الحضارة واحدة وإن تعددت الثقافات - نيافة البطريرك اغناطيوس الرابع هزيم

الرئيسية إصدارات كلمة سواء مؤتمر "كلمة سواء" السادس: حوار الحضارات ... اجتمعنا من اجل الإنسان

اليوم الأول - الجلسة الافتتاحية

الحضارة واحدة وإن تعددت الثقافات
نيافة بطريرك الروم الارثوذكس
اغناطيوس الرابع هزيم
يمثله سيادة المطران الياس نجم

إخوتي وأخواتي الأعزاء، أيّها السادة والسيدات،
يسعدني ويشرفني أن أنوب عن صاحب الغبطة البطريرك اغناطيوس الرابع (هزيم) بطريرك أنطاكية وسائر المشرق الكلي الطوبي الذي كلفني بإلقاء كلمته في هذا المؤتمر الموقر لمركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات حول الكلمة السواء تحت عنوان: (حوار الحضارات).

أيها المشاركون الكرام يشرفني أن أنقل لكم تحيات ومحبة صاحب الغبطة مع أدعيته وتمنياته لكم جميعا بالتوفيق، وأخص بالذكر السيدة الفاضلة رباب الصدر التي نكن لها كل التقدير والاحترام لما تقوم به من أنشطة ثقافية وسياسية وخيرية واجتماعية في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر، هذا العلامة الكبير والمناضل الشجاع، والقدوة في الدفاع عن الحق والعدالة، مؤسس المقاومة اللبنانية في وجه العدو الصهيوني الغاصب المحتل لأرضنا العربية في فلسطين مهد ومهبط الديانات السماوية.

أيّها الإخوة والأخوات الأحباء، في هذه الظروف والأيام الصعبة التي تمر بها أمتنا الحضارية، نحن بأمس الحاجة إلى حكمة وشجاعة وإنسانية سماحة الإمام موسى الصدر، مقتدين به في مواجهة هذه المخاطر والصعوبات والعدوان الغاشم على لبناننا وعروبتنا، ومثل هذا الإنسان الكبير في عطائه سيبقى حياً في ضمائرنا سائرين أبداً في سبل الحق والنور مستلهمين نهجه وفكره وعلمه واستراتجيته في المقاومة العنيدة ضد الشر وأطماع المحتل.

إن الإمام الفاضل موسى الصدر المؤمن بربه إيماناً راسخاً يشكل ركيزة أساسية لإيمانه بالإنسان أيضاً حيث عمل جاهدا في نضاله الدؤوب من أجل إحقاق الحق والدفاع عن حقوق الفقراء، والمحرومين والمعوزين والمهمشين والمضطهدين والمستضعفين. ولقد أسس المقاومة التي تتجلى الآن في أبهى صورها من بذل وعطاء وتضحيات لدحر العدو المحتل وإعادة الحقوق إلى اصحابها لتعود فلسطين إلى أهلها أرضاً عربية حرة عاصمتها القدس الشريف ويرجع الغزاة الطامعون إلى أوكارهم من حيث أتوا ويعود الجولان عربياً سوريا وترجع مزارع شبعا عربية لبنانية، ويعود اللاجئون الفلسطينيون إلى ديارهم ويتحرر الأسرى والمعتقلون في سجون الاحتلال الصهيوني. وكانت هذه كلها أهداف واستشراف سماحة الإمام الذي سيبقى ذكره حياً في ضمائرنا. وكلنا أمل بفضل المقاومة الشجاعة المؤمنة بالله والوطن أن تتحقق هذه الأهداف المقدسة وفي مقدمتها تحرير القدس الشريف وكل فلسطين والأراضي العربية.

أيّها الكرام،
إن الحوار وفق المدلولات الكلامية التي تشتمل عليها اللفظة، هو نوع من الأخذ والعطاء المنزه عن التشنج والتجريح، هو حديث مودة لا حديث بغضاء وتكفير وليس ضرباً من ضروب التبشير القهري إذ نعلم أن ﴿لا إكراه في الدين﴾ [البقرة، 256].

أن يتحاور بنو البشر حول تنوع وتعدد الثقافات في العالم هو أن يكملوا بعضهم بعضا من أجل بناء حضارة واحدة موحدة ينعم في ظلها الإنسان. فالحضارة في المجتمع البشري هي واحدة وإن تعددت الثقافات، ومن وضع أسس ومبادئ وركائز هذه الحضارات هم رسل السماء ومن ألهمهم الله تعالى من المفكرين والمصلحين. وعندما نتوحد في ظل هذه المبادئ ونحياها نكون قد ساهمنا في بناء الحضارة الإنسانية المثلى التي ينبغي أن يتفيأ في ظلها بنو البشر على السواء، من أجل خيرهم وعزهم وكرامتهم ومن أجل تحقيق المثل العليا في الخير والحق والجمال.

وهنا أود أن ألفت انتباهكم إلى أن مثل هذه الحضارة الإنسانية الخالدة إن لم تكن هي أمانة في أعناقنا ندفع عنها كل ضرر أو أذى ونحميها من كل شر لتبقى حية مشعة بالنور والحق والعدل العميم لصالح الإنسانية جمعاء ستتعرض لانتكاسات لا تحمد عقباها. وربما كان ما حصل في الحادي عشر من ايلول هذا العام انتكاسة من الانتكاسات التي تسيء إلى البشر أجمعين، وإننا إذ نشجب ونستنكر ما حصل من إزهاق لأرواح الأبرياء وتدمير لبناء الحضارة، نشجب أيضاً ونستنكر إزهاق أرواح الأبرياء في أية بقعة من بقاع هذه المسكونة، وإننا لندعو إلى الحكمة والتعقل والتروي والصبر، والشجاعة والحلم في اتخاذ القرارات المناسبة لتكون منصفة وعادلة وشاملة دون تمييز أو تفريق.

تمنيات غبطته أن يؤتي هذا المؤتمر الموقر ثماراً جمة تساهم في تعزيز الوحدة والوئام والمحبة بين كافة اللبنانيين والعرب مسلمين ومسيحيين والسلام لجميعكم، أيّها الإخوة والأخوات وفقكم الله تعالى في هذا المؤتمر وهداكم وهدانا أجمعين إلى كل ما فيه خير هذه الأمة وعزتها ووحدتها مجمعة على الكلمة السواء في حوار الثقافات الأخوي الذي تنمو فيه حضارة الإنسان الخيرة،

وشكراً.