رئيس الجلسة - معالي الاستاذ ميشال سماحة

الرئيسية إصدارات كلمة سواء مؤتمر "كلمة سواء" السابع: الذات والآخر في الاعلام المعاصر

اليوم الثاني - الجلسة الرابعة

أي إعلام نريد؟ هل من إمكانية لإعلام عربي فاعل؟
معالي الأستاذ ميشال سماحة

يشرفني ان أكون معكم لأدير لا لأترأس هذا الحوار الذي تستظلنا وتجمعنا فيه مؤسسة الإمام موسى الصدر، ويشرفني ايضاً وخاصة أن أحس - كما الكثيرين بينكم - انها من المرات القلائل في الحياة التي تحس فيها ان الغائب حاضر، وان حضور القامة الدينية والفكرية والإنسانية لسماحة الإمام الصدر ليست حاضرة بيننا وفينا اليوم لما نعرفه، انما مفتقدة في هذا الوطن، في هذا العالم العربي، وفي هذا العالم الإسلامي، في الفترة الحرجة التاريخية التي نواجه فيها ما قد يكون اكثر الأخطار على حضورنا ووجودنا ودورنا ومستقبلنا من الفترات السابقة.

لم يكن الإمام الصدر إعلامياً، الا انه كان يصنع الحدث الذي يجبر الإعلام الملتزم ان يحضر معه يواكبه وينقله، لأنه كان ملتزماً. ألزم الإعلام في ان يواكب التزامه موضوع التنمية، وعبر الناس والإعلام ألزم الدولة بالاهتمام مباشرة بموضوع التنمية من خلال إنشاء مجلس الجنوب، وان لم يتطور مجلس الجنوب بعد غيابه وبفعل الاحداث وما بعد الأحداث كما نظر اليه سماحة الإمام في 1969 وعام 1970 عند إنشائه.

"السلاح زينة الرجال" اطلقها وبقيت في الذاكرة، الا انه ارفقها بأن "إسرائيل شر مطلق" وأن السلاح حرام استعماله في أي موقع اقتتال داخلي، لذلك اسس ألوية المقاومة اللبنانية وازهرت ألوية المقاومة اللبنانية بقيام مقاومة لبنانية حقيقية واكبها الإعلام لانها ملتزمة، فحررت الجزء الاكبر من الأرض والمياه. ولأن السلاح ليس للاقتتال، واكبه الإعلام ايضاً يوم اعتصم، يوم حاور، يوم فاوض، ومازال يواكبه إلى اليوم بعد ان غُيّب، ليبقى الاقتتال، بعد ان غُيب لتتمذهب الطوائف وتخرج من أنها - كما كان يسميها في جلسات طويلة للنقاش العاقل في الندوة اللبنانية - عائلات روحية وليست طوائف، إنها عائلات دينية متأصلة في أصولها الحقيقة التي تقرّبها لبعضها، والتي هي سلّم القيم والأخلاق الذي يجمع.

لن أطيل إلا أني أريد ان ادخل إلى نقاش السادة المراجع، على أن الإعلام بالنسبة لي هو مادة وإنسان ووسيلة. أنا لا أومن بأن هناك سياسات إعلامية لا للدول ولا لغير الدول. عندما نضع سياسة إعلامية ندخل في العقل الكلي ونخرج من الحرية.

الإعلام هو مادة للمعرفة وللتواصل وللإبلاغ وللنقاش، هو إنسان يواكب لينقل المادة للإنسان الآخر، هو وسيلة، والوسائل تتطور. نحن اليوم عندما نقول إننا في عصر العولمة ليست السياسات فقط السياسات الاقتصادية، فالسياسات الاقتصادية والمالية الملتقية مع عقائد سياسية في العالم هي التي تشترك في صناعة العولمة من خلال الإعلام كوسيلة لغسل الادمغة، لإيصال حقائق مزّورة كما فعلت كندا، والعالم امس واليوم، حول موضوع حزب الله وإيران. اليوم إذا كنا نواكب الإعلام وما يُروّجه عن أن ايران على عتبة صناعة قنبلة نووية فإن هذا يضع اهدافاً للمرحلة المقبلة، للآتين الينا باسم امبراطورية القوة ليفرضوا علينا حقائقهم.

