مناقشات الجلسة الأولى

الرئيسية إصدارات كلمة سواء مؤتمر "كلمة سواء" السادس: حوار الحضارات ... اجتمعنا من اجل الإنسان

مداخلة الدكتور علي الشامي(1)

بسم الله الرحمن الرحيم
في الحقيقة لدي مداخلتان، الأولى تتعلق بموضوع الحضارات والثانية تتعلق بمنهجية الحوار عند الامام موسى الصدر.

بالنسبة لموضوع الحضارات فتح سماحة الامام نافذة، أجد نفسي ملزماً أن أدخل منها الى ملاحظة منهجية قد تكون غير متداولة، وهي أن الحضارات لا تقوم على الحوار. من شروط الحوار ليس فقط وجود طرفين. من أهم شروط الحوار أن يكون هناك وجود زمني محسوس ومباشر لطرفي الحوار، وهذا يفتقد في الحضارة، هذا موجود في الديانات، في الأفكار، في الثقافات، لأن الثقافات والأديان والأفكار يمكن أن تتعايش في لحظة زمنية واحدة لكن الحضارات تتعاقب تأخذ من بعضها تتفاعل في مخزون بعضها البعض لكنها لا تتواجد في نفس الموازين في لحظة زمنية واحدة لذلك كلمة حوار الثقافات قد تكون أكثر تعبيراً ودقة عن موضوع الحوار أكثر من الحضارات.

يعني للتبسيط الآن لو قلنا حوار بين الحضارة الاسلامية والحضارة الغربية، أين هي الآن الحضارة الاسلامية التي كانت من أهم مصادر الحضارة الغربية في فترة من الزمن ولكن ما نملك الآن هو الفكر الذي أبدع وأنتج وساهم في إنتاج الحضارة الاسلامية فإذا وضعنا الآن مفهوم الحضارات للحوار سوف نجد أن هناك حواراً بين حضارة مهيمنة مزدهرة موجودة اليوم وحضارة غابرة، بينما الثقافة موجودة والدين موجود ونظام الفكر موجود وهو يصلح قاعدة للحوار أكثر من الحضارات.

الحضارة هي نقلة نوعية في طريق الحياة، هي مجموعة المنجزات التي يبدعها الانسان في فترة معينة. لكي يغير طريقة الحياة، طريقة الحياة عندما تتغير بفعل الحضارة تنتج قيماً جديدة وتقاليد جديدة وانتماء جديداً، هذه المنجزات اذا انتقلت الى مصدر آخر هو ينمي طريقة حياته في المنطقة التي يعيش فيها. الانجازات التي انتجتها الحضارة منذ ألفي سنة تختلف عن الانجازات التي انتجتها حضارة أخرى بعد ألف سنة وتختلف عن انجازات حضارة ثالثة. كل نقلة نوعية في حياة البشر تعتبر خطوة حضارية، نقلة نوعية وليس نقلة كمية. عندما نقول حضارة فهذا لا يعني تقليلاً من قيمة الحضارة الاسلامية، لكن فضيلة الشيخ، أنا أقول الفكر، الحوار. الآن أنا لا أناقش بين ابن الهيثم واينشتاين، أناقش الآن حضارة تملك كل الانجازات الحديثة وتقول لي تعال بحمولتك من الانجازات الحضارية منذ خمسمائة أو ستمائة سنة، فتفضل الآن الى الحوار. هذا الحوار غير متكافىء، أنا أقدم الى الحوار بالفكر بالثقافة بالعقيدة التي ساهمت مجتمعة بالمنجزات الحضارية ويمكن أن تساهم في انجاز الحضارات. الفكر ينتج الحضارة وهو جزء من الحضارة وليس هو الحضارة لا يختصر الحضارة. لقد فتحت هذه المداخلة لأعطي حيوية لموضوع الحضارات لأن هناك فكراً ينتج حضارة. نحن عندنا فكر الآن وليس عندنا حضارة.

الملاحظة الثانية: تتعلق بمنهجية الحوار؟ عند الامام السيد موسى الصدر. في الواقع يتساءل المرء لماذا هذا الإصرار الذي تميز به الامام السيد موسى الصدر في نظرته الى الكيان اللبناني وفي انحيازه لمبدأ الحوار نحن نعلم انه من بين هذه الشخصيات القليلة جداً في لبنان، تميز الامام موسى الصدر بحديثين لم يتوقف عن تكرارهما منذ مجيئه الى لبنان، وهما: لبنان الانموذج الغني، المتعدد، الرسالة الحضارية، والحوار. نادراً ما نجد له خطاباً أو تصريحاً أو مقابلة إلا وفي ثنايا الكلمات يوجد هذا النمط من التعاطي مع مسألة لبنان الكيان والوطن، وتقديرنا على الأقل من خلال ما نعرفه، أن الإمام الصدر كان يعيش هاجس الوطن المعلق. الوطن الذي يعاني من هوية اشكالية، وطن نموذجي في أبعاده الدينية والطوائفية وفي محيطه، ويعطي تفاؤلاً في مسألة الحوار أنه يمكن للمجتمع أو لوطن أن يتشكل من تعددية على جميع الأصعدة ولكن هذه الإشكالية أو هذا التعليق الذي كانت الطائفية تهدده من ناحية، وكونه نموذجاً يهدد المشروع الاسرائيلي أو طبيعة التركيبة للكيان الصهيوني جعله يفضل تلمس أية وسيلة لكي لا ينفجر هذا الوطن المعلق على أصحابه ويضيع وخاصة بعد نكسة حزيران 67. لذلك ليس مجرد كونه عالماً أو رجل دين ينطلق من دينه الذي يلزمه بالحوار وبالجدال بالأحسن، وإنما حرصاً منه على تفادي أو تغليب منطق الصراع الذي كان يعسّ في بنية كيان الطائفية وبداية تحويل لبنان واستباحته أمام المشروع الاسرائيلي كما ظهر بعد هزيمة 67. لذلك كان حريصاً على تغليب مبدأ الحوارعلى جميع الأصعدة ومن أجل تحقيق أية غايات شرط أن نمنع هذا الوطن المعلق من أن ينفجر على طوائفه وعلى نفسه ويصبح هباءً منثوراً، وأعتقد أن إخفاء الإمام موسى الصدر كان من أهم أسبابه رفض منطق الحوار، رفض استمرار لبنان النموذج التعددي، وبالتالي دفعنا ثمناً طيلة عشرين عاماً والآن نعود ونكتشف كم كان الإمام الصدر مصيباً عندما قال أن الحوار أفضل من سواه، وشكراً.

