الذكرى الـ26 لغياب الامام موسى الصدر.. رجل أضاء شمعة ولم يغب

calendar icon 29 آب 2004 الكاتب:ياسر الحريري

الامام الصدر آمن بأن لبنان مختبر انساني للعيش الاسلامي - المسيحي ورسالة حضارية للعالم

وقف بوجه الظلم ودافع عن المحرومين في كل الطوائف وآمن بأن سوريا هي بوابة الحل


في الذكرى السادسة والعشرين لإختفاء الامام السيد موسى الصدر يستعيد الوطنيون والتوحيديون ذكرى هذا الرجل الكبير في افكاره ورحابة صدره وتواضعه وايمانه وحكمته الوطنية والقومية، بل العالمية نظرا لسعة اطلاعه ومتابعته وثقافته الواسعة وأفقه النير.

لماذا هذا الاهتمام بالامام موسى الصدر؟ ولماذا الدعوة يجب ان تتواصل لمعرفة مصيره وكشفه والمصارحة بهذا المصير به هذا الوقت الطويل؟ الإجابة بسيطة جدا وهناك رجالات اذا غابوا يتركون فراغا معنويا وماديا لا يمكن ان يُعوّض عنه، ذلك انهم تركوا بصمات في التاريخ الوطني، فالسيد الصدر عندما رجع الى وطنه لبنان رجع بعد ان قال لوالدته ليلة السفر (اني ذاهب الى الفقراء واني مسافر في سبيل الله فأجرك على الله) فهو عندما يحدث والدته الشريفة بهذا المستوى فهو يعلم انها كريمة مرجع ديني وزوجة مرجع ديني وأم لعلماء مجتهدين، تعلم معنى العمل في سبيل الله والاوطان والانسان والمؤمنين.

بدأ حركته الشعبية استاذاً وعالما بين التلامذة والناس، يصول ويجول ويتنقل بين البقاع والجنوب وبيروت ويتحدث عن حزام البؤس وعن المحرومين في لبنان، ولا يعني بهؤلاء ابناء طائفته الاسلامية الشيعية بل ينادي بحرمان اهالي دير الاحمر وعكار وسبنيه والكرنتينا والنبعة، ووجد ان العمل المؤسساتي هو الطريق الاسلم في بلد لا يفهم الا لغة الطوائف. علما ان موقفه من التعدد الطوائفي كان موقفا ايجابيا وقد قال (الطوائف نعمه والطائفية نقمة) واكد ان لبنان وطن رسالة وقال ان (لبنان مختبر انساني) من خلال التعدد الطائفي وهو نقيض الكيان الصهيوني وقد لمس الامام السيد موسى الصدر العلة الرئيسية وهي اسرائيل، فهي النقيض الطبيعي للبنان، اذ قال لبنان بلد تتعايش فيه الرسالات السماوية وتحديدا الرسالتين العالميتين الاسلام والمسيحية فيما اسرائيل كيان عنصري لا يقبل ان يعيش الى الصهيونية والعنصرية لذلك، هدف اسرائيل ضرب التعايش السلمي - الحضاري الاسلامي - المسيحي في لبنان. لتجد مبررا لقيام دولتها العنصرية ولتحقق بالتمام والكمال هجرة الفلسطينيين، اذ عندما يتحارب المسلمون والمسيحيون في لبنان تقوم اسرائيل بدورها لتقول انه لا يمكن ان تتعايش الأديان وتبرر خصوصيتها اليهودية والصهيونية فتهجر المسلمين والمسيحيين لذلك حض وباستمرار على ضرب اليد العميلة او اليد الاسرائيلية ولم ير الحرب اللبنانية الا فتنة اسرائيلية تخطيطا وادارة وتمويلا وكان اللبنانيون وقودا لها وقد حذر بذات الوقت الفصائل الفلسطينية من ان تتدخل في الحرب الاهلية وان تبقى بعيدة عن اتونها وعندما لمس تدخلها وقف بوجه هذا التدخل كما وقف ضد الممارسات الفلسطينية بحق جماهيرهم في لبنان.

