في ذكرى غيابه الرابع والعشرين كان لبنان كله ساحة جهاده، حمل حلم المستضعفين من كل طائفة ومن كل لون ليصنع من انسجة الحلم لباساً من الثورة البيضاء انطلق سماحته رافضاً شعارات الطائفية والأفكار الجاهلية والاحاديث الخرافية التي تطفلت على سنة الرسول (ص) و

calendar icon 31 آب 2002 الكاتب:عادل عون

 - مكتب حركة أمل في طهران

عندما يغيب العظيم عن ساحة اعماله وجهاده تصيح الساحة الا ادركوني بعظيم جديد حتى لا تتعربش على اسواري الطفيليات، ويغشاني الادعياء لكن ولادة العظيم ليست بالامر اليسير ولا تستطيع كل امرأة ان تلد عظيماً متى يريد .. والعظيم ليست له هوية أو وطن، بل الانسانية كلها هويته ووطنه وديدنه وعنوانه.

تلك هي حكايتنا مع الإمام السيد موسى الصدر الذي ساقه إلى لبنان قدر، كذاك الذي عبر عنه القرآن الكريم "وجاء من اقصا المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين".

وكما تسوق ريح سحاباً إلى بلد ميت فتحييه وينبت من كل زوج بهيج.

كان لبنان في فترة من الزمان يبحث في الظلمات عن كوة ينفذ منها اليه النور فجاءه من إيران هذا النور من عيني رجل، كان لبنان قد اتحف إيران منذ عهود بجد من اجداده فجاءه الحفيد بموعد مع الصبح، ورياح لواقع وفكر منفتح، وعمل صالح.

كان لبنان كله ساحة جهاده، حمل حلم المستضعفين، من كل طائفة ومن كل لون ليصنع من انسجة الحلم لباساً من الثورة البيضاء على كل الموروثات البالية من افكار التعصب والخنوع للذل والاستسلام للظالم والبكاء على اطلال الجاهلية، جاء إلى لبنان فرأى بعض رجال الدين يكادون يتحولون إلى كهنوت، فانكر عليهم ذلك من موقعه الديني الذي احدث فيه ثورة على التقليد المتبع ورأى ان عالم الدين هو الجندي الذي لا يفارقه سلاحه بل يبقى يمتشقه للذب عن دينه على اي ساحة من ساحات العمل وعلى أي منبر تسنح الفرصة له من منابر الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي اي موقع من مواقع الجهاد في سبيل الله كما رأى ان رجل الدين لا يقتصر موقعه على المسجد لإمامة المصلين وتعليم احكام الصلاة والوضوء وفقه العبادات واثارة موقف الوعظ والارشاد في ايام الجمعات بل يتعداه إلى الدفاع عن المستضعفين والمحرومين والمظلومين، وإلى معاونة الفقراء والمساكين وإلى مساواة المحرومين وإلى مقارعة الظالمين وإلى مقاومة المحتلين لذلك كان لا بد من تأسيس حركة فاعلة ناشطة على مستوى حقوق الإنسان وفي مجال اعادة كتابة التاريخ وفي جعل السياسة في خدمة الوطن والمواطنين وفي نصرة الناس المظلومين.

انكب عليها يحميها بعمامته وعباءته وفكره ومنبره لتتجلى عن مقاومة تجسد آمال الامة وتحقق مطامح العودة إلى ذرى القدس وحرم الاقصى والقيامة.

لم يكن هم الإمام الصدر دعم المقاومة الفلسطينية فحسب بل كان همه ايضاً انشاء حركة مقاومة على مستوى كل الامة لدعم هذه المقاومة التي كانت حلم الأجيال الفلسطينية والعربية ولاقتلاع هذه الدولة المسخ والغدة السرطانية كما عبر عنها الإمام الراحل الخميني قدس سره التي زرعت في قلب هذا العالم العربي والإسلامي والتي عبر عنها الإمام الصدر بالشر المطلق.

