تعقيب فضيلة الشيخ حسن عواد
يبدو ان الاستاذ شلق قرر التحدي في هذه الجلسة ولهذا أثار نقاطاً متوترة جداً، وإذا أردنا الدخول في مناقشاتها فقد نحتاج إلى أيام أو إلى أسابيع، لست أعلم، اما لأنه اجتزأ مقالته وكان يقرأ بعضها ويترك البعض، لأن هذا البحث القيم طويل أو لأنه أكثر من اتباع مدرسة التعميم، ويخطئ الذين يعتقدون أن الشياطين تكمن في التفاصيل، فالشياطين تكمن في التفاصيل وفي التعاميم معاً وليس فقط في التفاصيل، اذ كل تعميم يستدعي في المناقشة أكثر مما يستدعي التفصيل. أو لأن ذهني عجز عن متابعته كما اتهمنا أمس المطران حداد. على أي حال مواضيع كثيرة قابلة للنقاش وللمداخلات وإن كنت في هذا المجال استمحيكم عذراً باقتراحين: الاقتراح الأول: أن يسجل للتاريخ من مؤتمرنا هذا أن البشرية بحاجة إلى أمم متحدة جديدة وإلى مجلس أمن جديد لكن لا من أجل المسألة السياسية، ولا من أجل المسألة الأمنية ولكن من أجل المسألة الحضارية والحوارية.
لقد سقطت الأمم المتحدة واسقطها الذين يفترض فيهم أن يكونوا داعمين لها وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الاميركية. وسقط مجلس الأمن الدولي أيضاً وصارت هذه المؤسسات أدوات بيد هذه الدولة التي تريد استعمار العالم لكن بصيغة جديدة وبطريقة جديدة.
أملنا أن ترتقي البشرية إلى فهم تؤمن فيه أنها بحاجة إلى مؤسسة عالمية كهذه المؤسسة لكنها لا تبحث في الشأن السياسي وفي الشأن الأمني وإنما تبحث فيما هو قبل ذلك، في صناعة الانسان. إنني أخالف الدكتور شلق بقوة باعتقاده بأن الغرب متفوق علينا لا سيما في المسألة الروحية والأخلاق. إن الغرب بحاجة الينا، نحن مدعوون لاستنقاذه مما قد انحط اليه من مستوى اخلاقي وروحي. على أي حال إذ نسجل هذا الاقتراح في هذا المؤتمر وعلى أن يتولى الحوار المختصون والممثلون الحقيقيون. أنا كنت حاضراً في مؤتمر القمة الروحي الذي عقد في بكركي إلى جانب سماحة الإمام رضوان الله عليه الشيخ محمد مهدي شمس الدين والذي انبثقت عنه الأمانة العامة للحوار الاسلامي المسيحي، ولكن أسجل عليها منذ البدء مع احترامي لكل الأسماء التي في الأمانة العامة ومودتي لها، أنا احترمها وأودها، ولكني اعتبر التمثيل الحقيقي للأديان بالصورة، الأدق والأشمل هي للمستنيرين من المتخصصين في ثقافة الأديان وليس في مجرد المنتسبين لها والدارسين لها دراسة غير مختصة وغير منهجية متكاملة.
مرة أخرى لن أطيل أكثر مما أطلت، وهنا اعترف بالاطالة، وأنا لا أبرأ نفسي.
المداخلة الأولى للحاج حسن حب الله، وأتمنى بقدر ما نستطيع المحافظة على الانضباط بأمرين اثنين، الأمر الأول الموضوع بالذات وأن يكون الكلام فقط حول المحاضرتين الكريمتين، محاضرة الأستاذ فرنجية ومحاضرة الأستاذ شلق وعلى أن لا تزيد المداخلة عن ثلاث دقائق تقريباً.
مداخلة الحاج حسن حب الله
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الخلق محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وعلى آله ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد، سوف أتناول في مداخلتي القصيرة هذه نقطة واحدة أعتقد أنها أساسية. في هذا الموضوع "الحوار الإسلامي المسيحي في إطار حوار الحضارات".
وبلحاظ التجربة اللبنانية التي قادها الإمام موسى الصدر في هذا المضمار فانني أرى أنه أرسى قاعدة أساسية هي الملتقى بين الديانتين السماويتين الإسلام والمسيحية. وأنا لا أخرج الديانة الموسوية اليهودية لان أصحابها هم الذين أخرجوها لأنهم بدلوا ما أنزل الله وهذا التبديل، حول الايمان بالله والايمان بالانسان إلى عنصرية يدعو إلى قتل الانسان وإلى التفريق بين الانسان وأخيه الانسان. فان الأساس الذي يقوم وينهض عليه الحوار عند الإمام الصدر هو الايمان بالله جل جلاله، الحقيقة المطلقة والهدف النهائي الذي يتكامل اليه الانسان ليجد إنسانيته وهو الذي يعطي الإنسان إنسانيته الحقة، لأن لا سبيل لبلوغ هذه الانسانيه بمعزل عن الذات الالهية المقدسة والسير نحوها.
