ثلاثون عاماً على اعتصام السيد موسى الصدر

calendar icon 01 تموز 2005 الكاتب:حسين شرف الدين

الاعتصام وسيلة اعتراض سلمي له أهداف محددة، يفترض ان تجري على إثرها مداولات بين المعتصم ومن يستهدفه الاعتصام مباشرة او من خلال وسيط، والغاية من المداولات الوصول الى توافق على امر بشأن موضوع الاعتصام الذي يفرض ان يكون اهم من الجهد الذي يُبذل من أجله، ويكون خالصا دون شائبة من هوى.

يرافق الاعتصام بالمكان احيانا، توقف عن الطعام، وهذا من الوسائل التي تتبع بكثرة في السجون، وقد يكون الاعتصام بالفتوى او الامر الحزبي، والصيغة الشائعة لهذا هو الالتزام، وأشهر اعتصام بالفتوى ما كان في السنوات الاخيرة من القرن التاسع عشر عندما أصدر الامام الشيرازي الكبير فتوى للايرانيين بتحريم التدخين احتجاجا على عقد اتفاق بين شاه ايران وشركة بريطانية بحصر التبغ والتنباك، وكانت مجحفة بحق ايران والايرانيين، فاعتصم الايرانيون بفتوى المرجعية دون خوف من انتقام الشاه، فأفلست الشركة وانتهى الاعتصام.

ربما يقتضي هنا توضيح، اذ قد يقول البعض ان الحالة التي ذكرنا هي مقاطعة وليست اعتصاما، ولذا اوضح ان كل مقاطعة معتمدة على قوة مادية او معنوية وفيها امكانية التصعيد هي اعتصام، اذ تعصمه القوة المعتمد عليها من اي ضير، حتى اننا نستعمل: اعتصم بالصمت، عندما يكون السكوت احتجاجا، او لعدم استجابة لأمر.

اعتصام غاندي:

أشهر اعتصام في عصرنا الحديث، كان اعتصام غاندي احتجاجا على الوجود البريطاني في الهند، وعلى المجازر التي توقعها القوات البريطانية في الشعب في البلاد.
وقد أتبع غاندي اعتصامه بدعوة شعبه لمقاطعة المنتجات البريطانية وعدم التعامل مع البريطانيين، وبهذا جعل غاندي اعتصامه متشعب الأبعاد، فهو لم يدعهم لمشاركته الجوع، فجوعه شخصيا هو المؤثر سياسيا محليا واقليميا ودوليا ثم دعاهم للاعتصام بقوة هذا التأثير اقتصاديا ما ادى الى نتائج هامة.

النتائج شعرا:

نلحظ أبعاد اعتصام غاندي ومدى التأثير في الخارج من شعر لقروي الجبل، رشيد سليم الخوري بقوله:

"لقد صام هندي فجوّع دولة".

ولكن الشاعر لا يترك المناسبة دون الالتفات للتخاذل القائم في شرقنا، وعدم قدرتنا على التأثير، مستفيدا من مناسبة القصيدة وهي في عيد الفطر، فيقول:

"فهل ضار علجاً صوم مليون مسلم".

ثم يتابع الشاعر مقارنا بين صوم غاندي المتعمد، وانعكاسه صوما ارغاميا للبريطانيين بما طال شركات متعددة من افلاس:

"تجشَّم عن أوطانه صوم عامدٍ فجشَّم أوطان العدى صوم مُرغم".

اعتصام الإمام الصدر:

في لبنان ايضا كان اعتصام للإمام السيد موسى الصدر، وقد اتخذ نفس الأبعاد التي ألمحت اليها المقدمة، وما في روحية اعتصام غاندي، وإن اختلفت بعض جوانب الشكل لاختلاف في الحالة.

الحرب في لبنان بين الاخوة قائمة، ولكن الامام الصدر لم يعتصم لإيقافها وهو يسعى سعيه لهذا بالاتصال مع الاطراف والقيادات ذات العلاقة.

أما ان تعيش البلاد بلا حكومة، وألا يكون من امكانية عمل شيء اذ يغلب على رؤوس السلطة الوقوع بين قوة الجذب الارضي وعامل الضغط الجوي، بعيدا عن مهام السلطة ومتوجباتها، فهذا امر هو الخطورة.

حكومة تصريف الاعمال لمدة خارج الفترة المتعارف عليها وقوع في المجهول، اذ تفقد الدولة كيانيتها، وليس عبثا ان تقيم المجموعات البشرية كيانا تتشكل فيه وحدة الجماعة بتطلعاتها وآمالها ولون حياتها، ومنذ التشكيلات البدائية وحتى الآن والى انتهاء الوجود البشري، والهم في الافكار والتجارب والخبرات ايجاد الافضل لنظم الجماعة، والتاريخ البشري الذي أغنى تجارب الأمم بتطوير الانظمة، هذا التاريخ يستأهل التضحية للحفاظ على ما أعطى ولتزويده بشحنات إغناء جديدة مهما كانت اشكال التضحية ومستوياتها، فالمهم ان الانسان المجتمعي يبقى على مجتمعيته الناهضة.

ومن الزاوية نفسها التي افهم منها ابعاد اعتصام الامام الصدر، أفهم العدول عن استمراره، فالاعتصام كان كما ذكرنا للحفاظ على الكيانية المجتمعية، وللغرض نفسه كان العدول عن الاستمرار، اذ في الاثناء التي كلف فيها الرئيس رشيد كرامي بتشكيل الوزارة كان الصدام في البقاع بين أناس من الهرمل وآخرين من دير الاحمر، وهذا الصدام ومن صرع فيه أخطر من التقاتل الذي كان قائما في لبنان، لما فيه من تداخل طوائفي عشائري، والدم مجلبة للدم، وان كان من المعول على الحكومة المنتظرة ان تنهي التقاتل القائم، ولكن الثارات لا توقفها حكومة ولا نظام، فنظامها لا يزال يعتمد التشكيل البدائي للمجتمعات.

لذا، ولتثبيت المطالب، التي كانت واقعا للاعتصام في مسجد الصفا، كانت متابعة للاعتصام بشكل آخر، انه في وقوفه مع رجل دين مسيحي يحجزان بين المتقاتلين بجسديهما وقامتيهما استعدادا لتقبل الرصاص بجسديهما، بوقوفهما هذا إنما يعتصمان، هذا بمسيحيته الحسينية وذاك بحسينيته المسيحية.

source