اليوم الثاني - الجلسة الرابعة
الأستاذ منير شفيق
بسم الله الرحمن الرحيم،
يبدو أن قدري في هذا اللقاء - وربما في غيره من اللقاءات التي تُعقد حول الإعلام وإن كنت اعتبر نفسي من الإعلاميين - أن اقف ضد التيار في ما يتعلق بالأهمية التي تعطى للإعلام وبالتقريظ الهائل الذي يحظى به الإعلام حتى يكاد ان يكون الإعلام هو الذي يصنع كل شيء. في تصوري أن في هذا درجة عالية من المبالغة. لا شك أن الإعلام له اهميته وله دوره، ولكن قطعاً ليس كما يقال فيه وعنه ، ولهذا عندما نوجه السؤال: اي اعلام نريد؟ يفترض ان نطرح سؤالاً آخر يرد عليه ويُجيب عنه: هو أي سياسة نريد؟ لأن الإعلام، كل إعلام، لا ينفصل عن السياسة التي يتبناها، ويريد ان يُروّج لها، او السياسة التي يريد ان يدحضها ويشنّ عليها الحملات. ولكي لا أطيل في تقديري او الدفاع عن هذه النقطة، اريد ان اسأل سؤالاً بسيطاً: من كسب معركة الإعلام في اجتياح مخيم جنين؟ هل كسبها الفلسطينيون والمقاتلون في مخيم جنين، أم أجهزة الإعلام الأميركية والصهيونية الجبارة التي تصنع كل شيء؟ في الحقيقة والحقيقة بسيطة هنا أقول وباعتراف الإسرائيليين إنهم خسروا المعركة الإعلامية في معركة جنين، بل في مرحلة السنتين الماضيتين للانتفاضة والمقاومة وصمود الشعب الفلسطيني. لم يخسروها لأن هنالك إعلاماً فلسطينياً او عربياً علا عليهم وتغلّب عليهم، وإنما لأن هنالك سياسة ووقائع وحقائق صنعتها القضية العادلة وكفاح شعب بأسره وتضحياته، وبما أظهره من وحشية العدو، تلك الوحشية التي ما كانت لتظهر إلا من خلال المواجهة والمعارك. هذه المُحصلة أثّرت ولأول مرة، ليس فقط في المجال العربي والإسلامي، الذي هو إلى جانبها في كل الاحوال، وإنما اثرت في الوعي الغربي نفسه، في الرأي العام الغربي نفسه، لأول مرة تشعر المنظمات الصهيونية أن الأرض تهتز من تحت أقدامها حتى في نظرة الإنسان العادي. وإذا جئنا إلى الطلائع الأكثر حيوية وأهمية في الكفاح مثل الذين يعترضون على العولمة ويقومون بالتظاهرات من واشنطن، إلى سياتل، حتى جنوا، وميلانو، وإلخ. سنرى في خلال مرحلة الانتفاضة وبعد معركة جنين أن العلم الفلسطيني أصبح مرفرفاً في تلك التظاهرات التي وصلت في بعض الأحيان إلى مئات الألوف، حتى كاد يطغى. كيف حدث هذا؟ هذا يريد تفسيراً. اذا كان للإعلام الغربي والأميركي والصهيوني، كل تلك السطوة، فلماذا لم يخنق هذه النتائج وكيف وُوجه بها؟ هذا سؤال يفترض بنا أن نعيد قراءة هذه النقطة بتقدير صحيح، واهميتها بالنسبة إليّ، أو لماذا أريد أن أناقشها، هي: اين نضع يدنا؟ او على أي جرح نضع يدنا؟ هل نفكر في تضخيم إعلامنا في وضع الأموال لإعلامنا لنخترق، أم نتمسك بقضايانا ونرفع من مستوى روح الكفاحية لدى شعوبنا، وان ندافع عن قضايانا، ونقدم التضحيات حيث يمكن ان تأتي نتائج حقيقية. وعندئذٍ يمكن الإعلام ان يتقدم، وأن يتطور وأن يؤتي ببعض الثمار.
