماذا ينبغي ان تعتبر الصهيونية عنصرية؟ شكراً.
الدكتور غسان العزي: شكراً للجميع، كلمة مختصرة جداً. يعني في الحقيقة أرى ان القضية قضية رأي عام عندنا في العالم العربي والإسلامي أكثر مما هي قضية وسائل اعلام. الإمام علي (ع) يقول "كما تكونوا يولى عليكم". منذ مئتي عام قال كانين رئيس الوزراء البريطاني: "الراي العام هو اقوى قوة ظهرت في تاريخ البشرية"، بالمرستون بعده قال: "الرأي العام هو أقوى من الجيوش". هل نستطيع ان نقول بعد مئتي عام ما قاله البريطانيون؟ هل نستطيع ان نقول عندنا في الدول العربية والإسلامية بأن الرأي العام أقوى من الدبابات والعسكر والمخابرات؟ من هنا حتى ذلك الوقت لدينا الكثير مما نفعله؟ وشكراً.
الأستاذ محمد المشنوق: ايها الأخوات والإخوة، بذلك نأتي لنهاية هذا المحور من مؤتمرنا. هناك لقاء في الغد لمتابعة أعمال المؤتمر مع جلستين، ونأمل أن يكون كذلك الحضور كثيفاً.