مداخلة الدكتور علي الخطيب (2)
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين وكافة الأولياء والصالحين،

بسم الله الرحمن الرحيم ﴿الله لا إله إلا هو الحي القيوم نزّل عليك الكتاب بالحق مصّدقاً لما بين يديه وأنزل التوراة والانجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان﴾ [آل عمران، 2-4].

منهجي في هذه المداخلة وجداني، فآمل أن لا يكون في بعضه مخالفاً للبروتوكول وهذه بعض الملاحظات:
1- إن تعريف الإمام موسى الصدر، أعاده الله بخير، للحضارة وطرحه المبكر للحوار المتكافئ للحضارات تجدونه في ثنايا آلاف المحاضرات وعشرات الكتب المطروحة والمداخلات، بحيث أنه البحر وأي كأس منه كفيل بثمالة الجميع.

2- كان همه أن يعيد الأمل لوطن غافل عما يحاك له. وأن يبعد اليأس عن أجيال سُرق منها مجتمع المثل التي تحسب عليه بالهوية. فراح يحاضر هنا وهناك ليصنع الفرد الصالح، والمجتمع الصالح، ونجح. نجح الإمام الصدر بتكوين مجتمع صالح وافراد صالحين هزوا أركان الطغيان العالمي وذلك بالحاقهم الهزيمة بالعدو الصهيوني.

3- كان يشرح لكافة فئات المجتمع، عظمة حضارة الشرق المؤمن، وما قدمه العلماء والأولياء والصالحون، للحضارة الانسانية جمعاء بدءاً برسول الله وأهل بيته الأطهار وصولاً إلى كافة العلماء في مختلف المجالات. وفي كافة الحقول من الفقه إلى الفلسفة والكيمياء والطب، إلى جميع مناهج الحياة. داعياً الناس إلى العودة إلى الذات، والتخلص من عقدة الدونية لتكوين هذا المجتمع الصالح الذي يحاور الآخرين من موقع الند للند.

4- دأب البعض على اتهام الاستعمار في المسؤولية عن تخلف المسلمين، والبعض الآخر اتهم المسلمين أنفسهم بأنهم سبب التخلف، بينما رأي الإمام كان واضحاً. ردّ الامام التخلف إلى عاملين:
العامل الأول هو القضاء على المجتمع الاسلامي الذي أسس قواعده الأولى رسول الله (ص) فكان أن استمر الاسلام بلا مجتمع اسلامي إلى أن تزامن هذا مع العامل الثـاني، الذي هو توسعية الغرب، ونهمه في سلب ثروات أهل الأرض فنشأ التخلف، ولقد استفاد الغرب من انحرافنا فانقض علينا.

5- يريد الإمام الصدر أن يقول، بأن هذه الحضارة الاسلامية أسست لكثير من الخير والمساهمات في سبيل الانسانية جمعاء واستمرت رغم سرقة المجتمع الصالح من حياة المسلمين، ورغم انحراف الحاكم، فكيف كان سيحصل لو أن الأمور استمرت كما كان على عهد رسول الله (ص).

6- يقول إن إبعاد العنصر الإيماني بالله الملك الواحد الجبار العليم الخبير المتعالي الرقيب ذي الأسماء الحسنى، هو سبب الاختلال في داخل الحضارة الاسلامية. وهذا هو التهويد وما انتجته الإسرائيليات وحَمَلَتُها عبر التاريخ، وهذا ما رأيناه فيما بعد في العالم الغربي حيث التقى المنحرفون مع المنحرفين فأنتجوا قضايا افغانستان وفلسطين والعراق وغيرها.

7- يعتبر أن الغرب ليس هو المسيحية، وأن أكبر ضحية في تبلور الحضارة المادية في الغرب واكتساحها لجوانب الحياة فيه، هي المسيحية، وأن إبعاد العنصر الايماني في حياة الغرب، أدى إلى الاختلالات والحروب التي كلما مر عشر سنوات أو عشرون أو ثلاثون سنة ينتجون حرباً جديدة اقليمية أو داخلية أو خارجية، كله بسبب ابتعادهم عن الله، كله بسبب تآمرهم على المسيح سلام الله عليه. وهذا بعد أن تمت عملية التهويد في الغرب وأنجزت.

8- إن عودة الغرب إلى المسيح (ع)، وعودة المسلمين إلى الإسلام المحمدي الأصيل، هو الشرط الأول الذي يضمن نجاح حوار بين حضارتي الغرب والاسلام. لأن المسيح (ع) والرسول (ص) وكل الأنبياء لو اجتمعوا في مدينة واحدة لما اختلفوا كما قال الإمام الخميني قدس الله سره الشريف.