كذلك هنا في لبنان من كسب المعركة الإعلامية في نهاية المطاف، المقاومة الإسلامية الباسلة ام الإعلام الصهيوني الامريكي، الغربي بصورة عامة؟ هذا من ناحية، ولكن حتى ونحن نتحدث عن الإعلام اقول إن الفضل في كسب المعركة الإعلامية ليس لقناة المنار وإنما لسياسة حزب الله وكيفية طرحها وكيفية تقديمها، وللتضحيات الكبرى التي قُدمت هنا تغذى الإعلام وأخذ اهميته وقوّته، ويجب ان لا نعكس الصورة. بالطبع هذا لا يُقلل من قيمة الجهود وأهميتها التي يقوم بها إخواننا. في الحقيقة هذه ليست شاذة في قضية فلسطين او في جنوب لبنان، حتى في فيتنام، من كسب المعركة الإعلامية، أميركا ام فيتنام في الثورة الفيتنامية؟ في الجزائر، من كسب المعركة الإعلامية او كسب الرأي العام في النهاية؟ الشعب الجزائري الذي كافح سبع سنوات ام الإعلام الفرنسي؟ هذه قضايا تجعلنا ندرك اي حجم هو الإعلام، حتى لا نقع ملومين محصورين عندما نرى امكانات الغرب الإعلامية الهائلة ونحن ليس لنا القدرة على مواجهتها او الاقتراب منها.
لدي سؤال ثالث: هل هنالك تناسب بين قوة الإعلام الأميركي حتى بالنسبة إلى الرأي العام الغربي الآن والرأي العام العربي والإسلامي؟ لو تسألوا الادارة الأميركية تشعروا انهم يواجهون مأزقاً امام رأي عام ضدهم، ضد اعلامهم، وبالتالي تراهم الآن خصصوا ثمانمائة مليون دولار كدفعة اولى لتوجيه إعلام للعالم الإسلامي للتأثير عليه، وانا اقول لكم لو وجهوا 8 مليارات دولار واكثر من ذلك لن يؤثروا على العالم الإسلامي، لأن الذي يؤثر على الرأي العام ليس الإعلام وحده ولا مهارته ولا دقته ولا بهرجته. انا طبعاً اخاف من الإعلام من جانب واحد هو ما يمكن ان يقوم به من تشويه وتدمير، يعني الإعلام بالاضافة إلى تأثيره على شعبه، ولكن تأثيره على عدوه هو دائماً تأثير الطابور الخامس والاختراق، وليس تأثير البناء وتغيير الافكار وكسب المعركة السياسية معهم.
السؤال الرابع بالنسبة إلى الاعلام العربي طبعاً هي أمنية عزيزة أن يكون هناك خطة عربية موحدة وإعلام عربي موحد، ولكن لا شك أن الإعلام العربي يعكس الاختلافات في السياسات العربية ويعكس حالة التجزئة والقطرية كما قال السيد رئيس الجلسة والآخرون. لذلك أرى أن ننظر إلى المُحصلة من جهة، مُحصلة هذا الإعلام المتناقض والمتضارب المتعدد والذي لا مفر منه، ولن نهرب من هذه الحقيقة مهما حاولنا. وغاية المنى أن نخفف، ربما ان نزيل، بعض الاضرار، وليس ان نوحد الاجهزة الإعلامية. وربما ليس من المفيد ان نجد هيئة تقرر للإعلام ماذا يقول. أنا أرى أن التعدد برغم بعض سلبياته له ايجابيات، لذلك من الافضل لنا ان نفكر كيف نُقوي إعلاماً بعينه في قلب هذا الخضّم من التعدد والتناقض لنؤثر على المُحصلة. وهذا بإمكاننا. يعني نحن ليس بإمكاننا. ان نسيطر على كل الإعلام العربي، ولكن يكفي ان تكون هنالك قناة او اكثر، وهذا ما تفعله الجماهير في واقع الحال حيث تبدأ تُحدد انحيازها وتُحدد تأثيرها من خلال انحيازها لهذه القناة او تلك، وانا في الحقيقة عندي ثقة كبيرة بوعي الجماهير. هنالك أقنية فضائية ظنت انها بفترة من الفترات من خلال الضجيج حول الرأي والرأي الآخر إلى آخره انها تكسب الجمهور، ولكن جمهورنا حسّاس جداً فعندما يراها تستضيف مثلاً دُعاة أو سياسيين إسرائيليين تراه رأساً يضع علامة السؤال، هم يظنون انهم اذا فعلوا ذلك روضوا جماهيرنا؟ انا اظن ان الإعلام لا يستطيع بأن يفعل ذلك، وأستطيع أن اقول إن الجماهير، وإن الرأي العام في بلادنا اقوى من الإعلام. والإعلام الذي يريد ان يكون ذا قوة، عليه أن يمسك بنبض الجماهير ويقترب منها، ولا يظن نفسه أنه يصنعها. برأيي ان قوة المنار لا تأتي، وهنا مرة اخرى لا اقلل من اهمية الجهود، وانما لا تأتي من قوة هذه الجهود وانما تأتي من موقف جماهير الارض العطشى لمثل هذا الطرح ولمثل هذا الموقف. لذلك ليس الإعلام مجرد قلم يكتب على صفحة بيضاء، انما القلم أو الإعلام يواجه وضعاً مركباً معقداً من الوعي يجب عليه ان يعرف ان اختراقه ليس سهلاً على كل حال.
