اليوم الثاني - الجلسة الرابعة
أي اعلام نريد؟ هل من إمكانية لإعلام عربي فاعل؟
الأستاذ محمد السماك
الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله،
أسمح لنفسي ان ابدأ من حيث كان يُفترض أن انتهي لأقرر بأنه لم يعد بالإمكان كسب أي قضية مهما كانت عادلة إذا لم يكن الإعلام السلاح الاساسي في معركة تحقيقها. اذا خسرنا معركة الإعلام يستحيل أن نحقق اي انتصار لأي قضية. وحتى أبسّط الامر اكثر من ذلك، فالقضية التي تجمعنا اليوم قضية الإمام موسى الصدر، هذه القضية الإنسانية الإسلامية الوطنية القومية العادلة بكل أبعادها. لا نستطيع أن نكسب هذه القضية إذا خسرناها إعلامياً. والتعثر الذي تواجهه هذه القضية في الإعلام ينعكس على كل مجرياتها. لذلك فإن الإعلام لم يعد اداةً للمعرفة فقط، إنما اصبح أداة لتحقيق الاهداف ولكسب القضايا الإنسانية والقضايا العادلة.
في عام 1600 أوفد ملك المغرب إلى إسبانيا سفيراً في مهمة محددة للتفاوض مع ملك اسبانيا من اجل إطلاق سراح أسرى مغاربة في إسبانيا. وحينها كتب السفير المغربي الغساني في مذكراته الموجودة وثائقها في مكتبة القرويين يقول فيها: "وجدت في مدريد شيئاً عجباً وجدت هناك صندوقا يدخلون فيه أوراقاً تخرج مطبوعة" ويسمونها "غزتة" وهذا اسم اغرب من الخيال، ويبيعونها بأسعار بسيطة وهي تحمل اخباراً عن البلاد، ولكن هذه الاخبار مليئة بالأكاذيب وبالافتراءات، في ما يتعلق بالمغرب. إن قراءة متأنية لهذه الوثيقة التاريخية تبين لنا أمرين اساسين:
الأمر الأول هو انه كانت هناك هوة واسعة تقنية بين شمال المتوسط: أوروبا، وجنوبه: العالم العربي .هناك يطبعون الصحف ونحن لم نكن في ذلك الوقت نعرفها.
الأمر الثاني هو أن هناك مشكلة في فهم الآخر منذ ذلك الوقت. كانت هناك شكوى ان الإعلام الغربي يتعاطى مع قضايانا بشكل كاذب وافترائي كما ورد في مذكرة السفير المغربي الغساني، فكانت هناك فجوة تقنية وأخرى حول الصدقية، والفجوتان لا تزالان قائمتين حتى هذه اللحظة. حين كنت في "ملبورن" صدرت جريدة يومية في الصفحة الاولى منها العنوان الرئيسي "مسجد ملبورن خلية للقاعدة" (لتنظيم القاعدة). تعرفون ماذا يعني هذا بالنسبة إلى المسلمين الموجودين هناك؟ إدانة جماعية بأن هؤلاء من اتباع القاعدة وبن لادن لأنهم يؤدون الصلاة ويجتمعون في المسجد. وتشير إلى أن احداً يدعى أبو قتادة زار المسجد وشكل فيه خلايا للعمل مع بن لادن ... الخ. في الحقيقة يومها صادف أنني كنت على موعد لزيارة المركز الإسلامي بما فيه المسجد. حملت الجريدة وذهبت إلى هناك، والمسسؤولون عن هذا المركز هم لبنانيون. فقلت: هل اطلعتم على الجريدة؟ قالوا: نعم، اطلعنا عليها، وهذا كله كذب وافتراءات. فتذكرت قصة السفير الغساني: نفس العبارات، نفس الموقف. ماذا فعلتم من اجل الرد على الأكاذيب والافتراءات؟ لم نفعل شيئاً، لأنهم لا ينشرون لنا، لا يردون علينا.