9- إن الهدف من حوار الحضارات عند الإمام موسى الصدر، هو تأسيس المجتمع العالمي المؤمن، أو الدولة الكونية المؤمنة. من هذا الباب نقترح على جناب مؤتمركم الكريم، أن تطالبوا بمراجعة داخلية في كافة الاديان، أي بعودة كل دين إلى ينابيعه الاصيلة، والعمل على حوار بين أهل الأديان. فلماذا يجتمع كل شياطين الأرض بين كل مدة ومدة من سياتل إلى براغ وملبورن وجنوى ويحصل ما يحصل.

أما آن الأوان لأن يجتمع أهل الايمان على صعيد عالمي وينقذوا هذا الكوكب الذي تريد الصهيونية العالمية أن تخضعه لسياستها ومصالحها، وإن لم يحصل ذلك تعمل على إغراقه وفنائه.

10- أقترح أن تنادوا بقمة روحية عالمية تضم الإمام موسى الصدر والبابا يوحنا بولس الثاني، وشيخ الازهر، والإمام الخامنئي، وبطريرك الارثوذكس، وزعيم البروتستانت، والشيخ محمد جواد ولي الدين، وزعيم البوذيين وزعيم الهندوس. وأن تكون بيروت، مدينة العزة والكرامة هي مكان انعقاد القمة كما كان يرجو الإمام الصدر لها من صورة مصغرة عن الفسيفساء العالمية الجميلة. وأن نعتبر ما قاله البطريرك صفير من أن باقة زهور على الطاولة، أفضل من زهرة واحدة، مدخلاً لانبثاق ميثاق جديد لعالم مؤمن بعيد عن العدوان والحرب.

11- إلا انني أصارحكم من كل أعماقي بأن اعادة الإمام موسى الصدر هي الكفيلة بكل ذلك، خاصة أن منظم مؤتمر الفرنكوفونية في لبنان هو المحاضر د. غسان سلامة، وأن بيروت أهل لذلك.

يبقى مناشدتكم جميعاً قبل كل هذا أن تولوا قضية الإمام الصدر الحجم الذي تستحقه.
فيا معالي الوزير، لا نقبل من حكومتنا هذا الضعف المستنكر، لا نقبل أن تكتفي بأن تسطر مذكرة تحرٍ عن الإمام ورفيقيه.

أما إن الأوان أن يعلم الجميع أن القذافي شخصياً هو المسؤول، أما آن للجميع أن يعرفوا بان لبنان العظيم الذي هزم الصهيونية، هذه الغدة السرطانية التي تمتص الدماء الذكية في العالم أجمع، قادر إذا صفت النوايا وبدأ بالعمل المنظم عن كشف المصير واعادة سماحته إلى وطنه.

قليلون هم من يقولون لا لأميركا. كما فعل فخامة الرئيس لحود، عندما قال لأولبرايت، ليس عندي وقت للحديث معك أريد أن أنام. هذا مجد لبنان صنعه كل الشرفاء، والدور الأكبر هو للإمام موسى الصدر. أبناؤه ينتظرون من جنابكم يا نائب رئيس الجمهورية الاسلامية في ايران، أن تتحركوا، أن تكشفوا، أن تهبوا لنصرة إمام كل خصال الخير فيه، وأنتم تعرفون كم تدينون له في ثورتكم المباركة. وإلا لن يبقى جدار الصمت إلى الابد. وسيأتي قوم إن لم تقوموا بواجبكم وتلقنون الباغي درساً في أدب الضيافة، الموت عندهم عز الشهادة أحلى من العسل.

كفانا خطابات وأحاديث، الإمام أسس افراداً صالحين، وعمل لتكون هناك إنسانية صالحة. وما هكذا يجازى. ثقوا بأن عودته إلى وطنه، هي نصف العمل من أجل الميثاق العالمي المؤمن، وأنه سيكون إمام التأسيس للدولة العالمية المؤمنة القائمة على الحوار المتكافئ للحضارات، "لنا حق إن أعطيناه، وإلا ركبنا أعجاز الإبل وإن طال المسرى".

النقطة التي أخلص اليها كنتيجة انه لو أن كل جميع شياطين الأرض يجتمعون تارة في سياتل وتارة في مالبورن وتارة في جنوى وفي غيرها ويتحاورون ويتقاسمون النفوذ ويحصلون على الرساميل، لماذا لا يجتمع ملائكة الارض؟ لماذا لا يجتمع رؤساء الاديان؟ لماذا لا يجتمع المؤمنون ويؤسسون لتفاهم ايماني عاقل؟ نحن نقترح عليكم بعودة كل الناس إلى الايمان، بالعودة إلى الينابيع الاصلية، بالعودة إلى الانبياء حتى نتمكن من تأسيس نظام عالمي قائم على حب الله، قائم على حب الانسان، قائم على حب القيم الالهية التي أتى بها الأنبياء والأولياء والصالحون لنخلص إلى الإمام موسى الصدر.