واذا كانت الظروف الاقليمية والاممية لم تكن تسمح بمثل هذه الحركة المقاومة على مستوى كل العالم العربي والإسلامي ... فلتكن مقاومة من لبنان الصغير في قلب هذا العالم ليثبت ان هذا الوطن بفضل وحدة ابنائه وارادة شعبه في الصمود والتحدي هو مصدر الرعب والخطر والهزيمة لهذا العدو الصهيوني. وليثبت كذلك انه ليست هناك شعوب عربية وإسلامية مهزومة وضعيفة، بل عروش مهزومة وحكومات ضعيفة تخاف على مواقعها في السلطة التي قفزت اليها في غفلة من شعوبها، ولانها من صنائع هذا الاستكبار الذي يتربص شراً بالامة وباديانها السماوية.

وهكذا كانت افواج المقاومة اللبنانية "أمل" التي ارادها الإمام الصدر نقطة ضوء في هذا الليل العربي الداج لتكون حركة فاعلة ومؤثرة في موقعها اللبناني، وفي محيطها العربي لكسر ذلك الجمود القائم والمستسلم.

ولما كانت اي حركة تريد الوصول إلى النجاح لا بد لها من ان تبدأ باصلاح نفسها وتدبير بيتها قبل البدء بالآخرين على قاعدة: الأقربون أولى بالمعروف .. وتحت شعار: وانذر عشيرتك الأقربين لذلك وجدنا ان الإمام الصدر قد بدأ مشروع اصلاحه بالبيت الشيعي على المستوى اللبناني. فيعمل على تأسيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى .. الذي اراده بيتاً للطائفة يحمل همومها ومشاكلها لا من منطلق طائفي بل من منطلق لبناني يساهم في مكافحة الحرمان اينما وجد واينما كان ... وحتى يقرن القول بالفعل، بادر سماحته إلى انشاء حركة المحرومين من كل الطوائف اللبنانية .. وهكذا استيقظ لبنان على قائد متنور جاء اماماً إلى مدينة صور ليشغل مكان عالمها المقدس السيد عبد الحسين شرف الدين .. اذا به يمتطي صهوة جواد التغيير كفارس هيجاء قدير وجدير بقيادة حركة فيها من تعاليم الانبياء ونبض حركة الإمام الحسين الشيء الكثير وتستطيع مقاومة الظلم والاحتكار والزعامات المتسلطة. مما حدا ببعضها التي كانت تعيش على اكتاف العمال والفلاحين والفقراء، لأن تنتفض ضده وتوجه اليه الاتهامات المغرضة التي تشكك بدينه وافكاره وحركاته الاصلاحية.

وهكذا انطلق سماحته في هذه الاتجاهات رافضاً الشعارات الطائفية والأفكار الجاهلية والأحاديث الخرافية التي تطفلت على سنة الرسول (ص) وتعاليم الائمة (ع) .. كل ذلك من خلال توحد في اطار الله الواحد .. الذي هو إله الإنسانية جمعاء .. ومن خلال الدعوة إلى كلمة سواء بين الاديان والأمم والشعوب للعمل ضد استكبار والعدوان والشر والجهل والمرض .. ولهذا وجدناه على المستوى الإنساني يؤيد حركات الشعوب من اجل الاستقلال والتحرر والتقدم والازدهار .. يقول: اين ما وجدت قضية حق نحن معها .. وعلى المستوى الإسلامي يطالب بتعاضد القوى الاسلامية النيرة، والعودة إلى روح الإسلام الحنيف الذي جاء به محمد بن عبدالله (ص) صافياً من السماء .. وعلى المستوى العربي يناشد الشعوب العربية بوعي الخطر المحدق بها لتوحيد طاقاتها واستعادة حقوقها المغتصبة خاصة فلسطين التي تتعرض اليوم لأبشع عمليات الاحتلال والقهر والقتل والتدمير والترنسفير..

وعلى المستوى اللبناني يدعو إلى نبذ الطائفية السياسية في الحكم، كما يدعو إلى نبذها في التعامل والوظيفة عملاً بمقولة: وضع الرجل المناسب في المكان المناسب. كما يدعو ايضاً إلى نبذ الطائفية في الخطاب السياسي، طالباً التعامل بالمواطنية الصادقة عملاً بقول الإمام علي (ع): "الناس صنفان اما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق .." ولقد وجدناه في مقارنة اقواله بافعاله ابان الحرب الأهلية في لبنان التي فرضت على ارضه يحاول منع هذه الحرب ثم يعتصم في جامع الصفا في بيروت لمنع الاعتداءات على المقاومة الفلسطينية التي اعتبرها سماحته دائرة الضوء في الليل العربي القاتم ولطالما عبر عن افتدائه لهذه المقاومة بجبته وعمامته.

