بسم الله الرحمن الرحيم،
بدعوة من مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات، انعقد في قصر الأونيسكو في بيروت مؤتمر "كلمة سواء" السابع تحت عنوان "الذات والآخر في الإعلام المعاصر" يومي الخميس والجمعة 12 و13 كانون الأول 2002، بحضور دولة رئيس مجلس النواب وممثلي فخامة رئيس الجمهورية ودولة رئيس مجلس الوزراء ورؤساء الطوائف الروحية أو ممثليهم وحشد غفير من الوزراء والنواب ورجال الدين والإعلاميين والباحثين والمهتمين، وغيرهم من محبّي الإمام الصدر.
استمع المؤتمرون في الجلسة الافتتاحية إلى كلمات العائلات الروحية. ثمّ تابعوا على مدى ثلاث جلسات المحاور الرئيسية للمؤتمر.
ضمن المحور المحلي، "الإعلام والوحدة الوطنية"، نوقش دور الإعلام في الوحدة الوطنية حسب منظور الإمام الصدر وقياساً لأداء الإعلام اللبناني في العقود الأخيرة. وضمن المحور الإقليمي، "الإعلام والصراع العربي-الإسرائيلي"، تم البحث والاستماع إلى قراءات في أداء الإعلام العربي والإعلام الغربي. وفي المحور الدولي تداولت الأبحاث صورة العرب والمسلمين في الإعلام الغربي واستعرضت الاستراتيجيات الغربية من خلال الإعلام. ثمّ عقدت حلقة مستديرة ختامية للتباحث في السبل الآيلة لتفعيل الإعلام العربي.
أجمع المتحدثون على الأثر المتنامي للإعلام بعد تطور وسائله وأدواته، وبعد أن ربط العالم بشبكة معلوماتية معقدة. سيّما وأنه يتناول كافة شؤون الحياة ويصوغ الأفكار والأذواق، ويساهم بقوة في علاقة الذات بالآخر في صراعهما كما في حوارهما. وأبرز النقاط المثارة هي:
- مقدرة الإعلام على البناء وعلى التقريب بين الشعوب، ومقدرته على الهدم والتفريق، وذلك حسب الاستخدامات الموكلة إليه؛
- ينحاز الإعلام تدريجياً لمصلحة الأقوى بحكم آليات تملكه وتشغله، ويساهم في تغليب النموذج الأوحد على حساب التنوع الثقافي والتعددية؛
- تتقدّم المصالح والمنفعة على مفاهيم الحق والعدالة والقيم، مما يؤدي إلى تفاقم أزمات الإنسان ومآسيه وينذر بالمزيد من الاستبداد والتبعية والقهر؛
- يعاني الإعلام العربي من غياب الرؤيا والاستراتيجية في تعاطيه مع قضايا الأمة، ويعكس –بوجه عام- حالة التململ والتفكك والتبعية، رغم توافر الإرادة والجهد لإطلاق محاولات إعلامية عربية جادّة أمكنها أن تحدث تغييراً إيجابياً يتحدّى المجرى السائد؛
- يقع الإعلام اللبناني في قبضة التجاذب والطائفية والارتهان للمصالح المالية والسياسية، رغم أنه قطع شوطاً ريادياً في العالم العربي من حيث التقنيات واكتساب الجمهور مما يؤهله لأن يلعب دوراً مهماً في إحداث التغيير المرغوب.
وقد خلص المؤتمر إلى التوصيات التالية:
1- يدعو المؤتمر إلى التخلص من آفة التقليد بأن ينقل الإعلام العربي صورة العرب إلى العرب ولا يستوردها من الإعلام الغربي. كما ويدعو إلى الابتعاد عن التضليل أو المبالغة أو التشويه، وإلى الجرأة في توصيف الذات بموضوعية وفي رؤية الآخر وتصويره كما هو. أي اعتماد إعلام المعلومة وليس إعلام التجاهل والتغاضي؛
2- يرى المؤتمر الحاجة إلى بلورة خطة عربية إعلامية حاضنة تتبنى جدول اهتمامات ومضامين تنسجم مع حاجاتنا وقضايانا وتطلعاتنا، وتعتمد على قوّة المعلومة وعلى حسن تقديمها؛
3- يوصي المؤتمر بعدم التفريط أو التهاون إزاء قضايانا المصيرية (فلسطين، القدس، العراق)، وإلى الانتباه إلى الثوابت المتعلقة باللغة والهوية والعقل العربي؛
4- يعتبر المؤتمر أن إخفاقنا إزاء الآخر يعود في جزء أساسي منه إلى إخفاقنا بحق أنفسنا. وقضايانا المصيرية مع الآخرين لا يجوز أن تحجب قضايانا الداخلية وكل ما يسجل عندنا وعلينا من إهمال وانتهاكات واستبداد. صون الحرية وكرامة الإنسان وظروف معيشته مسائل مترابطة، ومعالجتها العادلة تنتج صورة مشرّفة نتوجّه بها إلى الآخر وننتزع بموجبها الاحترام والتقدير والاعتراف بحقوقنا لديه؛
