التفوق الحضاري - تعقيب الوزير الدكتور غسان سلامة

الرئيسية إصدارات كلمة سواء مؤتمر "كلمة سواء" السادس: حوار الحضارات ... اجتمعنا من اجل الإنسان

اليوم الأول - الجلسة الأولى

التفوق الحضاري
تعقيب الوزير الدكتور غسان سلامة

أصبحت الساعة الرابعة والربع ولن أطيل عليكم، أود أولاً أن أشكركم جميعاً على المداخلات القيمة التي سمعناها، وليته كان معنا (الإمام الصدر)، لربما كان أعادنا جميعاً وبحزم أكبر من ذاك الذي مارسته، إلى عنوان هذه الجلسة، فمنع اختزال الحضارة إلى مجرد الدين. لأن عنوان هذه الجلسة لا ينحصر فقط في الحوار أو في التمايز بين الأديان وهو أمر لن أنزلق اليه لاعترافي بضعفي فيه ولكن موضوع الجلسة مهم لذاته.

في الواقع الجدل الذي حصل حول وجود حضارات في الآن معاً، الملاحظة القيمة للدكتور علي الشامي في الواقع أمر في غاية الأهمية لأنه يشير إلى صراع مزمن في الفلسفة الإسلامية والغربية. ليس بين الفلسفة الإسلامية والفلسفة الغربية ولكن في كلا الفلسفتين حول معنى كلمة حضارة، ذلك أن الجزء من الفلسفة العربية وجل الفلسفة الألمانية لا يعتقد بوجود حضارات، انما يعتقد بوجود حضارة واحده هي تتقدم أو تتراجع وتتغذى تدريجياً من مختلف الثقافات القائمة، لذلك ليس هناك من حضارات إنما هناك ما يسميه Habermas مثلاً الـ processus أي أن هناك نوعاً من التحضير المستمر يتآكل أو يتزايد حسب الزمن وليس هناك من حضارات.

جزء من الفلسفة يقول على العكس بوجود حضارات، حضارات متزامنه في ما بينها. والانتربولوجيا الاميركية أخذت هذه الفكرة (فكرة تعدد الحضارات في آن معاً) وجمدتها.

جمدتها إلى أن انتجت في السنوات الأخيرة فكرة صراع الحضارات الذي هو تجميد اضافي لفكرة تعدد الحضارات مع اضافة فرضية صراعها المحتم. هذا الانزلاق برأيي مفهومياً خاطئ، وسياسياً خطر للغاية. لقد تميز القرن العشرون في الأرجح بغلبة معيارين أساسيين للاصطفاف على الصعيد الداخلي وخصوصاً على الصعيد الدولي. المعيار الأول كان الاستراتيجيا بمعنى اصطدام أحلاف كبرى فيما بينها وفق حسابات استراتيجية، والمعيار الآخر كان المعيار الايديولوجي بمعنى الاصطفاف في صراع بين الاشتراكية والشيوعية من جهة والنظام الاقتصادي الحر من جهة أخرى، لكن كلا المعيارين توفيا قبل نهاية القرن العشرين. لقد سقطت الاستراتيجيا مع سقوط حلف فرصوفيا وسقط الصراع الايديولوجي إلى حدٍ كبير مع تهافت الايديولوجيات قبل نهاية القرن الماضي، لذلك شعر العالم بأن هناك نوعاً من الفراغ الذي يجب ملؤه، ودخل التفكير الثقافي بالكسر والخلع إلى الساحة العامة، ومن باب المطبخ وليس من الصالون. لذلك كوزير للثقافة أنا لست ممتناً لهذا الاهتمام المبالغ به بالعناصر الثقافية من قبل من هم غير مثقفين، بل أرى فيه عنواناً فُرض لأن هناك نوعاً من استغلال العنصر الثقافي لإحلاله مكان المعايير الايديولوجية والاستراتيجية التي كانت قائمة. من هنا الدعوة التي نسمعها أحياناً عند خصومنا إلى صراع محتم بين الحضارات، وهذا لا يفاجئني، ما يفاجئني في الواقع أن يقوم بعض أبناء جلدتنا بالدعوة لصراع الحضارات أيضاً.

هذا أمر يشير في الواقع إلى تبنٍ واعٍ أو غير واعٍ لمفاهيم الخصم وليس لمفاهيمنا نحن. وبالتالي فإني أعتقد أن الحوار، وأنا آسف لأني اتناقض هنا مع بعض المقولات التي قيلت في هذه الجلسة، أنا لا أعتقد أن الحوار هو بديل عن الصراع.

أنا اعتقد أن الحوار شكل من أشكال الصراع. لكن الصراع هو صراع مع الآخر بينما الحوار هو صراع مع الذات لجعلها تقبل بوجود الآخر، ثم لجعلها تقبل ثانية بشرعية اختلافه الديني واللغوي والحضاري والثقافي عنك. إن اختلافه شرعي، وثالثاً لتجعل الذات تقبل بأن الدخول في حوار هو الدخول في مغامرة غير محسوبة، وذلك أن من يدخل الحوار وهو يعتقد أن بإمكانه أن يؤثر في الآخر دون أن يتأثر به هو محاور مخادع مكاذب. إن الحوار مغامرة قد تنتهي بأنك تبنيت بعضاً من وجهة نظر الآخر وإلا ليس هذا حواراً. لذلك لا أرى في الحوار بديلاً عن الصراع، إنه شكل آخر من أشكال الصراع. انه صراع مع الذات لجعلها تقبل بالآخر وتقبل بشرعية الاختلاف عنك وتقبل بإمكانية التأثر بالآخر وأنت منساق للحوار معه.

لذلك ففي يقيني أن الدعوات التي نسمعها من أفقر بلدان الأرض إلى حرب دينية معولمة والأفكار التي نسمعها من أغنى مدن الأرض إلى صليبيات جديدة هي المنطق نفسه، منطق العنصرية في شكلها الحديث المتجدد، منطق القول بأني أكفر الآخر لأنه ليس على ديني ومذهبي، أو انني ذاهب لمحاربته لأنه لا يقبل بالنظم والقيم التي أحاول أن أفرضها على العالم.

إن القول بهرمية الحضارات بمعنى تفوق إحداها على الأخرى، وأنا اقول أنه لا تفوق لأي حضارة على الأخرى، أنا لا أقبل بمبدأ تفوق أي حضارة على حضاره أخرى. إن القول بهرمية الحضارات بجعل بعضها في القمة وبعضها الآخر في القاع كما يقول رئيس وزراء ايطاليا وبعض مفكرينا ودعاتنا أيضاً، أو القول بصراع محتم بين الحضارات كما يقول صاموييل هانتغتن وبعض مفكرينا أيضاً، أو القول بأن هناك سدوداً منيعة بين الحضارات لا يمكن أن نتجاوزها، كل هذا الكلام هو شكل جديد من التفرقة العنصرية. شكل جديد يريد أن يحول العالم إلى نظام من التفرقة ومن التمييز إلى "أبرتهايد" معولم، لذلك نرفض هذه الدعوات جميعاً، ونقول على العكس من ذلك أننا في لبنان وبالذات في لبنان لا خيار لنا إلا أن نرفض هذه المذاهب لأن قولاً كهذا القول لا يؤدي إلا إلى أمر واحد وهو مزيد من التمزيق في نسيجنا الاجتماعي والعودة إلى الحرب وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم وشكراً.