اليوم الثاني - الجلسة الرابعة
أي إعلام نريد؟
هل من إمكانية لإعلام عربي؟
الدكتور جورج كلاس
ارتكازاً إلى قول لامع للإمام المغيب موسى الصدر "إن عزة لبنان من عزة الإعلام" أقول ينطبق عنوان هذه الحلقة المستديرة "أي إعلام نريد؟ وهل من إمكانية لإعلام عربي؟" على مسلمات استباقية، ثوابتها ان العرب لا يزالون من غير اعلام عربي، والأخطر، انهم لا يسعون إلى ذلك، حتى الآن، لولا ملامسة مؤتمر "كلمة سواء" لموضوع (الذات والآخر في الإعلام المعاصر)، حيث إن الذات الإعلامية العربية ببعدها القومي والحضوري، غير موجودة بعد. اي غياب العصبية الإعلامية العربية.
ويحمل القسم الثاني من هذه الحلقة المستديرة سؤالاً واضحا حول امكانية وجود اعلام عربي، بما يحتمل فرضية صعوبة وجود هذا الإعلام، إن لم نقل استحالته.
ومشكلة (أي اعلام نريد؟)، تتعلق عضوياً بوجود إرادة عربية حرة ذات قدرة تقديرية وبعيدة عن (الأنا الحاكمة) أو (أنا النظام)، وهل مسموح لنا بأن نريد دون دفتر شروط أم لا؟
ومن أساسيات انفتاحه على دعوة العرب إلى تأسيس اعلام عربي ملتزم وذات انتماء قومي صريح، إعلام يكون قادراً على مخاطبة كل العرب، وأن يكون ناطقاً باسم كل العرب، وأن يكون له قابلية إنصات من قبل عرب كثيرين.
وبعيداً عن الطوباويات نقول إن الإعلام العربي الذي نطمح اليه، بحده الأدنى، هو إعلام مصيري متبصر بالأمور الضاغطة على العرب، وهو إعلام أكثر التزاماً بقضايا العرب، وأكثر التصاقاً بانشغالاتهم وهمومهم. نريده إعلاماً حراً متحرراً من بعض العرب في سبيل كل العرب، نريد إعلاماً أوسع من الأنظمة، إعلاماً يمكنه احتضان أكثر شرحات الطبقات العربية وتوزعاتها الفكرية والسياسية والمجتمعية، نريد إعلاماً صاحب شخصية قيادية، بمعنى أن يكون إعلاماً كيانياً له ثوابته وتطلعاته، نريد إعلاماً متحدثاً متحركاً وانفتاحياً لا إعلاماً نمطياً، نريد إعلاماً ينقل صورة العرب إلى العرب، لا أن يستورد صورة العرب من الإعلام الغربي. والإعلام الذي نتمناه لشعبنا هو إعلام حرية يخرج من (الأنا) إلى رحابة (الآخر) بأبعاد مساحية لا حدود لها، إعلام حرّ يربّي الأجيال على الحرية.
ان التربية على الحرية والحقيقة هي عصب الإعلام الصحيح.
أي اعلام خارج الحرية، يصبح خطاباً موجهاً وبطل أن يكون من الإعلام في شيء.
ونحن لا ننكر على الأنظمة والاحزاب الحاكمة ان يكون لها نظامها الإعلامي وحقائقها الخاصة كجزء من تركيبة بنيتها السياسية، ولكن ذلك لا يحول دون ان تبادر الأنظمة السياسية، وأنظمة الظل إلى تأسيس اعلام عربي موحد وحول القضايا التي تحظى بإجماع حولها، كقضية القدس، مثالاً فريداً ويتيماً يجتمع العرب حول معناها الديني والقومي والوجداني.
• أي اعلام لأي عرب؟ مركزية التحديات
الإعلام العربي أمام تحديات منها:
1- الأنظمة غير المتجانسة تنتج إعلاماً غير متجانس،
فليس من إعلام عربي واحد.
2- الأنظمة المتنافرة تنتج إعلاماً متنافراً،
فليس من إعلام عربي واحد.
3- الأنظمة المتباينة تنتج إعلاماً متبايناً،
فليس من إعلام عربي واحد.
4- الأنظمة غير الموحده الهدف، تنتج إعلاماً متعدد الأهداف،
فليس من إعلام عربي واحدا.
5- الأنظمة، تنتج إعلام أنظمة،
فنحن أمام إعلام كيانات سياسية.
ومن الحلال ان يكون لكل كيان إعلامه،
ومن الحرام ألاّ تكون الكيانات الإعلامية العربية ذات التزام قومي عربي واحد وصريح.
6- والتحدي الأبرز غياب استراتيجية إعلامية موحدة،
التي ترسم نمط التعاطي مع القضية التي يجتمع حولها العرب.
إن غياب الاستراتيجية الإعلامية عند العرب، تجعل من مضمون أنظمتهم الإعلامية، (إعلام اللحظة) بمعنى ردة الفعل، وليس إعلاماً مستداماً وثابتاً، إلا في تعرض الإعلام لقضايا ذات بعد ديني وروحي وتراثي. وهذا ما يجعل الإعلام العربي، إعلام الممكن، بما يعني، بذل الحد الأدنى من جهد الحضور على الساحة الإعلامية.
ومن التحديات أيضاً، أن الإعلام العربي ينطوي على كثير من (المسكوت عنه) في الأمور التي يتحرج منظّرو النظام عن الجهر بها والتصدي لها. وهو، إلى ذلك، إعلام تجاهل، في ما يعرفه الإعلام العربي من أمور، ويتحاشى خوضها، متبوعاً بإعلام جهل الحقائق، وعدم السعي إلى كشفها والتعريف بها والقيام بما يشبه عملية محو أمية حولها.