الإمام الصدر هو المظلوم الأكبر لانحراف المسلمين عن اسلامهم وانحراف الغرب والمسيحيين عن مسيحيتهم. لماذا هذا الصمت؟ الدكتور قرم يقول اننا حررنا الجنوب، حررنا الأرض، ما فينا نحرر الاقتصاد؟ لا، نحن نريد ان نقول غير هذا، حررت الأرض ضد هذا العدو الخطير على الانسانية جمعاء، وإمام المقاومين، المقاومون الذين ذابوا في حب الله، وقدموا دمهم لينتصر قول الله، هؤلاء لماذا تحصرونهم ولا تطلقون عنانهم كي يحرروا الإمام موسى الصدر؟

الإمام موسى الصدر لا تحرره لا لجان المتابعة ولا المؤتمرات ولا الخطابات ولا التمنيات، الإمام موسى الصدر هو ابن علي، وعلي الذي تسمعونه على المنار يقول، دعاء كميل: انا عبدك الحقير المسكين، يجب أن نسمع ما يقوله في مكان آخر، يقول: "والذي نفس ابن ابي طالب بين يديه، لألف ضربة بالسيف على رأسي أشرف عندي من ميتةٍ على الفراش". وأخيراً، أبناء علي الذين فعلاً بينوا أن حبهم للموت آنس اليهم من الطفل بثدي أمه، هؤلاء يجب أن يترك لهم الطريق لإعادة الإمام موسى الصدر وإلا كل هذه الاجتماعات اذا لم تنتج عملاً مؤثراً مبدعاً فكل عملنا غير كامل.

الحكومة قالت السنة الماضية سنحرك الملف، وأسسوا لجنة متابعة اجتمعت ثلاث مرات في السنة، وبالأمس قبل آخر السنة تقول سنعمل كل جهدنا لتحرير الإمام الصدر، ونقلنا عملنا من الشق الشيعي إلى الشق الوطني. يعني انها تحتاج إلى سنة لتقوم بهذه النقلة النوعية! يا اخوان، هذا التقصير المستنكر من الحكومة يجب أن يواجه بفعل، بعمل. أبناء الإمام موسى الصدر ينتظرون، لا تظنوا انهم كسالى، لا تظنوا انهم ضعاف. الإمام موسى الصدر هو إمام المجاهدين، هو القائد، هو الذي له الفضل بكثير من الانجازات، لكن الحكومة عليها أن تسهل عمل هؤلاء لأن السيف هو المفضل في النهاية والسلام عليكم.

مداخلة فضيلة الشيخ أحمد الزين(3)
النقطة الأولى: أريد أن أبسط مفهوم الحضارة كما أفهمه. هناك مفاهيم كثيرة للحضارة، الانسان حضاري بقدر ما يملك من انسانيته، بفكره وبانتاجه، بأحاسيسه وقلبه، بقيمه التي يؤمن بها، بفنه، بأدبه. بقدر ما يكون انسانياً يتجاوز العصبيات الحزبية والطائفية والعنصرية بكل أشكالها اللونية أو الجنسية، ويكون انسانياً بفكره وقلبه فيكون حضارياً في كل ما ينتج من فكر وسلوك وأدب وفن. هذه النقطة الأولى.

النقطة الثانية: إننا في هذا الظرف الذي عمّ فيه الارهاب ليس في افغانستان فقط، وانما التهديد يشمل الكل، أرى أن يتحرك الانسان الحضاري وخاصة رجال الفكر، في اوروبا بالذات وفي اميركا وعندنا، أن يتحرك الأدباء المفكرون المشتغلون في الفلسفة، ليدافعوا عن الإنسان عن الحضارة، لا أن يكون جهدهم مقتصراً ومتأثراً بالناحية السياسية، كما أشار سماحة السيد، أن يكونوا بصدق حضاريين بقدر ما يكونون انسانيين في دفاعهم عن الإنسان في افغانستان في فلسطين في لبنان في قلب اوروبا وفي قلب اميركا. إن ما يساعدهم ويؤيد حجتهم أن العالم اليوم يشكل مدينة واحدة بفضل الانترنيت والتلفزيون والتواصل بين الشعوب والأمم الذي جعل من العالم مدينة واحدة. وعلى هذا، على المفكرين ووزيرنا منهم، وعلى العاملين في مجال الثقافة والحضارة أن يشمروا عن سواعدهم بوجه ما يهدد الانسان والحضارة من خطر وخاصة في هذه الأيام في وجه اللاحضاريين من الحيتان ومن الجشعين ومن الأنانيين بين البشر. وهذا أمر طبيعي، نحن لسنا ملائكة ولكنني أدعو الانسان الحضاري ليقف أمام أصحاب العنصرية والجشع والأنانية خاصة في زمن أصبح العالم فيه مدينة واحدة.

النقطة الثالثة والأخيرة: باختصار هي أن الإمام الصدر كان راقياً وحضارياً تميزت أخلاقه وانسانيته بأنه كان في سلوكه حضارياً وفي فكره في خلقه في سلوكه. رأينا هذا وشاهدناه من خلال علاقتنا به، لقد تجاوز الدوائر الحزبية والطائفية والاقليمية في لبنان وخاصة الدوائر الطائفية التي كانت معشعشه فيه، تجاوزها وكان الانسان الحر الحضاري الانساني. شكراً والسلام عليكم.

الشاعر علي مرتضى
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا ابي القاسم محمد وعلىآله الطيبين الطاهرين.