الإعلامي والإعلام عندما لا يعتمد النزاهة ويستند إلى ثقافة الإنسان في الإعلام، ولا ينتمي بشكل حقيقي إلى قضاياه وحقائقه يقع في ما يشبه إما التفاهة وإما (وقليلاً ما استعمل هذه العبارة ولكني اريد ان استعملها على عتبة ما سنعيشه في الاشهر المقبلة) العمالة. وعندما نتحدث عن الحرية بشكل أساسي فهي تبدأ بحرية الذات لتحترم حرية الآخر. وحرية الذات كما حددها سماحة الإمام الغائب هي التحرر الحقيقي من الشهوات، كل انواع الشهوات: شهوة المال، شهوة السلطة، شهوة الوجاهة وخاصة شهوة الثلاثة معاً التي تزين كثيراً من الإعلام العربي في هذه الفترة، لسوء الحظ. يضاف اليها في لبنان شهوة الغرائز، إن لم نقم جراحات حقيقية من أجسامنا، وبدءاً بالجسم اللبناني والإعلامي اللبناني، فعبثاً نضع اللوم على الآخر. علينا ان نتحرر لنخاطب الآخر كأحرار، ونواجهه، ونواجه ونحاور عقله. وفي هذا الاطار ارجو ان نعتبر ان الإعلام بما فيه من حرية هو فقط مساحة لقاء، مساحة حوار، حوار العقول الملتزمة، حوار العقول الساعية إلى ما يجمع، الجوامع المشتركة لا القواسم المشتركة. وفي اطار ذلك، وأيضاً من الزاوية اللبنانية بما يقال كثيراً عن الزوايا العربية عندما نتحدث عن معاني الديمقراطية نحتاج إلى احرار في ذواتهم، أحرار، لأن الحرية لا تستجدى ولا تستصدر بقوانين، ومراسيم الحرية تفرض مساحة الحرية من أحرار مقتنعين يريدون الحرية لهم، لأنفسهم وللآخر. عندما تتحدث عن الديمقراطية ونستغيبها في لبنان، لأنه، لسوء الحظ، قلة هم الديمقراطيون من لبنان، في الحكم وفي المعارضة، كل يريد مساحة لحريته يسميها ديمقراطية ليمنعها عن غيره. وهنا، لسوء الحظ، نقع في مشكلة انقطاع الحوار. الحوار واجب، ولكن الحوار بحاجة إلى قامات محاورة، إلى قامات قادرة على حسن استعمال الحرية في احترام الغير، في احترام رأي الغير، في احترام حق الاختلاف مع الغير. وحيث نحن نختلف نفتش عن جوامع مشتركة. أنا اقول الوحيد الذي لا يمكن أن نفتش عن جوامع مشتركة معه هو الشر المطلق، هو إسرائيل، لأننا نعرفه تماماً. أما في البيت اللبناني، كما في البيت العربي، كما في البيت الإسلامي، لنا حق الاختلاف. ولكن الاختلاف المحب، الاختلاف الذي يريد ان يتعرف على الآخر وأعتقد أن حسن استعمال وسائل الإعلام يجب ان يؤدي بنا إلى ذلك.

انطلاقاً من ذلك أقول: أنا لا أسأل أي اعلام نريد، وأنا لا يمكن أن أقبل بجواب حالياً أي إعلام نريد؟ ما هي قضايانا؟ كيف نريد وطننا، أي لبنان نريد؟ اي عرب نريد؟ اي اسلام نريد؟ فيوظف الإعلام لبناء الذات والذهاب بها إلى الآخر.

يشرفني أن اقدم في المداخلة الاولى الدكتور محمد السماك الذي عانى ظلامية اللاحوار وظلم الكلام عن الديمقراطية والحرية وعدم ممارستها، انشأ مساحة مشتركة مع الآخر اللبناني ومع الآخر العربي ومع الآخر غير اللبناني وغير العربي وغير المسلم، عبر حلقات الحوار المؤسساتية التي فعل في تأسيسها وحمل مسؤولية مواجهة العمى عند البعض لإضاءة شمعة النور الآتية فيه من قرآنه الكريم. الكلمة للدكتور محمد السماك.