الأصولية قاعدة الديانتين - معالي الدكتور محمد محمد الخطيب

الرئيسية إصدارات كلمة سواء مؤتمر "كلمة سواء" الأول: الإمام الصدر والحوار

* وزير أوقاف سابق في الجمهورية العربية السورية.

شكري إليك أن أقول مخاطباً الأخوة الأحبة، مطمئناً لهم لأنهم ظُلموا مرتين، وأنا واحد منهم، ظُلموا لغيبة النظام مع بعض رؤساء الجلسات، ومرة أخرى ظُلموا في أمر، لا أبوح به، لكنهم هم يدركونه وحدهم، والأمر الثاني هو أن أتوجه فاستميح الأخ الكريم الاستاذ المحترم جورج ناصيف لأبدأ بما بدأ به مكملاً ما أحجم عنه فأقول بسم الله الرحمن الرحيم، ان الحمد لله نحمده ونستعين به ونسترشده ونسأله التوفيق والسداد، ونصلي ونسلم على سيدنا محمد وعلى آله الأطهار وعلى أصحابه الأخيار وعلى جميع إخوته من أنبياء الله جميعاً صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

هي مداخلة – نسيت أن أطمئنكم بأنني لن أستغرق سوى بضع دقائق – أريد ان أرسخ قبل الإلمام ببعض الأفكار قاعدتين، الأولى منهما: أن المداخلة لا تعني بالضرورة الاستدراك على ما قيل، كما لا تعني بالتالي الإكمال والإتمام، وان كل هذا قد يحدث في بعض الأحيان. القاعدة الثانية: الحوار يوجد فعلاً عندما يكون كل طرف في الحوار واثقاً على أن شيئاً جديداً يمكن أن يتعلمه من الآخر، موقناً بذلك، هاتان القاعدتان أجعلهما سنداً لي لأتوجهما بما قاله الإمام علي (ع) بما معناه:
"لا تظنن بكلمة خرجت من أحد سوءاً وأنت تجد لها في الخير محتملاً".

أما الايمان ببعض الأفكار، لقد طرحت أفكاراً كثيرة تؤدي لا شك إلى الغاية المتوخاة من أجل الوحدة والتعايش فيما بين بني الإنسان، ولا أقول فيما بين بني الديانتين الإسلامية والمسيحية، وإنما بين أصحاب الرسالتين السماويتين المقدستين الإسلامية والمسيحية. أفكار متعددة طرحت، لا أستطيع الآن أن اعرض لها جميعاً، ولكن كفاني في عرض بعضها وهو الأهم، في موضوع الأصولية وإلى أي شيء تهدف، الأصولية فسّرها الكثيرون بأنها عنف أو شذوذ خارج عن القاعدة. الأصولية هي الأسس وهو الأصل الذي بلَّغ على أساسه عيسى عليه السلام كما بلَّغ رسالته محمد (ص). الشذوذ هو الذي يخالف الأصولية. والذي نراه من عنف أو تزمت وما إليه، هذا هو الشذوذ.