نحن نستميح حوار الحضارات عذراً، ربما اقتطعنا قطعة من المناسبة وقد لا يكون الحديث عن الحضارات، لكن في كل مناسبة ترشون الملح على جرحنا، يعني أننا نتذكر الإمام ونقعد معه من جديد، فاسمحوا لنا أن نلقي هذه القصيدة:

خارج أسوار سجنك، ســجن آخر
نقضـي فيه عقوبتنا.
سجن دون أغلال، أو ســجان
هو ليس بسـجن، بل ســمه خذلان
أو تثاقلاً يجلدنــا عليه ســوط النســيان

فاعذرنـا يا سـيد، إن غلـت ايدينــا مشـاغلنا وتركناك وحدك
اعذرنا إن يبــس عرق نخوتنــا
فصرنا عبثـاً نحرّكـه فلا يتحـــرك

أعــذار، أعـــذار
هذا لسان حال الموتــى
هذا وصف للرامي بأفوقٍ، مقطوع الأوتار
ونخــي من دون أوار
فيا ليتنــا يوم حبسـوك، ما شــهدنا يومك أو ألفيتنـا أســارى مثلك.

ثلاثــة وعشــرون ونيـف، احفـظ يا ولــدي
تلك ليســت أحجيــة أو تعــداداً لسـِــنِيِّ عمرك
بل تاريـخ أم النكســات
إذ من حينهــا قلبنــا مات ... مات
فما سـمع ظليمتك وما أدرك
أن عمر الخيبـة، يا ولدي من عمرك
فانت وهي من جيل بطن الحمل نفسـه، فيا ســعدك
هي تكبــر، مثلما تكبر أنت
وثمة من يهمس في أسماعك
دعك من هذا الهــمّ وأنفـذ بجلدك

فواعجبي يا ســيـّد
كيف ينام واحدنا ملء جفونـه
وأنت على وسادة جمـــر تلقي خدّك
كيف يغلبنا سلطان النوم
فنهيم في وردي الأحلام
مثل خلي البال..... بعـدك
فمـن حاله مثل حالنـا يا مولاي
أنـى له أن ينام ! انى لـه أن يحلـم
أن يضحـك ... أو أن يتكلم

فكأنك لم تلبث فينا، إلاّ ســاعة
كأنا لم نغرف من نفس الحبر المــرّ
ولم نمش سويا فوق الجمر
فكأنما ما تواعدنا، لنعـذر أنفســنا
إن أنكرنــا بعدها وعـدك .

فمن أي طينــة نحــن
ان استُغضبنا لا نغضـب
كأنما صدرنــا من كوكب ونحن من كوكب

ألا يكفينا هذا الرقص حول النار، نرتجز فقط
وصاحبنا يســامر وحشته في الغيهب
ألا يخجلنا لو ســئلنا، ماذا فعلنا!
وزعيمنــا خلف القضبـــان
في النسيان يعاشــر حر الصيهب
ألم تقولوا إنا ما زلنا نحفظ عهـدك
انظرنـا كيف نأتيك حبواً على الثلــج
لننهـي فصـول غربتك ونكسـر قيدك.

فمدَدُك يا موسى مـدَدُك
صبر تودع به يومك
وصبر تستفتح به غــدك
إذ لا أهلوك أدركوك
ولا هارون قد شــدّ إزرك

كل عام نتحّـلق سيدي حول صورتك، مثل الأيامــى
لنحتسـب سِنِيّ عمرك وأنت وحيـداً
تقطع بالصبر ســـهدك
كل عام ســيدي وانت بخيـر

فكأن لنا عيدنا ولك عيدك
كأننا نبحث في منابــرك عنك
ويروق لنا أن تبقى مثل اللغــز
فنجدك ولا نجدك.

فيا قوم موسى
كفانا توصيفاً لذياك الارهابي (القذافي)
فهو ليس هجينــاً في دنيا الارهاب
ولإدانتـــه، لا نحتاج لحجــة ولا تنقصنــا الأسباب

يا قوم موسى كفوا عن إقامة دعـاء الغائـب وهبـوا لتحطيم الأبواب
فللحرية الحمراء باب واحد
لا تقولوا له رويدك

ودعونا من عرض العضــلات
وأينا يجمـع أكثر تحــت الرايـــات
دعكــم مما فرّطنــا في ســيدنا
وأعـدوا العُــدّة لـلآت

قولوا للسيف، إنا كرمى لقائـدنا
سنمشي فوق حدك
أو قولوا لموسى إنا في الجهر معـك وفي السّــر ضـدك.

مداخلة فضيلة الشيخ حسن عواد (4)
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم جميعاً ورحمة الله تعالى وبركاته، استفدنا كثيراً من كلمة سماحة السيد، كما استفدنا أيضاً من هذا التلخيص الذي قدمه سيادة المطران واستفدنا من المداخلات، لكني أريد أن أتوقف قليلاً عند كلام ورد على لسان سيادة المطران حداد.

أولاً: أتوقف باحترام عند هذا العمر المديد المكرس للمعرفة والصلاة وأُثمن عالياً غلبة ما هو ديني على ما هو دنيوي في حديثه، وحينما توقف عند كلمة "مملكتي ليست من هذا العالم" التي تُنمى للسيد المسيح (ع) أعطاها بعداً في عالمنا المعاصر وحياتنا المعاشة. وبناء على هذا الفهم الذي نحترم اعتبر المسيحية ديناً ولم يجوِّز أن تسمى حضارة، وبذلك تخرج من دائرة الحوار لأن الحوار عنوانه حوار الحضارات. نتفق معه في هذا الفهم أو لا نتفق هذا شيء آخر وهو الشيء الذي أربك جلستنا هذه، فتمثل الارباك الأول بكلمة الدكتور الشامي ثم بمداخلة سماحة الشيخ أحمد الزين ثم بالتعريف الذي أعطي للحضارة.

