باخوس يغرف من الذاكرة حول الإمام الصدر: امتداد لروح المسيح والمسيحيون خسروه قبل الشيعة

calendar icon 29 آب 2008 الكاتب:اوغست باخوس

عشية ذكرى تغييب الامام موسى الصدر ورفيقيه، يغرف النائب السابق اوغست باخوس الذي حضر امس غداء اقامه الرئيس حسين الحسيني جامعا في دارته في عين التينة نواب الطائف، من ذاكرته حيث تكثر الصور.

تجنيس المطران والصدر
"عندما كنت في الستينيات رئيسا لبلدية الجديدة-البوشرية السد، ومحاميا مستشارا لبلدية برج حمود، اتصل بي مطران الاشوريين الياس ديباز الذي عينه المجمع الاشوري مطرانا، وحدد مركزه في سد البوشرية حيث يكثر الاشوريون. وطلب الي ان اتدبر امره لنحدد سوية مركز اقامته الذي يليق به رئيسا لطائفة من الطوائف الـ17 حينها.
بمرور ايام قليلة، اتصل بي مستنجدا. فقوى الدرك حضرت تحمل مذكرة توقيف عن السلطات السورية لانه تخلف عن الخدمة العسكرية وذلك بواسطة مفوض الحكومة العسكرية. وصدر بحقه حكم بالحبس شهرا. فحضرت اليه فورا، قوى الدرك، وقلت لهم انكم تقدمون على امر خطير. فهذا الرجل اصبح مطرانا، والقانون اللبناني يفرض حمايته. ثم توجهت الى مفوض الحكومة وعرضت عليه الامر. فطلب استرداد مذكرة التوقيف واعادتها الى السلطات السورية مع شرح بان "السيد" ديباز اصبح مطرانا تعترف به السلطات اللبنانية بهذه الصفة. فاعاد الامر الى السلطات السورية. وقال لي بان انتظر فترة لاتدبر امر المطران. فتوجهت في اليوم التالي فورا لمقابلة الرئيس شارل حلو، وكان مركزه الموقت في سن الفيل. اذ لم يكن العمل في انشاء قصر بعبدا انتهى بعد. فاهتم الرئيس حلو بالامر، ووعدني انه سيتصل برئيس الحكومة فورا وكان حينها الرئيس عبد الله اليافي. وطلب مني مهلة اسبوعين او 3 اسابيع ليتدبر امر تجنيس مسلم على سبيل التوازن. فذلك كان القاعدة العرفية المتبعة على قاعدة 6 و6 مكرر.
بعد مرور اسبوعين، اتصلوا بي من القصر الجمهوري لاحضر. وفهمت ان مرسوما واحدا مشتركا صدر بمنح كل من المطران ديباز والسيد موسى الصدر الذي لم يكن إماما بعد الجنسية.
في تلك الفترة، اضطررت ان اتردد مرات عدة على مركز رئاسة الجمهورية. هناك التقيت فجأة السيد موسى الصدر. وباغتني بان ضمني الى صدره، واردف قائلا: "اعرف عنك اكثر مما تعرف عن نفسك. فجماعتنا الشيعة في سد البوشرية وبرج حمود ابلغوا الي بانك تحتضنهم احتضان الوالد لاولاده، ولا تفرق بين واحد منهم واي ماروني آخر". ويعرف ان عددهم لا يستهان به لانه ذكر شهرة العائلات. قال لي: "آل زعيتر في السد، وآل الدلباني، والحاج حسن، وحمود، وحيدر وغيرهم. يجب ان نتعاون سوية في سبيل الخدمة المشتركة للتقريب بين الطوائف، وخلق مجال العيش المشترك بينهم".
وبعدها بايام، صادف ان كنيسة مار مارون في البوشرية تعرضت للسرقة، والنهب والحرق. ودونت على اللوح الاسود في المدرسة التابعة للكنيسة عبارة: "لا اله الا الله". فخلقت هذه الحال موجة من الاشمئزاز والمظاهرات. فاتصل بي بعدها السيد موسى الصدر، وطلب الي ملاقاته في مكان في سد البوشرية كان يعده لجعله مسجدا. وامام جمع غفير من اخواننا الشيعة وجه النداء الآتي: "نريد افساح المجال في التبرع. وكل فلس نقسمه بين مركز المسجد وكنيسة مار مارون". فخلقت الموجة التي كونها السيد موسى الصدر في حينه حالا من الارتياح النفسي، وبلسمت جروح اخواننا الموارنة من رعية مار مارون. وقد تبين في الحقيقة ان من افتعل هذا الفعل الاجرامي هو ماروني تابع لرعية مار مارون. وبصفتي وكيلا عن ابرشية انطلياس المارونية حينها، طلب مني المطران ان اعفي عنه لانه "مختل الشعور".