الأصولية، أراد أن يشوّه معناها أعداء الديانتين بل أعداء الإنسانية ليجعلوا الناس على قاعدة غير سوية في التربية، وفي العقيدة وفي السياسة وفي الاجتماع وفي الاقتصاد. عندما نترك الأصول تختل... كل هذه الأمور. وقد أوفى هذا الموضوع حقه فضيلة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، أمور كثيرة عرضت لخصت على أساس التخلق بأخلاق دعا إليها رسول الإسلام ورسول المسيحية. المؤاخاة بين الناس، المؤاخاة بين البشر، المؤاخاة بين المواطنين، هذه تعاليم أخلاقية نقرأها على صفحات الكتب وكما قال أحدهم إنما هي أصبحت سواداً في بياض، ولكن الذي يجعل هذه التعاليم مؤثرة وفاعلة في مجتمع إنساني كله هو القدوة الحسنة، ومن هنا في إقامة هذه الندوة نتحدث عن الإمام الصدر لأنه كان قدوة حسنة والقدوة الحسنة معناها أن يفعل الإنسان ما يقول، لا أن يقول ثم لا يفعل، فهذا مقت عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون. القدوة الحسنة هي التي توحد بدءاً من الأسرة في البيت، في المدرسة في المجتمع، في التعامل الديني. من الأفكار التي طرحت من اجل التوحيد والتعايش المشترك – سموها كما شئتم – أمور أخرى متعددة، من هذه الأمور قضية الحوار فيما بين الديانتين على أساس شقين، الشق المعنوي كما سماه بعض الأخوة المتحدثين، والشق المادي. أي أمر هذا يجعل الحوار في أمر رسالتين نشقها شقين متباينين أو متكاملين، إن صح التعبير دائماً في المسيحية والإسلام. والعقيدة بالله تبارك وتعالى إيماناً بأن الله الواحد الأحد كما وصف الله نفسه عندما سُئِل الرسولُ الأعظم (ص) من بعض مشركي قريش حينما قالوا: "صِفْ لنا ربُك" فقال تعالى يا محمد: ﴿قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤاً أحد﴾.

العقيدة هي التي تنتج السلوك، والشريعة تتميمٌ للعقيدة، جاء القرآن الكريم فقال: ﴿لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً﴾، يتحدث الاخوة المتحدثون وكلهم كما قال فضيلة العلامة الاستاذ هادي مسلمون، نعم، شهادة القرآن بأهل الكتاب شهادة فيها روح وريحان، ﴿وإنّ من أهل الكتاب لمن آمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً، أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب﴾. ثم يقول – وهذا محور هذه الندوة كما اعتقد من كلا الطرفين أن صح التعبير أو كما يسمونه من الآخر وإلى الآخر - ﴿يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون﴾.

هذا أمر يحتاج إلى مثابرة وصبر وإلى خلوص النية، هذه الفكرة في الاخلاق وفي السلوك وفي كل الطروحات إن لم يكن هناك إخلاص في النية لا تؤتي نتائجها.

هذه إلمامات ببعض الأفكار التي طرحت وما من شك ولا ريب في نجاح هذه الندوة التي أقامها مركز الإمام السيد موسى الصدر للأبحاث، هذا الإمام الذي أريد أن أتلو من أجله كلمات كتبتها على عجالة من أمري:
الواقع أنني أنتهز هذه الفرصة التي أتيحت لي لأتوجه بعميق الشكر والامتنان إلى ذلك الإنسان الفذ أينما كان، إلى الإمام الإنسان موسى الصدر الذي لولاه لما كان هذا التلاقي ولا هذا التواصل، ولئن غيَّبته يد الظلم والاستبداد والاستكبار، فهي ليست بقادرة، تلك اليد الآثمة أن تغيّب عميق إيمانه وإشراقة فكره وسعيه الدؤوب للوحدة والتوحيد، وما إقْدامُ تلك السيدة الجليلة الأديبة السيدة رباب الصدر حفظها الله على التصدي لهذه الدعوة لعقد المؤتمر إلا نفحة من نفحات السيد الإمام.

وأنت يا سيدتي، اسمحي لي أن أقول لك بأنك من الائمة إن صح التعبير لغوياً فقط، من اللواتي حملن الراية لخير المؤمنين جميعاً. فبوركتِ وبوركت دعوتك ضارعاً إلى الله العلي القدير أن يمدك بالعون والقدرة والسداد، وأن يجعل الله في آل بيت الصدر، أولاده، بنين وبنات – والولد لغوياً تطلق على البنت والذكر – وفي إخوانه وأخواته وأقربائه وأصحابه، وفيكم جميعاً لأنكم ما حضرتم إلا بدافع الإخلاص لوطنكم وعقيدتكم وأمتكم، أسأله تعالى أن يجعل فيكم الخير والتوفيق لخدمة رسالة الأنبياء التي يلتقي عليها جميع المؤمنين، وصدق الله العلي العظيم ﴿إن الدين عند الله الإسلام﴾. ﴿وما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً﴾.

وشكراً لكم والسلام عليكم.