أصل المادة برمتها من كلمة حضر والحضر في مقابل السفر، في الأساس الكلمة جُعلت للمقيم الحاضر في مقابل المترحل المتنقل. تكاد تكون المقابلة بين الحضارة والبداوة في الأصل، ثم توسع الناس في إعطاء المعنى للكلمة، وقد عرف العلماء قديماً أن لا مساحة في الإصطلاح، الاصطلاح شيء يتواطأ عليه الناس ويتفقون عليه فيما بينهم، من هنا تبدو الحاجة ماسة للعودة إلى المنطق الأرسطي العظيم الذي قسم التعريفات إلى حدّين، الحد التام والحد الناقص، وفي الحد التام يجب أن يكون التعريف جامعاً لكل المصاديق والأفراد مانعاً من دخول الأغيار، وبذلك يكون كل كلام حول حوار الحضارات ما لم يُتفق على تعريف جامع مانع لكلمة الحضارة، يكون الكلام في هذا الموضوع كمثل القصيدة التي استمعنا إليها فإنها دخلت في حوار الحضارات، لأنه لم يحدد مفهوم للحضارة، وبذلك تكون هذه القصيدة من صلب الموضوع أيضاً. هذه إشكالية تواجه مؤتمرنا هذا وتواجه جلستنا.

نأسف أن السياسيين والذين هم في الأغلب، كما تفضل سيادة المطران حداد، أميون في عالم السياسة توقفوا طويلاً عند مسألة التعريف وطالبوا بالتعريف لمعنى الإرهاب ومفهوم الإرهاب وكلمة الإرهاب، ونحن في مؤتمرنا هذا، الذي هو سقف ما يمكن من قدسية في عالم المعرفة الكلمة السواء ﴿قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء﴾ [آل عمران،64]، لم نتوفر على تعريف جامع مانع يقينا هذه الاختراقات، ثم يقينا هذا الانفلاش في البحث بحيث أنه صار يتسع لكل شيء.

أعود إلى كلمة سيادة المطران الذي توقف بإعجاب وافتخار من أن هذا الاقتراح على الأمم المتحدة صدر من سماحة حجة الإسلام السيد محمـد خاتمي بوصفه من هذا الشـرق، إنـه يتعجب من شيء إذا خالف فيه الفرع الأصل، أما إذا توافق الفرع مع الأصل فلا عجب ان السيد خاتمي بن علي ومحمد ومن هذا الشرق.

وكان هذا الشرق مبعث كل الحضارات المتألقة والمضيئة وكان هذا الشرق أرض كل رسالات السماء وكان هذا الشرق أرض كل النبوات. وإن صدر ذلك من الغرب فإنه يقتضي التعجب. ولئن صدر ذلك من أي بقعة أخرى في هذه الدنيا غير الشرق لكان في ذلك العجب. سيدي المطران لن نتوقف عند الذي قال إن اليهودية هي المدرسة الإبتدائية والمسيحية هي المدرسة الثانوية والإسلام هو الجامعة. إن المنطق على مساحة الحياة ومساحة البشر فيه واقع أغرب من الخيال يصل إلى واقع فعلاً أغرب من الخيال. من هنا قديماً قال القائل "من معرفة فلان بالصحابة تَرَضَّى على عنتر". ظن بعض الناس أن عنتر من الصحابة فصار يقول رضي الله عنه. من المسلمين أناس يقولون كلاماً لا يجوز التوقف عنده من المسيحيين. ومن المسيحيين أناس يقولون كلاماً لا يجوز التوقف عنده من كل الشرائح من كل الانتماءات.

لكن يا سيدي ألفتت نظري إلى إشكالية تواجه الحوار، حوار الحضارات بأي مفهوم من المفاهيم اعتمدنا واستمسكنا وعلى أي إطار اتفقنا، ذلك أن الحضارات مهما عرفناها لا يمكن أبداً أن نبعد عنها الفهم الغيبي والعمق الإيماني، ذلك أن ماهية وحقيقة وجوهر كل الشعوب هو الإيمان، إن أي جلد لأي شعب مهما كان سميكاً وغليظاً، إذا خدشناه سنكتشف تحته الإيمان. من هنا وجد في التاريخ قوم بلا ثياب وقوم بلا أدوات وقوم بلا لغة ولكنه لم يوجد في التاريخ قوم بلا إيمان. فعمق جميع الحضارات هو الإيمان، ولما قال بوش كلمته إنها الصليبية مرة أخرى، هو كلام من غير مسؤول عن الصليب، هو كلام ممن لا يمثل الصليب، هو إعلان من موقع لا يجوز له أن يتطاول على هذه القدسية وهذه المقدسات ويتحدث باسمها. ولكنه في الوقت نفسه هو فلتة للعقل الباطن تبدت على اللسان وظهرت وإن كانت لا تمثل الإيمان المسيحي ولا تمثل المؤسسات المسيحية وهذا مما لا ريب فيه، ولكنها فلتة العقل الباطن على اللسان والتي هي يمكن أن نتلمسها عند كل الأمم مسلمين ومسيحيين ووثنيين وبوذيين.

