اليوم الثاني - الجلسة الثالثة
الذات والآخر في الإعلام المعاصر
معالي الدكتور علي الخليل
أخواتي وإخواني، أيها الحفل الكريم،
إن مؤتمر "كلمة سواء" السابع، الذي يناقش موضوع "الذات والآخر في الإعلام المعاصر"، يلامس القضايا المهمة المتعلقة بالشأن العام على الصعد الوطنية اللبنانية والعربية والإسلامية والعالمية، كما يتبين من المداخلات والمناقشات الجارية في هذا المؤتمر. فبعد الاستماع إلى الكلمات القيمة في الجلسة الافتتاحية، وبعد مناقشة الجلسة الأولى المحور المحلي المتعلق بالإعلام والوحدة الوطنية، ومناقشة الجلسة الثانية المحور الإقليمي المتعلق بالإعلام والصراع العربي الإسرائيلي، نناقش في الجلسة الثالثة المحور الدولي المتعلق بالإعلام والآخر، مركّزين على موضوعي صورة العرب والمسلمين في الإعلام العربي، والاستراتيجيات الغربية من خلال الإعلام.
إن الإعلام يشارك مشاركة فعالة في رسم السياسات العامة، وفي إنضاج القرار السياسي وإنتاجه، لأنه يلعب دوراً أساسياً في تنوير المواطن وتثقيفه لبلورة توجهاته واعتماد خياراته، وهو يؤثر على صانعي القرار ليصبح ليس فقط السلطة الرابعة، بل أيضاً ليشكل سلطةً داخل كل من السلطات الثلاث. في هذا المجال أشار سماحة الإمام السيد موسى الصدر إلى أن "الصحافة من اهم ميادين الجهاد وادقها، لأنها هي التي تكوّن الرأي العام، وهي التي تساعد على خلق الثقافة، وهي التي تهذب العاطفة في الجماهير وتوجهها إلى الخير والحق ... وهي من أهم عوامل تكوين الإنسان المدني. هذا المقام العظيم للصحافي يفرض عليه واجبات نحو المجتمع، ويعطيه حقاً على المجتمع. إن واجبه نحو المجتمع أن يخلص في توجيهه وتنويره ونضجه، ولكن حقّه على المجتمع هو أن يعطيه الحرية، ويصونه ويحميه من أسباب الفساد والانحراف". هذا ما قاله سماحة الإمام في 31/5/1966، وهذا هو الدور الحقيقي للصحافة ولوسائل الإعلام كافة.
لكن الإعلامي الذي يجب أن يمتلك المعلومات الموثقة والوقائع الصحيحة لينقل بكل أمانة الحقيقة الظاهرة والمستترة، وليبني عليها التعليقات والتحليلات، يتعامل مع الخبر في بعض الأحيان بما يتوافق مع مصلحة الفئة السياسية التي يعمل معها، أو مع الوسيلة الإعلامية التي يعمل فيها.
ومن هنا نرى مدى تأثير شركات الإعلان على وسائل الإعلام خاصة الإعلام الغربي، الذي يخضع بنسبة عالية لسطوة النفوذ الصهيوني المسيطر على العديد من شركات الاعلانات، واستطراداً على معظم وسائل الإعلام بصورة خاصة في الولايات المتحدة الاميركية.
وهذا ما لمسناه ونلمسه خاصةً بعد أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) بالنسبة إلى الصورة المشوهة، التي يحاول أن يعكسها الإعلام الغربي على العرب والمسلمين خدمةً لبعض الاستراتيجات الغربية، التي تخدم مصلحة العدوان الصهيوني المغتصب للاراضي والحقوق العربية المشروعة، لدرجة أن العرب والمسلمين يتعرضون للاعتداءات وللاتهامات المسيئة والملفقة من بعض الدول الغربية، وأن إسرائيل تحاول تصفية حساباتها الحاقدة القذرة مع بعض الدول والمجموعات المناضلة تحت يافطة مكافحة الارهاب.
