مشروع المقاومة في فكر الإمام الصدر الدفاع عن الجنوب دفاع عن لبنان

calendar icon 01 أيلول 2006 الكاتب:طلال عتريسي

على الرغم من الترابط في أوجه النشاط الديني والسياسي والاجتماعي والوطني الذي قام به الإمام السيد موسى الصدر على امتداد زهاء عقدين من الزمن، الا اننا يمكن ان نميز بين مرحلتين اساسيتين في عمله هذا، المرحلة الأولى التي بدأت مع وصوله في نهاية عام 1959 واستمرت حتى انلاع الحرب الاهلية في نيسان/ ابريل 1975 وفي هذه المرحلة تركزت مقاومة الإمام الصدر وحركته وخطابه التعبوي والتحريضي على رفع الحرمان عن المناطق التي يسكنها الشيعة في لبنان، وعلى رفع الغبن عنهم في التوزيع الطائفي داخل دوائر الدولة وإدارتها الرسمية مقارنة بالطوائف الأخرى. واستناداً إلى نظام توزيع الحصص الطائفية. كما ربط بين هذا الحرمان عن الشيعة وبين إزالة الحرمان عن اللبنانيين كافة الذين يعانونه في أكثر من منطقة. وقد ميز في نشاطه هذا بين خطابين. واحد موجه إلى الجمهور الشيعي الواسع لكي يستعيد ثقته بنفسه وينهض للمطالبة بحقوقه، وآخر موجه إلى الدولة ومسؤوليها وأركان الحكم فيها مطالبا إياهم بتحسس مشكلات الجنوبيين قبل فوات الآوان. مذكراً بما يتعرض له الجنوب من اعتداءات اسرائيلية ومن تهميش على مستوى التنمية بوجوهها كافة التعليمية والصحية والزراعية ... مبيناً بالأرقام والتفاصيل حجم الهدر الذي تم تحت شعارات المشاريع المختلفة في الجنوب على مدى عشرات السنين. وقد كان للمهرجانات الضخمة والحاشدة التي ضمت عشرات الآلاف من المؤيدين التي دعا اليها بين عامي 1970 و1974 في بعلبك وصور وقع سياسي كبير جعل القوى المختلفة في لبنان الرسمية وغير الرسمية داخل الطائفة الشيعية وخارجا تنظر إلى ما جرى بعين القلق والريبة، وذلك خشية الدور الذي بدأ يقوم الإمام الصدر به والموقع الذي احتله على رأس الطائفة الشيعية خاصة وفي لبنان عامة، ما كان يعني عملياً سحب البساط من تحت اقدام الكثير من الشخصيات السياسية ومن رجال الدين من الأحزاب والحركات السياسية المختلفة. وهذا سيعرض الإمام الصدر لاحقاً إلى حملات قاسية ومنظمة من الاتهام والتشكيك ... وعلى الرغم من أولوية الجانب الاجتماعي والسياسي في هذه المرحلة من مشروع الإمام الصدر، أي رفع الحرمان عن الشيعة وتنمية مناطقهم، إلا أنه كان يربط على الدوام بين هذا المشروع وبين حق الشيعة في الدفاع عن أنفسهم وفي مقاومة الاعتداءات الاسرائيلية. وكان يكرر دائماً "لماذا لا يعطون السلاح للجنوبي للدفاع عن بلده؟" إن لبنان مهدد من قبل اسرائيل"، وإن إهمال الجنوب يخدم مصلحة العدو الاسرائيلي"، كما كان يعلن ان الجنوب في خطر وأنه صامد ويحتاج إلى دعم ومساعدة، وأن لا كرامة للبنان ولا سلامة له بدون الجنوب"، والملاحظة المهمة في هذا المجال هي ان مثل هذا الربط أغفلته أحزاب سياسية كبرى كانت تقود الحركة السياسية والحزبية والطلابية في تلك المرحلة، فأغفلت الجنوب، ولم تعر الاحتلال الاسرائيلي اي اهمية، بل اقتصر "نضالها" على الجانب المطلبي الاحتجاجي والنقدي للنظام السياسي في لبنان. أما الملاحظة الاخرى فهي تأكيد الإمام الصدر أن مثل هذا الدفاع ومثل هذه المقاومة اللذين يطالب بهما لن تكونا دفاعاً عن الجنوب بما هو كيان خاص، او منطقة خاصة، بل هو دفاع عن لبنان، بما ان الجنوب هو "جزء من كل". كما كان يكرر دائما (راجع خطابه في بلدة ياطر عام 1974). أي أنه كان يرفض ان يفصل بين الدفاع عن الطائفة وبين الدفاع عن الوطن. أو بين الدفاع عن الجنوب والدفاع عن لبنان، لأنه لا يريد الجنوب هزيلاً او في شكل دويلات بل "نريد جنوباً متمسكاً بلبنان، مرتبطاً بهذه الأمة، موحدا مع العرب، رأس حربه لهم، لا جنوباً هزيلاً مفصولاً، بل نريده جنوباً مانعاً وصخرة تتحطم عليها أحلام إسرائيل، وتكون نواة تحرير فلسطين وطليعة المحاربين ضد اسرائيل ... وقاعدة لتحرير الأراضي المقدسة. أما المستوى الثاني في استراتيجية الإمام الصدر كما عبرت عنها سياسته ومواقفه وحركته، سواء قبل اندلاع الحرب الأهلية او في اثنائها، إلى حين تغييبه، فهو مشروعه لمقاومة اسرائيل. وربما كان من المتعذر بل والمستحيل على الإمام الصدر أن يفصل في مشروعه هذا بين رفع الحرمان عن الشيعة وبين تأمين مستلزمات الصمود والقتال بما أن الجنوب هو مسرح الاعتداءات الاسرائيلية الدائم وهو منطقة المواجهة الممكنة، وهو منطقة الكثافة الشيعية في لبنان. ولهذا كان يقول "الحرمان أن يترك الجنوب لا حماية ولا دفاع".

واذا كانت أولوية الجانب الاجتماعي السياسي قد طغت على المرحلة الأولى من مشروع الإمام الصدر، وأمكن ان نطلق عليها مرحلة بناء الذات ومقاومة الحرمان والغبن الطوائفي الداخلي على الرغم من تحذيره الدائم من الخطر الاسرائيلي والمشروع الصهيوني، فإن المرحلة الثانية التي طغى عليها الاهتمام المباشر بمقاومة الاعتداءات الاسرائيلية، بدأت مع التحولات الاقليمية التي جعلت ساحة الجنوب أكثر سخونة ابتداءً من عام 1970 بعدما نزحت المقاومة الفلسطينية من الأردن إثر معاركها مع الجيش الأردني إلى لبنان واستقرت في جنوبه. وعلى امتداد هذه المرحلة ومن خلال نشاط الإمام السياسي وخطبه ومواقفه، وعلاقاته المحلية والعربية والدولية، يمكن ان نتبين المفاصل الأساسية لمشروع المقاومة في فكر الإمام الصدر، وهي مفاصل، كما سنرى، تمايزت إلى حد الصدام عما كان سائدا من مشاريع في الأوساط الفلسطينية أو في الأوساط اللبنانية المؤيدة لها في تلك المرحلة بين 1970 و1978. ولا شك أن الإمام الصدر دفع ثمناً كبيراً لهذا التمايز وهو في ذروة عمله قبل ان يتم تغييبه.

source