كما أفهم فكر الإمام الصدر الذي فهم جيداً روح النص الديني واعتبر مبدأ "الانسانية" المقياس الذي به نحكم على أي مجتمع أو أمة بالحضارة والحضرية، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالايمان الحقيقي بالله جل جلاله الذي هو الالتزام الكامل بالتعاليم والأحكام التي جاء بها الأنبياء والرسل من لدنه، فلا حضارة إنسانيه بمعزل عن الدين، لأن الايمان بالانسان هو الايمان بالله سبحانه وتعالى، والايمان بالله هو الذي يجعل الانسان يعمل في سبيل أخيه الانسان. ويعتبر أن لا حضارة في الغرب لأن هناك مدنية، هذا الكلام قرأته للإمام في بداية السبعينات حيث يقول: ليس هناك حضارة في الشرق ولا في الغرب في العصر الحديث لأن الأول، أي الشرق، أنكر الدين والغرب تنكر للدين، الشرق انكر وجود الله في فلسفته، الغرب في حياته العملية تنكر للدين. يعني المسيحية لم تفرض حضارتها على الغرب في عصرنا الحديث وانما والغرب حاول أن يتمسح بالمسيحية من أجل مآرب سياسية رخيصة، وما اصطلح على تسميته بالحضارة الحديثة فليس هو إلا مدنية تعنى بالوضع الخارجي الذي يعيشه الانسان وتغفل عن حياة الانسان الجوهرية وبعبارة أخرى لم تستطع المدنية الحديثة رغم ما قدمت للإنسان من رفاه وازدهار ورخاء مادي أن تؤمن له السعادة الروحية والنفسية الدائمة أو أن تقدم حلاً لمشكلاته المعاصرة بل زادتها تعقيداً. ولا فرق بين الشرق والغرب حيث أن الأول قامت مدنيته على أساس إنكار الدين وها هو قد وصل في نهاية مطافه إلى ما تعلمون من التفكك والانهيار، والثاني قام على التنكر للدين وابعاد تأثيره عن حياة الانسان وها هو اليوم يزداد علواً وطغياناً ويمعن قتلاً وفتكاً بالانسان بعد استضعافه ويقود ترسانته العسكرية وآلته التدميريه للسيطرة على العالم واخضاعها لاشباع غريزته "الأنا" ونهب ثروات الشعوب المستضعفة تلبية لأطماعه الذاتية البعيدة عن حس الإنسان الفطري وانسانية المبدأ الذي يجتمع حوله بنو البشر.
لذلك كان يرى أن الخطر الحقيقي يكمن في اسرائيل والصهيونية التي عبر عنها بأنها شر مطلق لأن الصهيونية عنصرية والعنصرية لا يمكن أن تنتج حضارة، لذلك سعى وذهب إلى الكنائس والمساجد وجميع الأندية وحتى إلى الأماكن التي لا تمت إلى الدين بصلة، وذلك من أجل هذا الهدف، أن يحقق لبنان صيغة التعايش بجناحيه الاسلامي والمسيحي هذه الصيغة تقدم نموذجاً حضارياً للعالم لأن بامكان الانسان أن يعيش مع اخيه الانسان بغض النظر عن انتماءاته الدينية.
لقد تحرك الإمام الصدر في جهاده المتواصل في لبنان لتقديم نموذج حضاري للتعايش بين البشر أبناء الوطن الواحد مهما تعددت انتماءاتهم الدينية ما داموا يؤمنون بالله جل جلاله وبالانسان الذي هو موضوع رسالات السماء وحركة الأنبياء والرسل (ع) وذلك من أجل بلوغه السعادة في حياته ومماته معتمداً على الحديث الشريف "الخلق كلهم عيال الله أحبهم اليه أنفعهم لعياله".
كما أرسى الإمام الصدر مبادئ وقواعد الحوار بين الأديان والحضارات الانسانية الناجمة عنها مقدماً للعالم نموذجاً سليماً لتعايش الانسان مع أخيه الانسان في حال اختلاف الدين الذي ينتمي اليه، وكان حريصاً على تقديم هذا النموذج سليماً من كيد الطامعين والمتاجرين بالأديان لحساب ذاتهم وأنانيتهم، وكان يعتبر هذا النموذج صرخة كبيرة في وجه الصهيونية العنصرية وتحدٍ عظيم للصهاينة الذين حرفوا دين الله واتخذوه لهواً ولعباً وغطاءً لجرائمهم المتواصلة ضد الانسانيه.