5- يوصي المؤتمر برصد الميزانيات الضرورية لتأسيس وتنفيذ ومتابعة الجهد الإعلامي اللازم للدفاع عن قضايا الأمة ولإظهار الصورة الحقيقة لها، ويشمل ذلك إنتاج البرامج الثقافية والوثائقية والفنية والإخبارية؛
6- ينوّه المؤتمر بالتقدّم الحاصل في بعض المجالات ويدعو إلى دعم المحاولات الناجحة وتسليط الضوء عليها سعياً إلى تعزيز ما يتم تسجيله من نجاح في اختراق المشهد القاتم الذي يظلل المرحلة الراهنة؛
7- يدعو المؤتمر إلى عقد لقاءات بين القوى الإعلامية العربية لبلورة الرؤيا الإعلامية الملائمة، يتبعها تنسيق مع القيادات الرسمية العربية بهدف تحديد ملامح الفكر النهضوي العربي وما فيه من عناصر الهوية والقيم والثوابت الإنسانية؛
8- كما ويدعو إلى البناء مع القوى الصديقة والمتعاطفة في الغرب، القوى الإعلامية والفكرية والاجتماعية، والتوجه إلى العقل الغربي ومخاطبته بلغته سواء كان ذلك عبر اللقاء أو الفضائيات الناطقة باللغات الأجنبية أو حجز المساحات الإعلامية في صحف الغرب، لنشر ما يحرره الكتاب والإعلاميون العرب.
9- من الأمور الإجرائية الأخرى التي يدعو إليها المؤتمر أن توضع روزنامة بالأحداث ذات الدلالة ليصار إلى إحيائها على مستوى العالمين العربي والإسلامي حتى يتم تشكيل ذاكرة جماعية ترفد الهوية العربية وتشكل ثقافتها المشتركة؛
10- كما ويدعو إلى دعم المراكز البحثية القائمة وإلى إنشاء مراكز متخصصة في جمع المعلومات وتصنيفها واسترجاعها لتزويد مراكز القرار ووسائل الإعلام بالمعلومة والمشورة في شؤون الأمن والسياسة والتنمية وغيرها.
أجمع المتحدثون على عمق الأفكار والمفاهيم والرؤى التي أطلقها الإمام الصدر، والتي ما تزال المرجعية المناسبة لتلمّس السبل الأفضل للحوار ولإعطاء الآخر ما يستحقه من موقع في عقولنا ووجداننا. واستلهموا منهجه الصلب والواضح لصياغة اللغة الواجب استعمالها مع الآخر عندما يكون الآخر "شراً مطلقاً". فهذا الخطاب الذي لا يحتمل الالتباس هو المنهج المقاوم، بالسلاح وبالكلمة وبالصورة، الذي نجح في تحرير الأرض اللبنانية. وهو نفسه يصلح كنموذج للاقتداء به لاسترجاع بقية الحقوق في جنوب لبنان وفي الجولان وفي فلسطين، كما يصلح لتحرير العقل العربي من أوهام العجز والنقص والتبعية.
يعبّر المؤتمر عن ارتياحه لأمانة المفكرين والإعلاميين والفاعلين في تلمسهم ومراجعتهم لنهج الإمام الصدر وأفكاره،
وإذ يثمّن عالياً مجهودات الهيئة الوطنية العليا لمتابعة قضية الإمام المغيّب ورفيقيه، ومساعي غيرها من المسؤولين والمخلصين والشرفاء،
يحثّ على مضاعفة الجهود المبذولة لرفع الظلم الواقع على الإمام ورفيقيه، ويؤكد على كافة ما جاء في بيان الهيئة عقب اجتماعها في 11 تشرين الأول 2002، وتحديداً على رفض المحاولات المفضوحة لإثارة البلبلة ولطمس مسؤولية النظام الليبي في الجريمة ولتضليل الرأي العام وللتشكيك بالجهود المخلصة الهادفة إلى جلاء مصير الإمام ورفيقيه.
ويهيب المؤتمر بوسائل الإعلام المحلية والإقليمية والعالمية أن تساهم في كشف تلك الأضاليل، وأن تعير القضية الاهتمام المتناسب مع خطورتها ومع مكانة الإمام الصدر في ذاكرة ووجدان الرأي العام، حيث إن كسب هذه القضية العادلة إعلامياً هو حجر الزاوية لكسبها قانونياً وإنسانياً واجتماعياً.
كما ويدعو المؤتمر بقوة إلى متابعة القضية على كل الأصعدة وفي كافة المحافل بما فيها المحاكم الوطنية والدولية وصولاً إلى إحقاق الحق وتجريم من أوعز وخطط ونفذ وتستر دون إعفاء أحد مهما علا شأنه.