ما هي القصة الحقيقية لهذا الموضوع؟ تبين أن القصة الحقيقية كما رواها المسؤولون في المركز هي أنه في عام 1990 جاء هذا الشخص وهو يحمل جواز سفر انكليزي، جاء من لندن إلى استراليا، أدى الصلاة وخطب بالمصلين وبقي لعدة ايام ورجع.
عام 1990 لم يكن هناك بن لادن، بل كان يعمل في المخابرات الاميركية، وكان يؤدي تنظيمه الدور المطلوب منه، والإعلام كان يصفه بالمجاهد، وفريقه بالمجاهدين. فزيارة ابو قتادة التي مرّ عليها 12 عاماً يبني عليها الإعلام رواية إعلامية ليدين من خلالها المسلمين بشكل جماعي، وبأن الاسلام دين إرهابي وأن المسلمين إرهابيون، فالمشكلة مزدوجة: في الصورة النمطية السلبية التي يصورها الإعلام الغربي عنا، والمشكلة الأخطر والاسوأ هي في انكفائنا عن نقل صورة واقعية وحقيقية عن عقائدنا وعن مواقفنا. لم يقم احد من هؤلاء في ملبورن بكتابة رد أو الاتصال بالجريدة أو تقديم شكوى، باعتبار انه أمر ميؤوس منه. لا احد يرد علينا. هذا الامر يتكرر في أوروبا في الصحف الأوروبية، في الإعلام الاوروبي، ويتكرر في اميركا، ويتواصل بشكل مستمر، لأننا لا نتعامل مع الإعلام الدولي بما يفترض من صدقية ومن اهتمام، وبالتالي نستسلم لما ينشر، فيؤدي هذا النشر إلى تراكم ثقافي في الذهن العام، في الذهن الغربي وفي الذهن الاوروبي، وبالتالي نصبح مصنفين من خلال الإعلام على أننا جماعة خارج الإنسانية وخارج الحضارة، وبالتالي نستحق العقاب الجماعي الذي نتعرض له. لسنا عاجزين عن أن نقوم بعمل إعلامي في مستوى الإعلام الذي يتعرض لنا، فالامكانات المادية متوفرة والآلات الإعلامية، إن كانت فضائية تلفزيونية أو كتابية أو اي شكل من اشكال الإعلام، متوفرة، وايضاً العقل الإنساني عندنا منتج، ويستطيع ان يقارع الحجة بالحجة، ولكن نفتقر إلى أمر اساسي واحد وهو الإرادة. نحن اصحاب قضية، ولكننا لا نملك الارادة للدفاع عنها، الامر الذي يجعلنا دائماً في قفص الاتهام. نحن وكل من يقف في موقف الدفاع يكون في الاساس في موقف ضعف. نحن نحتاج إلى اعلام مبادر وليس إلى اعلام يتلقى الضربات ثم يحاول ان يوضح وأن يرد. يجب ان يكون عندنا المستوى العالي تقنياً وصدقياً، لأن مخاطبة العقل الغربي لا تتطلب ان نتقن لغته فقط، بل يجب ان نتقن الوصول إلى منطقه، اي بمنطق العلم، نستطيع ان نخاطب وأن نصل إلى العقل الغربي. إعلامنا مقصر لأننا لا نسلك هذه الوسائل، ولأننا نستسلم إلى ما يكتب عنا. والسلام عليكم.
_______________________
تقديم معالي الأستاذ ميشال سماحة لرفيق نصرالله
ولد بعد النكبة في مواجهة ارض النكبة في حولا. أستاذ رفيق نصرالله مدير مكتب الامارات للإعلام في لبنان، ومدير مكتب قناة ابو ظبي في بيروت، وعضو سابق مستقيل في مجلس ادارة تلفزيون لبنان. لم يقبل أن يشارك في الانهيار، كاتب وباحث سياسي وإعلامي، أعد وقدّم الكثير من النقاشات والبرامج الناجحة على الفضائيات العربية واللبنانية، وشارك في مؤتمرات إعلامية دولية وإقليمية. ويختزن في عقله وخاصة في ما انتج كتابة، كمية كبيرة من الدارسات حول القضايا العربية واللبنانية المعاصرة. له الكلام.