إن الإشكالية الكبرى في الحوار، وقد افترضنا أن أية حضارة، مهما كان تعريفها، الإيمان إما عمقها أو هو في صلب عمقها، الإشكالية العظمى هي في أن الحوار من أركانه وشروطه الاعتراف بالآخر، وهذا مأزق يوجد عند الإنسان المسيحي ولا يوجد عند الإنسان المسلم لأن المسلم يعترف بالمسيح ولأن الإسلام يعترف بالمسيحية ويعترف باليهودية، لكن اليهودية والمسيحية لا تعترفان بالإسلام، هذه الإشكالية وقد عشناها في مؤتمر حضرناه في روما بتاريخ 5/5/2000 انعقد تحت عنوان الإسلام وأوروبا وحضره باحثون ومفكرون من رابطة الجامعات الإسلامية والجامعات الطليانية وبعض الجامعات الفاتيكانية، لم نجد حلاً لهذا المأزق سوى أن قصارى ما توصلنا إليه أن المسيحي يعترف بالآخر كإنسان وبوصفه موحداً لا بوصفه صاحب ديانة توحيدية، لهذا لا يوجد أبداً إشكالية لدى المسلمين في الاعتراف بالآخر والحوار معه.

وما هو في واجهة هذا المؤتمر تعالوا إلى كلمة سواء إنما هو نداء إلهي رباني إسلامي إلى الكلمة السواء، والإسلام مؤمن بأن كثيراً مما فيه هو في المسيحية وفي اليهودية، ولا يتنافى أبداً ذلك يا سيادة المطران مع الإيمان بأن الإسلام هو الصيغة النهائية والكلمة الإلهية الأخيرة، لا يتنافى أبداً لماذا؟ لأن المسيحية في نظر الإسلام هي إسلام ولأن اليهودية في نظر الإسلام هي إسلام، الإسلام معناه التسليم لله وبذل السلام في العالم وألاّ عدوان إلا على الظالمين. وبذلك تكون المسيحية بهذا المعنى هي دين إسلامي لأن عمقها التسليم لله ولأن رسالتها السلام، بذل السلام ونشر السلام في العالم، الإسلام مع المحبة السلام بمحبة كما أن الإسلام يأمر ببذل السلام مع الرحمة وللحديث والتفصيل في ذلك مجال آخر وشكراً لكم.

مداخلة الأستاذ فؤاد الزين (5)
بسم الله الرحمن الرحيم
بين تعريف الحضارة وبين طرح سماحة السيد أبطحي التعرف على الحضارة الأخرى نضيف أولوية وضرورة أن نتعرف على حضارتنا، الأولوية ضرورية خاصة أن هناك التباس في تعريف حضارتنا حتى على المستويات الرسمية. وهذا ما دعا إليه الإمام السيد موسى الصدر حيث أنه حدد هويتنا بأنها الحضارة الدينية الشرقية، وبتعبير آخر استعمل كلمة الحضارة المؤمنة التي ساهم في تأسيسها كل الأنبياء منذ بداية التاريخ حتى اليوم وساهم في إثرائها أبناء جميع الديانات. هذه أولوية نرى الالتباس فيها على صعيد شعبي ولكن أيضاً على صعيد ديني ورسمي، حيث أنه في وثيقة السينودس الأول لأجل لبنان استعملت كلمة حضارة بأكثر من خمسة تعابير حتى وردت حضارة شرق أوسطية، وعلى صعيد آخر التعابير الرسمية لعلماء ولسياسيين مسلمين نرى الالتباس أيضاً في تعبير الحضارة وحتى في فهم الحضارة.

دعا الإمام الصدر إلى العودة إلى هويتنا الحضارية بعد أن نتحرر من الاستعمار الفكري حتى يكون هناك حوار حضارات، لا تستطيع أن تحاور وأنت مستلب، وأنت فاقد لهويتك الحضارية، هذا بالدرجة الأولى. في الدرجة الثانية سؤال أطرحه على سيادة المطران وعلى الدكتور غسان معالي الوزير، من يحاور من؟! خاصة بعد أن وصف الواقع سيادة المطران وبعض المداخلين وخاصة أن المفكرين والمثقفين نستطيع أن نقول أنهم مهمشون عن موقع القرار. كيف يحاور من لا يؤمن أصلاً بهذه الهوية الحضارية أو بحضارته؟ إنما ينطلق من مفهوم السلطة ومن مفهوم سيادة السلطة والمال والصراع من أجل مصالح خاصة وهذا الذي يقول عنه الإمام السيد موسى الصدر "لا خلاف إلا في مصالح المستغلين". هذا يعني أن الصراعات التي نشهدها ليست صراع حضارات كما عبر أحدهم. إن الحرب العالمية الثانية كانت صراع مصالح والفاشية والنازية كانت نتاج حضارة غربية، الحضارة المادية الغربية. يطرح السؤال الآن في زمن العولمة وفي زمن محاولة الهيمنة الأميركية على العالم. لا يجوز أن نكتفي بمجرد المؤتمرات والطروحات الفكرية حتى نحاور الآخر وشكراً.

مداخلة الدكتور احمد لواساني (6)
بسم الله الرحمن الرحيم
كنت أتمنى على منظمي المؤتمر تحديد مفهوم كلمة الحضارة. إن المفهوم للكلمة متعدد، وهذا التعدد هو الذي جعل هناك عدة مفاهيم للتعريفات والنتائج. سماحة الشيخ حسن عوّاد تناول كثيراً من النقاط التي كنت أريد أن أقولها وأوضحها، وكان موفقاً كعادته.

كذلك أقدّر كثيراً هذا الانفتاح الواضح والمعهود عند سيادة المطران حدّاد، إلا أنني اريد أن أضيف كليمات تعقيباً على بعض ما ذكره، فقد قال سيادته ما فهمت منه أن الرئيس الدكتور خاتمي حين دعا إلى حوار الحضارات، قد خرج على (ما معناه) ان الإسلام الذي أعطى الكمال، لا مجال فيه لبحث معطيات أخرى عند آخرين غيره.