في المقابل، دعم السيد الصدر الثورة الفلسطينية واكد انه مع الفدائيين من اجل تحرير الارض وقال «سأحمي الثورة الفلسطينية بهامتي». وقال في خطاب الاونيسكو لياسر عرفات اعلن «يا ابو عمار ان القدس تأبى ان يحررها الا المؤمنين الشرفاء» وذلك بعد ان كانت ممارسات الفصائل الفلسطينية تمارس الفوضى في الساحة الداخلية حيث اماكن تواجدها.

الحرب الفتنة

وقد قرأ الامام الصدر منذ اللحظة الاولى بداية الحرب الفتنة انه لا بد من التلاقي ولا يجوز عزل اللبنانيين لبعضهم البعض ومقاطعتهم لبعضهم البعض، لذلك وقف ضد عزل حزب الكتائب رغم تطرفه ضد القوى اليسارية وضد فصائل الثورة الفلسطينية، لانه اي السيد الصدر يؤمن بالحوار والنقاش وحرية ابداء الرأي، وبذات الوقت قرأ الامام الصدر ان البوابة الوحيدة لوقف الحرب الفتنة ولمنع التقسيم والتوطين، بعد ان ثبت لديه ان جهات لبنانية مختلفة تعمل على حصولها. لا بد من التدخل السوري لوقف الحرب وقطع اليد الاسرائيلية العاملة على إشعال اوارها فناشد منذ اليوم الاول الرئيس الراحل حافظ الاسد طالباً منه التدخل وقال: (ايها الأمل الباقي مدّ يدك البيضاء وانقذ لبنان) فوقفت القوى اليسارية ضد السيد الصدر ومعها الفصائل الفلسطينية وبدأت تطلق الاتهامات وتحاصر رجاله وحركته حركة المحرومين - امل - وتضيّق عليه، ودخلت سوريا وسرعان ما تبين لجميع الافرقاء ان وجهة نظر وموقف السيد الصدر على صواب، فهو كان ضدّ الحسم العسكري، لانه مشروع توطين وربّما تقسيم ولا يخدم العرب، بل يشكل ازمة لان افراغ لبنان من مسيحييه يعني كارثة حضارية للسيد موسى الصدر، وهذا ما عبّر عنه، ولا يخدم هذا الافراغ الا المشروع الصهيوني المتحرك في المنطقة، وثبت لدى الصدر ان المشكلة في لبنان هي في بنية النظام الطائفي وفي الطائفية التي تلغي المواطنية ولا تقيم دولة العدالة الاجتماعية فتحرك في هذا الاتجاه للحث على القيام بتصحيح النظام الطائفي المذهبي على المستوى السياسي، ذلك ان رؤيته تقول (ان التعايش الاسلامي - المسيحي ثروة يجب المحافظة عليها) لذلك ذهب الى دير الاحمر وحرّم القتل على الهوية وقال (والله لو قتلوا ابني ما كنت لانتقم من بريء).

الشيعة والامام الصدر

اصطدم الامام السيد موسى الصدر بعد سنوات من حركته الجماهيرية التي اتسعت دائرتها في الساحة الشيعية بالزعامات الشيعية الى جانب الصدام السياسي والفكري مع الاحزاب اليسارية، فهو اسس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى إسوة بمؤسسات باقي الطوائف وانشأ افواج المقاومة اللبنانية - «أمل»، في وجه العدو الصهيوني، وعمد الى الالتقاء بنخب الطائفة الشيعية ومثقفيها وبالمؤمنين والبسطاء والفقراء والعمال زارهم وتحرك بينهم ومعهم فأراد جمع شتاتهم من التشتت السياسي، والحزبي، وبذات الوقت تحرك لحفظ العقائد والدين من الافكار العاصفة في الساحة من قومية وأممية ويسارية او يمينية وجرى التصادم مع العائلات السياسية. لكنه لم يكن الا الخصم الشريف الذكي المحنك الذي لا يظلم.