أيّها الاخوة
إن النص الديني يركز على احترام الإنسان فلتكن هذه الكلمة اجتماعاً في وجه من يحقرون البشر لانتماءهم أولئك الصهاينة العنصريين والطغاة الطامعين وتجار الأديان ولصوص الهيكل أعداء الله والانسان والسلام عليكم.
مداخلة السيدة جانين جلخ (*)
بما يختص بقضية الايمان والدين فالصديق الذي كان يتكلم فكأنه صور من جهة أن الدين والايمان يقتصران على الشرق وأن الغرب يجسد الكفر، فيخيل للسامع أن المؤمنين موجودون في الشرق وأن الغرب كله كفار. أعتقد أنه حتى في الولايات المتحدة هناك أناس كثر مؤمنون مثلما هناك أيضاً في الشرق أناس غير مؤمنين، في الغرب والشرق (ولا يجوز التعميم) أنا أرى أن في كل العالم يوجد اناس معتدلون ومؤمنون. إذا كان يوجد هناك اليوم سياسات تستغل قضية الايمان لمآرب سياسية هذا لا يعني أن الغرب أصبح مجرداً من القيم والايمان واليوم في الشرق نحن اليوم نتمسك أكثر بإيماننا وقيمنا وهذا لا يعني أن الناحية الأخرى من العالم تخلت عن القيم والمبادئ.
ثانيا: فيما يختص بالعولمة نفس الملاحظة تصورها وكأنها من وراء هذا الحديث وكأنه هناك متوحشة تريد أن تتسلط على الناس وتحديداً على العالم الثالث وعلى العالم العربي وأننا نرى أن لها الكثير من السلبيات ولكن لها أيضاً ايجابيات. معالي الوزير شلق تكلم عن المؤامرة، ولكن كنت أتمنى أن نرى أيضاً الايجابيات أيضاً للعولمة ونحاول أيضاً أن نستفيد من ايجابيات العولمة ولا يجب أن نتحدث دائماً في هذه الأمور ونقف موقع المتخوف من هذه الامور، فلنجرب أن نستبق الأمور ونواجه بالقدرات التي نملكها، أي نستغل الأمور الايجابية ونكون على وعي تام أن العولمة هي أدوات تستعمل من قبل الدول الكبيرة لمآرب تجارية سلطوية او امبريالية، وأن نتخلى عن فكرة أن هناك مؤامرة ونحن دائماً نلعب دور الضحية، ويجب علينا نحن كشعوب عربية وشعوب العالم الثالث أن نتخلص من هذه العقدة الثانية.
فكرة المدنية هي ليست فكرة خطأ، هناك الكثير من الدول استطاعت التفريق بين الدين والدولة ونجحت في خبرة نظمها، هذا لا يعني أنه ليس عندها ايمان ولا يوجد عندها احترام للقيم الدينية، فالمدنية لا تتنافى مع الدينية، وشكراً.
تعقيب فضيلة الشيخ حسن عواد
عدنا إلى ما آلت اليه بعض جلسات الأمس بفعل الغموض في معنى الحضارة وعدم وجود تعريف جامع مانع لكلمة الحضارة، كثير من الإرباك الذي حصل أمس وحصل اليوم يعود لعدم وجود تعريف جامع مانع للحضارة. إذ إن بعض تعاريف الحضارة تشمل أن الوثنيين والبدائيين في افريقيا ومجاهل الأمازون وغير ذلك لهم حضارتهم. تتسع كلمة الحضارة لهذه المصاديق وعلى مصاديق أخرى، وفي مفاهيم أخرى لا تتسع كلمة الحضارة لخارج الدين الذي هو مشيئة الله وإرادة الله وتعاليم الله، فينبغي الاتفاق على مفهوم محدد لكلمة الحضارة حتى نخرج من هذه الإرباكات. أعتقد أنني أتفق مع الأخت العزيزة جنين جلخ وما قالته من أنه لكل مجتمع قيمه ولكل مجتمع إيمانه، وأن الموضوع موضوع تفاوت بالنسب هنا وهناك وهنالك، فالغرب له أيضاً حضارته وله إيمانه وله التزامه على تفاوت بين الشرق والغرب، وبين الغرب نفسه وبين الشرق نفسه. وبذات الميزات التي يتحدث فيها الناس عن خروج الغرب من المسيحية نحن نتحدث عن خروج الشرق من الإسلام أيضاً. لأن كل مجتمع لا يطبق التعاليم تطبيقاً كاملاً وشاملاً يعتبر خارجاً عن تلك التعاليم بنسبة أو بأخرى.