تبقى نقطة اخيرة. كولن باول أمس اراد ان يعزز وجهة نظره في المشروع الذي طرحه والذي استند إلى تقرير التنمية الإنسانية كما فعل فريدمان، ماذا نفهم من وراء ذلك؟ لماذا هذا التقرير الذي رحب به كثيرون؟ واظنهم يجب ان يخجلوا الآن من انفسهم عندما صفقوا لتقرير التنمية الإنسانية لأنه اصبح من الواضح اي خدمة يريد هذا التقرير ان يقدمها، ولمن؟ لم يبقَ صهيوني خرج إلى قناة فضائية او كتب او أميركي يريد ان يعتدي على الامة العربية الا واستشهد بهذا التقرير. انا برأيي ان هذا التقرير ليس فقط كما وجه اليه ونوقش بأنه ضعيف ومفكك وانه غير علمي ومبالغ ..الخ. ولكن آن الاوان بعدما استشهد به كولن باول أن ندرك ما هي الأبعاد التي كانت وراء كتابة هذا التقرير، بل من هم الحقيقيون الذين وراء هذا التقرير.
النقطة الثانية التي أريد أن ألفت الانتباه اليها وهي الانتباه إلى موجة اليأس، موجة إسدال الظلام على كل ما هو في بلادنا العربية ومجتمعاتنا، الميل الدائم إلى دعوة نقد الذات وإظهار عيوبنا. هنالك مبالغة في توصيف حالنا حتى لا يستبقي أحد احداً أو لا يستبقي ايجابية واحدة تتمتع بها هذه الامة. هل صورة مجتمعاتنا بهذه السلبية؟ صحيح هناك مثلاً مشكلة للمرأة في بلادنا، وهنالك قضية للمرأة، ولكن هل هي الصورة التي يُقدمها التقرير أو يقدمها الغرب بأن المرأة في بلادنا تحتاج إلى إعادة صياغة كاملة، وأن مشكلتها تحتاج إلى ثورة لا حدود لها؟ ماذا عن المرأة الفلسطينية، هذه المرأة التي تتحدى الدبابة وتأتي بالطفل الذي يتحدى الدبابة ويقاتل، وتلد هذا الاستشهادي وتلك الاستشهادية؟ هل هذه المرأة بالرداءة التي يصفها أولئك عندما يتحدثون عن النساء في بلادنا وعن وعيهن، وعن دورهن؟ هل ابناؤنا ونساؤنا هم ابناء المجتمع الأبوي كما يصفه بعض علماء السوسيولوجيا بأنهم مقموعون وبأنهم خاضعون وتافهون ولا يفعلون شيئاً؟ كيف يتحدون هذه الدبابات، هذا المقموع، هذا الذي ليس له كلمة، هذه المرأة؟ يعني اقول هذه الوقائع تكذّب الكثير من المسلّمات التي تُروَّج بيننا. وشكراً لكم.
والسلام عليكم ورحمة الله.
___________________________
تقديم معالي الأستاذ ميشال سماحة للدكتور قيس جواد العزاوي
- دكتور قيس جواد العزاوي، حائز على دكتوراه PhD مع مرتبة الشرف الاولى في علم الاجتماع العسكري بعد ما أتم دراسة الليسانس في علم النفس وماجيستير فلسفة إسلامية في معهد الدراسات الإسلامية في القاهرة.
- عمل معاون مدير تحرير مجلة المستقبل العربي في مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت، وفي مختلف مجالات الإعلام ومؤسسات الدراسات العربية، وفي الشؤون الإسلامية. له الكلام.