مسيرة قائد

calendar icon 30 آب 2007 الكاتب:بولس مطر

الامام موسى الصدر ظاهرة ثمينة جداً في تاريخ لبنان الحديث. شكّل بحضوره وتعاليمه جسر عبور في أوج الاشكالات التي حصلت في لبنان، والتمزقات التي تعرض اليها الشعب اللبناني، شكّل جسر تلاقٍ بين الناس. انطلق من الفقراء، ودافع عن حقوق الناس ولكن تكلم كلاماً يصغي اليه الجميع. وكانت كلماته دعوة الى صحوة لبنانية حقيقية.
في هذا المعنى السيد موسى الصدر كان بالنسبة للبنان رافعة من اجل تغيير علاقة الناس في بعضهم مع بعض، من اجل وحدتهم. وما لفتنا نحن بصورة خاصة انه ربط بين الاسلام وبين الانسانية، وبين القومية في آن واحد. ربما كان هناك حديث في الماضي يجعل بعض مواجهة تقوم بين القومية والانسانية، بين دين ودين. الشمولية التي ابتغاها السيد موسى الصدر كانت شمولية موفقة بهذا المعنى، اي ان كلامه لم يكن موجهاً الى المسلمين فحسب، بل الى الجميع وكانت نزعته الانسانية واضحة مما جعل الكثيرين يلتفون حول تعاليمه، وما جعل حضوره مميزاً في المجتمع اللبناني.
في الحقيقة كانت الكنائس تفتح له أبوابها، وتفتح له أبوابها بفرح؛ وكان كلامه جامعاً للمسلمين والمسيحيين. عرفنا ذلك وأيدناه في ذلك الزمن لأنه لم يكن فئوياً. صحيح أنه من الطائفة الشيعية الكريمة، ولكنه كان يحرص على ان يتكلم مع الجميع بلغة واحدة. همه ان يكون لبنان ملتقى حضارة. همه لبنان، كل لبنان، في حين كان لبنان يتعطل وكاد ان يتعطل ويتمزق. السيد موسى الصدر دعا الى تخطي كل هذه الحواجز، والناس من حوله كانوا ملتفين من مسلمين ومسيحيين، واصدقاؤه المسيحيون كانوا كثر من مثقفين، واهل القلم، واهل الفكر، واهل الرأي العام واهل الصحافة؛ اي انه في الحقيقة كان معلماً كان معلماً في الوطنية والدين لأنه ميّز امور الدين بين ما هو متعلق بالعبادات ولكل عبادته. لا دخل لأي انسان بعبادات انسان آخر. ولكنه ميز بين العبادات وبين المعاملات. المعاملات تلتقي فيها كل الناس فسماحة الامام علّم بعد المجمع الفاتيكاني الثاني الذي انعقد في الستينات. والامام موسى الصدر علّم بداية في الستينات والسبعينات كما نعرف اي انه تلازم زمناً مع المجمع الفاتيكاني الثاني. المجمع الفاتيكاني الثاني اصدر كلاماً اساسياً في العلاقات التي يجب ان تكون بين المسيحيين والمسلمين. ولأول مرة يُكتب صراحة في تعليم ديني مسيحي عن الاسلام بإيجابية كلية، اننا والمسلمين نعبد الله الواحد، وان المسلمين يؤمنون باليوم الآخر، يكرمون يسوع المسيح كنبيّ، ويكرمون أمه، ولهم اخلاقيتهم ولهم نزعتهم الدينية الصافية. كل هذا الكلام تلاقى مع تعاليم السيد موسى الصدر. ولذلك وُجد المسؤولون في الفاتيكان والامام موسى الصدر في ساحة واحدة، وعلى مساحة واحدة من التقارب. السيد موسى الصدر اراد ان يتلاقى اللبنانيون، واعتصامه وصومه كان من اجل ذلك افضل للعنف كلغة تخاطب بين اللبنانيين. واظن ان هذا الموقف كان جوهرياً لأنه كان أول من لجأ الى هذه الحركة، ليوقظ الناس ويوقظ ضمائرهم. نحن ليس عندنا اليوم من يقوم بهذا العمل لا في المسيحيين ولا في المسلمين.
وربما العودة الى تراث السيد موسى الصدر تكون مفيدة لا بل ضرورية، من اجل ان نرفض هذا الانقسام الذي لا يمنعنا ولو كنا مختلفين ولو كان الناس مختلفين بالمواقف لا يمنعنا ان نكون مواطنين، وان نكون بشراً، وان نكون في مركب واحد يخاطب بعضنا الآخر حتى يتم هذا الحوار . نحن نؤمن بحوار الحياة. وكأن هذا الحوار بات معطلاً، وهذا أمر مؤسف جداً.
موسى الصدر هو دعوةٌ اليوم عن الاقلاع عما يسيء الى ذكراه ويسيء الى الوطن ويمزقه فيما نحن بحاجة الى وحدته الحقيقية. كم تمنينا لو أنه بقي في لبنان لكان رافق النهضة اللبنانية، ولكان ربما وفّر على اللبنانيين دماءً كثيرة لأنه بمنطلقات انسانية كان بذاته دعوة الى نبذ كل هذا الامور وكل هذه الخلافات.

source