وبذات اللحظة تحرك وقال لمن يسير حوله اذا كنتم معي لأجل نيابة او وزارة، او وظيفة فانا لا أعمل نواباً ولا وزراء، بل نريد مجتمعا مثقفا متعلما فيها كوادر علمية قادرة على قيادة الطائفية الى شاطئ الامان وصونها من الانحرافات الفكرية. لذلك شدد السيدموسى الصدر على فكرة انشاء وتحضير كوادر ومثقفين والحث على التعلم وكسب المعارف وقال: (نحن لسنا قبائل بل شموعا وكوادر ورواد) فحارب العائلية اذا ارادت ان تحكم بظلم لكنه لم يذل العائلات بل طبق القاعدة (اكرموا عزيز قوم ذل) كما صفح عن اقرب المسيئين اليه او عن الذين صدرت بيانات ضده لمصالح شخصية او انتخاية. اذ كان هدفه الجميع الذي لا بد ان يستتبع الصفح.

اعداؤه رجال الدين

الثقة الشعبية العالية التي حاز عليها الامام السيد موسى الصدر من ابناء طائفته جلبت له اضافة الى الخصومات السياسية خصومات رجال الدين ومنهم الكبار والمشهورين في الطائفة الاسلامية الشيعية، وللحقيقة اذا حاربه السياسيون (قنطارا) وقف ضده وحاربه رجال الدين (قناطير مقنطرة) فعقدوا الاجتماعات ضده ان لرئاسة المجلس الشيعي او جاهروا بعصبيتهم وان التقوا به، وابتسموا له. وحاروا ليبعدوه عن سدة قيادة الشيعة في لبنان، لكنه انشأ مؤسسات تربوية وصحية واشترى باسم الطائفة الشيعية اراض ولم يمتلك بيتا باسمه حتى اختطافه في ليبيا بل ظل يسكن عند اصدقائه. ولم يترك رجال الدين والكبار منهم مناسبة الا حاولوا الطعن فيه. لكن سرعان ما انهزموا امامه لانهم كانوا يتكلّمون وهو يعمل، فظهر العمل الصالح الذي ينفع الناس وذهب الزبد.

اما أهل السياسة فلم يجد منهم الا المراوغة والمصالح، الا النذر القليل الذي مشى معه الا ان اي السيد الصدر اعتمد على الشباب المثقف المؤمن العامل في سبيل اهله ووطنه، وسعى دائما في سبيل الحقوق، اخاف اهل السياسة بمهرجان الهرمل وصور وهدد بمهرجان بيروت (وقال اذا لم يعطونا حقوقنا سنحتل تلك القصور العامرة) لذلك حمل الصدر هم الأمة كما حمل همّ لبنان وسافر متنقلا بين الملوك والرؤساء والفاتيكان لشرح القضية الفلسطينية والازمة اللبنانية، مطالبا بعقد القمم العربية والمؤتمرات للوقوف الى جانب لبنان. فكان يلقى التجاوب في الشكل لكنه كان يعلم ان الكل او الاكثرية متآمرة، من خلال الاجتياح الاسرائيلي، او من خلال الاعمال العدوانية الاسرائيلية في الجنوب.

الامام موسى الصدر لم يلق الاهتمام اللازم بقضيته لبنانياً لا على المستوى الرسمي ولا اي مستويات اخرى، وها هي الاعوام تمر دون ان يتمكن أحد من الضغط على الزعيم الليبي معمر القذافي الذي اعترف نجله سيف الاسلام اخيرا بأن الصدر لم يغادر ليبيا. وبقيت قضيته ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين في غياهب المجهول لعل وعسى تجد من يكشف النقاب عنها يوما ما.

عاش الصدر من اجل وطنه وامته واختُطف من اجل وطنه وأمته... ولم يجد في الوطن والأمة من يرفع الصوت ليقول.. اين مصير الامام؟

source