"صنين والأرز توأمان"
"بعدها، على ما اذكر، دعانا احد اصدقاء السيد موسى الصدر الى الغداء في صنين، وهو المحامي المرحوم انطوان ابو ناضر الذي كان متحمسا له كثيرا. اراد ان يكرمه في صنين. وطلب الي ان اصطحب السيد الصدر معي لان طرق بسكتنا وصنين متعرجة، وانا خبير بها. وفعلا، توجهت الى السيد موسى الصدر، وكان على ما اذكر في الحازمية حيث مركز المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى. واصطحبته معي الى صنين حيث كان مطعم رئيس مجلس ادارة الضمان الاجتماعي الدكتور موريس ابو ناضر المعروف بـ"ابو فؤاد". ومن على الشرفة المطلة على جبل صنين حيث كانت الاشجار المثمرة تتدلى منها ثمار الخوخ والكرز، صرح امامنا السيد الصدر: "سبحان الخالق العاطي. ان الله كرمنا بعطاءاته في جمال الطبيعة وعطاءاتها. لا يجوز للانسان ان يفرط بهذه العطاءات. على الدولة ان تهتم وتجعل صنين مركزا سياحيا عالميا. ان صنين والارز توأمان، وهما رمزان للبنان".

ضمانة العيش المشترك
"بعد ذلك استقر في مركزه في الحازمية، وكنا نتردد عليه اسبوعيا من الطوائف كلها. وكان من المتحمسين له خصوصا الدكتور الصيدلي سولاك توتوليان الذي اصبح بعدها رئيسا لبلدية برج حمود، وهو الذي مد الجسر بين الارمن ومركز السيد الصدر. هناك، اذكر انه كان من المقربين له الذين نلتقيه السيد حسين الحسيني وهو المقرب الاول، وبعده كنا نلتقي (رئيس مجلس النواب) الاستاذ نبيه بري. وفي غالبية الاحيان الاستاذ (النائب السابق) رفيق شاهين واركان الشيعة. كانوا كلهم يعتبرون السيد الصدر الذي اصبح بعدها اماما ضمانا للعيش المشترك في لبنان".
"عندما ترشحت للنيابة عن المتن الشمالي عام 1972، تجمع حولي وآزرني كل ابناء الشيعة في المتن. واطلق علي السيد موسى الصدر لقب "مرشح الشيعة في المتن الشمالي" لانني حصدت بعدها كل اصوات الشيعة، واقلام الاقتراع تدل على ذلك. وحالفني الفوز، واصحبت نائبا مستقلا".

"الصليب لكم ولنا"
"انتخبت رئيسا لـ"تجمع النواب الجدد"، ثم انتسبت الى الكتلة المستقلة التي كانت تضم ممن تضم السيدين عادل عسيران وزكي مزبودي.
دعوت مرة السيد الصدر الى العشاء في منزلي، وقد حضر قسم كبير من نواب الكتلة المستقلة. اذكر ان زوجتي ناديا كانت وضعت رسم الصليب فوق مدخل الباب الرئيسي. ناداني السيد موسى الصدر وامسك بيدي وطلب الى المصورين ان يصورونا سوية تحت رسم الصليب. اردف: "الصليب لكم ولنا". ثم اكمل شرحه امام الزملاء النواب عن مدى التقارب بين الديانتين المسيحية والاسلامية. وصار يروي آيات قرآنية عن مريم وعيسى للتدليل على ذلك.
بعدها بفترة وجيزة، علمت ان السيد الصدر سيلقي محاضرة في مركز الآباء الكبوشيين جنب قصر العدل في مقره القديم. فرافقته الى هناك، وكان حاضرا، على ما اذكر السيد (النائب) غسان تويني وغيره. وبعد انتهاء المحاضرة التي كانت عن تقارب الديانتين ايضا، امسك بيدي احد الرهبان الكبوشيين ونحن نهم بالخروج من المكان وقال: "هذا الانسان امتداد لروح المسيح".
ماذا يقول باخوس ايضا عن الصدر؟
"في جلسات عدة بيننا، كنت اشعر انه مترفع، ويمارس شيئا من العلمانية، اي انه لا يفرق بين انسان وآخر. ان في صدره روحا من المحبة، والتآخي، والتعالي والوطنية الصادقة. بدليل ما ورد على لسان الاب الكبوشي الجليل".
وختم: "اعتبر ان المسيحيين خسروا موسى الصدر قبل الشيعة".

source