مداخلة الأستاذ محمد شريف
بسم الله الرحمن الرحيم، أريد أن أختصر كثيراً، هناك أصولية واحدة في هذا الكون هي الأصولية اليهودية أو الصهيونية لأن هؤلاء ارتضوا رباً لأنفسهم فقط، أما المسيحية والإسلام فبرأيي كما فهمته من سماحة الإمام المغيب السيد موسى الصدر كانا يمثلان حضارة واحدة، هذه الحضارة تعترف بأن الناس كلهم سواسية كأسنان المشط، وأن أكرمهم عند الله اتقاهم، وأيضاً أمرهم شورى بينهم، لسنا بحاجة لحوار إسلامي مسيحي بل لإعادة قراءة المسيحي لمسيحيته وإعادة قراءة المسلم لإسلامه. لو كنا في هذا البلد مسلمين حقيقيين أو كنا مسيحيين حقيقيين لكنا بألف خير. الأصولية التي تكلم عنها الأستاذ سمير فرنجية الأصولية الأمريكية بالحقيقة هي أخطر من ذلك، إنها أصولية الكاوبوي، هذه الأصولية التي لا تقتل الآخر لأنه يعتدي، بل تقتله لأنه موجود، كنا نشاهد أفلام الكاوبوي وكنا نرى أن أحدهم يدخل إلى المتجر يقتل آخر لمجرد أن الآخر موجود، أي يقتل الموجود الآخر، وليس لأنه منافس. أريد أن أقول هل الحضارة الغربية هي حضارة مسيحية؟ طبعاً لا، إنها حضارة الشركات العالمية اليهودية، هؤلاء اليهود الذين يمسكون رأس الأميركيون. فأميركا عضلات كبيرة وجسم قوي ولكن الرأس يهودي وشكراً، أعاد الله سماحة الإمام السيد موسى الصدر بخير.
تعقيب فضيلة الشيخ حسن عواد
مرة أخرى هذه المحاضرة تنقلنا إلى رحاب الإمام الصدر الذي كان يعتقد بالثقافة الإسلامية القائلة إن لكل إنسان نبيان، نبي من داخله وهو العقل ونبي من خارجه وهو الرسول، ولإيمانه بالعقل ودوره في الحياة والذي هو المبرر والمسوغ لكل ديانات السماء، إذ لا معنى للخطاب الإلهي لولا أن البشر لهم عقل، إن الخطاب الإلهي مبرر للبشر، وإرسال الرسل مبرر للبشر، لأن البشر لهم عقل، لأنه إذا لم يكن لهم عقل فلا معنى لخطاب الله لهم، لأنه يصير أمراً عبثياً، وتعالى الله عن العبث وعن العشوائية. ومن شدة إيمان الإمام موسى الصدر بالعقل ودوره حدثني ذات مرة في سنة 1977 وكنت بصحبته ونحن بالطائرة من بيروت إلى باريس وقال: أتمنى أن يتوقف المسلمون لعقد مؤتمر يبحث موضوع الاجتهاد فيما بينهم، سألته لماذا يا سماحة الإمام؟ قال: إن المسلمين بكل مذاهبهم لا يزالون أسرى لأمور ورثوها عن السلف لها طابع القدسية وأضفوا عليها طابع العصمة بحيث أنها صارت شخصيات معصومة، وأحاديثها كأنها أحاديث معصومة، وفتاواها كأنها فتاوى معصومة، وكل ما أثر عنها لا يقبل النقاش، وهم إذا ظلوا أسرى ذلك فلن يتفقوا، وإنهم إذا أعادوا قراءة كل شيء وجعلوا من العقل فاحصاً وكاشفاً يكشف عن كل تلك الموروثات فانهم يمكن أن يتخلصوا من الكثير مما ليس في محله وليس صحيحاً وليس مقدساً كما يعتقدون.
أمامي سؤال يقول: أتمنى الإجابة عن هذا السؤال بشجاعة عن التخلف التكنولوجي والتقني في الشرق هل الغرب مسؤول عنه؟ أم هو من أصل مجتمعاتنا وطرق عيشنا وطريقة تفاعلنا مع الأحداث؟
فالجواب ليس لي في الأصل إنما هو للمحاضرين الكريمين إذا أذن لي ربما كان الجواب هو في كل ذلك وغيره أيضاً. جلستنا هذه الغنية والمليئة بالتحديات الذهنية والفكرية والعلمية إلى هنا انتهت وشكراً للمحاضرين الجليلين ولإصغائكم وللمشاركين جميعاً والسلام عليكم ورحمة الله.
____________________
(*) إعلامية تكتب في الصحف اللبنانية.