وبما ان الشجرة الكبيرة التي تعطي الظل والثمر للإنسان والحيوان والطير عادة ما تبدأ ببذرة صغيرة أو غرسة ضعيفة في أرض تخصبها الريح والماء والشمس وتشغفها يد عاملة كريمة تمدها بالرعاية والعناية والسقاية حتى تنمو وتزهر وتعطي اكلها ثماراً شهية، لذلك رأيناه يندفع إلى زرع مؤسسة اجتماعية تعليمية تربوية مهنية على أرض جبل عامل تحمل اسم مؤسسة جبل عامل المهنية ام المؤسسات في هذا الجبل الاشم تتبعها مؤسسات في مناطق أخرى من لبنان تصرخ من الحرمان والقهر.

لم يكن انشاء المؤسسات وحده نهاية المطاف في عمله الخيري وخدماته الاجتماعية، بل بناء الإنسان وتربية الإنسان فيه، كان هماً من همومه، واصلاح المجتمعات والصلح بين العشائر المتقاتلة والعائلات المتنازعة في القرى والمدن العاملية والبقاعية، محاولة منه لنبذ الاحقاد وزرع روح المحبة بين الافراد لمواجهة العدو المتمثل بالجهل والطائفية والعصبية والاحتلال الاسرائيلي، في هذا الجو العابق بروح الاصلاح المشبع باريج المحبة المخضب بالروائع الإنسانية والوطنية والاجتماعية لدى هذه الشخصية القيادية الرائدة، كانت في الخفاء خفافيش الظلام تدبر مؤامرة دنيئة لإخفائه وابعاده عن ساحة جهاده، ان هذه الخفافيش يضرها ان تبرز على ساحة من ساحات العمل المخلص الجاد شخصية قيادية ملهمة تلهب حماس الجماهير اللبنانية والعربية، وتجذب انظارها الباحثة عن الامل الموعود، لان ذلك سيحدث الخلل في التركيبة الاجتماعية لهذه الجماهير التي تعودت التصفيق للأقوال المثيرة الجذابة التي تطال قضاياها الوطنية والسياسية والاجتماعية.

هذه الخفافيش وعلى رأسها الخفاش الاكبر الذي علمها السحر والقفز في الظلام، استطاعت ان تدبر المؤامرة المشؤومة في التاريخ المعاصر، لتخفي الرجل الذي حلمت باطلالة غرته الجماهير وجاءها بموعد مع الصبح المنير الذي تنفس بعد ليل ثقيل، كما اطلت في ايران الإسلام غرة الإمام الخميني (ق.د) الذي استطاع قلب كل المعايير في الثورات الحديثة التي كانت تأكل بعضها بعضاً ويستولي عليها المعسكر الذي تنتهي اليه السلطة ليقتل حلم الجماهير الثائرة بينما استطاع الخميني العظيم ان يجعل من الثورة الإسلامية ثورة الشعب والأمة وثورة كل المستضعفين والمظلومين في الأرض، ليعيد احياء تعاليم السماء وليحمل هم المساكين والفقراء في هذا الزمن العصيب.

ويبقى حلم عودة القائد الإمام السيد موسى الصدر إلى مواطنيه وساحة جهاده يزدهر في الأفق وفي كل قلب وفي عقول الناشئين والمقاومين من اجيالنا الإسلامية الواعدة، لعل هزة او انتفاضة مباركة تحدث عند بعض قوى الخير والصلاح في هذه الأمة لتزيح النقاب عن وجه المؤامرة وتعيد الحق إلى نصابه والعدل إلى محرابه، فتعود ذرى لبنان والجنوب تستنير بعودة القائد الذي طال انتظاره، كما استنارت بانوار الكواكب من المقاومين الذين صنعوا النصر والتحرير، ولا سيما الساحة اليوم احوج ما تكون إلى اطلاله وجهه المتلالئ بالخير والصلاح واضاءات السماء، ليبارك جهاد المقاومين ويقود معهم قافلة التحرير إلى فلسطين.

source