ولعل التحدي الابرز، هو التحديات السياسية، حيث إن الكيانات السياسية تفرز كيانات إعلامية ذات فلسفة ونظرة تعكس توجهات النظام وسلوكياته.
وينتج عن وجود الكيانات الإعلامية، تعددية اعلامية عربية، تتألف فيها التنافسية على حساب الموضوعية، فيسعى كل إعلام إلى رسم صورة العرب بريشته الخاصة وعلى ذوقه، ويقيم نفسه حارساً على الافكار ومؤتمناً على إعادة انتاج ثقافة الماضي لاستثمار الحاضر، محتمياً بالتراثية.
ويبرز في هذا المجال أيضاً تحدي (الفضائيات العربية) التي تسعى إلى تأسيس مشروعية اجتماعية واقتصادية خدمة لبقائها، وذلك على حساب المستهلك، الذي يفتقد العمل الإعلامي المتكامل، بمثل ما يفتقد المشروع التنموي. ويترافق هذا مع (تحدي الحيادية) في الموضوعات التي تعالجها الفضائيات. ولنا هنا في برامج (الجزيرة) نموذج دال على كيفية استثارة المواضيع وإحياء المشاكل والتركيز على صناعة العنف الكلامي في منابر الحوار التلفزيوني، الذي يتغلف بعنوان (الترويج للديمقراطية) وتأثيراتها المحتملة تفجيرات مركزة في داخل المجتمعات السياسية العربية.
والفضائيات العربية التي قارب عددها الأربعين، تغلب عليها التجارية وتسودها التعددية في الخطاب الإعلامي، الحامل مضامين تحديات اجتماعية وتربوية وثقافية وسياسية، الامر الذي يجعل الفضائيات تنشد بين القيم المرجعية والسلوكيات الانتمائية، ولا تجد نفسها الا نسخة ناطقة بالعربية للفضائيات الأجنبية، من دون ان يكون لها همّ حلّ قضايا العرب، أو الالتقاء حول قضية محورية تجمع ولا تفرق.
والسؤال المركزي، هو، "هل سيبقى اعلام القوميات والانظمة مرجعية ثقافية، بعد الانفتاح المعولم، أم أن ثقافة الانظمة ستكون موضع استهداف ثقافي، بفعل بث ثقافة مشوشة تضرب القيم وتضعف المناعة الثقافية الخاصة؟".
وإذا الحال السياسية على غير توافق تام في القضايا الصغيرة كما في القضايا الكبيرة، على المستوى العربي العام، فإن الدعوة تلحّ لوضع ميثاق تعاون اعلامي عربي يوحد الخطاب المعلن والمتفق عليه، كي نقلع عن مقولة إن العرب مختلفون على الحق، ويسعى كل منهم لاستملاك الحقيقة التي تناسبه (*).
______________________
(*) وبالمناسبة لي ان اذكر (بالإذن من معالي الوزير ميشال سماحة) أنه في 21 كانون الأول سنة 1993 من تسع سنوات يالضبط دعا معالي الوزير وسائل الاعلام المرئية والمسموعة إلى اجتماع في مكتبه في الوزارة وخلصوا إلى ميثاق شرف إعلامي في لبنان. وفي الكلمة التي مهد بها معاليه دعا العرب ووسائل الاعلام العربية والانظمة العربية إلى قيام ميثاق أو وضع ميثاق وشرعة اعلامية عربية موحدة وحتى الآن لا نزال في الانتظار. وإلى اللقاء.
______________________
مداخلة معالي الأستاذ ميشال سماحة
تعقيباً وتقديماً بالصورة الحاضرة للانظمة العربية وللوضع العربي، تعرفونهم من ثمارهم، كيف يمكن قيام - هنا اسأل نفسي واسألكم - ميثاق شرف حقيقي للإعلام يلتزم به الجميع؟ أليست الجزيرة وقاعدة عيديد إنتاج نظام قطر اليوم، والمنار انتاج المقاومة. كيف تريد ان تجمع الاثنتين؟ يوجد مشكلة عندنا، مشكلة الانتماء في دولة مظهر تلفزيونها ديمقراطي على الطريقة الغربية، ولا يجب ان نكون سطحيين لنفرح بما نسمعه وما نراه، لأنها تدخل لزراعة الشقاق بين العرب في كل دولة، وبين المسلمين في كل مذهب. هذه النتيجة إغلاق التلفزيون. ماذا نأخذ؟ ماذا يبقى في أذهاننا مما نسمعه؟ لأن برامج التلفزيون ليست للتنفيس، بل يخلصوا منه الناس "بزبدة"، بحد ادنى من الأمور. هذه الامور الجامعة، هذه الامور التي تبقى بين الملتزم في مقاومته على الارض حتى التحرير، وفي تلفزيونه يعمم هذه الثقافة، ثقافة الانتماء للقضايا، وبين الذي يُسخّف القضايا حتى وإن نقلها من داخل الانتفاضة الفلسطينية. سأعطي مثالاً ثالثاً من هذا الاتجاه: تلفزيون ابو ظبي الذي يواكب ما يجري بانتماء، يصرف مالاً بانتماء، يواكب ليس كما المنار، ولكن مساند في احتضانه لموضوع المنار، الذي هو اقرب إلى الالتزام الفاعل.وانطلاقاً من هنا سأقدم مدير أخبار المنار الأستاذ حسن فضل الله. مدير أخبار تلفزيون المنار ملتزم وناجح، كما يمثل من التزامه المقاوم.