لقد أدانت الدول العربية والإسلامية بصورة عامة الاعمال الارهابية التي وقعت في الولايات المتحدة الأميركية بتاريخ 11 أيلول (سبتمبر) 2001، وأعربت عن أسفها لسقوط الضحايا والأبرياء، وخاصة أن العرب هم من أبرز وأهم ضحايا الإرهاب الإسرائيلي المنظم، الذي يرتكب المجازر الإجرامية على مرأى ومسمع من الرأي العام العالمي ومن الأسرة الدولية، وذلك منذ ما يزيد عن نصف قرن. وكانت الدول العربية قد أقرت في العام 1998 الاتفاقية العربية لمكافحة الارهاب، وأيدت قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1373 الصادر في 28 أيلول (سبتمبر) 2001، القاضي بمكافحة الإرهاب من خلال منظمة الامم المتحدة، إلا أنها، اي الدول العربية، أكدت ضرورة تحديد مفهوم الإرهاب وشرح أسبابه، والتمييز بين الإرهاب كظاهرة عالمية يجب محاربتها، والمقاومة المشروعة المناضلة لتحقيق التحرير والسيادة - كالمقاومة في جنوب لبنان والانتفاضة في فلسطين المحتلة - التي تقرها القوانين والأعراف والمواثيق الدولية بما فيها ميثاق الامم المتحدة في مادته الواحدة والخمسين (51).
كان الإمام الصدر مقاوماً ومؤسساً في المقاومة من خلال نظرته لاستراتيجية الصراع العربي - الإسرائيلي الهادفة إلى تحرير أرض الوطن من رجس الاحتلال الصهيوني، لأن "إسرائيل شر مطلق، خطر على العرب مسلمين ومسيحيين". وهو القائل: "كلنا يعلم أن من أفضل وسائل تحقيق هذه الغاية وجود المقاومة الفلسطينية ونموها".
"خذ علماً يا أبا عمار أن شرف القدس يأبى أن يتحرر إلا على أيدي المؤمنين". وهو الذي أسس أفواج المقاومة اللبنانية مؤكدا:" أن واجب كل مواطن أن يقاتل، واجبنا أن نكوّن مقاومة قبل أن نتشرد من أراضينا...
على كل شاب أن يتدرب ويحمل السلاح لتأسيس مقاومة لبنانية تلقّن العدو درساً...
فأول رصاصة تنطلق من بنادقنا ستغير المعادلات الداخلية والخارجية."
أيها الحفل الكريم،
إن التوصل إلى تحديد معنى الارهاب والتمييز بينه وبين المقاومة المشروعة، إضافة إلى الانعكاسات السلبية التي خلّفتها الحملات الصليبية في القرون الوسطى مشوِّهة رسالة المسيحية المبنية على المحبة والعظة، وتخلفها الإمبريالية السياسية والاستعمار الفكري والاقتصادي في العصور الحديثة، وإلى الانحياز الغربي الداعم للعدوان الصهيوني، وإلى ازدواجية المعايير والمقاييس في تطبيق القرارات الدولية الهادفة لتوطيد الأمن والاستقرار الدوليين، إن هذه الحيثيات وغيرها تستوجب إجراء حوار الحضارات وإجراء الحوار العربي الإسلامي مع العالم الغربي، وليس مع العدو الإسرائيلي المغتصب. إن الحوار الصدري القرآني النهج يشدد على أهمية الانفتاح على الحوار مع الآخر: "تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم" ]آل عمران، 64[ و"يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا" ]الحجرات، 13[ ومن المتفق عليه بأن تعبير التعارف لا يعني فقط الاعتراف بالآخر، انما يعني أيضاً التعرف إلى معتقدات وأفكار وقضايا واهتمامات الآخر.
الأخوات والإخوة،
إن هذه المقدمة لمناقشة موضوع جلستنا الثالثة تهدف إلى إلقاء بعض الضوء على التأثير الصهيوني الهدام على الإعلام الغربي، وبالتالي على الاستراتيجية الغربية تجاه العالمين العربي والإسلامي، كما تهدف إلى تبيان التقصير العربي والإسلامي في مجال الإعلام العالمي، وضرورة العمل الجدي والدؤوب لإبراز وجهنا الحقيقي وشرح قضايانا المحقة العادلة، وتعرية التضليل الإعلامي الصهيوني بغية إزالة الانحياز الإعلامي الغربي وانعكاساته السلبية.
في برنامج هذه الجلسة حول "صورة العرب والمسلمين في الإعلام الغربي" سنستمع إلى مداخلتين، المداخلة الأولى تلقيها الدكتورة لوري كينغ عيراني، والثانية للدكتور قيس جواد العزاوي.