الإمام الصدر في ذكراه

calendar icon 27 آب 2004 الكاتب:عفيف النابلسي

* رئيس هيئة علماء جبل عامل

أذكر انه حينما دخلت على الامام الصدر للمرة الاولى قاصدا علمه وفكره، وراغبا في التتلمذ على يديه، شعرت بمسامات النور تدخل كياني وتمنحني روح الايمان واليقين والبصيرة، فقد اكتشفت وأنا ماثل امامه أتي ارتبط بالاصالة والحقيقة، والفكرة التي يجتمع فيها الوعي والتجدد والابداع والاستقامة، فالإمام الذي كان محط انظار الناس، شكل عند مجيئه قاعدة للرؤية المستنيرة عبر التزامه قضايا وحقوق الفقراء والمعذبين الذين احرقتهم نيران الاقطاع والاهمال الرسمي وفساد الحاكمين.

فقد كان ممتلئا بالأمل، مشتعلا بالثورة كي يحقق اماني البسطاء والمنسيين ويكسر حاجز الصمت الذي يمنع صوتهم ان يصل الى بروج المترفين والزعماء.

وهكذا شق الطريق امام الفئة المهمشة لتهزم ظلام الجهل والبؤس والتخلف، ولتعيد تركيب الوطن على أسس العدالة والكرامة والمساواة.

والامام الذي انطلق يجوب جغرافيا الوطن لمواجهة الحرمان كانت تنتظره معركة اخرى ضد من يودون ان يجعلوا اللبنانيين قبائل تتناحر وتتقاتل لهدم صيغة العيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين التي اعتبرها رسالة لبنان، على اللبنانيين ان ينشروها في العالم أجمع، والامانة الحضارية والانسانية التي عليهم ان يؤدوها كي تستقيم علاقات البشر وتنتظم في اطار من التسامح والاخوة والاعتراف بالآخر وهويته وثقافته.

وليس ثمة شك في ان الظروف المرهقة التي مر بها الامام عكست روحه الفياضة بالقيم والمواقف النبيلة، فقد كان يسكن وجع الناس والوطن ويعرف اين يكمن الداء وكيف السبيل لمعالجة الامراض والمشاكل المزمنة وكان يملك كل الشجاعة ليقول الحق ويمضي به الى نهاياته.

ومن ذلك السيد المهاب استمد الناس قوة المقاومة، مقاومة الظلم والحرمان ومقاومة الاحتلال ورموزه، فكتب نص المقاومة وابدع، وعاش في خطوط النار مع المجاهدين الاوائل معلنا ان اسرائيل شر مطلق.

فقد كان هذا الشعار فكرته النهائية عن الكيان المصطنع، وكلمة الحق القوية في وجه عدو الله والانسانية، وكان يدرك باكرا ان هذا الكيان سيزرع الحروب والفتن في المنطقة بأسرها.

ولذلك حمل السلاح لمجابهة هذا العدو، وأثار الجماهير وحرضها عليه، مظهرا خطورته على لبنان المناقض الطبيعي لاسرائيل والذي يشكل بدياناته وطوائفه ومذاهبه وتسامح أبنائه البيئة الانسانية والحضارية الفريدة المؤمنة بقيم الحوار والتعايش، والرافضة لكل شكل من اشكال التمييز والعنصرية التي يقوم على اساسها الكيان الاسرائيلي.

ان الامام الصدر كان بحق امة في رجل، عالما مجددا في الفقه والشريعة، مصلحا اجتماعيا، وقائدا سياسيا التزم قضايا شعبه ووطنه وأمته فكان تغييبه المتعمد مظهرا من مظاهر المؤامرة على لبنان ووحدته واستقراره والغاء لأمل الناس بالسلام الذي عمل الامام جاهدا ليعم ربوع الوطن كله فتعود الحرية والكرامة، وتنتفي البغضاء والكراهية التي زرعها العابثون والأعداء ترجمة لهدف القضاء على لبنان في تجربته الحضارية الرائدة، وفي ميزة شعبه الذي يأبى الضيم والخنوع.

أذكرك استاذي العظيم وأتذكر كل ذلك التاريخ الحافل بالعطاء والتضحيات، وتلك التجربة الرائعة التي عشناها في ظلالك ننهل منك المعرفة ومحبة الناس والإيمان بهذا الوطن ومستقبله.

source