تعقيباً على هذا القول أقول: إن الإسلام الذي أقر قواعد إيمانية غيبية، وأحكاماً إنسانية فردية، ومُثُلاً اجتماعية عامة، لم يحجّر الفكر البشري والعقل الانساني، بل إن الرسول (ص) نفسه تبادل مع أهل الكتاب، بل ومع المشركين، مناقشة الأفكار والقواعد والتعاليم، فدعوة المباهلة والآيات الكريمة المنزلة وحياً مثل ﴿وجادلهم بالتي هي أحسن﴾ و﴿لا إكراه في الدين﴾ و﴿قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم﴾... وسواها كلها تدل على حرية الفكر، بل وطلب التباحث والتبادل الفكري.

وكذلك نقل سيادة المطران ما جاء في العهد الجديد من قول يسوع المسيح(ع): "ان مملكتي ليست على هذه الأرض"، فهل هذا يعني أنه جمّد التعامل مع مَن على هذه الأرض؟ طبعاً سيادة المطران نفسه لا يقبل هذا‍‍‍‍. أليس أن يسوع دعا فشفي بن " قائد مئة " روماني غير مسيحي؟ اليس أنه دعا لإبنة الكنعانية (السورية اليونانية) في صور فشفيت، وهي وثنية لا مسيحية؟ إذاً كون المملكة في العالم العلوي لا يمنع تبادل الخير والعمل الصالح والحب مع الفرقاء الآخرين، مع أصحاب الحضارات الأخرى على الأرض.

قلت أريد أن أقول أشياء كثيرة لكني أحترم إشارة معالي الوزير مدير الجلسة، وأراعي ضيق الوقت، فأكتفي مع دعائي إلى الله سبحانه وتعالى أن يعيد إلينا صاحب هذه الذكرى المحترم، الكبير الذي تسبّب بهذا الخير لهذا المجتمع، وشكراً.

تعقيب المطران غريغوار حداد
أظن أن حضرة الشيخ إما سمع نصف الكلام الذي قلته أو أنه سمع الكل وفهم النصف منه فقط، لأنني أنا لم أقل أن الحضارة هي ضد الايمان أو الايمان ضد الحضارة، أنا قلت أن الايمان في امكانية الحوار حول الايمان، في امكانية الحوار حول الحضارات، لكني قلت أن المسيحية لا تعرف أن الحضارة منبثقة من الانجيل، عندما نقول أن مملكتي ليست من هذا العالم، فهذا لا يعني أن المسيح عاش على الأرض كأنه في السماء ولم يعمل كل ما عمله، وليس مطلوب منا. بالعكس، الفرق كبير بين الاسلام وهو دين ودنيا وبين دين ودولة. المسيحية متجسدة في العالم وبقضايا العالم وبقضايا الانسان، والمسيح قال: "كنت جائعاً فأطعمتموني الخ". فاذاً المسيح متجسد في الكون والمطلوب من المسيحيين أن يتجسدوا في قضايا الكون وهذا يسمونه دين ودنيا.

الشيخ حسن عواد: أرجو من رئيس الجلسة أن يكون له موقف من هذا التوصيف.

المطران حداد: وهل هو البابا كي يحكم بيننا.

الشيخ عواد: لأننا قلنا كلاماً فقلت أكثر.

المطران حداد: لا، لا، كله مسجل

د. لواساني: ما لقيصر لقيصر وما لله لله.

المطران حداد: عال، ضروري.

د. لواساني: هذا تناقض.

المطران حداد: أي تناقض، لا يوجد تناقض.

الوزير غسان سلامة: أرجوك د. أحمد دعوا سيادة المطران ينهي كلمته.

المطران حداد: أظن أن الوقت ليس وقت هذا الحوار ...

الشيخ عواد: الكلام سمعناه كله وفهمناه كله ....

المطران حداد: حبيبي، لا ... الوقت الآن ليس مناسباً لنتحاور بهذه الطريقة.

الشيخ عواد: من الذي فتح الباب.

المطران حداد: من فتح الباب! أنا هذا رأيي وأنت فهمت رأيي بطريقة أخرى.

الوزير غسان سلامة: فضيلة الشيخ، لو تسمح له بإتمام كلمته.

المطران حداد: اذا اردتم أن نقيم حواراً حول هذا الموضوع بتعمق ويكون الوقت كافياً فنأخذ وقتاً كافياً، ولكن إذا الحوار سيكون هكذا بهذه الطريقة لن يخرج بنتيجة ونحن تعبنا من الحوارات التي ليست حوارات، هكذا يكون هجوماً على بعض الأفكار بدون أي حوار. أنا أرفض أن يكون هذا نهاية هذا اللقاء وبهذه الطريقة السلبية. أنا أطلب أن يكون هناك لقاء آخر يدعو اليه السيد صدر الدين الصدر.

موافق؟ حسناً، حول مواضيع محددة بدون أن نهاجم بعضنا البعض وشكراً.

____________________________

(1)  مدير معهد العلوم الاجتماعية، الفرع الخامس، الجامعة اللبنانية.

(2) دكتور محاضر في مادة علم الاقتصاد في الجامعة اللبنانية - كلية ادارة الاعمال – الفرع الأول.

(3) قاضي شرع صيدا سابقاً.

(4) رئيس المحاكم الشرعية الجعفرية في لبنان.

(5) جامعي، رئيس تحرير مجلة "العرفان".

(6) استاذ اللغة الفارسية وآدابها في الجامعة اللبنانية والجامعة اليسوعية.